فصل: تفسير الآية رقم (63):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (63):

{وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (63)}
{وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ} مع ما جبلوا عليه كسائر العرب من الحمية والعصبية والانطواء على الضغينة والتهالك على الانتقام بحيث لا يكاد يأتلف فيهم قلبان حتى صاروا بتوفيقه تعالى كنفس واحدة.
وقيل: إن الأنصار وهم الأوس والخزرج كان بينهم من الحروب ما أهلك ساداتهم ودق جماجمهم ولم يكن لبغضائهم أمد وبينهم التجاور الذي يهيج الضغائن ويديم التحاسد والتنافس فأنساهم الله تعالى ما كان بينهم فاتفقوا على الطاعة وتصافوا وصاروا أنصارًا وعادوا أعوانًا وما ذاك إلا بلطيف صنعه تعالى وبليغ قدرته جل وعلا. واعترض هذا القول بأنه ليس في السياق قرينة عليه. وأجيب بأن كون المؤمنين مؤيدًا بهم يشعر بكونهم أنصارًا ولا يخفى ضعفه ولا تجد له أنصارًا، وبالجملة ما وقع من التأليف من أبهر معجزاته عليه الصلاة والسلام {لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأرض جَمِيعًا} أي لتأليف ما بينهم {مَّا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ} لتناهي عداوتهم وقوة أسبابها، والجملة استئناف مقرر لما قبله ومبين لعزة المطلب وصعوبة المأخذ، والخطاب لكل واقف عليه لأنه لا مبالغة في انتفاء ذلك من منفق معين، وذكر القلوب للإشعار بأن التأليف بينها لا يتسنى وإن أمكن التأليف ظاهرًا {ولكن الله} جلت قدرته {أَلَّفَ بَيْنَهُمْ} قلبًا وقالبًا بقدرته البالغة {إِنَّهُ عَزِيزٌ} كامل القدرة والغلبة لا يستعصى عليه سبحانه شيء يما يريد {حَكِيمٌ} يعلم ما يليق تعلق الإرادة به فيوجده قتضى حكمته عز وجل، ومن آثار عزته سبحانه تصرفه بالقلوب الأبية المملوءة من الحمية الجاهلية، ومن آثار حكمته تدبير أمورهم على وجه أحدث فيهم التواد والتحاب فاجتمعت كلمتهم، وصاروا جميعًا كنانة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذابين عنه بقوس واحدة، والجملة على ما قال الطيبي كالتعليل للتأليف هذا.
ومن باب الإشارة في الآيات: {واعلموا أَنَّمَا غَنِمْتُم مّن شَيْء} إلى قوله سبحانه: {والله شَدِيدُ العقاب} [الأنفال: 41- 48] طبقه بعض العارفين على ما في الأنفس فقال: {واعلموا} أي أيها القوى الروحانية {أَنَّمَا غَنِمْتُم مّن شَيْء} من العلوم النافعة {فَأَنَّ للَّهِ خُمُسَهُ} وهي كلمة التوحيد التي هي الأساس الأعظم للدين {وَلِلرَّسُولِ} الخاص وهو القلب {وَلِذِى القربى} الذي هو السر {واليتامى} من القوة النظرية والعملية {والمساكين} من القوى النفسانية {وابن السبيل} الذي هو النفس السالكة الداخلة في الغربة السائحة في منازل السلوك النائية عن مقرها الأصلي باعتبار التوحيد التفصيلي والأخماس الأربعة الباقية بعد هذا الخمس من الغنمية تقسم على الجوارح والأركان والقوى الطبيعية {وَقَالَ موسى ياقوم إِن} تعالى الإيمان الحقيقي جمعًا {وَمَا أَنزَلْنَا على عَبْدِنَا يَوْمَ الفرقان} وقت التفرقة بعد الجمع تفصيلًا {يَوْمَ التقى الجمعان} من فريقي القوى الروحانية والنفسانية عند الرجوع إلى مشاهدة التفصيل في الجمع.
