فصل: تفسير الآية رقم (174):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (174):

{وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (174)}
{وَكَذَلِكَ نفَصّلُ الايات} أي ذلك التفصيل البليغ المستتبع للمنافع الجليلة نفصلها لا غير ذلك.
{وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} عما هم عليه من الإصرار على الباطل نفعل التفصيل المذكور، وقيل: المعنى ولعلهم يرجعون إلى الميثاق الأول فيذكرونه ويعملون قتضاه نفعل ذلك، وأيًا ما كان فالواو ابتدائية كالتي قبلها، وجوز أن تكون عاطفة على مقدر أي ليقفوا على ما فيها من المرغبات والزواجر، أو ليظهر الحق ولعلهم يرجعون، وقيل: إنها سيف خطيب.
هذا ومن باب الإشارة: قالوا: {وَسْئَلْهُمْ عَنِ القرية} أي عن أهل قرية الجسد وهم الروح والقلب والنفس الأمارة وتوابعها {التى كَانَتْ حَاضِرَةَ البحر} أي مشرفة على شاطئ بحر البشرية {إِذْ يَعْدُونَ فِي السبت} يتجاوزون حدود الله تعالى يوم يحرم عليهم تناول بعض الملاذ النفسانية والعادي من أولئك الأهل إنما هو النفس الأمارة فإنها في مواسم الطاعات والكف عن الشهوات كشهر رمضان مثلًا حريصة على تناول ما نهيت عنه والمرء حريص على ما منع {إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ} وهي الأمور التي نهوا عن تناولها {يَوْمَ سَبْتِهِمْ} الذي أمروا بتعظيمه شرعًا قريبة المأخذ {وَيَوْمَ لاَ يَسْبِتُونَ لاَ تَأْتِيهِمْ} بأن لا يتهيأ لهم ما يريدونه {كذلك نَبْلُوهُم} نعاملهم معاملة من يختبرهم {ا كَانُواْ يَفْسُقُونَ} [الأعراف: 163] أي بسبب فسقهم المستمر طبعًا.
قال بعضهم: ما كان ما قص الله تعالى إلا كحال الإسلاميين من أهل زماننا في اجتماع أنواع الحظوظ النفسانية من المطاعم والمشارب والملاهي والمناكح ظاهرة في الأسواق والمحافل في الأيام المعظمة كالأعياد والأوقات المباركة كأوقات زيارة مشاهد الصالحين المعلومة المشهورة بين الناس {وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مّنْهُمْ} وهي القلب وأتباعه للأمة الواعظة وهي الروح وأتباعها {لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا} وهم النفس الأمارة وقواها {الله مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا} على {قَالُواْ مَعْذِرَةً إلى ربكم} أي نعظهم معذرة إليه تعالى وذلك أنا خلقنا آمرين بالمعروف ناهين عن المنكرة فنريد أن نقضي ما علينا ليظهر أنا ما تغيرنا عن أوصافنا {ولعلهم يتقون} [الأعراف: 164] لأنهم قابلون لذلك بحسب الفطرة فلا نيأس من تقواهم {فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكّرُواْ بِهِ} لغلبة الشقوة عليهم {أَنجَيْنَا الذين يَنْهَوْنَ عَنِ السوء} وهم الروح والقلب واتباعهما فإنهم كلهم نهوا عن ذلك إلا أن بعضهم مل وبعضهم لم يمل {وَأَخَذْنَا الذين ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ} أي شديد وهو عذاب حرمان قبول الفيض {ا كَانُواْ يَفْسُقُونَ} [الأعراف: 165] أي بسبب تماديهم على الخروج عن الطاعة {فَلَمَّا عَتَوْاْ عَن مَّا نُهُواْ عَنْهُ} أي أبوا أن يتركوا ذلك {قُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خاسئين} [الأعراف: 166] أي جعلنا طباعهم كطباعهم وذلك فوق حرمان قبول الفيض {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ} أي اقسم {لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إلى يَوْمِ القيامة} أي قيامتهم {مَن يَسُومُهُمْ} وهو التجلي الجلالي{سُوء العذاب} [الأعراف: 167] وهو عذاب القهر وذل اتباع الشهوات {وقطعناهم} أي فرقنا بني إسرائيل الروح {فِى الأرض} أي أرض البدن {أُمَمًا} جماعات {مّنْهُمُ الصالحون} أي الكاملون في الصلاح كالعقل {وَمِنْهُمْ دُونَ ذلك} فيه كالقلب ومن جعل القلب أكمل من العقل عكس الأمر {وبلوناهم بالحسنات والسيئات} تجليات الجمال والجلال {لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الأعراف: 168] بالفناء إلينا {فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ} وهي النفس وقواها {وَرِثُواْ الكتاب} وهو ما ألهم الله تعالى العقل والقلب {يَأْخُذُونَ عَرَضَ هذا الادنى} وهي الشهوات الدنية واللذات الفانية ويجعلون ما ورثوه ذريعة إلى أخذ ذلك {وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا} ولابد لأنا واصلون كاملون وهذا حال كثير من متصوفة زماننا فإنهم يتهافتون على الشهوات تهافت الفراش على النار ويقولون: إن ذلك لا يضرنا لأنا واصلون.
