فصل: تفسير الآية رقم (61):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (61):

{وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (61)}
{وَمِنْهُمُ الذين يُؤْذُونَ النبى وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ} أخرج ابن أبي حاتم عن السدى أنها نزلت في جماعة من المنافقين منهم. الحلاس بن سويد بن صامت. ورفاعة ابن عبد المنذر. ووديعة بن ثابت. وغيرهم قالوا ما لا ينبغي في حقه عليه الصلاة والسلام فقال رجل منهم: لا تفعلوا فإنا نخاف أن يبلغ محمدًا صلى الله عليه وسلم ما تقولون فيقع بنا. فقال الحلاس: بل نقول ما شئنا ثم نأتيه فيصدقنا بما نقول فإن محمدًا صلى الله عليه وسلم أذن، وفي رواية أذن سامعة، وعن محمد بن إسحاق أنها نزلت في رجل من المنافقين يقال له نبتل بن الحرث، وكان رجلًا آدم أحمر العينين أسفع الخدين مشوه الخلقة وكان ينم حديث النبي صلى الله عليه وسلم إلى المنافقين فقيل له: لا تفعل. فقال: إنما محمد صلى الله عليه وسلم أذن من حدثه شيئًا صدقه نقول شيئًا ثم نأتيه ونحلف له فيصدقنا، وهو الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: «من أراد أن ينظر إلى الشيطان فلينظر إلى نبتل بن الحرث» وأرادوا سوّد الله تعالى وجوههم وأصمهم وأعمى أبصارهم بقولهم أذن أنه عليه الصلاة والسلام يسمع ما يقال له ويصدقه فيكون وصف {أَذِنَ} بما يفيد ذلك في كلامهم كشفًا له، وهي في الأصل اسم للجارحة، وإطلاقها على الشخص بالمعنى المذكور كما يؤيده بعض الروايات من باب المجاز المرسل على ما في المفتاح كإطلاق العين على ربيئة القوم حيث كانت العين هي المقصودة منه، وصرح غير واحد أن ذلك من إطلاق الجزء على الكل للمبالغة كقوله:
إذا ما بدت ليلى فكلى أعين ** وإن هي ناجتني فكلى مسامع

وقيل: إنه مجاز عقلي كرجل عدل وفيه نظر، والمبالغة هنا على ما قيل في أنه يسمع كل قول باعتبار أنه يصدقه لا في مجرد السماع، وما قيل: إن مرادهم بكونه عليه الصلاة والسلام أذنا تصديقه بكل ما يسمع من غير فرق بين ما يليق بالقبول لمساعدة أمارات الصدق له وبين ما لا يليق به فليس من قبيل إطلاق العين على الربيئة. ولذا جعله بعضهم من قبيل التشبيه بالأذن في أنه ليس فيه وراء الاستماع تمييز حق عن باطل ليس بشيء يعتد به وقيل: إنه على تقدير مضاف أي ذو أذن ولا يخفى أنه مذهب لرونقه، وجوز أن يكون {أَذِنَ} صفة مشبهة من أذن يأذن إذنًا إذا استمع وأنشد الجوهري لقعنب:
إن يسمعوا ريبة طاروا بها فرحا ** مني وما سمعوا من صالح دفنوا