{والله على كُلّ شَيْء قَدِيرٌ} [الأنفال: 41] فيتصرف فيه حسب مشيئته وحكمته {إِذْ أَنتُم بِالْعُدْوَةِ الدنيا} أي القريبة من مدينة العلم ومحل العقل الفرقاني {وَهُم بالعدوة القصوى} أي البعيدة من الحق {والراكب} أي ركب القوى الطبيعية الممتارة {وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ} معشر الفريقين {وَلَوْ تَوَاعَدتُّمْ} اللقاء للمحاربة من طريق العقل دون طريق الرياضة {لاَخْتَلَفْتُمْ فِي الميعاد} لكون ذلك أصعب من خرط القتاد {ولكن لّيَقْضِيَ الله أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا} قدرًا محققًا فعل ذلك {لّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيّنَةٍ} وهي النفس الملازمة للبدن الواجب الفناء {وَيُحْىِ مَنْ حَىَّ عَن بَيّنَةٍ} [الأنفال: 42] وهي الروح المجردة المتصلة بعالم القدس الذي هو معدن الحياة الحقيقية الدائم البقاء، وبينة الأول تلك الملازمة وبينة الثاني ذلك التجرد والاتصال {إِذْ يُرِيكَهُمُ الله} أيها القلب {فِى مَنَامِكَ} وهو وقت تعطل الحواس الظاهرة وهدوء القوى البدنية {قَلِيلًا} أي قليل القدر ضعاف الحال {وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا} في حال غلبة صفات النفس {لَّفَشِلْتُمْ ولتنازعتم فِي الامر} أمر كسرها وقهرها لانجذاب كل منكم إلى جهة {ولكن الله سَلَّمَ} من الفشل والتنازع بتأييده وعصمته {إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصدور} [الأنفال: 43] أي بحقيقتها فيثبت علمه بما فيها من باب الأولى {وَلاَ تَكُونُواْ كالذين خَرَجُواْ مِن ديارهم} وهم القوى النفسانية خرجوا من مقارهم وحدودهم {بَطَرًا} فخرًا وأشرًا {وَرِئَاء الناس} وإظهارًا للجلادة.
وقال بعضهم: حذر الله تعالى بهذه الآية أولياءه عن مشابهة أعدائه في رؤية غيره سبحانه: {وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ الله} [الأنفال: 47] وهو التوحيد والمعرفة {وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشيطان} أي شيطان الوهم {أعمالهم} في التغلب على مملكة القلب وقواه {وَقَالَ لاَ غَالِبَ لَكُمُ اليوم مِنَ الناس} أوهمهم تحقيق أمنيتهم بأن لا غالب لكم من ناس الحواس وكذا سائر القوى {وَإِنّي جَارٌ لَّكُمْ} أمدكم وأقويكم وأمنعكم من ناس القوى الروحانية {فَلَمَّا تَرَاءتِ الفئتان نَكَصَ على عَقِبَيْهِ} لشعوره بحال القوى الروحانية وغلبتها لمناسبته إياها من حيثية إدراك المعاني {وَقَالَ إِنّي بَرِيء مّنْكُمْ} لأني لست من جنسكم {إِنّي أرى مَا لاَ تَرَوْنَ} من المعاني ووصول المدد إليهم من سماء الروح وملكوت عالم القدس {إِنّى أَخَافُ الله} سبحانه لشعور ببعض أنواره وقهره، وذكر الواسطي بناءً على أن المراد من الشيطان الظاهر، أن اللعين ترك ذنب الوسوسة إذ ذاك لكن ترك الذنب إنما يكون حسنًا إذا كان إجلالًا وحياءً من الله تعالى لا خوفًا من البطش فقط وهو لم يخف إلا كذلك {والله شَدِيدُ العقاب} [الأنفال: 48] إذ صفاته الذاتية والفعلية في غاية الكمال اه بأدنى تغيير وزيادة.
وذكر أن الفائدة في مثل هذا التأويل تصوير طريق السلوك للتنشيط في الترقي والعروج {وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الذين كَفَرُواْ} وهم الذين غلبت عليهم صفات النفس {الملائكة} أي ملائكة القهر والعذاب {يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ} لإعراضهم عن عالم الأنوار ومزيد الكبر والعجب {وأدبارهم} لميلهم إلى عالم الطبيعة ومضاعف الشهوة والحرص ويقولون لهم {ذُوقُواْ عَذَابَ الحريق} [الأنفال: 50] وهو عذاب الحرمان وفوات المقصود {ذلك بِأَنَّ الله لَمْ يَكُ مُغَيّرًا نّعْمَةً أَنْعَمَهَا على قَوْمٍ حتى يُغَيّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الأنفال: 53] أي حتى يفسدوا استعدادهم فلا تبقى لهم مناسبة للخير وحينئذٍ يغير سبحانه النعمة إلى النقمة لطلبهم إياها بلسان الاستعداد وإلا فالله تعالى أكرم من أن يسلب نعمة شخص مع بقاء استحقاقها فيه.
