فصل: تفسير الآية رقم (112):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (112):

{التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآَمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (112)}
{التائبون} نعت للمؤمنين، وقطع لأجل المدح أي هم التائبون ويدل على ذلك قراءة عبد الله. وأبى {التائبين} بالياء على أنه منصوب على المدح أو مجرور على أنه صفة للمؤمنين.
وجوز أن يكون {العظيم التائبون} مبتدأ والخبر محذوف أي من أهل الجنة أيضًا وإن لم يجاهدوا لقوله تعالى: {وَكُلًا وَعَدَ الله الحسنى} [النساء: 95] فإن كلا فيه عام، والحسنى عنى الجنة.
وقيل: الخبر قوله تعالى: {العابدون} وما بعده خبر بعد خبر، وقيل: خبره {الامرون بالمعروف} وقيل: إنه بدل من ضمير {يقاتلون} [التوبة: 111] والأول أظهر إلا أنه يكون الموعود بالجنة عليه هو المجاهد المتصف بهذه الصفات لا كل مجاهد وبذلك يشعر ما أخرجه ابن أبي شيبة. وابن المنذر عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال: الشهيد من كان فيه الخصال التسع وتلا هذه الآية.
وأورد عليه أنه ينافي ذلك ما صح من حديث مسلم من أن من قتل في سبيل الله تعالى وهو صابر محتسب مقبل غير مدبر كفرت خطاياه إلا الدين فإنه ظاهر في أن المجاهد قد لا يكون متصفًا بجميع ما في الآية من الصفات وإلا لا يبقى لتكفير الخطايا وجه، وكأنه من هنا اختار الزجاج كونه مبتدأ والخبر محذوف كما سمعت إذ في الآية عليه تبشير مطلق المجاهدي بما ذكر وهو المفهوم من ظواهر الأخبار. نعم دل كثير منها على أن الفضل الوارد في المجاهدين مختص بمن قاتل لتكون كلمة الله تعالى هي العليا وأن من قاتل للدنيا والسمعة استحق النار. وفي صحيح مسلم ما يقتضي ذلك فليفهم، والمراد من التائبين على ما أخرجه ابن جرير. وابن املنذر. وغيرهما عن الحسن. وقتادة الذين تابوا عن الشرك ولم ينافقوا. وأخرج ابن أبي حاتم. وأبو الشيخ عن الضحاك أنهم الذين تابوا عن الشرك والذنوب، وأيد ذلك بأن التائبين في تقدير الذين تابوا وهو من ألفاظ العموم يتناول كل تائب فتخصيصه بالتائب عن بعض المعاصي تحكم. وأجيب بأن ذكرهم بعد ذكر المنافقين ظاهر في حمل التوبة على التوبة عن الكفر والنفاق، وأيضًا لو حملت التوبة على التوبة عن المعاصي يكون ما ذكر بعد من الصفات غير تام الفائدة مع أن من اتصف بهذه الصفات الظاهر اجتنابه للمعاصي، والمراد من العابدين الذين أتوا بالعباد على وجهها، وقال الحسن: هم الذين عبدوا الله تعالى في أحايينهم كلها أما والله ما هو بشهر ولا شهرين ولا سنة وة سنتين ولكن كما قال العبد الصالح: {وَأَوْصَانِى بالصلاة والزكاة ما دمت حيًا} [مريم: 31] وقال قتادة: هم قوم أخذوا من أبدانهم في ليلهم ونهارهم، {الحامدون} أي الذين يحمدون الله تعالى على كل حال كما روي عن غير واحد من السلف، فالحمد عنى الوصف بالجميل مطلقًا، وقيل: هو عنى الشكر فيكون في مقابلة النعمة أي الحامدون لنعمائه تعالى وأنت تعلم أن الحمد في كل حال أولى وفيه تأس برسول الله صلى الله عليه وسلم: فقد أخرج ابن مردويه.