وحكي عن بعضهم أنه يأكل الحرام الصرف ويقول: إن النفي والإثبات يدفع ضرره وهو خطأ فاحش وضلال بين أعاذنا الله تعالى وإياكم من ذلك. وأعظم منه اعتقاد حل أكل مثل الميتة من غير عذر شرعي لأحدهم ويقول: كل منا بحر والبحر لا ينجس ولا يدري هذا الضال أن من يعتقد ذلك أنجس من الكلب والخنزير. ومنهم يحكي عن بعض الكاملين المكملين من أهل الله تعالى ما يؤيد به دعواه وهو كذب لا أصل له وحاشا ذلك الكامل مما نسب إليه حاشا {وَإِن يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مّثْلُهُ يَأْخُذُوهُ} أي إنهم مصرون على هذا الفعل القبيح {أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِم مّيثَاقُ الكتاب} الوارد فيما ألهمه الله تعالى العقل والقلب {أَن لاَّ يِقُولُواْ عَلَى الله إِلاَّ الحق} فكيف عدلوا عنه {وَدَرَسُواْ مَا فِيهِ} مما فيه رشادهم {والدار الاخرة} المشتملة على اللذات الروحانية {خير للذن يتقون} [الأعراف: 169] عرض هذا الأدنى {والذين يُمَسّكُونَ بالكتاب} أي يتمسكون بما ألهمه الله تعالى العقل والقلب من الحكم والمعارف {والذين يُمَسّكُونَ} ولم يألوا جهدًا في الطاعة {إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ المصلحين} [الأعراف: 170] منهم وأجرهم متفاوت حسب تفاوت الصلاح حتى إنه ليصل إلى ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر {وَإِذ نَتَقْنَا الجبل فَوْقَهُمْ} وهو جبل الأمر الرباني والقهر الإلهي {كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ} غمامة عظيمة {وَظَنُّواْ أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ} إن لم يقبلوا أحكام الله سبحانه: {خُذُواْ مَا ءاتيناكم بِقُوَّةٍ} بجد وعزيمة {واذكروا مَا فِيهِ} من الأسرار {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [الأعراف: 171] تنتظمون في سلك المتقين على اختلاف مراتب تقواهم.
والكلام على قوله سبحانه: {وَإِذْ أَخَذَ} ربك إلخ من هذا الباب يغني عنه ما ذكرناه خلال تفسيره من كلام أهل الله تعالى قدس الله تعالى أسرارهم خلا أنه ذكر بعضهم أن أول ذرة أجابت ببلى ذرة النبي صلى الله عليه وسلم وكذا هي أول مجيب من الأرض لما خاطب الله سبحانه السموات والأرض بقوله جل وعلا: {ائتيا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} [فصلت: 11] وكانت من تربة الكعبة وهي أول ما خلق من الأرض ومنا دحيت كما جاء عن ابن عباس رض الله تعالى عنهما، وكان يقتضي ذلك أن يكون مدفنه صلى الله عليه وسلم كة حيث كانت تربته الشريفة منها، وقد رووا أن المرء يدفن حيث كانت تربته، ولكن قيل: إن الماء لما تموج رمى الزبد إلى النواحي فوقعت درة ذرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى ما يحاذي مدفنه الكريم بالمدينة، ويستفاد من هذا الكلام أنه عليه الصلاة والسلام هو الأصل في التكوين والكائنات تبع له صلى الله عليه وسلم قل: ولكون ذرته أم الخليقة سمي أميًا، وذكر بعضهم أن الباء لكونه أول حرف فتحت الذرة به فمها حين تكلمت لم تزل الأطفال في هذه النشأة ينطقون به في أول أمرهم ولا بدع فكل مولود يولد على الفطرة، قيل: ولعظم ما أودع الله سبحانه وتعالى في الباء من الأسرار افتتح الله تعالى به كتابه بل افتتح كل سورة به لتقدم البسملة المفتتحة به على كل سورة ما عدا التوبة وافتتاحها ببراءة وأول هذه اللفظة الباء أيضًا، ولكون الهمزة وتسمى ألفًا أول حرف قرع أسماعهم في ذلك المشهد كان أول الحروف لكنه لم يظهر في البسملة لسر أشرنا إليه أول الكتاب والله تعالى الهادي إلى صوب الصواب.