{إِنَّ شَرَّ الدواب عِندَ الله الذين كَفَرُواْ} لجهلهم بربهم وعصيانهم له دون سائر الدواب {فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ} [الأنفال: 50] لغلبة شقاوتهم ومزيد عتوهم وغيهم {الذين عاهدت مِنْهُمْ ثُمَّ يَنقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلّ مَرَّةٍ} من مرات المعاهدة لأن ذلك شنشنة فيهم مع مولاهم، ألا ترى كيف نقضوا عهد التوحيد الذي أخذ منهم في منزل: {أَلَسْتَ بِرَبّكُمْ} [الأعراف: 172] {وَهُمْ لاَ يَتَّقُونَ} [الأنفال: 56] العار ولا النار {وَأَعِدُّواْ لَهُمْ مَّا استطعتم مّن قُوَّةٍ} [الأنفال: 60] قال أبو علي الروزباري: القوة هي الثقة بالله تعالى، وقال بعضهم: هي الرمي بسهام التوجه إلى الله تعالى عن قسي الخضوع والاستكانة {هُوَ الذي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ} الذي لم يعهد مثله {وبالمؤمنين} [الأنفال: 62] بجذبها إليه تعالى وتخليصها مما يوجب العداوة والبغضاء، أو لكشفه سبحانه لها عن حجب الغيب حتى تعارفوا فيه والأرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف {لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأرض جَمِيعًا مَّا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ} لصعوبة الأمر وكثافة الحجاب {ولكن الله أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال: 63] والتأليف من آثار ذلك والله تعالى الهادي إلى سواء السبيل.

.تفسير الآية رقم (64):

{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (64)}
{مُّنتَظِرُونَ ياأيها النبى} شروع في بيان كفايته تعالى إياه عليه الصلاة والسلام في جميع أموره وحده أو مع أمور المؤمنين أو في الأمور المتعلقة بالكفار كافة إثر بيان الكفاية في مادة خاصة؛ وتصدير الجملة بحرفي النداء والتنبيه للنداء والتنبيه على الاعتناء ضمونها، وإيراده عليه الصلاة والسلام بعنوان النبوة للإشعار بعلية الحكم كأنه قيل: يا أيها النبي {حَسْبَكَ الله} أي كافيك في جميع أمورك أو فيما بينك وبين الكفرة من الحراب لنبوتك.
{وَمَنِ اتبعك مِنَ المؤمنين} قال الزجاج: في محل النصب على المفعول معه كقوله على بعض الروايات:
فحسبك والضحاك سيف مهند ** إذا كانت الهيجاء واشتجر القنا

وتعقبه أبو حيان بأنه مخالف لكلام سيبويه فإنه جعل زيدًا في قولهم: حسبك وزيدًا درهم منصوبًا بفعل مقدر أي وكفى زيدًا درهم وهو من عطف الجمل عنده انتهى، وأنت تعلم أن سيبويه كما قال ابن تيمية لأبي حيان لما احتج عليه بكلامه حين أنشد له قصيدة فغلطه فيها ليس نبي النحو فيجب اتباعه، وقال الفراء: إنه يقدر نصبه على موضع الكاف، واختاره ابن عطية، وورده السفاقسي بأن إضافته حقيقية لا لفظية فلا محل له اللهم إلا أن يكون من عطف التوهم وفيه ما فيه.
وجوز أن يكون في محل الجر عطفًا على الضمير المجرور وهو جائز عند الكوفيين بدون إعادة الجار ومنعه البصريون بدون ذلك لأنه كجزء الكلمة فلا يعطف عليه، وأن يكون في محل رفع إما على أنه مبتدأ والخبر محذوف أي ومن اتبعك من المؤمنين كذلك أي حسبهم الله تعالى، وإما على أنه خبر مبتدأ محذوف أي وحسبك من اتبعك، وإما على أنه عطف على الاسم الجليل واختاره الكسائي. وغيره. وضعف بأن الواو للجمع ولا يحسن هاهنا كما لم يحسن في ما شاء الله تعالى وشئت والحسن فيه ثم وفي الإخبار ما يدل عليه اللهم إلا أن يقال بالفرق بين وقوع ذلك منه تعالى وبين وقوعه منا. والآية على ما روي عن الكلبي نزلت في البيداء في غزوة بدر قبل القتال، والظاهر شمولها للمهاجرين والأنصار. وعن الزهري أنها نزلت في الأنصار.
وأخرج الطبراني. وغيره عن ابن عباس. وابن المنذر عن ابن جبير. وأبو الشيخ عن ابن المسيب أنها نزلت يوم أسلم عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه مكملًا أربعين مسلمًا ذكورًا وإناثًا هن ست وحينئذٍ تكون مكية.
و{مِنْ} يحتمل أن تكون بيانية وأن تكون تبعيضية وذلك للاختلاف في المراد بالموصول.

