فصل: تفسير الآية رقم (7):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (7):

{لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آَيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ (7)}
{لَّقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ} أي في قصصهم، والظاهر أن المراد بالإخوة هنا ما أريد بالإخوة فيما مر، وذهب جمع إلى أنهم هناك بنو علاته، وجوز أن يراد بهم هاهنا ما يشمل من كان من الأعيان لأن لبنيامين أيضًا حصة من القصة، ويبعده على ما قيل: {قَالُواْ} [يوسف: 8] الآتي {ءايات} علامات عظيمة الشأن دالة على عظيم قدرة الله تعالى القاهرة وحكمته الباهرة {لِّسَّائلينَ} لكل من سأل عن قصتهم وعرفها. أو للطالبين للآيات المعتبرين بها فانهم الواقفون عليها المنتفعون بها دون من عداهم ممن اندرج تحت قوله تعالى: {وَكَأَيّن مِن ءايَةٍ فِي السموات والأرض *يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ} [يوسف: 105] فالمراد بالقصة نفس المقصوص. أو على نبوته عليه الصلاة والسلام الذين سألوه عن قصتهم حسا علمت في بيان سبب النزول فأخبرهم صلى الله عليه وسلم بذلك على ما هو عليه من غير سماع من أحد ولا قراءة كتاب، فالمراد بالقصة اقتصاصها، وجمع الآيات حينئذ قيل: للاشعار بأن اقتصاص كل طائفة من القصة آية بينة كافية في الدلالة على نبوته صلى الله عليه وسلم، وقيل: لتعدد جهة الاعجاز لفظًا ومعنى، وزعم بعض الجلة أن الآية من باب الاكتفاء، والمراد {ءايات} للذين يسألون والذين لا يسألون، ونظير ذلك قوله سبحانه: {سَوَاء لّلسَّائِلِينَ} [فصلت: 10] وحسن ذلك لقوة دلالة الكلام على المحذوف، وقال ابن عطية: إن المراد من السائلين الناس إلا أنه عدل عنه تحضيضًا على تعلم مثل هذه القصة لما فيها من مزيد العبر، وكلا القولين لا يخلو عن بعد.
وقرأ أهل مكة. وابن كثير. ومجاهد آية على الافراد، وفي مصحف أبي عبرة للسائلين.

.تفسير الآية رقم (8):

{إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (8)}
{إِذْ قَالُواْ لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ} بنيامين وتخصيصه بالإضافة لاختصاصه بالأخوة من جانبي الأم والأب وهي أقوى من الأخوة من أحدهما، ولم يذكروه باسمه إشعارًا بأن محبة يعقوب عليه السلام له لأجل شقيقه يوسف عليه السلام، ولذا لم يتعرضوه بشيء مما أوقع بيوسف عليه السلام واللام للابتداء، ويوسف مبتدأ {وَأَخُوهُ} عطف عليه، وقوله سبحانه: {أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا} خبر ومتعلق به وهو أفعل تفضيل من المبني للمفعول شذوذًا ولذا عدى بإلى حسا ذكروا من أن أفعل من الحب والبغض يعدى إلى الفاعل معنى بإلى وإلى المفعول باللام. وفي تقول: زيد أحب إلي من بكر إذا كنت تكثر محبته؛ ولي وفيّ إذا كان يحبك أكثر من غيره، ولم يثن مع أن المخبر عنه به إثنان لأن أفعل من كذا لا يفرق فيه بين الواحد وما فوقه ولا بين المذكر وما يقابله بخلاف أخويه فإن الفرق واجب في المحلى جائز في المضاف إذا أريد تفضيله على المضاف إليه وإذا أريد تفضيله مطلقًا فالفرق لازم، وجيء بلام الابتداء لتحقيق مضمون الجملة وتأكيده أي كثرة حبه لهما أمر ثابت لا شبهة فيه {وَنَحْنُ عُصْبَةٌ} أي والحال أنا جماعة قادرون على خدمته والجد في منفعته دونهما، والعصبة والعصابة على ما نقل عن الفراء: العشرة فما زاد سموا بذلك لأن الأمور تعصب بهم أي تشد فتقوى.
وعن ابن عباس أن العصبة ما زاد على العشرة وفي رواية عنه أنها ما بين العشرة والأربعين، وعن مجاهد أنها من عشرة إلى خمسة عشر.
وعن مقاتل هي عشرة، وعن ابن جبير ستة. أو سبعة، وقيل: ما بين الواحد إلى العشرة، وقيل: إلى خمسة عشر، وعن ابن زيد. والزجاج. وابن قتيبة هي الجماعة مطلقًا ولا واحد لها من لفظها كالنفر والرهط، وقيل: الثلاثة نفر وإذا زادوا فهم رهط إلى التسعة فإذا زادوا فهم عصبة، ولا يقال لأقل من عشرة: عصبة، وروي النزال بن سبرة عن علي كرم الله تعالى وجهه أنه قرأ بنصب {عُصْبَةٌ} فيكون الخبر محذوفًا، وعصبة حال من الضمير فيه أي نجتمع عصبة، وقدر ذلك ليكون في الحال دلالة على الخبر المحذوف لما فيها من معنى الاجتماع.
وزعم ابن المنير أن الكلام على طريقة:
أنا أبو النجم وشعري شعرى

