فصل: تفسير الآية رقم (92):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (92):

{وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ (92)}
{وَلاَ عَلَى الذين إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ} عطف على {المحسنين} [التوبة: 91] كما يؤذن به قوله تعالى الآتي إن شاء الله تعالى: {إِنَّمَا السبيل} [التوبة: 93] إلخ، وهو من عطف الخاص على العام اعتناء بشأنهم وجعلهم كانهم لتميزهم جنس آخر. وقيل: عطف على {الضعفاء} [التوبة: 91] وهم كما قال ابن إسحق وغيره البكاءون وكانوا سبعة نفر من الأنصار وغيرهم من بني عمرو بن عوف: سالم بن عمير. وعلية بن زيد أخو بني حارث. وأبو ليلى عبد الرحمن بن كعب أخو بني مازن بن النجار. وعمرو بن الحمام بن الجموح أخو بني سلمة. وعبد الله بن معقل المزنى. وهرمي بن عبد الله أخو بني واقف. وعرباض بن سارية الفزاري أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستحملوه وكانوا أهل حاجة فقال لهم عليه الصلاة والسلام ما قصه الله تعالى بقوله سبحانه: {قُلْتَ لاَ أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ} فتولوا وهم يبكون كما أخبر سبحانه، والظاهر أنه لم يخرج منهم أحد للغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لكن قال ابن إسحاق: بلغني أن ابن يامين بن عمير بن كعب النضرى لقي أبا ليلى. وابن معقل وهم يبكيان فقال: ما يبكيكما؟ قالا: جئنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليحملنا فلم نجد عنده ما يحملنا عليه وليس عندنا ما نتقوى به على الخروج معه فأعطاهما ناضحًا له فارتحلا وزودهما شيئًا من تمر فخرجا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي بعض الروايات أن الباقين أعينوا على الخروج فخرجوا. وعن مجاهد أنهم بنو مقرن: معقل. وسويد. والنعمان، وقيل: هم أبو موسى الأشعري وأصحابه من أهل اليمن وقيل وقيل: وظاهر الآية يقتضي أنهم طلبوا ما يركبون من الدواب وهو المروى عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما. وأخرج ابن المنذر عن علي بن صالح قال: حدثني مشيخة من جهينة قالوا: أدركنا الذين سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم الحملان فقالوا: ما سألناه إلا الحملان على النعال، ومثل هذا ما أخرجه ابن أبي حاتم. وأبو الشيخ عن إبراهيم بن أدهم عمن حدثه إنه قال: ما سألوه الدواب ما سألوه إلا النعال، وجاء في بعض الروايات إنهم قالوا: احملنا على الخفاف المرقوعة والنعال المخصوفة نغزو معك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال، ومن مال إلى الظاهر المؤيد بما روي عن الحبر قال: تجوز بالخفاف المرقوعة والنعال المخصوفة عن ذي الخف والحافر فكأنهم قالوا: احملنا على ما يتيسر أو المراد احملنا ولو على نعالنا وأخفافنا مبالغة في القناعة ومحبة للذهاب معه عليه الصلاة والسلام.
وأنت تعلم أن ظاهر الخبرين السابقين يبعد ذلك على أنه في نفسه خلاف الظاهر نعم الأخبار المخالفة لظاهر الآية لا يخفى ما فيها على من له اطلاع على مصطلح الحديث ومغايرة هذا الصنف بناءًا على ما يقتضيه الظاهر من أنهم واجدون لما عدا المركب للذين لا يجدون ما ينفقون إذا كان المراد بهم الفقراء الفاقدين للزاد والمركب وغيره ظاهرة وبينهما عموم وخصوص إذا أريد بمن لا يجد النفقة من عدم شيئًا لا يطيق السفر لفقده وإلى الأول ذهب الإملم واختاره كثير من المحققين، واختلف في جواب {إِذَا} فاختار بعض المحققين أنه {قُلْتَ} إلخ فيكون قوله سبحانه: {تَوَلَّوْاْ} إلخ مستأنفًا استئنافًا بيانيًا، وقيل: هو الجواب و{قُلْتَ} مستأنف أو على حذفل حرف العطف أي وقلت أو فقلت وهو معطوف على {أَتَوْكَ} أو في موضع الحال من الكاف في {أَتَوْكَ} وقد مضمرة كما في{جَاءوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ} [النساء: 90] وزمان الاتيان يعتبر واسعًا كيومه وشهره فيكون مع التولي في زمان واحد ويكفي تسببه له وإن اختلف زمانهما كما ذكره الرضى في قولك: إذا جئتني اليوم أكرمتك غدًا أي كان مجيئك سببًا لإكرامك غدًا؛ وفي إيثار {لا أَجِدُ} على ليس عندي من تلطيف الكلام وتطييب قلوب السائلين ما لا يخفى كأنه عليه الصلاة والسلام يطلب ما يسألونه على الاستمرار فلا يجده وذلك هو اللائق بمن هو بالمؤمنين رؤوف رحيم صلى الله عليه وسلم وقوله سبحانه: {وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدمع} في موضع الحال من ضمير {تَوَلَّوْاْ} والفيض انصباب عن امتلاء وهو هنا مجاز عن الامتلاء بعلاقة السببية، والدمع الماء المخصوص ويجوز إبقاء الفيض على حقيقته ويكون إسناده إلى العين مجازًا كجرى النهر والدمع مصدر دمعت العين دمعًا و{مِنْ} للأجل والسبب، وقيل: إنها للبيان وهي مع المجرور في محل نصب على التمييز وهو محول عن الفاعل. وتعقبه أبو حيان بأن التمييز الذي أصله فاعل لا يجوز جره بمن وأيضًا لا يجيز تعريف التمييز إلا الكوفيون. وأجيب عن الأول بأنه منقوض بنحو قوله: عز من قائل وعن الثاني بأنه كفى إجازة الكوفيين، وذكر القطب أن أصل الكلام أعينهم يفيض دمعها ثم أعينهم تفيض دمعًا وهو أبلغ لإسناد الفعل إلى غير الفاعل وجعله تمييزًا سلوكًا لطريق التبيين بعد الإبهام ولأن العين جعلت كأنها دمع فائض ثم {أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدمع} أبلغ مما قبله بواسطة من التجريدية فإنه جعل أعينهم فائضة ثم جرد الأعين الفائضة من الدمع باعتبار الفيض. وتعقب بأن {مِنْ} هنا للبيان لما قد أبهم مما قد يبين جرد التمييز لأن معنى تفيض العين يفيض شيء من أشياء العين كما أن معنى قولك: طاب زيد طاب شيء من أشياء زيد والتمييز رفع إبهام ذلك الشيء فكذا من الدمع فهو في محل نصب على التمييز وحديث التجريد لا ينبغي أن يصدر ممن له معرفة بأساليب الكلام وقد مر بعض الكلام في المائدة على هذه الجملة فتذكر.
وقوله تعالى: {حَزَنًا} نصب على العلية والحزن يستند إلى العين كالفيض فلا يقال: كيف ذاك وفاعل الفيض مغاير لفاعل الحزن ومع مغايرة الفاعل لا نصب، وقيل: جاز ذلك نظرًا إلى المعنى إذ حاصله تولوا وهم يبكون حزنًا وجوز نصبه على الحال من ضمير {تَفِيضُ} أي حزينة وعلى المصدرية لفعل دال عليه ما قبله أي لا تحزن حزنًا والجملة حال أيضًا من الضمير المشار إليه وقد يكون تعلق ذلك على احتمالات بتولوا أي تولوا للحزن أو حزنين أو يحزنون حزنًا {أَلاَّ يَجِدُواْ} على حذف اللام وحذف الجار في مثل ذلك مطرد وهو متعلق بحزنًا كيفما كان، وقيل: لا يجوز تعلقه به إذا كان نصبًا على المصدرية لأن المصدر المؤكد لا يعمل ولعل من قال بالأول يمنع ذلك ويقول: يتوسع في الظرف ما لا يتوسع في غيره وجوز تعلقه بتفيض وقيل: وهذا إذا لم يكن {حَزَنًا} علة له وإلا فلا يجوز لأنه لا يكون لفعل واحد مفعولان لأجله والإبدال خلاف الظاهر أي لئلا يجدوا {مَا يُنْفِقُونَ} في شراء ما يحتاجون إليه في الخروج معك إذا لم يجدوه عندك وهذا بحسب الظاهر يؤيد كون هذا الصنف مندرجًا تحت قوله سبحانه: {وَلاَ عَلَى الذين لاَ يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ} [التوبة: 91].