وأبو الشيخ. والبيهقي في الشعب عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أول من يدعى إلى الجنة الحمادون الذين يحمدون على السراء والضراء» وجاء عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: «كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتاه الأمر يسره قال: الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات وإذا أتاه الأمر يكرهه قال: الحمد لله على كل حال» {السائحون} أي الصائمون، فقد أخرج ابن مردويه عن ابن مسعود. وأبي هريرة رضي الله تعالى عنهم «أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن ذلك فأجاب بما ذكر» وإليه ذهب جلة من الصحابة والتابعين.
وجاء عن عائشة «سياحة هذه الأمة الصيام»، وهو من باب الاستعارة لأن الصوم يعوق عن الشهوات كما أن السياحة تمنع منها في الأكثر، أو لأنه رياضة روحانية ينكشف بها كثير من أحوال الملك والملكوت فشبه الاطلاع عليها بالاطلاع على البلدان والأماكن النائية إذ لا يزال المرتاض يتوصل من مقام إلى مقام ويدخل من مدائن المعارف إلى مدينة بعد أخرى على مطايا الفكر. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد أن السائحين هم المهاجرون ليس في أمة محمد صلى الله عليه وسلم سياحة إلا الهجرة.
وأخرج هو. وأبو الشيخ عن عكرمة أنهم طلبة العلم لأنهم يسيحون في الأرض لطلبه، وقيل: هم المجاهدون لما أخرج الحاكم وصححه. والطبراني. وغيرهما «عن أبي أمامة أن رجلًا استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في السياحة فقال: إن سياحة أمتي الجهاد في سبيل الله تعالى» والمختار ما تقدم كما أشرنا إليه، وإنما لم تحمل السياحة على المعنى المشهور لأنها نوع من الرهبانية، وقد نهى عنها وكانت كما أخرج ابن جرير عن وهب بن منبه في بني إسرائيل {الركعون الساجدون} أي في الصلوات المفروصات كما روي عن الحسن، فالركوع والسجود على معناهما الحقيقي، وجعلهما بعضهم عبارة عن الصلاة لأنهما أعظم أركانهافكأنه قيل: المصلون {الامرون بالمعروف} أي الإيمان {والناهون عَنِ المنكر} أي الشرك كما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما في الأمرين، ولو أبقى لفظ النظم الجليل على عمومه لكان له وجه بل قيل إنه الأولى، والعطف هنا على ما في المغنى إنما كان من جهة إن الأمر والنهي من حيث هما أمر ونهي متقابلان بخلاف بقية الصفات لأن الآمر بالمعروف ناه عن المنكر وهو ترك المعروف والناهي عن المنكر آمر بالمعروف فأشير إلى الاعتداد بكل من الوصفين وأنه لا يكفي فيه ما يحصل في ضمن الآخر، وحاصله على ما قيل: إن العطف لما بينهما من التقابل أو لدفع الايهام.
ووجه بعض المحققين ذلك بأن بينهما تلازمًا في الذهن والخارج لأن الأوامر تتضمن النواهي ومنافاة يحسب الظاهر لأن أحدهما طلب فعل والآخر طلب ترك فكانا بين كمال الاتصال والانقطاع المقتضى للعطف بخلاف ما قبلهما، وقيل: إن العطف للدلالة على أنهما في حكم خصلة واحدة كأنه قيل: الجامعون بين الوصفين، ويرد على ظاهره أن {الركعون الساجدون} في حكم خصلة واحدة أيضًا فكان ينبغي فيهما العطف على ما ذكر إذ معناه الجامعون بين الركوع والسجود ويدفع بأدنى التفات، وإما العطف في قوله سبحانه: {والحافظون لِحُدُودِ الله} أي فيما بينه وعينه من الحقائق والشرائع فقيل للإيذان بأن العدد قد تم بالسباع من حيث أن السبعة هو العدد التام والثامن ابتداء تعداد آخر معطوف عليه ولذلك يسمى واو الثمانية، وإليه مال أبو البقاء. وغيره ممن أثبت واو الثمانية وهو قول ضعيف لم يرضه النحاة كما فصله ابن هشام وسيأتي إن شاء الله تعالى تحقيقه، وقيل: إنه للتنبيه على أن ما قبله مفصل الفضائل وهذا مجملها، يعني أنه من ذكر أمر عام شامل لما قبله وغيره، ومثله يؤتى به معطوفًا نحو زيد وعمرو وسائر قبيلته كرماء فلمغايرته بالإجمال والتفصيل والعموم والخصوص عطف عليه، وقيل: هو عطف عليه، وقيل: هو عطف على ما قبله من الأمر والنهي لأن من لم يصدق فعله قوله لا يجدي أمره نفعًا ولا يفيد نهيه منعا.
