فصل: تفسير الآية رقم (35):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (35):

{وَقُلْنَا يَا آَدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (35)}
{وَقُلْنَا يا آدم اسكن أَنتَ وَزَوْجُكَ الجنة} عطف على {إِذَ قُلْنَا} [البقرة: 34] بتقدير إذ أو بدونه أو على قلنا والزمان ممتد واسع للقولين، وتصدير الكلام بالنداء لتنبيه المأمور لما يلقى إليه من الأمر وتحريكه لما يخاطب به إذ هو من الأمور التي ينبغي أن يتوجه إليها، و{اسكن} أمر من السكنى عنى اتخاذ المسكن لا من السكون ترك الحركة إذ ينافيه ظاهرًا {حَيْثُ شِئْتُمَا} وذكر متعلقه بدون في وليس كان مبهم و{أَنتَ} توكيد للمستكن في {اسكن}، والمقصود منه بالذات صحة العطف إذ لولاه لزم العطف على الضمير المتصل بلا فصل وهو ممتنع في الفصيح على الصحيح، وإفادة تقرير المتبوع مقصودة تبعًا، وصح العطف مع أن المعطوف لا يباشره فعل الأمر لأنه وقع تابعًا، ويغتفر فيه ما لا يغتفر في المتبوع، وقيل: هناك تغليبان تغليب المخاطب على الغائب والمذكر على المؤنث، ولكون التغليب مجازًا ومعنى السكون والأمر موجودًا فيهما حقيقة خفي الأمر، فأما أن يلتزم أن التغليب قد يكون مجازًا غير لغوي بأن يكون التجوز في الإسناد، أو يقال إنه لغوي لأن صيغة الأمر هنا للمخاطب وقد استعملت في الأعم، وللتخلص عن ذلك قيل: إنه معطوف بتقدير فليسكن، وفيه أنه حينئذ يكون من عطف الجملة على الجملة فلا وجه للتأكيد، والأمر يحتمل أن يكون للإباحة كاصطادوا وأن يكون للوجوب كما أن النهي فيما بعد للتحريم، وإيثاره على اسكنا للتنبيه على أنه عليه السلام المقصد بالحكم في جميع الأوامر وهي تبع له كما أنها في الخلقة كذلك، ولهذا قال بعض المحققين: لا يصح إيراد زوجك بدون العطف بأن يكون منصوبًا على أنه مفعول معه، والجنة في المشهور دار الثواب للمؤمنين يوم القيامة لأنها المتبادرة عند الاطلاق ولسبق ذكرها في السورة، وفي ظواهر الآثار ما يدل عليه، ومنها ما في الصحيح من محاجة آدم وموسى عليهما السلام فهي إذن في السماء حيث شاء الله تعالى منها، وذهب المعتزلة وأبو مسلم الأصفهاني وأناس إلى أنها جنة أخرى خلقها الله تعالى امتحانًا لآدم عليه السلام وكانت بستانًا في الأرض بين فارس وكرمان، وقيل: بأرض عدن، وقيل: بفلسطين كورة بالشام ولم تكن الجنة المعروفة، وحملوا الهبوط على الانتقال من بقعة إلى بقعة كما في {اهبطوا مِصْرًا} [البقرة: 16] أو على ظاهره، ويجوز أن تكون في مكان مرتفع قالوا: لأنه لا نزاع في أنه تعالى خلق آدم في الأرض ولم يذكر في القصة أنه نقله إلى السماء ولو كان نقله إليها لكان أولى بالذكر ولأنه سبحانه قال في شأن تلك الجنة وأهلها {لاَ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلاَ تَأْثِيمًا إِلاَّ قَلِيلًا سلاما سلاما}