.تفسير الآية رقم (93):

{إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَاءُ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (93)}
{إِنَّمَا السبيل} أي بالمعاتبة والمعاقبة {عَلَى الذين يَسْتَأْذِنُونَكَ} في التخلف {وَهُمْ أَغْنِيَاء} واجدون للأهبة قادرون على الخروج معك {رَضُواْ} استئناف بياني كأنه قيل: لم استأذنوا أو لم استحقوا ما استحقوا؟ فأجيب بأنهم رضوا {بِأَن يَكُونُواْ مَعَ الخوالف} تقدم معناه {وَطَبَعَ الله على قُلُوبِهِمْ} خذلهم فغفلوا عن سوء العاقبة {فَهُمُ} بسبب ذلك {لاَّ يَعْلَمُونَ} أبدًا وخامة ما رضوا به وما يستتبعه عاجلًا كما لم يعلموا نجاسة شأنه آجلا.

.تفسير الآية رقم (94):

{يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُلْ لَا تَعْتَذِرُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ وَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (94)}
{يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ} بيان لما يتصدون له عند الرجوع إليهم، والخطاب قيل للنبي صلى الله عليه وسلم، والجمع للتعظيم، والأولى أن يكون له عليه الصلاة والسلام ولأصحابه لأنهم كانوا يعتذرون للجميع أي يعتذرون إليكم في التخلف {إِذَا رَجَعْتُمْ} من الغزو منتهين {إِلَيْهِمُ} وإنما لم يقل سبحانه إلى المدينة إيذانًا بأن مدار الاعتذار هو الرجوع إليهم لا الرجوع إلى المدينة فلعل منهم من بادر إلى الاعتذار قبل الرجوع إليها {قُلْ} خطاب له صلى الله عليه وسلم، وخص بذلك لما أن الجواب وظيفته عليه الصلاة والسلام {لاَ تَعْتَذِرُواْ} أي لا تفعلوا الاعتذار أو لا تعتذروا بما عندكم من المعاذير {لَن نُّؤْمِنَ لَكُمْ} استئناف لبيان موجب النهي.
وقوله:{قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ منْ أَخْبَاركُمْ}استئناف لبيان موجب النفي كأنه قيل: لم نهيتمونا عن الاعتذار؟ فقيل: لأنا لم نصدقكم في عذركم فيكون عبثًا فقيل: لم لن تصدقونا؟ فقيل: لأن الله تعالى قد أنبأنا بالوحي بما في ضمائركم من الشر والفساد. و{نَبَأَ} عند جمع متعدية إلى مفعولين الأول الضمير والثاني {مِنْ أَخْبَارِكُمْ} أما لأنه صفة المفعول الثاني، والتقدير جملة من أخباركم أو لأنه عنى بعض أخباركم، وليست {مِنْ} زائدة على مذهب الأخفش من زيادتها في الإيجاب.
وقال بعضهم: إنها متعدية لثلاثة {وَمِنْ أخباركم} ساد مسد مفعولين لأنه عنى إنكم كذا وكذا أو المفعول الثالث محذوف أي واقعًا مثلًا، وتعقب بأن السد المذكور بعيد، وحذف المفعول الثالث إذا ذكر المفعول الثاني في هذا الباب خطأ أو ضعيف، ومعنى {نَبَّأَنَا} على الأول عرفنا كما قيل وعلى الثاني أعلمنا، وقيل: معناه خبرنا، و{مِنْ} عنى عن وليس بشيء، وجمع ضمير المتكلم في الموضعين للمبالغة في حسم اطماع المنافقين المعتذرين رأسًا ببيان عدم رواج اعتذارهم عند أحد من المؤمنين أصلًا فإن تصديق البعض لهم را يطمعهم في تصديق الرسول عليه الصلاة والسلام أيضًا وللإيذان بافتضاحهم بين المؤمنين كافة وتعدية {نُؤْمِنُ} باللام مر بيانها {وَسَيَرَى الله عَمَلَكُمْ} أي سيعلمه سبحانه علمًا يتعلق به الجزاء فالرؤية علمية، والمفعول الثاني محذوف أي أتنيبون عما أنتم فيه من النفاق أم تثبتون عليه، وكأنه لمكان السين المفيدة للتنفيس استتابة وإمهال للتوبة، وتقديم مفعول الرؤية على الفاعل من قوله سبحانه: {وَرَسُولُهُ} للإيذان باختلاف حال الرؤيتين وتفاوتهما وللإشعار بأن مدار الوعيد هو علمه عز وجل بأعمالهم. {ثُمَّ تُرَدُّونَ} يوم القيامة {إلى عالم الغيب والشهادة} للجزاء بما ظهر منكم من الأعمال، ووضع الوصف موضع الضمير لتشديد الوعيد فإن علمه سبحانه بجميع أعمالهم الظاهرة والباطنة وإحاطته بأحوالهم البارزة والكامنة مما يوجب الزجر العظيم، وتقديم الغيب على الشهادة قيل: لتحقيق أن نسبة علمه تعالى المحيط إلى سائر الأشياء السر والعلن واحدة على أبلغ وجه وآكده، كيف لا وعلمه تعالى علوماته منزه عن أن يكون بطريق حصول الصورة بل وجود كل شيء وتحققه في نفسه علم بالنسبة إليه تعالى، وفي هذا المعنى لايختلف الحال بين الأمور البارزة والكامنة انتهى.
ولا يخفى عليك أن هذا قول بكون علمه سبحانه بالأشياء حضوريًا لا حصوليًا. وقد اعترضوا عليه بشمول علمه جل وعلا الممتنعات والمعدومات الممكنة والعلم الحضوري يختص بالموجودات العينية لأنه حضور المعلوم بصورته العينية عند العالم فكيف لا يختلف الحال فيه بين الأمور البارزة والكامنة مع أن الكامنة تشمل المعدومات الممكنة والممتنعة، ولا يتصور فيها التحقق في نفسها حتى يكون علمًا له تعالى كذا قيل وفيه نظر، وتحقيق علم الواجب سبحانه بالأشياء من المباحث المشكلة والمسائل المعضلة التي كم تحيرت فيها أفهام وزلت من العلماء الاعلام أقدام، ولعل النبوة إن شاء الله تعالى تفضي إلى تحقيق ذلك {فَيُنَبّئُكُمْ} عند ردكم إليه سبحانه ووقوفكم بين يديه {ا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} أي بما تعملونه على الاستمرار في الدنيا من الأعمال السيئة السابقة واللاحقة على أن {مَا} موصولة أو بعملأبي كم المستمر على أن {مَا} مصدرية، والمراد من التنبئة بذلك المجازاة عليه، وإيثارها عليها لمراعاة ما سبق من قوله تعالى: {قَدْ نَبَّأَنَا الله} إلخ وللإيذان بأنهم ما كانوا عالمين في الدنيا بحقيقة أعمالهم وإنما يعلمونها يومئذ.