صم إذا سمعوا خيرًا ذكرت به ** وإن ذكرت بشر عندهم أذنوا

وعلى هذا هو صفة عنى سميع ولا تجوز فيه وما تأذى به النبي صلى الله عليه وسلم يحتمل أن يكون ما قالوه في حقه عليه الصلاة والسلام من سائر الأقوال الباطلة فيكون قوله سبحانه: {وَيَقُولُونَ} إلخ غير ما تأذى به. ويحتمل أن يكون نفس قولهم {هُوَ أُذُنٌ} فيكون عطف تفسير و{يُؤْذُونَ} مضارع آذاه والمشهور في مصدره أذى وأذاة وأذية وجاء أيضًا الإيذاء كما أثبته الراغب وقول صاحب القاموس ولا تقل إيذاء خطأ منه.
{قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَّكُمْ} من قبيل رجل صدق فهو من إضافة الموصوف إلى الصفات للمبالغة في الجودة والصلاح كأنه قيل: نعم هو إذن ولكن نعم الاذن، ويجوز أن تكون الإضافة على معنى في أي هو أذن في الخير والحق وفيما يجب سماعه وقبوله وليس بأذن في غير ذلك، ويدل عليه قراءة حمزة {وَرَحْمَةً} فيما يأتي بالجر عطفًا على خير فإنه لا يحسن وصف الأذن بالرحمة ويحسن أن يقال أذن في الخير والرحمة، وهذا كما قال ابن المنير أبلغ أسلوب في الرد عليهم لأن فيه اطماعًا لهم بالموافقة على مدعاهم ثم كر عليهم بحسم طمعهم وبت أمنيتهم وهو كالقول الموجب. وقرأ نافع {أَذِنَ} بالتخفيف في الموضعين وقرأ {أَذِنَ} بالتنوين فخير صفة له عنى خير المشدد أو أفعل تفضيل أو مصدر وصف به للمبالغة أو بالتأويل المشهور، وقوله سبحانه: {يُؤْمِنُ بالله} تفسير لكونه عليه الصلاة والسلام أذن خير لهم، أي يصدق بالله تعالى لما قام عنده من الأدلة والآيات الموجبة لذلك، وكون ذلك صفة خير للمخاطبين كما أنه خير للعالمين مما لا يخفى {وَيُؤْمنُ للْمُؤْمنينَذ أي يصدقهم لما علم فيهم من الخلوص، والظاهر أن هذا مندرج في حيز التفسير لكن الغالب من المفسرين لم يبينوا وجهه كونه صفة خير للمخاطبين، نعم قال مولانا الشهاب: إن المعنى هو أذن خير يسمع آيات الله تعالى ودلائله فيصدقها ويسمع قول المؤمنين فيسلمه لهم ويصدقهم به، وهو تعريض بأن المنافقين أذن شر يسمعون آيات الله تعالى ولا ينتفعون بها ويسمعون قول المؤمنين ولا يقبلونه، وأنه صلى الله عليه وسلم لا يسمع قولهم إلا شفقة عليهم لا أنه يقبله لعدم تمييزه عليه الصلاة والسلام كما زعموا، وبهذا يصح وجه التفسير فتدبر انتهى، ولا يخفى أن في إرادة هذا المعنى من هذا المقدار من الآية بعدًا، ورا يقال: إن المراد أنه عليه الصلاة والسلام يسمع قول المؤمنين الخلص ويصدقهم ولا يصدق المنافقين وإن سمع قولهم، وكون ذلك صفة خير للمخاطبين ءما باعتبار أنه قد ينجر إلى إخلاصهم لما أن فيه انحطاط مرتبتهم عن مرتبة المخلصين وإما باعتبار أن تصديقه صلى الله عليه وسلم للمؤمنين الخلص فيما يقولونه من الحق من متممات تصديقه آيات الله تعالى ولا شك في خيرية ذلك للمخاطبين بل ولغيرهم أيضًا فليفهم.