وقال بعض المحققين: إن المراد بحفظ الحدود ظاهره وهي إقامة الحد كالقصاص على من استحقه؛ والصفات الأول إلى قوله سبحانه: {والآمرون} صفات محمودة للشخص في نفسه وهذه له باعتبار غيره فلذا تغاير تعبير الصنفين فترك العاطف في القسم الأول وعطف في الثاني، ولما كان لابد من اجتماع الأول في شيء واحد ترك فيها العطف لشدة الاتصال بخلاف هذه فإنه يجوز اختلاف فاعلها ومن تعلقت به، وهذا هو الداعي لاعراب {التائبون العابدون الحامدون السائحون الركعون الساجدون الامرون} خبره فكؤنه قيل: الكاملون في أنفسهم المكملون لغيرهم وقدم الأول لأن المكمل لا يكون مكملا حتى يكون كاملًا في نفسه، وبهذا يتسق النظم أحسن اتساق من غير تكلف وهو وجه وجيه للعطف في البعض وترك العطف في الآخر، خلا أن المأثور عن السلف كابن عباس رضي الله تعالى عنهما. وغيره تفسير الحافظين لحدود الله بالقائمين على طاعته سبحانه وهو مخالف لما في هذا التوجيه ولعل الأمر فيه سهل الله تعالى أعلم راده {وَبَشّرِ المؤمنين} أي هؤلاء الموصوفين بتلك الصفات الجليلة، ووضع المؤمنين موضع ضميرهم للتنبيه على أن ملاك الأمر هو الإيمان وان المؤمن الكامل من كان كذلك، وحذف المبشر به إشارة إلى أنه أمر جليل لا يحيط به نطاق البيان.

.تفسير الآية رقم (113):

{مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (113)}
{مَا كَانَ} أي ما صح في حكم الله عز وجل وحكمته وما استقام {لِلنَّبِىّ والذين ءامَنُواْ} بالله تعالى على الوجه المأمور به {أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ} به سبحانه: {وَلَوْ كَانُواْ} أي المشركون {أُوْلِى قربى} أي ذوي قرابة لهم، وجواب {لَوْ} محذوف لدلالة ما قبله عليه، والجملة معطوفة على جملة أخرى قبلها محذوفة خذفًا مطردًا أي لو لم يكونوا أولى قربى ولو كانوا كذلك {مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ} أي للنبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين {أَنَّهُمْ} أي المشركين {أصحاب الجحيم} بأن ماتوا على الكفر أو نزل الوحي بأنهم مطبوع على قلوبهم لا يؤمنون أصلًا، وفيه دليل على صحة الاستغفار لأحيائهم الذين لا قطع بالطبع على قلوبهم، والمراد منه في حقهم طلب توفيقهم للإيمان، وقيل: إنه يستلزم ذلك بطريق الاقتضاء فلا يقال: إنه لا فائدة في طلب المغفرة للكافر، والآية على الصحيح نزلت في أبي طالب. فقد أخرج أحمد، وابن أبي شيبة. والبخاري. ومسلم. والنسائي. وابن جرير. وابن المنذر. والبيهقي في الدلائل. وآخرون عن المسيب بن حزن قال: لما حضرت أبا طالب الوفاة دخل عليه النبي صلى الله عليه وسلم وعنده أبو جهل. وعبد الله بن أبي أمية فقال النبي عليه الصلاة والسلام: أي عم قل: لا إله إلا الله أحاج لك بها عند الله فقال: أبو جهل: وعبد الله بن أبي أمية: يا أبا طالب أترغب عن ملة عبد المطلب فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرضها عليه وأبو جهل. وعبد الله بن أبي أمية فقال النبي عليه الصلاة والسلام: أي عم قل: لا إله إلا الله أحاج لك بها عند الله فقال: أبو جهل: وعبد الله بن أبي أمية: يا أبا طالب أترغب عن ملة عبد المطلب فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرضها عليه وأبو جهل. وعبد الله يعاودانه بتلك المقالة فقال أبو طالب آخر ما كلمهم: هو على ملة عبد المطلب وأبى أن يقول: لا إله إلا الله فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لأستغفرن لك ما لم أنه عنك فنزلت {مَا كَانَ لِلنَّبِىّ} الآية.
واستبعد ذلك الحسين بن الفضل بأن موت أبي طالب قبل الهجرة بنحو ثلاث سنين وهذه السورة من أواخر ما نزل بالمدينة. قال الواحدي: وهذا الاستبعاد مستبعد فأي بأس أن يقال: كان عليه الصلاة والسلام يستغفر لأبي طالب من ذلك الوقت إلى وقت نزول الآية فإن التشديد مع الكفار إنما ظهر في هذه السورة، وذكر نحوًا من هذا صاحب التقريب، وعليه لا يراد بقوله: فنزلت في الخبر أن النزول كان عقيب القول بل يراد أن ذلك سبب النزول، فالفاء فيه للسببية لا للتعقيب.
واعتمد على هذا التوجيه كثير من جلة العلماء بل يراد أن ذلك سبب النزول، فالفار فيه للسببية لا للتعقيب. واعتمد على هذا التوجيه كثير من جلة العلماء وهو توجيه وجيه، خلا أنه يعكر عليه ما أخرجه ابن سعد. وابن عساكر عن علي كرم الله تعالى وجهه قال: أخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم وت أبي طالب فبكى فقال: «اذهب فغسله وكفنه وواره غفر الله له ورحمه. ففعلت وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يستغفر له أيامًا ولا يخرج من بيته حتى نزل عليه جبريل عليه الصلاة والسلام بهذه الآية {مَا كَانَ لِلنَّبِىّ...} إلخ» فإنه ظاهر في أن النزول قبل الهجرة لأن عدم الخروج من البيت فيه مغيا به، اللهم إلا أن يقال بضعف الحديث لكن لم نر من تعرض له، والأولى في الجواب عن أصل الاستبعاد أن يقال: إن كون هذه السورة من أواخر ما نزل باعتبار الغالب كما تقدم فلا ينافي نزول شيء منها في المدينة. والآية على هذا دليل على أن أبا طالب مات كافرًا وهو المعروف من مذهب أهل السنة والجماعة.