.تفسير الآية رقم (95):

{سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاءً بما كَانُوا يَكْسِبُونَ (95)}
{سَيَحْلِفُونَ بالله لَكُمْ} تأكيدًا لمعاذيرهم الكاذبة وترويجًا لها.
والسين للتأكيد على ما مر، والمحلوف عليه ما يفهم من الكلام وهو ما اعتذروا به الأكاذيب، والجملة بدل من {يعتذرون} [التوبة: 94] أو بيان لهه {إِذَا انقلبتم} من سفركم {إِلَيْهِمُ} والانقلاب هو الرجوع والانصراف مع زيادة معنى الوصول والاستيلاء، وفائدة تقييد حلفهم كما قال بعض المحققين به الإيذان بأنه ليس لرفع ما خاطبهم النبي صلى الله عليه وسلم به من قوله تعالى: {لاَ تَعْتَذِرُواْ} [التوبة: 94] إلخ بل هو أمر مبتدأ {لِتُعْرِضُواْ عَنْهُمْ} فلا تعاتبوهم وتصفحوا عما فرط منهم صفح رضا كما يفصح عنه قوله تعالى: {لِتَرْضَوْاْ عَنْهُمْ} [التوبة: 96] {فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمْ} لكن لا اعراض رضا كما طلبوا بل إعراض اجتناب ومقت كما ينبئ عنه التعليل بقوله سبحانه: {إِنَّهُمْ رِجْسٌ} فانه صريح في أن المراد بالاعراض إما الاجتناب عنهم لما يفهم من القذارة الروحانية وإما ترك استصلاحهم بترك المعاملة المقصود منها التطهير بالحمل على التوبة وهؤلاء أرجاس لا تقبل التطهير، وقيل: إن {لِتُعْرِضُواْ} بتقدير للحذر عن أن تعرضوا على أن الإعراض فيه أعراض مقت أيضًا ولا يخفى أنه تكلف لا يحتاج إليه، وقوله تعالى: {لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ} إما من تمام التعليل فإن كونهم من أهل النار من دواعي الاجتناب عنهم وموجبات ترك استصلاحهم باللوم والعتاب وإما تعليل مستقل أي وكفتهم النار عتابًا على حد عتابه السيف ووعظه الصفع فلا تتكلفوا أنتم بذلك {جَزَاء} نصب على أنه مفعول مطلق مؤكد لفعل مقدر من لفظه وقع حالا أي يجزون جزاء أو لمضمون ما قبله فإنه مفيد لمعنى المجازاة كأنه قيل: مجزيون جزاء {ا كَانُواْ يَكْسِبُونَ} أي بما يكسبونه على سبيل الاستمرار من فنون السيآت في الدنيا أو بكسبهم المستمر لذلك.
وجوز أن يكون مفعولًا له وحالًا من الخبر عند من يرى ذلك.