[الواقعة: 25، 26] و{لاَّ لَغْوٌ فِيهَا وَلاَ تَأْثِيمٌ} [الطور: 23] {وَمَا هُمْ مّنْهَا خْرَجِينَ} [الحجر: 48] وقد لغا إبليس فيها وكذب وأخرج منها آدم وحواء مع إدخالهما فيها على وجه السكنى لا كإدخال النبي صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج. ولأن جنة الخلد دار للنعيم وراحة وليست بدار تكليف، وقد كلف آدم أن لا يأكل من الشجرة ولان إبليس كان من الكافرين وقد دخلها للوسوسة ولو كانت دار الخلد ما دخلها ولا كاد لأن الأكابر صرحوا بأنه لو جيء بالكافر إلى باب الجنة لتمزق ولم يدخلها لأنه ظلمة وهي نور ودخوله مستترًا في الجنة على ما فيه لا يفيد، ولأنها محل تطهير فكيف يحسن أن يقع فيها العصيان والمخالفة ويحل بها غير المطهرين ولأن أول حمل حواء كان في الجنة على ما في بعض الآثار ولم يرد أن ذلك الطعام اللطيف يتولد منه نطفة هذا الجسد الكثيف، والتزام الجواب عن ذلك كله لا يخلو عن تكلف، والتزام ما لا يلزم وما في حيز المحاجة يمكن حمله على هذه الجنة وكون حملها على ما ذكر يجري مجرى الملاعبة بالدين والمراغمة لإجماع المسلمين غير مسلم، وقيل: كانت في السماء وليست دار الثواب بل هي جنة الخلد، وقيل: كانت غيرهما ويرد ذلك أنه لم يصح أن في السماء بساتين غير بساتين الجنة المعروفة، واحتمال أنها خلقت إذ ذاك ثم اضمحلت مما لا يقدم عليه منصف، وقيل: الكل ممكن والله تعالى على ما يشاء قدير والأدلة متعارضة، فالأحوط والأسلم هو الكف عن تعيينها والقطع به، وإليه مال صاحب «التأويلات»، والذي ذهب إليه بعض سادتنا الصوفية قدس الله تعالى أسرارهم أنها في الأرض عند جبل الياقوت تحت خط الاستواء ويسمونها جنة البرزخ وهي الآن موجودة وإن العارفين يدخلونها اليوم بأرواحهم لا بأجسامهم ولو قالوا: إنها جنة المأوى ظهرت حيث شاء الله تعالى وكيف شاء كما ظهرت لنبينا صلى الله عليه وسلم على ما ورد في الصحيح في عرض حائط المسجد لم يبعد على مشربهم ولو أن قائلًا قال بهذا لقلت به لكن للتفرد في مثل هذه المطالب آفات. وكما اختلف في هذه الجنة اختلف في وقت خلق زوجه عليه السلام، فذكر السدي عن ابن مسعود وابن عباس وناس من الصحابة رضي الله تعالى عنهم أن الله تعالى لما أخرج إبليس من الجنة وأسكنها آدم بقي فيها وحده وما كان معه من يستأنس به قألقى الله تعالى عليه النوم ثم أخذ ضلعًا من جانبه الأيسر ووضع مكانه لحمًا وخلق حواء منه فلما استيقظ وجدها عند رأسه قاعدة فسألها من أنت؟ قالت: امرأة قال ولم خلقت؟ قالت: لتسكن إليّ فقالت الملائكة تجربة لعلمه: من هذه؟ قال: امرأة قالوا: لم سميت امرأة؟ قال: لأنها خلقت من المراء فقالوا: ما اسمها؟ قال: حواء قالوا: لم سميت حواء؟ قال: لأنها خلقت من شيء حي.
وقال كثيرون ولعلي أقول بقولهم إنها خلقت قبل الدخول ودخلا معًا، وظاهر الآية الكريمة يشير إليه وإلا توجه الأمر إلى معدوم وإن كان في علمه تعالى موجودًا، وأيضًا في تقديم {زوجك} على {الجنة} نوع إشارة إليه وفي المثل، الرفيق قبل الطريق. وأيضًا هي مسكن القلب، والجنة مسكن البدن، ومن الحكمة تقديم الأول على الثاني، وأثر السدي على ما فيه مما لا يخفى عليك معارض بما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: بعث الله جندًا من الملائكة فحملوا آدم وحواء على سرير من ذهب كما تحمل الملوك ولباسهما النور حتى أدخلوهما الجنة فإنه كما ترى يدب على خلقها قبل دخول الجنة.