والأيمان في قوله تعالى: {يؤمن بالله} عنى الاعتراف والتصديق كما أشرنا إليه ولذا عدى بالباء، وأما في قوله سبحانه: {وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ} فهو عنى جعلهم في أمان من التكذيب فاللام فيه مزيدة للتقوية لأنه بذلك المعنى متعد بنفسه كذا قيل، وفيه أن الزيادة لتقوية الفعل المتقدم على معموله قلية. وقال الزمخشري: إنه قصد من الإيمان في الأول التصديق بالله تعالى الذي هو نقيض الكفر فعدى بالباء الذي يتعدى بها الكفر حملًا للنقيض على النقيض، وقصد من الإيمان في الثاني السماع من المؤمنين وأن يسلم لهم ما يقولونه ويصدقهم لكونهم صادقين عنده فعدى باللام ألا ترى إلى قوله سبحانه: {وَمَا أَنتَ ؤْمِنٍ لَّنَا وَلَوْ كُنَّا صادقين} [يوسف: 17] حيث عدى الإيمان فيه باللام لأنه عنى التسليم لهم، وظاهر هذا أن اللام ليست مزيدة للتقوية كما في الأول، وكلام بعضهم يشعر ظاهره بزيادتها، وقوله سبحانه: {وَرَحْمَةً} عطف على {أُذُنُ خَيْرٍ} أي وهو رحمة، وفيه الأخبار بالمصدر والكلام في ذلك معلوم {ءامَنُواْ مِنكُمْ والذين} أي للذين أظهروا الإيمان حيث يقبله منهم لكن لا تصديقًا لهم في ذلك بل رفقًا بهم وترحمًا عليهم ولا يكشف أسرارهم ولا يهتك أستارهم.
وظاهر كلام الخازن أن المراد {مّنَ الكتاب يُؤْمِنُونَ} المخلصون وذكر {مّنكُمْ} باعتبار أن المنافقين كانوا يزعمون أنهم مؤمنون والحق حمل ذلك على المنافقين وإسناد الإيمان إليهم بصيغة الفعل بعد نسبته إلى المؤمنين المخلصين بصيغة الفاعل المنبئة عن الرسوخ والاستمرار للإيذان بأن إيمانهم أمر حادث ماله من قرار ولعل العدول عن رحمة لكم إلى ما ذكر للإشارة إلى ذلك. وقرأ ابن أبي عبلة {رَحْمَةً} بالنصب على أنه مفعول له لفعل مقدر دل عليه {أُذُنُ خَيْرٍ} أي يأذن لكم ويسمع رحمة وجوز عطفه على آخر مقدر أي تصديقًا لهم ورحمة لكم {والذين يُؤْذُونَ رَسُولَ الله} أي بأي نوع من الإيذاء كان وفي صيغة الاستقبال المشعرة بترتب الوعيد على الاستمرار على ما هم عليه إشعار بقبول توبتهم {لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} أي بسبب ذلك كما ينبئ عنه بناء الحكم على الموصول وجملة الموصول وخبره مسوق من قبله عز وجل على نهج الوعيد غير داخل تحت الخطاب وفي تكرير الإسناد بإثبات العذاب الأليم لهم ثم جعل الجملة خبرًا ما لا يخفى من المبالغة وإيراده عليه الصلاة والسلام بعنوان الرسالة مع الإضافة إلى الاسم الجليل لغاية التعظيم والتنبيه على أن أذيته عليه الصلاة والسلام راجعة إلى جنابه عز وجل موجبة لكمال السخط والغضب منه سبحانه. وذكر بعضهم أن الأيذاء لا يختص بحال حياته صلى الله عليه وسلم بل يكون بعد وفاته صلى الله عليه وسلم أيضًا وعدوا من ذلك التكلم في أبويه صلى الله عليه وسلم بما لا يليق وكذا إيذاء أهل بيته رضي الله تعالى عنهم كإيذاء يزيد عليه ما يستحق لهم وليس بالبعيد.