والتقدير ونحن نحن عصبة، وحذف الخبر لمساواته المبتدأ وعدم زيادته عليه لفظًا ففي حذفه خلاص من تكرار اللفظ بعينه مع دلالة السياق على المحذوف، ولا غرو في وقوع الحال بعد نحن لأنه بالتقدير المذكور كلام تام فيه من الفخامة ما فيه وقدر في {هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ}
[هود: 78] على قراءة النصب مثل ذلك، وفيه أن الفخامة إنما تجيء من التكرار فلا يجوز الحذف على أن الدلالة على المحذوف غير بينة.
وعن ابن الأنباري أن ذلك كما تقول العرب: إنما العامري عمته أي يتعهد ذلك، والدال على المحذوف فيه عمته فإن الفعلة للحالة التي يستمر عليها الشخص فيلزم لا محالة تعهده لها، والأولى أن يعتبر نظير قول الفرزدق:
يا لهذم حكمك مسمطًا

فإنه أراد كما قال المبرد:
حكمك لك مسمطا

أي مثبت نافذ غير مردود، وقد شاع هذا فيما بينهم لكن ذكروا أن فيه شذوًا من وجهين، والآية على قراءة الأمير كرم الله تعالى وجهه أكثر شذوذًا منه كما لا يخفى على المتدرب في علم العربية {إِنَّ أَبَانَا} أي في ترجيحهما علينا في المحبة مع فضلنا عليهما وكونهما عزل عن كفاية الأمور {لَفِى ضلال} أي خطأ في الرأي وذهاب عن طريق التعديل اللائق من تنزيل كل منا منزلته {مُّبِينٌ} ظاهر الحال، وجعل الضلال ظرفًا لتمكنه فيه، ووصفه بالمبين إشارة إلى أن ذلك غير مناسب له بزعمهم والتأكيد لمزيد الاعتناء، يروى أنه عليه السلام كان أحب إليه لما يرى فيه من أن المخايل وكانت إخوته يحسدونه فلما رأص الرؤيا تضاعفت له المحبة فكان لا يصبر عنه ويضمه كل ساعة إلى صدره ولعله أحس قببه بالفراق فتضاعفت لذلك حسدهم حتى حملهم على ما قص الله تعالى عنهم، وقال بعضهم: إن سبب زيادة حبه عليه السلام ليوسف وأخيه صغرهما وموت أمهما، وحب الصغير أمر مركوز في فطرة البشر فقد قيل: لابنة الحسن: أي بنيك أحب إليك؟ قالت: الصغيرحتى يكبر. والغائب حتى يقدم. والمريض حتى يشفى، وقد نظم بعض الشعراء في محبة الولد الصغير قديمًا وحديثًا، ومن ذلك ما قاله الوزير أبو مروان عبد الملك بن إدريس الجزيري من قصيدة بعث بها إلى أولاده وهو في السجن:
وصغيرهم عبد العزيز فانني ** أطوى لفرقته جوى لم يصغر