{وَكُلاَ مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا} الضمير المجرور للجنة على حذف مضاف أي من مطاعمها من ثمار وغيرها فلم يحظر عليهما شيئًا إلا ما سيأتي، وأصل كُلاَ أأكلا بهمزتين الأولى للوصل، والثانية فاء الكلمة فحذفت الثانية لاجتماع المثلين حذف شذوذ وأتبعت بالأولى لفوات الغرض، وقيل: حذفا معا لكثرة الاستعمال والرغد بفتح الغين وقرأ النخعي بسكونها الهنيّ الذي لا عناء فيه أو الواسع، يقال: رغد عيش القوم، ورغد بكسر الغين وضمها كنوا في رزق واسع كثير، وأرغد القوم أخصبوا وصاروا في رغد من العيش، ونصبه على أنه نعت لمصدر محذوف، أي أكلًا رغدًا. وقال ابن كيسان: إنه حال بتأويل راغدين مرفهين، وحيث ظرف مكان مبهم لازم للظرفيه، وإعرابها لغة بني فقعس ولا تكون ظرف زمان خلافًا للأخفش، ولا يجزم بها دون ما خلافًا للفراء، ولا تضاف للمفرد خلافًا للكسائي؛ ولا يقال: زيد حيث عمرو خلافًا للكوفيين ويعتقب على آخرها الحركات الثلاث مع الياء والواو والألف ويقال: حايث على قلة وهي هنا متعلقة بِكُلاَ، والمراد بها العموم لقرينة المقام وعدم المرجح أي أيّ مكان من الجنة شئتما وأباح لهما الأكل كذلك إزاحة للعذر في التناول مما حظر، ولم تجعل متعلقة بـ {اسكن}، لأن عموم الأمكنة مستفاد من جعل الجنة مفعولا به له، مع أن التكريم في الأكل من كل ما يريد منها لا في عدم تعيين السكنى ولأن قوله تعالى في آية أخرى: {فَكُلاَ مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا} [الأعراف: 19] يستدعي ما ذكرنا، وكذا قوله سبحانه: {وَلاَ تَقْرَبَا هذه الشجرة فَتَكُونَا مِنَ الظالمين} ظاهر هذا النهي التحريم، والمنهي عنه الأكل من الشجرة، إلا أنه سبحانه نهى عن قربانها مبالغة، ولهذا جعل جل شأنه العصيان المرتب على الأكل مرتبًا عليه، وعدل عن فتأثما إلى التعبير بالظلم الذي يطلق على الكبائر، ولم يكتف بأن يقول: ظالمين، بل قال: {مِنَ الظالمين} بناء على ما ذكروا أن قولك: زيد من العالمين، أبلغ من زيد عالم لجعله غريقًا في العلم إبًا عن جد، وإن قلنا بأن {تكونا} دالة على الدوام ازدادت المبالغة، ومن الناس من قال: لا تقرب بفتح الراء نهي عن التلبس بالشيء وبضمها عنى لا تدن منه، وقال الجوهري: قرب بالضم يقرب قربادنا وقربته بالكسر قربانا دونت منه.
والتاء في {الشجرة} للوحدة الشخصية وهو اللائق قام الازاحة وجاز أن يراد النوع، وعلى التقديرين اللام للجنس كما في الكشف ووقع خلاف في هذه الشجرة، فقيل: الحنطة، وقيل: النخلة، وقيل: شجرة الكافور ونسب إلى علي كرم الله تعالى وجهه وقيل: التين، وقيل: الحنظل، وقيل: شجرة المحبة، وقيل: شجرة الطبيعة والهوى وقيل، وقيل.... والأولى: عدم القطع والتعيين كما أن الله تعالى لم يعينها باسمها في الآية ولا أرى ثمرة في تعيين هذه الشجرة ويقال: فيها شجرة بكسر الشين وشيرة بإبدال الجيم ياءًا مفتوحة مع فتح الشين وكسرها وبكل قرأ بعض، وعن أبي عمرو أنه كره شيرة قائلًا: إن برابر مكة وسودانها يقرؤون بها ولا يخفى ما فيه، والشجر ماله ساق أو كل ما تفرع له أغصان وعيدان، أو أعم من ذلك لقوله تعالى: {شَجَرَةً مّن يَقْطِينٍ} [الصافات: 146] وقوله تعالى: {فَتَكُونَا} إما مجزوم بحذف النون معطوفًا على {تَقْرَبَا} فيكون منهيا عنه وكان على أصل معناها، أو منصوب على أنه جواب للنهي كقوله سبحانه: {وَلاَ تَطْغَوْاْ فِيهِ فَيَحِلَّ} [طه: 81] والنصب باضمار أن عند البصريين وبالفاء نفسها عند الجرمى، وبالخلاف عند الكوفيين وكان حينئذ عنى صار، وأيًا ما كان من تفهم سببية ما تقدم لكونها {من الظالمين} أي الذين ظلموا أنفسهم بارتكاب المعصية أو نقصوا حظوظهم باشرة ما يخل بالكرامة والنعيم أو تعدوا حدود الله تعالى، ولعل القربان المنهي عنه الذي يكون سببًا للظلم المخل بالعصمة هو ما لا يكون مصحوبًا بعذر كالنسيان هنا مثلًا المشار إليه بقوله تعالى: {فَنَسِىَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا} [طه: 115] فلا يستدعي حمل النهي على التحريم، والظلم المقول بالتشكيك على ارتكاب المعصية عدم عصمة آدم عليه السلام بالأكل المقرون بالنسيان وإن ترتب عليه ما ترتب نظرًا إلى أن حسنات الأبرار سيآت المقربين وللسيد أن يخاطب عبده بما شاء، نعم لو كان ذلك غير مقرون بعذر كان ارتكابه حينئذ مخلا ودون إثبات هذا خرط القتاد فإذًا لا دليل في هذه القصة على عدم العصمة، ولا حاجة إلى القول إن ما وقع كان قبل النبوة لا بعدها كما يدعيه المعتزلة القائلون بأن ظهوره مع علمه بالأسماء معجزة على نبوته إذ ذاك. وصدور الذنب قبلها جائز عند أكثر الأصحاب وهو قول أبي هذيل وأبي علي من المعتزلة ولا إلى حمل النهي على التنزيه والظلم على نقص الحظ مثلًا والتزمه غير واحد وقرئ {تَقْرَبَا} بكسر التاء وهي لغة الحجازيين، وقرأ ابن محيض {هذي} بالياء.

