فصل: تفسير الآية رقم (18):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (18):

{وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ (18)}
{وَجَاءوا على قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ} أي ذي كذب أو وصف بالمصدر مبالغة كأنه نفس الكذب وعينه كما يقال للكذاب: هو الكذب بعينه والزور بذاته، ومن ذلك ما في قوله:
أفيضوا على عزابكم من بناتكم ** فما في كتاب الله أن يحرم الفضل

وفيهن فضل قد عرفنا مكانه ** فهن به جود وأنتم به مَن بَخِلَ

وبعضهم يؤوّل كذب كذوب فيه فإن المصدر قد يؤوّل ثل ذلك، وقرأ زيد بن على رضي الله عنهماكذبًا بالنصب وخرج على أنه في موضع الحال من فاعل {جَاءوا} بتأويل كاذبين، وقيل: من دم على تأويل مكذوبًا فيه، وفيه أن الحال من النكرة على خلاف القياس، وجوز أن يكون مفعولًا من أجله أي جاءوا بذلك لأجل الكذب، وقرأت عائشة رضي الله تعالى عنها والحسن كدب بالدال المهملة وليس من قلب الذال دالًا بل هو لغة أخرى عنى كدر أو طرى أو يابس فهو من الاضداد، وقال صاحب اللوامح: المعنى ذي كدب أي أثر لأن الكدب بياض يخرج في أظافير الشبان ويؤثر فيها فهو كالنقش ويسمى ذلك الفوق ولم يعتبر بعض المحققين تقدير المضاف وجعل ذلك من التشبيه البليغ أو الاستعارة فإن الدم في القميص يشبه الكدب من جهة مخالفة لونه لون ما هو فيه، وقوله سبحانه: {على قَمِيصِهِ} على ما ذهب إليه أبو البقاء حال من دم، وفي جواز تقديم الحال على صاحبها المجرور بالحرف غير الزائد خلاف، والحق كما قال السفاقسي: الجواز لكثرة ذلك في كلامهم، وفي اللباب ولا تتقدم على صاحبها المجرور على الأصح نحو مررت جالسة بهند إلا أن يكون الحال ظرفًا على أن الحق ما اختاره ابن مالك من جواز التقديم مطلقًا، وقال الزمخشري. ومن تبعه: إنه في موضع النصب على الظرفية أي جاءوا فوق قميصه كما تقول: جاء على جماله بأحمال، وأراد على ما في الكشف أن {على} على حقيقة الاستعلاء وهو ظرف لغو، ومنع في البحر كون العامل فيه المجيء لأنه يقتضي أن الفوقية ظرف للجائين، وأجيب بأن الظرفية ليست باعتبار الفاعل بل باعتبار المفعول.
وفي بعض الحواشي أن الأولى أن يقال: جاءوا مستولين على قميصه، وقوله سبحانه: {بِدَمٍ} حال من القميص، وجعل المعنى استولوا على القميص ملتبسًا بدم جائين، وهو على ما قيل: أولى من جاءوا مستولين لما تقرر في التضمين، والأمر في ذلك سهل فإن جعل المضمن أصلًا والمذكور حالا وبالعكس كل منهما جائز وإذا اقتضى المقام أحدهما رجح، واستظهر كونه ظرفًا للمجيء المتعدي، والمعنى أتوا بدم كذب فوق قميصه ولا يخفي استقامته، هذا ثم إن ذلك الدم كان دم سخلة ذبحوها ولطخوا بدمها القميص كما روي عن ابن عباس.
ومجاهد.
وأخرج ابن أبي حاتم. وأبو الشيخ عن قتادة أنهم أخذوا ظبيًا فذبحوه فلظخوا بدمه القميص، ولما جاءوا به جعل يقلبه فيقول: ما أرى به أثر ناب ولا ظفر إن هذا السبع رحيم، وفي رواية أنه أخذ القميص وألقاه على وجهه وبكى حتى خضب وجهه بدم القميص، وقال: تالله ما رأيت كاليوم ذئبًا أحلم من هذا أكل ابني ولم يمرق عليه قميصه، وجاء أنه بكى وصاح وخر مغشيًا عليه فأفاضوا عليه الماء فلم يتحرك ومادوه فلم يجب ووضع يهوذا يده على مخارج نفسه فلم يحس بنفس ولا تحرك له عرق، فقال: ويل لنا من ديان يوم الدين ضيعنا أخانا وقتلنا أبانا فلم يفق إلا ببرد السحر {قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ} أي زينت وسهلت {أمْرًا} من الأمور منكرًا لا يوصف ولا يعرف، وأصل التسويل تقدير شيء في النفس مع الطمع في إتمامه.
وقال الراغب: هو تزيين النفس لما تحرص عليه وتصوير القبيح بصورة الحسن.
وقال الأزهري: كأن التسويب تفعيل من سوال الإنسان وهو أمنيته التي يطلبها فتزين لطالبها الباطل وغيره وأصله مهموز، وقيل: من البسول بفتحتين وهو استرخاء في العصب ونحوه كأن المسول لمزيد حرصه استرخى عصبه، وفي الكلام حذف على ما في البحر أي لم يأكله الذئب {بَلْ سَوَّلَتْ} إلخ، وعلمه عليه السلام بكذبهم قيل: حصل من سلامة القميص عن التمزيق وهي إحدى ثلاثة آيات في القميص: ثانيتها عود يعقوب بصيرًا بالقائه على وجهه، وثالثتها قده من دبر فانه كان دليلًا على براءة يوسف، وينضم إلى ذلك وقوفه بالرؤيا الدالة على بلوغه مرتبة علياء تنحط عنها الكواكب، وقيل: من تناقضهم فانه يروى أنه عليه السلام لما قال: ما تقدم عن قتادة قال بعضهم: بل قتله اللصوص فقال: كيف قتلوه وتركوا قميصه وهم إلى قميصه أحوج منهم إلى قتله؟ا ولعله مع هذا العلم إنما حزن عليه السلام لما خشى عليه من المكروه والشدائد غير الموت، وقيل: إنما حزن لفراقه وفراق الأحبة مما لا يطاق، ولذلك قيل:
لولا مفارقة الأحباب ما وجدت ** لها المنايا إلى أرواحنا سبلا