ذاك المقدم في الفؤاد وإن غدا ** كفأ لكم في المنتمي والعنصر

إن البنان الخمس أكفاء معا ** والحلى دون جميعها للخنصر

وإذا الفتى فقد الشباب سماله ** حب البنين ولا كحب الأصغر

وفيه أن منشأ زيادة الحب لو كانت ما ذكر لكان بنيامين أوفر حظًا في ذلك لأنه أصغر يوسف عليه السلام كما يدل عليه قولهم: إن أمهما ماتت في نفاسه، والآية كما أشرنا إليه مسيرة إلى أن محبته لأجل شقيقه يوسف فالذي ينبغي أن يعول عليه أنه عليه السلام إنما أحبه أكثر منهم لما رأى فيه من مخايل الخير ما لم ير فيهم وزاد ذلك الحب بعد الرؤيا لتأكيدها تلك الامارات عنده ولا لوم على الوالد تفضيله بعض ولده على بعض في المحبة لمثل ذلك، وقد صرح غير واحد أن المحبة ليست مما تدخل تحت وسع البشر والمرء معذور فيما لم يدخل تحته، نعم ظن أبناؤه أن ما كان منه عليه السلام إنما كان عن اجتهاد وأنه قد أخطأ في ذلك والمجتهد يخطئ ويصيب وإن كان نبيًا، وبهذا ينحل ما قيل: إنهم إن كانوا قد آمنوا بكون أبيهم رسولًا حقًا من عند الله تعالى فكيف اعترضوا وكيف زيفوا طريقته وطعنوا فيما هو عليه، وإن كانوا مكذبين بذلك فهو يوجب كفرهم والعياذ بالله تعالى وهو مما لم يقل به أحد ووجه الانحلال ظاهر.

.تفسير الآية رقم (9):

{اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ (9)}
{اقتلوا يُوسُفَ أَوِ اطرحوه أَرْضًا} الظاهر أن هذا من جملة ما حكى بعد قوله سبحانه: {إِذْ قَالُواْ} [يوسف: 8] وقد قاله بعض منهم مخاطبًا للباقين وكانوا راضين بذلك إلا من قال: {لاَ تَقْتُلُواْ} [يوسف: 10] إلخ، ويحتمل أنه قاله كل منهم مخاطبًا للبقية، والاستثناء هو الاستثناء، وزعم بعضهم أن القائل رجل غيرهم شاوروه في ذلك وهو خلاف الظاهر ولا ثبت له، والظاهر أن القائل خيرهم بين الأمرين القتل والطرح.
وجوز أن يكون المراد قال بعض: {اقتلوا يُوسُفَ} وبعض {اطرحوه} والطرح رمي الشيء وإلقاؤه، ويقال: طرحت الشيء أبعدته، ومنه قول عروة بن الورد:
ومن يك مثلي ذا عيال ومقترا ** من المال يطرح نفسه كل مطرح

ونصب {أَرْضًا} على إسقاط حرف الجر كما ذهب إليه الحوفي. وابن عطية أي ألقوه في أرض بعيدة عن الأرض التي هو فيها، وقيل: نصب على أنه مفعول ثان لاطرحوه لتضمينه معنى أنزلوه فهو كقوله تعالى: {أَنزِلْنِى مُنزَلًا مُّبَارَكًا} [المؤمنون: 29]، وقيل: منصوب على الظرفية، ورده ابن عطية. وغيره بأن ما ينتصب على الظرفية المكانية لا يكون إلا مبهمًا وحيث كان المراد أرضًا بعيدة عن أرضه لم يكن هناك إبهام، ودفع بما لا يخلو عن نظر، وحاصل المعنى اقتلوه أو غربوه فإن التغريب كالقتل في حصول المقصود مع السلامة من إثمه، ولعمري لقد ذكروا أمرين مرين فإن الغربة كربة أية كربة؛ ولله تعالى در من قال:
حسنوا القول وقالوا غربة ** إنما الغربة للاحرار ذبح

{يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ} بالجزم جواب الأمر، والوجه الجارحة المعروفة، وفي الكلام كناية تلويحية عن خلوص المحبة، ومن هنا قيل: أي يقبل عليكم إقبالة واحدة لا يلتفت عنكم إلى غيركم، والمراد سلامة محبته لهم ممن يشاركهم فيها وينازعهم إياها، وقد فسر الوجه بالذات والكناية بحالها خلا أن الانتقال إلى المقصود رتبتين: على الأول ورتبة على هذا، وقيل: الوجه عنى الذات، وفي الكلام كناية عن التوجه والتقيد بنظم أحوالهم وتدبير أمورهم لأن خلوه لهم يدل على فراغه عن شغل يوسف عليه السلام فيشتغل بهم وينظم أمورهم، ولعل الوجه الأوجه هو الأول {وَتَكُونُواْ} بالجزم عطفًا على جواب الأمر. وبالنصب بعد الواو باضمار أن أي يجتمع لكم خلو وجهه والكون {من بَعْده} أي بعد يوسف على معنى بعد الفراغ من أمره. أو من بعد قتله. أو طرحه، فالضمير إما ليوسف أو لأحد المصدرين المفهومين من الفعلين.
{قَوْمًا صالحين} بالتوبة والتنصل إلى الله تعالى عما جئتم به من الذنب كما روي عن الكلبي وإليه ذهب الجمهور، فالمراد بالصلاح الصلاح الديني بينهم وبين الله تعالى، ويحتمل أن المراد ذلك لكن بينهم وبين أبيهم بالعذر وهو وإن كان مخالفًا للدين لكونه كذبًا لكنه موافق له من جهة أنهم يرجون عفو أبيهم وصفحه به ليخلصوا من العقوق على ما قيل، ويحتمل أن يراد الصلاح الدنيوي أن صالحين في أمر دنياكم فإنه ينتظم لكم بعده بخلو وجه أبيكم، وإيثار الخطاب في {لَكُمْ} وما بعده للمبالغة في حملهم على القبول فإن اعتنارء المرء بشأن نفسه واهتمامه بتحصيل منافعه أتم وأكمل.

.تفسير الآية رقم (10):

{قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ لَا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ (10)}
{قَالَ قَائِلٌ مّنْهُمْ} هو وكان رأيه فيه أهون شرًا من رأى غيره وهو القائل: {فَلَنْ أَبْرَحَ الأرض} [يوسف: 80] إلخ القاله السدى.
وقال قتادة. وابن إسحق: هو روبيل، وعن مجاهد أنه شمعون، وقيل: دان، وقال بعضهم: إن أحد هذين هو القائل: {اقتلوا يُوسُفَ} إلخ، وأما القائل: {لاَ تَقْتُلُواْ يُوسُفَ} [يوسف: 9] فغيره، ولعل الأصح أنه يهوذا.
قيل: وإنما لم يذكر أحد منهم باسمه سترًا على المسيءوكل منهم لم يخل عن الإساءة وإن تفاوتت مراتبها، والقول بأنه على هذا لا ينبغي لأحد أن يعين أحدًا منهم باسمه تأسيًا بالكتاب ليس بشيء لأن ذلك مقام تفسير وهو فيه أمر مطلوب، والجملة مستأنفة استئنافًا بيانيًا كأن سائلًا سأل اتفقوا على ما عرض عليهم من خصلتي الصنيع أم خالفهم في ذلك أحد؟ فقيل: قال قائل منهم: {لاَ تَقْتُلُواْ} إلخ، والاتيان بيوسف دون ضميره لاستجلاب شفقتهم عليه واستعظام قتله وهو هو مانه يروى أنه قال لهم: القتل عظيم ولم يصرح بنهيهم عن الخصلة الأخرى، وأحاله على أولوية ما عرضه عليهم بقوله: {وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الجب} أي في قعره وغوره سمي به لغيبته عن عين الناظر، ومنه قيل للقبر: غيابة، قال المنخل السعدي:
إذا أنا يومًا غيبتني غيابتي ** فسيروا بسيري في العشيرة والأهل