.تفسير الآية رقم (62):

{يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ (62)}
{يَحْلِفُونَ بالله لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ} الخطاب للمؤمنين وكان المنافقون يتكلمون بما لا يليق ثم يأتونهم فيعتذرون إليهم ويؤكدون معاذيرهم بالأيمان ليعذروهم ويرضوا عنهم. أخرج ابن المنذر. وابن أبي حاتم عن قتادة قال: ذكر لنا أن رجلًا من المنافقين قال: والله إن هؤلاء لخيارنا وأشرافنا ولئن كان ما يقول محمد صلى الله عليه وسلم حقًا لهم شر من الحمر، فسمعها رجل من المسلمين فقال: والله إن ما يقول محمد صلى الله عليه وسلم لحق ولأنت شر من الحمار، فسعى بها الرجل إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم فأخبره فأرسل إلى الرجل فدعاه فقال: ما حملك على الذي قلت؟ فجعل يلتعن ويحلف بالله تعالى ما قال ذلك وجعل الرجل المسلم يقول: اللهم صدق الصادق وكذب الكاذب فأنزل سبحانه في ذلك: {يَحْلِفُونَ} إلخ أي يحلفون لكم أنهم ما قالوا ما نقل عنهم مما يورث أذاة النبي صلى الله عليه وسلم ليرضوكم بذلك. وعن مقاتل والكلبي أنها نزلت في رهط من المنافقين تخلفوا عن غزوة تبوك فلما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم منها أتوا المؤمنين يعتذرون إليهم من تخلفهم ويعتلون ويحلفون.
وأنكر بعضهم هذا مقتصرًا على الأول ولعله رأى ذلك أوفق بالمقام، وإنما أفرد إرضاءهم بالتعليل مع أن عمدة أغراضهم إرضاء الرسول صلى الله عليه وسلم للإيذان بأن ذلك عزل عن أن يكون وسيلة لإرضائه عليه الصلاة والسلام وأنه صلى الله عليه وسلم إنما لم يكذبهم رفقًا بهم وسترًا لعيوبهم لا عن رضى بما فعلوا وقبول قلبي لما قالوا {وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ} أي أحق بالإرضاء من غيره ولا يكون ذلك إلا بالطاعة والموافقة لأمره وإيفاء حقوقه عليه الصلاة والسلام في باب الإجلال والاعظام حضورًا وغيبة، وأما الإيمان فإنما يرضى بها من انحصر طريق علمه في الأخبار إلى أن يجيء الحق ويزهق الباطل، والجلمة في موضع الحال من ضمير {يحلفون} والمراد ذمهم بالاشتغال فيما لا يعنيهم والاعراض عما يهمهم ويجديهم.
وتوحيد الضمير في {يُرْضُوهُ} مع أن الظاهر بعد العطف بالواو التثنية لأن إرضاء الرسول عليه الصلاة والسلام لا ينفك عن إرضاء الله تعالى و{مَّنْ يُطِعِ الرسول فَقَدْ أَطَاعَ الله} [النساء: 80] فلتلازمهما جعلا كشيء واحد فعاد إليهما الضمير المفرد، أو لأن الضمير مستعار لاسم الإشارة الذي يشار به إلى الواحد والمتعدد بتأويل المذكور، وإنما لم يثن تأدبًا لئلا بجمع بين الله تعالى وغيره في ضمير تثنية: وقد نهى عنه على كلام فيه، أو لأنه عائد إلى رسوله والكلام جملتان حذف خبر الأولى لدلالة خبر الثانية عليه كما في قوله:
نحن بما عندنا وأنت بما ** عندك راض والرأي مختلف

أو إلى الله تعالى على أن المذكور خبر الجملة الأولى وخبر الجملة الثانية محذوف، واختار الأول في مثل ذلك التركيب سيبويه لقرب ما جعل المذكور خبرًا له مع السلامة من الفصل بين المبتدأ والخبر، واختار الثاني المبرد للسبق، وقيل: إن الضمير للرسول عليه الصلاة والسلام والخبر له لا غير ولا حذف في الكلام لأن الكلام في إيذاء الرسول عليه الصلاة والسلام وإرضائه فيكون ذكر الله تعالى تعظيمًا له عليه الصلاة والسلام وتمهيدًا فلذا لم يخبر عنه وخص الخبر بالرسول صلى الله عليه وسلم، ونظيره قوله تعالى: {وَإِذَا دُعُواْ إِلَى الله وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ} [النور: 48] ولا يخفى أن اعتبار الأخبار عن المعطوف وعدم اعتبار خبر للمتدأ المعطوف عليه أصلًا مع أنه المستقل في الابتداء في غاية الغرابة، والفرق بين الآيتين مثل الشمس ظاهر {إِن كَانُواْ مُؤْمِنِينَ} جواب الشرط محذوف يدل عليه ما قبله أي إن كانوا مؤمنين إيمانًا صادقًا في الظاهر والباطن فليرضوا الله تعالى ورسوله عليه الصلاة والسلام بما ذكر فإنهما أحق بالإرضاء.