.تفسير الآية رقم (175):

{وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آَتَيْنَاهُ آَيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ (175)}
{واتل عَلَيْهِمْ} تعطف على المضمر العامل في {إِذْ أَخَذَ} [الأعراف: 172] وارد على نمط الأنباء عن الحور بعد الكور، أي واقرأ على اليهود أو على قومك كما في الخازن {نَبَأَ الذي ءاتيناه ءاياتنا} أي خبره الذي له شأن وخطر، وهو كما روى ابن مردويه وغيره من طرق عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما بلعم بن باعوراء وفي لفظ بلعام بن باعر وكان من الكنعانيين، وفي رواية عنه. وعن أبي طلحة أنه من بني إسرائل، وأخرج ابن عساكر عن ابن شهاب أنه أمية بن أبي الصلت.
وأخرج أبو الشخ عن الحبر أنه رجل من بني إسرائيل له زوجة تدعى البسوس، وفي رواية أخرى أخرجها ابن أبي حاتم عنه أنه النعمان بن صيفي الراهب، وكونه إسرائيليًا أنسب بالمقام كما لا يخفى، والأشهر أنه بلعام أو بلعم وكان قد أوتي علمًا ببعض كتب الله تعالى، ودون ذلك في الشهرة أنه أمية وكان قد قرأ بعض الكتب {فانسلخ مِنْهَا} أي من تلك الآيات انسلاخ الجلد من الشاة، والمراد أنه خرج منها بالكلية بأن كفر بها ونبذها وراء ظهره، وحقيقة السلخ كشط الجلد وإزالته بالكلية عن المسلوخ عنه، ويقال لكل شيء فارق شيئًا على أتم وجه انسلخ منه، وف التعبير به ما لا يخفى من المبالغة، واستأنس بعضهم بهذه الآية لأن العلم لا ينزع من الرجال حيث قال سبحانه وتعالى: {فانسلخ مِنْهَا} ولم يقل عز شأنه فانسلخت منه {فَأَتْبَعَهُ الشيطان} أي لحقه وأدركه كما قال الراغب بعد أن لم يكن مدركًا له لسبقه بالإيمان والطاعة، وقال الجوهري يقال: أتبعت القوم إذا سبقوك فلحقتهم وكأن المعنى جعلتهم تابعين لي بعد ما كنت تابعًا لهم، وفيه حينئذٍ مبالغة في اللحوق إذ جعل كأنه إمام للشيطان والشيطان يتبعه وهو من الذم كان، ونظيره في ذلك قوله:
وكان فتى من جند إبليس فارتقى ** به الحال حتى صار إبليس من جنده