وروى ابن إسحق في سيرته عن العباس بن عبد الله بن معبد عن بعض أهله عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما من خبر طويل: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي طالب في مرض موته وقد طمع فيه: «أي عم فانت فقلها يعني لا إله إلا الله أستحل بها لك الشفاعة يوم القيامة» وحرض عليه عليه الصلاة والسلام بذلك فقال: والله يا ابن أخي لولا مخافة السبة عليك وعلى بني أبيك من بعدي وأن تظن قريش أني إنما قلتها جزعًا من الموت لقلتها ولا أقولها إلا لأسرك بها فلما تقارب من أبي طالب الموت نظر العباس إليه يحرك شفتيه فأصغى إليه بأذنه فقال: يا ابن أخي لقد قال أخى الكلمة التي أمرته أن يقولها فقال له صلى الله عليه وسلم: «لم أسمع» واحتج بهذا ونحوه من أبياته المتضمنة للإقرار بحقية ما جاء به صلى الله عليه وسلم وشدة حنوه عليه ونصرته له صلى الله عليه وسلم الشيعة الذاهبون إلى موته مؤمنًا وقالوا: إنه المروى عن أهل البيت وأهل البيت أدرى. وأنت تعلم قوة دليل الجماعة فالاعتماد على ما روي عن العباس دونه مما تضحك منه الثكلى، والأبيات على انقطاع أسانيدها ليس فيها النطق بالشهادتين وهو مدار فلك الإيمان، وشدة الحنو والنصرة مما لا ينكره أحد إلا أنها عزل عما نحن فيه، وأخبار الشيعة عن أهل البيت أو هن من بيت العنكبوت وإنه لأوهن البيوت.
نعم لا ينبغي للمؤمن الخوض فيه كالخوض في سائر كفار قريش من أبي جهل. وأضرا به فإن له مزية عليهم بما كان يصنعه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من محاسن الأفعال، وقد روى نفع ذلك له في الآخرة أفلا ينفعه في الدنيا في الكف عنه وعدم معاملته معاملة غيره من الكفار. فعن أبي سعيد الخدري أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وقد ذكر عنده عمه: «لعله تنفعه شفاعتي يوم القيامة فيجعل في ضحضاح من نار» وجاء في رواية أنه قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إن عمك أيا طالب كان يحوطك وينصرك فهل ينفعه ذلك؟ فقال: نعم وجدته في غمرات النار فأخرجته إلى ضحضاح من نار. وسبه عندي مذموم جدًا لاسيما إذا كان فيه إيذاء لبعض العلويين إذ قد ورد «لا تؤذوا الأحياء بسبب الأموات ومن حسن إسلام المرء تركه ما لا يعينه».
وزعم بعضهم أن الآية. نزلت في غير ذلك. فقد أخرج البيهقي في الدلائل. وغيره عن ابن سمعود قال: «خرج النبي صلى الله عليه وسلم يومًا إلى المقابر فجاء حتى جلس إلى قبر منها فناجاه طويلًا ثم بكى فبكينا لبكائه ثم قام فصلى ركعتين فقام إليه عمر فدعاه ثم دعانا فقال: إليه عمر فدعاه ثم دعانا فقال: ما أبكاكم؟ قلنا: بكينا لبكائك قال: إن القبر الذي جلست عنده قبر آمنة وإني استأذنت ربي في زيارتها فأذن لي واستأذنته في الاستغفار لها فلم يأذن لي وأنزل على {مَا كَانَ لِلنَّبِىّ} إلخ فأخذني ما يأخذ الولد للوالدة من الرقة فذاك الذي أبكاني» ولا يخفى أن الصحيح في سبب النزول هو الأول. نعم خبر الاستئذان في الاستغفار لأمه عليه الصلاة والسلام وعدم الاذن جاء في رواية صحيحة لكن ليس فيها أن ذلك سبب النزول. فقد أخرج مسلم. وأحمد. وأبو داود. وابن ماجه. والنسائي عن أبي هريرة قال: «أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم قبر أمه فبكى وأبكى من حوله فقال عليه الصلاة والسلام: استأذنت ربي أن أستغفر لها فلم يأذن لي واستأذنت أن أزور قبرها فأذن لي فزوروا القبور فانها تذكركم الموت» واستدل بعضهم بهذا الخبر ونحوه على أن أمه عليه الصلاة والسلام ممن لا يستغفر له، وفي ذلك نزاع شهير بين العلماء، ولعل النوبة تفضي إلى تحقيق الحق فيه إن شاء الله تعالى.