.تفسير الآية رقم (63):

{أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا ذَلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ (63)}
{أَلَمْ يَعْلَمُواْ} أي أولئك المنافقون، والاستفهام للتوبيخ على ما أقدموا عليه من العظيمة مع علمهم بما سمعوا من الرسول صلى الله عليه وسلم بو خامة عاقبتها. وقرئ {تَعْلَمُواْ} بالتاء على الالتفات لزيادة التقريع والتوبيخ إذا كان الخطاب للمنافقين لا للمؤمنين كما قيل به. وفي قراءة {أَلَمْ تَعْلَمْ} [العلق: 14] والخطاب إما للنبي صلى الله عليه وسلم أو لكل واقف عليه، والعلم يحتمل أن يكون المتعدي لمفعولين وأن يكون المتعدي لواحد {أَنَّهُ} أي الشأن {مَن يُحَادِدِ الله وَرَسُولَهُ} أي يخالف أمر الله وأمر رسوله عليه الصلاة والسلام، وأصل المحادة مفاعلة من الحد عنى الجهة والجانب كالمشاقة من الشق والمعاداة من العدوة عناه أيضًا فإن كان واحد من مباشري كل من الأفعال المذكورة في حد وشق وعدوة غير ما عليه صاحبه، ويحتمل أن تكون من الحد عنى المنع، و{مِنْ} شرطية جوابها قوله سبحانه: {فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ} على أن خبره محذوف أي فحق أن له نار جهنم، وقدر ذلك لأن جواب الشرط لا يكون إلا جملة وأن المفتوحة مع ما في حيزها مفرد تأويلًا، وقدر مقدمًا لأنها لا تقع في ابتداء الكلام كالمكسورة، وجوز أن يكون المقدر خبرًا أي الأمر أن له إلخ، وقيل المراد فله نار جهنم وأن تكرير {ءانٍ} في قوله سبحانه: {أَنَّهُ} توكيدًا قيل: وفيه بحث لأنه لو كان المراد فله وأن توكيدًا لكان نار جهنم مرفوعًا ولم يعمل {ءانٍ} فيه، ولما فصل بين المؤكد والمؤكد بجملة الشرط، ولما وقع أجنبي بين فاء الجزاء وما في حيزه. وأجيب بأنه ليس من باب التوكيد اللفظي بل التكرير لبعد العهد وهو من باب التطرية ومثل ذلك لا يمنع العمل ودخول الفاء. ونظيره قوله تعالى: {إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُواْ السوء بجهالة ثُمَّ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُواْ إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ} [النحل: 119] وقوله:
لقد علم الحي اليمانون أنني ** إذا قلت أما بعد أني خطيبها

وكم وكم. وجعل الآية من هذا الباب نقله سيبويه في الكتاب عن الخليل وهو هو وليس {زَعَمَ} في كلامه تمريضًا له لأنه عادته في كل ما نقله كما بينه شراحه وجوّز أن يكون معطوفًا على {أَنَّهُ} وجواب الشرط محذوف أي ألم يعلموا أنه من يحادد الله ورسوله يهلك فان له إلخ. وحاصله ألم يعلموا هذا وهذا عقيبه ولا يخفى بعده مع أن أبا حيان قال: إنه لا يصح لأنهم نصوا على أن حذف الجواب إنما يكون إذا كان فعل الشرط ماضيًا أو مضارعًا مجزومًا بلم وما هنا ليس كذلك.
وتعقبه بعضهم بأن ما ذكره ليس متفقًا عليه فقد نص ابن هشام على خلافه فكأنه شرط للأكثرية، والقول بأن حق العطف فيما ذكر أن يكون بالواو قال فيه الشهاب ليس بشيء إلا أن استحقاقه النار بسبب المحادة بلا شبهة، وقرئ. {فَانٍ} بالكسر ولا يحتاج إلى توجيه لظهوره، وقوله سبحانه: {خَالِدًا فِيهَا} حال مقدرة من الضمير المجرور ان اعتبر في الظرف ابتداء الاستقرار وحدوثه وانه اعتبر مطلق الاستقرار فالأمر واضح {ذلك} أي ما ذكر من العذاب {الخزى العظيم} أي الذل والهوان المقارن للفضيحة، ولا يخفى ما في الحمل من المبالغة، والجملة تذييل لما سبق.