.تفسير الآية رقم (36):

{فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (36)}
{فَأَزَلَّهُمَا الشيطان عَنْهَا} أي حملهما على الزلة بسببها، وتحقيقه أصدر زلتهما عنها وعن هذه مثلها في قوله تعالى: {وَمَا كَانَ استغفار إبراهيم لاِبِيهِ إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ} [التوبه: 114] والضمير على هذا للشجرة، وقيل: أزلهما أن أذهبهما، ويعضده قراءة حمزة فأزالهما وهما متقاربان في المعنى غير أن أزلّ يقتضي عثرة مع الزوال والضمير حينئذ للجنة وعوده إلى الشجرة بتجوز، أو تقدير مضاف أي محلها أو إلى الطاعة المفهومة من الكلام بعيد، وإزلاله عليه اللعنة إياهما عليهما السلام كان بكذبه عليهما ومقاسمته على ما قص الله تعالى في كتابه، وفي كيفية توسله إلى ذلك أقوال، فقيل: دخل الجنة ابتلاء لآدم وحواء، وقيل: قام عند الباب فناداهما، وأفسد حالهما، وقيل: تمثل بصورة دابة فدخل ولم يعرفه الخزنة، وقيل: أرسل بعض أتباعه إليهما. وقيل: بينما هما يتفرجان في الجنة إذ راعهما طاووس تجلى لهما على سور الجنة فدنت حواء منه وتبعها آدم فوسوس لهما من وراء الجدار، وقيل: توسل بحية تسورت الجنة ومشهور حكاية الحية وهذان الأخيران يشير أولهما: عند ساداتنا الصوفية إلى توسله من قبل الشهوة خارج الجنة، وثانيهما: إلى توسله بالغضب، وتسور جدار الجنة عندهم إشارة إلى أن الغضب أقرب إلى الأفق الروحاني والحيز القلبي من الشهوة، وقيل: توسله إلى ما توسل إليه إذ ذاك مثل توسله اليوم إلى إذلال من شاء الله تعالى وإضلاله، ولا نعرف من ذلك إلا الهواجس والخواطر التي تفضي إلى ما تفضي، ولا جزم عند كثير من دخول الشيطان في القلب بل لا يعقلونه، ولهذا قالوا: خبر «إن الشيطان يجرى من بني آدم مجرى الدم» محمول على الكناية عن مزيد سلطانه عليهم وانقيادهم له، وكأني بك تختار هذا القول، وقال أبو منصور: ليس لنا البحث عن كيفية ذلك، ولا نقطع القول بلا دليل، وهذا من الانصاف كان، وقرأ ابن مسعود رضي الله تعالى عنه {فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشيطان عَنْهَا} والضمير في هذه القراءة للشجرة لا غير، وعوده إلى الجنة بتضمين الأذهاب ونحو بعيد {فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ} أي من النعيم والكرامة أو من الجنة. والأول: جار على تقدير رجوع ضمير {عَنْهَا} إلى الشجرة أو الجنة والثاني: مخصوص بالتقدير الأول لئلا يسقط الكلام. وقيل: أخرجهما من لباسهما الذي {كَانَا فِيهِ} لأنهما لما أكلاَ تهافت عنهما، وفي الكلام من التفخيم ما لا يخفى {وَقُلْنَا اهبطوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ} الهبوط النزول، وعين المضارع تكسر وتضم، وقال المفضل: هو الخروج من البلد، والدخول فيها من الأضداد ويقال في انحطاط المنزلة والبعض في الأصل مصدر عنى القطع ويطلق على الجزء، وهو ككل ملازم للإضافة لفظًا أو نية ولا تدخل عليه اللام، ويعود عليه الضمير مفردًا ومجموعًا إذا أريد به جمع والعدو من العداوة مجاوزة الحد أو التباعد أو الظلم، ويطلق على الواحد المذكر ومن عداه بلفظ واحد، وقد