ولا بأس بأن يبقال: إنه أحزنه فراقه وخوف أن يناله مكروه {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ} أي فأمرى صبر جميل، أو فصبري صبر جميل كما قال قطرب، أو فالذي أفعله ذلك كما قال الخليل. أو فهو صبر إلخ كما قال الفراء، وصبر في كل ذلك خبر مبتدأ محذوف. أو فصبر جميل أمثل وأجمل على أنه مبتدأ خبره محذوف، وهل الحذف في مثل ذلك واجب. أو جائز؟ فيه خلاف، وكذا اختلفوا فيما إذا صح في كلام واحد اعتبار حذف المبتدأ وإبقاء الخبر واعتبار العكس هل الاعتبار الأول أولى أم الثاني؟.
وقرأ أبي. والأشهب. وعيسى بن عمر فصبرًا جميلًا بنصبهما وكذا في مصحف أنس بن مالك، وروي ذلك عن الكسائي، وخرج على أن التقدير فاصبر صبرًا على أن اصبر مضارع مسند لضمير المتكلم، وتعقب بأنه لا يحسن النصب في مثل ذلك إلا مع الأمر، والتزم بعضهم تقديره هنا بأن يكون عليه السلام قد رجع إلى مخاطبة نفسه فقال: صبرًا جميلًا على معنى فاصبري يا نفس صبرًا جميلًا، والصبر الجميل على ما روي الحسن عنه صلى الله عليه وسلم ما لا شكوى فيه أي إلى الخلق وإلا فقد قال يعقوب عليه السلام: {إِنَّمَا أَشْكُو بَثّى وَحُزْنِى إِلَى الله} [يوسف: 86]، وقيل: إنه عليه السلام سقط حاجباه على عينيه فكان يرفعهما بعصابة فسئل عن سبب ذلك فقال: طول الزمان وكثرة الأحزان فأوحى الله تعالى إليه أتشكو إلى غيري، فقال يا رب خطيئة فاغفرها.
وقيل: المراد من قوله: {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ} أني اتجمل لكم في صبري فلا أعاشركم على كآبة الوجه وعبوس الجبين بل أبقى على ما كنت عليه معكم وهو خلاف الظاهر جدًا {والله المستعان} أي المطلوب منه العون وهو إنشاء منه عليه السلام للاستعانة المستمرة {على مَا تَصِفُونَ} متعلق بالمستعان والوصف ذكر الشيء بنعمته وهو قد يكون صدقًا وقد يكون كذبًا، والمراد به هنا الثاني كما في قوله سبحانه: {سبحان رَبّكَ رَبّ العزة عَمَّا يَصِفُونَ} [الصافات: 180] بل قيل: إن الصيغة قد غلبت في ذلك ومعنى استعانته عليه السلام بالله تعالى على كذبهم طلبه منه سبحانه إظهار كونه كذبًا بسلامة بوسف عليه السلام والاجتماع معه فيكون ذكر الاستعانة هنا نظير {عَسَى الله أَن يَأْتِيَنِى بِهِمْ جَمِيعًا} [يوسف: 83] بعد قوله فيما بعد: {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ}، وفي بعض الآثار أن عائشة رضي الله عنها قالت يوم الإفك: والله لئن حلفت لا تصدقوني ولئن اعتذرت لا تعذروني فمثلي ومثلكم كمثل يعقوب وولده والله