.تفسير الآية رقم (65):

{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِئَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ (65)}
{ياأيها النبى حَرّضِ المؤمنين عَلَى القتال} بعد أن بين سبحانه الكفاية أمر جل شأنه نبيه صلى الله عليه وسلم بترتيب بعض مباديها، وتكرير الخطاب على الوجه المذكور لإظهار كمال الاعتناء بشأن المأمور به، والتحريض الحث على الشيء.
وقال الزجاج: هو في اللغة أن يحث الإنسان على شيء حتى يعلم منه أنه حارض أي مقارب للهلاك، وعلى هذا فهو للمبالغة في الحث، وزعم في الدر المصون أن ذلك مستبعد من الزجاج، والحق معه، ويؤيده ما قاله الراغب من أن الحرض يقال لما أشرف على الهلاك والتحريض الحث على الشيء بكثرة التزيين وتسهيل الخطب فيه كأنه في الأصل إزالة الحرض نحو قذيته أزلت عنه القذى ويقال: أحرضته إذا أفسدته نحو أقذيته إذا جعلت فيه القذى، فالمعنى هنا يا أيها النبي بالغ في حث المؤمنين على قتال الكفار.
وجوز أن يكون من تحريض الشخص وهو أن يسميه حرضًا ويقال له: ما أراك إلا حرضًا في هذا الأمر ومحرضًا فيه، ونحوه فسقته أي سميته فاسقًا، فالمعنى سمهم حرضًا وهو من باب التهييج والإلهاب، والمعنى الأول هو الظاهر. وقرئ {حرص} بالصاد المهملة من الحرص وهو واضح.
{القتال إِن يَكُن مّنكُمْ عِشْرُونَ صابرون يَغْلِبُواْ مِاْئَتَيْنِ وَإِن يَكُنْ مّنكُمْ مّاْئَةٌ يَغْلِبُواْ أَلْفًا} شرط في معنى الأمر صابرة الواحد العشرة والوعد بأنهم إن صبروا غلبوا بعون الله تعالى وتأييده، فالجملة خبرية لفظًا إنشائيًا معنى، والمراد ليصبرن الواحد لعشرة وليست بخبر محض، وجعلها الزمخشري عدة من الله تعالى وبشارة وهو ظاهر في كونها خبرية، والآية كما ستعلم قريبًا إن شاء الله تعالى منسوخة، والنسخ في الخبر فيه كلام في الأصول، على أنه قد ذكر الإمام أنه لو كان الكلام خبرًا لزم أن لا يغلب قط مائتان من الكفار عشرين من المؤمنين ومعلوم أنه ليس كذلك، والاعتراض عليه بأن التعليق الشرطي يكفي فيه ترتب الجزاء على الشرط في بعض الأزمان لا في كلها ليس بشيء كما بينه الشهاب، وذكر الشرطية الثانية مع انفهام مضمونها مما قبلها للدلالة على أن الحال مع القلة والكثرة واحدة لا تتفاوت لأن الحال قد تتفاوت بين مقاومة العشرين المائتين والمائة الألف وكذا يقال فيما يأتي. و{يَكُنِ} يحتمل أن يكون تامًا والمرفوع فاعله و{مّنكُمْ} حال منه أو متعلق بالفعل ويحتمل أن يكون ناقصًا والمرفوع اسمه و{مّنكُمْ} خبره، وقوله تعالى: {مّنَ الذين كَفَرُواْ} بيان للألف، وقوله سبحانه: {بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ} متعلق بيغلبوا أي بسبب أنهم قوم جهلة بالله تعالى وباليوم الآخر لا يقاتلون احتسابًا وامتثالًا لأمر الله تعالى وإعلاء لكلمته وابتغاء لرضوانه كما يفعل المؤمنون وإنما يقاتلون للحمية الجاهلية واتباع خطوات الشيطان وإثارة ثائرة البغي والعدوان فلا يستحقون إلا القهر والخذلان، وقال بعضهم: وجه التعليل بما ذكر أن من لا يؤمن بالله تعالى واليوم الآخر لا يؤمن بالمعاد والسعادة عنده ليست إلا هذه الحياة الدنيا فيشح بها ولا يعرضها للزوال زاولة الحروب واقتحام موارد الخطوب فيميل إلى ما فيه السلامة فيفر فيغلب، وأما من اعتقد أن لا سعادة في هذه الحياة الفانية وإنما السعادة هي الحياة الباقية فلا يبالي بهذه الحياة الدنيا ولا يلتفت إليها فيقدم على الجهاد بقلب قوي وعزم صحيح فيقول الواحد من مثله مقام الكثير انتهى.