وصرح بعضهم بأن معناه استتبعه أي جعله تابعًا له، وهو على ما قيل متعد لمفعولين حذف ثانيهما أي أتبعه خطواته. وقرئ {فَأَتْبَعَهُ} من الافتعال {فَكَانَ مِنَ الغاوين} فصار من زمرة الضالين الراسخين في الغواية بعد أن كان مهتديًا، وكيفية ذلك على القول بأنه بلعام أن موسى عليه السلام لما قصد حرب الجبارين أتى قوم بلعام إليه وكان عنده اسم الله تعالى الأعظم فقالوا له: إن موسى عليه الصلاة والسلام رجل حديد وإن معه جنودًا كثيرة وإنه قد جاء ليخرجنا من أرضنا فادع الله تعالى أن يرده عنا، فقال: ويلكم نبي الله تعالى ومعه الملائكة والمؤمنون فكيف أدعو عليهم وأنا أعلم من الله تعالى ما أعلم وإني إن فعلت ذهبت دنياي وآخرتي فألحوا عليه، فقال: حتى أوامر ربي فأتى في المنام وقيل له: لا تفعل فأخبر قومه فأهدوا له هدية فقبلها ولم يزالوا يتضرعون إليه حتى فتنوه فجعل يدعو على موسى عليه الصلاة والسلام وقومه إلا أن الله تعالى جعل يصرف لسانه إلى الدعاء على قومه نفسه، فقالوا له: يا بلعام أتدري ما تصنع إنك تدعو علينا، فقال: هذا أمر قد غلب الله تعالى عليه فاندلع لسانه ووقع على صدره، فقال: يا قوم قد ذهبت مني الدنيا والآخرة ولم يبق إلا المكر والحيلة جملوا النساء وأرسلوهن وأمروهن أن لا يمنعن أنفسهن فإن القوم سفر وإن الله سبحانه وتعالى يبغض الزنا وإن هم وقعوا فيه هلكوا ففعلوا ذلك فافتتن زمرى بن شلوم رأس سبط شمعون بن يعقون بامرأة منهن تسمى كستى بنت صور فنهاه موسى عليه السلام عن الفاحشة فأبى وأدخلها قبته وزنا بها فوقع فيهم الطاعون حتى هلك منهم سبعون ألفًا ولم يرتفع حتى قتلهما فنحاص بن العيزار بن هارون وكان غائبًا أول الأمر.
وعن مقاتل أن ملك البلقاء قال له: ادع الله تعالى على موسى عليه السلام، فقال: إنه من أهل ديني ولا أدعو عليه فنصب له خشبة ليصلبه عليها فدعا بالاسم الأعظم أن لا يدخل الله تعالى موسى عليه السلام المدينة فاستجيب له ووقع بنو إسرائيل في التيه، فقال موسى: يا رب بأي ذنب هذا؟ فقال سبحانه وتعالى: بدعاء بلعام، فقال: رب كما سمعت دعاؤه علي فاسمع دعائي عليه فدعا الله جل شأنه أن ينزع عنه الاسم الأعظم والإيمان فنزع الله تعالى عنه المعرفة وسلخه منها فخرجت من صدره كحمامة بيضاء. ورد هذا بأن التيه كان روحًا وراحة لموسى عليه السلام وإنما عذب به بنو إسرائيل وقد كان ذلك بدعائه عليه السلام، على أن في الدعاء بسلب الإيمان مقالاف، وأنا أعجب لم لم يدع هذا الشقي بالاسم الأعظم الذي كان يعلمه على ملك البلقاء ليخلص من شره؟ ودعا على موسى عليه السلام ما هي إلا جهالة سوداء، وجاء في كلام أبي المعتمر أنه كان قد أوتي النبوة، ويرده أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لا يجوز عليهم الكفر عند أحد من العقلاء وكأن مراده من النبوة ما أوتيه من الآات، وذلك كقوله صلى الله عليه وسلم: «من حفظ القرآن فقد طوى النبوة بين جنبيه». وأخرج ابن المنذر عن مالك بن دينار أنه كان من علماء بني إسرائيل وكان موسى عليه السلام يقدمه في الشدائد ويكرهه وينعم عليه فبعثه إلى ملك مدين دعوهم إلى الله تعالى وكان مجاب الدعوة فترك دين موسى عليه السلام واتبع دين الملك، وهذه الرواية عندي أولى مما تقدم بالقبول، وأما على القول بأنه أمية فهو أنه كان قد قرأ الكتب القديمة وعلم أن الله تعالى مرسل رسولًا فرجًا أن يكون هو ذلك الرسول، فاتفق أن خرج إلى البحرين وتنبأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقام هناك ثماني سنين ثم قدم فلقي رسول الله صلى الله عليه وسلم في جماعة من أصحابه فدعاه إلى الإسلام، وقرأ عليه سورة يس حتى إذا فرغ منها وثب أمية يجر رجليه فتبعته قريش تقول: ما تقول يا أمية؟ فقال: أشهد أنه على الحق قالوا: فهل نتبعه؟ قال: حتى أنظر في أمره فخرج إلى الشام وقدم بعد وقعة بدر يريد أن يسلم فلما أخبر بها ترك الإسلام وقال: لو كان نبيًا ما قتل ذوي قرابته فذهب إلى الطائف ومات به فأتت أخته الفارعة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألها عن وفاته فذكرت له أنه أنشد عند موته:
كل عيش وإن تطاول دهرا ** صائر مرة إلى أن يزولا