يقال: أعداء وعدوة والخطاب لآدم وحواء، لقوله تعالى: {قَالَ اهبطا مِنْهَا جَمِيعًا} [طه: 123] والقصة واحدة، وجمع الضمير لتنزيلهما منزلة البشر كلهم، ولما كان في الأمر بالهبوط انحطاط رتبة المأمور لم يفتتحه بالنداء كما افتتح الأمر بالسكنى واختار الفراء أن المخاطب هما وذريتهما وفيه خطاب المعدوم، والمأثور عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ومجاهد وكثير من السلف أنه هما وإبليس واعترض بخروجه قبلهما، وأجيب بأن الإخبار عما قال لهم مفرقًا على أنه لا مانع من المعية وقيل: هم والحية، واعترض بعدم تكليفها، وأجيب بأن الأمر تكويني، والجملة الاسمية منصوبة المحل على الحال المقدرة، والحكم باعتبار الذرية وإذا دخل إبليس والحية كان الأمر أظهر، ولا يرد أنه كيف يقيد الأمر بالتعادي وهو منهى عنه لأنا نقول: بصرف توجه النظر عن القيد كون العداوة طبيعية والأمور الطبيعية غير مكلف بها وإن كلف فبالنظر إلى أسبابها، وإذا جعل الأمر تكوينيًا زال الإشكال إلا أن فيه بعدًا وبعضهم يجعل الجملة مستأنفة على تقدير السؤال فرارًا عن هذا السؤال مع ما في الاكتفاء بالضمير دون الواو في الجملة الاسمية الحالية من المقال، حتى ذهب الفراء إلى شذوذه، وإن كان التحقيق ما ذكره بعض المحققين أن الجملة الحالية لا تخلو من أن تكون من سبب ذي الحال أو أجنبية فإن كانت من سببه لزمها العائد والواو كجاء زيد، وأبوه منطلق إلا ما شذ من نحو كلمته فوه إلى في وإن أجنبية لزمتها الواو نائبة عن العائد، وقد يجمع بينهما كقدم بشر وعمرو قادم إليه وقد جاءت بلا ولا كقوله:
ثم انتصبنا جبال الصغد معرضة ** عن اليسار وعن أيماننا جدد

وقد تكون صفة ذي الحال كـ {تَوَلَّيْتُمْ إِلاَّ قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُّعْرِضُونَ} [البقرة: 38] وهذه يجوز فيها الوجهان باطراد، وما نحن فيه من هذا القبيل فتدبر.
وإفراد العدو إما للنظر إلى لفظ البعض، وإما لأن وزانه وزان المصدر كالقبول، وبه تعلق ما قبله واللام كما في البحر مقوية، وقرأ أبو حيوة {اهبطوا} بضم الباء وهو لغة فيه، وبهذا الأمر نسخ الأمر والنهي السابقان.
{وَلَكُمْ فِي الأرض مُسْتَقَرٌّ ومتاع إلى حِينٍ} أراد بالأرض محل الاهباط، وليس المراد شخصه الذي هو لآدم عليه السلام موضع بجبل سرنديب ولحواء موضع بجدة، ولابليس موضع بالابلة، ولصاحبته موضع بنصيبين أو أصبهان أو سجستان والمستقر اسم مكان أو مصدر ميمي، ويحتمل على بعد كونه اسم مفعول عنى ما استقر ملككم عليه وتصرفكم فيه وأبعد منه احتمال كونه اسم زمان؛ وهو مبتدأ خبره {لَكُمْ} وفيه متعلق بما تعلق به والمتاع البلغة، مأخوذ من متع النهار إذا ارتفع ويطلق على الانتفاع الممتد وقته ولا يختص بالحقير والحين مقدار من الزمان قصيرًا أو طويلًا والمراد هنا إلى وقت الموت وهو القيامة الصغرى وقيل: إلى يوم القيامة الكبرى، وعليه تجعل السكنى في القبر تمتعًا في الأرض، أويجعل الخطاب شاملًا لابليس ويراد الكل المجموعي والجار متعلق تاع، قيل: أو به، وستقر على التنازع أو قدار صفة لمتاع وهذه الجملة كالتي قبلها استئنافًا وحالبة.