المستعان على ما تصفون فأنزل الله تعالى في عذرها ما أنزل، وقيل: المراد إنه تعالء المستعان على احتمال ما تصفونه من هلاك يوسف كأنه عليه السلام بعد أن قال: صبر جميل طلب الإعانة منه تعالى على الصبر وذلك لأن الدواعي النفسانية تدعو إلى إظهار الجزع وهي قوية والدواعي الروحانية الصبر الجميل فكأنه وقعت المحاربة بين الصفتين فما لم تحصل المعونة منه جل وعلا لا تحصل الغلبة، فقوله: {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ} يجرى مجرى {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} [الفاتحة: 5] {والله المستعان على مَا تَصِفُونَ} يَجْرِى مجرى {وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 5] ولعل الأول أسلم من القال والقيل، وللإمام الرازي عليه الرحمة في هذا المقام بحث، وهو: أن الصبر على قضاء الله تعالى واجب وأما الصبر على ظلم الظالمين ومكر الماكرين فغير واجب بل الواجب إزالته لاسيما في الضرر العائد إلى الغير فكان اللائق بيعقوب عليه السلام التفتيش والسعى في تخليص يوسف عليه السلام من البلية والشدة إن كان حيًا، وفي إقامة القصاص إن صح أنهم قتلوه بل قد يقال: إن الواجب المتعين عليه السعي في طلبه وتخليصه لأن الظاهر أنه كان عالمًا بأنه حي سليم لقوله: {وكذلك يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الاحاديث} [يوسف: 6] فإن الظاهر أنه إنما قاله عن وحي، وأيضًا إنه عليه السلام كان عظيم القدر جليل الشأن معظمًا في النفوس مشهورًا في الآفاق فلو بالغ في الطلب والتفحص لظهر ذلك واشتهر ولزال وجه التلبيس فما السبب في تركه عليه السلام الفحص مع نهاية رغبته في حضور يوسف وغاية محبته له، وهل الصبر في هذا المقام إلا مذموم عقلًا وشرعًا؟ ثم قال: والجواب أن نقول: لا جواب عن ذلك إلا أن يقال: إنه سبحانه وتعالى منعه عن الطلب تشديدًا للمحنة وتغليظًا للأمر، وأيضًا لعله عرف بقرائن الأحوال أن أولاده أقوياء وأنهم لا يمكنونه من الطلب والتفحص وأنه لو بالغ في البحث را أقدموا على إيذائه وقتله، وأيضًا لعله عليه السلام علم أن الله تعالى يصون يوسف عن البلاء والمحنة وأن أمره سيعظم بالآخرة ثم لم يرد هتك ستر أولاده وما رضي بإلقائهم في ألسنة الناس، وذلك لأن أحد الولدين إذا طلم الآخر وقع الأب في العذاب الشديد لأنه إن لم ينتقم يحترق قلبه على الولد المظلوم وإن أنتقم يحترق على الولد الذي ينتقم منه، ونظير ذلك ما أشار إليه الشاعر بقوله:
قومي هم قتلوا أميم أخي ** فإذا رميت يصيبني سهمي