ليتني كنت قبل ما قد بدا لي ** في قلال الجبال أرعى الوعولا

إن يوم الحساب يوم عظيم ** شاب فيه الصغير يومًا ثقيلًا

ثم قال لها عليه الصلاة والسلام: أنشديني من شعر أخيك فأنشدته:
لك الحمد والنعماء والفضل ربنا ** ولا شيء أعلى منك جدًا وأمجد

مليك على عرض السماء مهيمن ** لعزته تعنو الوجوه وتسجد

من قصدة طويلة أتت على آخرها، ثم أنشدته قصيدته التي يقول فيها:
وقف الناس للحساب جميعا ** فشقي معذب وسعيد

والتي فيها:
عند ذي العرش يعرضون عله ** يعلم الجهر والسرار الخفيا

يوم يأتي الرحمن وهو رحيم ** إنه كان وعده مأتيا

رب إن تعف فالمعافاة ظني ** أو تعاقب فلم تعاقب بريا

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أخاك آمن شعره وكفر قلبه، وأنزل الله تعالى الآية. وأما على القول بأنه النعمان فهو أنه كان قد ترهب في الجاهلية ولبس المسوح فقدم المدينة فقال للنبي صلى الله عليه وسلم: ما هذا الذي جئت به؟ فقال عليه الصلاة والسلام: الحنيفية دين إبراهيم عليه السلام. قال: فأنا عليها. فقال عليه الصلاة والسلام: لست عليها ولكنك أدخلت فيها ما ليس منها. فقال: أمات الله تعالى الكاذب منا طريدًا وحيدًا، ثم خرج إلى الشام وأرسل إلى المنافقين أن استعدوا السلاح، ثم أتى قيصر وطلب منه جندًا ليخرج النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة فمات بالشام طريدًا وحيدًا.
وأما على القول بأنه زوج البسوس، فقد أخرج ابن أبي حاتم. وأبو الشيخ عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه رجل أعطى ثلاث دعوات مستجابات، وكانت له امرأة تدعى البسوس له منها ولد فقالت: اجعل لي منها واحدة.
قال: فما الذي تريدين؟ قالت: ادع الله تعالى أن يجعلني أجمل امرأة في بني إسرائيل فدعا الله تعالى فجعلها أجمل امرأة فيهم، فلما علمت أن ليس فيهم مثلها رغبت عنه وأرادت شيئًا آخر فدعا الله تعالى أن يجعلها كلبة فصارت كلبة فذهبت دعوتان، فجاء بنوها فقالوا: ليس بنا على هذا قرار قد صارت أمنا كلبة يعيرنا الناس بها فادع الله تعالى أن يردها إلى الحال التي كانت عليها فدعا فعادت كما كانت فذهبت الدعوات الثلاث فيها، ومن هنا يقال: أشأم من البسوس، وفي الخازن أن البسوس اسم لذلك الرجل، وليس بشيء، وهذه الرواية لا يساعد عليها نظم القرآن الكريم كما لا يخفى، والذي نعرفه أن البسوس التي يضرب بها المثل هي بنت منقذ التميمية خالة جساس بن مرة بن ذهل الشيباني قاتل كليب، وفي قصتها طول وقد ذكرها الميداني وغيره.
وعن الحسن. وابن كيسان أن المراد بهذا الذي أوتي الآيات فانسلخ منها منافقو أهل الكتاب الذين كانوا يعرفون النبي صلى الله عليه وسلم كما يعرفون أبناءهم ولم يؤمنوا به صلى الله عليه وسلم إيمانًا صحيحًا، ويبعد ذلك إفراد الموصول وعن قتادة أن هذا مثل لمن عرض عليه الهدى واستعد له فأعرض عنه وأبى أن يقبله، وفيه بعد ومخالفة للروايات المشهورة، وأوهن الأقوال عندي قول أبي مسلم: إن المراد به فرعون والمراد بالآيات الحجج والمعجزات الدالة على صدق موسى عليه السلام، وكأنه قيل: واتل عليهم نبأ فرعون إذ آتيناه الحجج الدالة على صدق موسى عليه السلام فلم يقبلها.