وقال الهروي: الغيابة في الجب شبه كهف. أو طاق في البئر فوق الماء يغيب ما فيه عن العيون، والجب الركية التي لم تطو فإذا طويت فهي بئر قال الأعمش:
لئن كنت في جب ثمانين قامة ** ورقيت أسباب السماء بسلم

ويجمع على جبب. وجباب. وأجباب، وسمي جبًا لأنه جب من الأرض أي قطع، وسيأتي قريبًا إن شاء الله تعالى الكلام فيتأنيثه وتذكيره.
وقرى نافع في غيابات في الموضعين كأن لتلك الجب غيابات، ففيه إشارة إلى سعتها، أو أراد بالجب الجنس أي في بعض غيابات الجب، وقرأ ابن هرمز غيابات بتشديد الياء التحتية وهو صيغة مبالغة، ووزنه على ما نقل صاحب اللوامح يجوز أن يكون فعالات كحمامات، ويجوز أن يكون فيعالات كشيطانات في جمع شيطانة، وقرأ الحسن غيبة بفتحات على أنه في الأصل مصدر كالغلبة، ويحتمل أن يكون جمع غائب كصانع وصنعة، وفي حرف أبيّ رضي الله تعالى عنه غيبة بسكون الياء التحتية على أنه مصدر أريد به الغائب.
{يَلْتَقِطْهُ} أي يأخذه على وجه الصيانة عن الضياع والتلف فان الالتقاط أخذ شيء مشرف على الضياع كذا قيل، وفي مجمع البيان هو أن يجد الشيء ويأخذه من غير أن يحسبه، ومنه قوله:
ومنهل وردته التقاطًا

{بَعْضُ السيارة} أي بعض جماعة تسير في الأرض وأل في السيارة كما في الجب وما فيهما، وفي البعض من الابهام لتحقيق ما يتوخاه من ترويج كلامه وافقته لغرضهم الذي هو تنائى يوسف عليه السلام عنهم بحيث لا يدري أثره ولا يروى خبره، وقرأ الحسن تلتقطه على التأنيث باعتبار المعنى كما في قوله:
إذا بعض السنين تعرفتنا ** كفى الأيتام فقد أبى اليتيم

وجاء قطعت بعض أصابعه وجعلوا هذا من باب اكتساب المضاف من المضاف إليه التأنيث كقوله:
كما شرقت صدر القناة من الدم

{إِن كُنتُمْ فاعلين} أي إن كنتم عازمين مصرين على أن تفعلوا به ما يفرق بينه وبين أبيه أو إن كنتم فاعلين شورتي ورأيي فألقوه إلخ، ولم يبت القول لهم بل عرض عليهم ذلك تأليفًا لقلوبهم وتوجيهًا لهم إلى رأيه وحذرًا من سوء ظنهم به؛ ولما كان هذا مظنة لسؤال سائل يقول: فما فعلوا بعد ذلك هل قبلوا رأيه أم لا؟ فأجيب على سبيل الاستئناف على وجه أدرج في تضاعيفه قبولهم له بما شيجيى إن شاء الله تعالى من قوله سبحانه: {وأجمعوا أن يجعلوه في غيابة الجب} [يوسف: 15]