ولئن عفوت لأعفون جللا ** ولئن سطوت لموهن عظمي

فلما وقع يعقوب عليه السلام في هذه البلية رأى أن الأصوب الصبر والسكوت وتفويض الأمر بالكلية إلى الله تعالى لاسيما إن قلنا: إنه عليه السلام كان عالمًا بأن ما وقع لا يمكن تلافيه حتى يبلغ الكتاب أجله.

.تفسير الآية رقم (19):

{وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وَارِدَهُمْ فَأَدْلَى دَلْوَهُ قَالَ يَا بُشْرَى هَذَا غُلَامٌ وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ بما يَعْمَلُونَ (19)}
{وَجَاءتْ} شروع فيما جرى على يوسف عليه السلام في الجب بعد الفراغ عن ذكر ما وقع بين إخوته وبين أبيه أي وجاءت إلى الجب {سَيَّارَةٌ} رفقة تسير من جهة مدين إلى مصر وكان ذلك بعد ثلاثة أيام مضت من زمن القائه في قول، وقيل: في اليوم الثاني، والظاهر أن الجب كان في طريق سيرهم المعتاد.
وقيل: إنه كان في قفرة بعيدة من العمران فأخطأوا الطريق فأصابوه {فَأَرْسَلُواْ} إليه {وَارِدَهُمْ} الذي يريد الماء ويستقي لهم وكان ذلك مالن بن ذعر الخزاعي.
وقال ابن عطية: الوارد هنا يمكن أن يقع على الواحد وعلى الجماعة اه والظاهر الأول، والتأنيق في {جَاءتِ} والتذكير في {أُرْسِلُواْ فَأَرْسَلُواْ وَارِدَهُمْ} باعتبار اللفظ والمعنى، وفي التعبير بالمجيء إيماء إلى كرامة يوسف عليه السلام عند ربه سبحانه، وحذف متعلقة وكذا متعلقة وكذا متعلق الإرسال لظعوره ولذا حذف المتعلق في قوله سبحانه: {فأدلى دَلْوَهُ} أي أرسلها إلى الجب ليخرج الماء، ويقال: دلا الدلو إذا أخرجها ملأي، والدلو من المؤنثات للسماعية فتصغر على دلية وتجمع على أدل. ودلاء ودلى.
وقال ابن الشحنة: إن الدلو التي يستقي بها مؤنثة وقد تذكر، وأما الدلو مصدر دلوت وضرب من السير فمذكر ومثلها في التذكير والتأنيث الجب عند الفراء على ما نقله عنه محمد بن الجهم، وعن بعضهم أنه مذكر لا غير وأما البئر مؤنثة فقط في المشهور، ويقال في تضغيرها: بويرة؛ وفي جمعها آباء. وأبار. وأبؤر. وبثار، وفي الكلام حذف أي فأدلى دلوه فتدلى بها يوسف فخرج {قَالَ} استئناف مبني على سؤال يقتضيه الحال.
{يابشرى هذا غلام} نادى البشرى بشارة لنفسه أو لقومه ورفقته كأنه نزلها منزلة شخص فناداه فهو استعارة مكنية وتخييلية أي يا بشرى تعالى فهذا أوان حضورك، وقيل: المنادي محذوف كما في ياليت أي يا قومي انظروا واسمعوا بشراي، وقيل: إن هذه الكلمة تستعمل للتبشير من غير قصد إلى النداء.
وزعم بعضهم أن بشرى اسم صاحب له ناداه ليعينه على إخراجه، وروي هذا عن السدى وليس بذاك وقرأ غير الكوفيين يا بشراي بالإضافة، وأمال فتحة الراء حمزة. والكسائي، وقرأ وريش بين اللفظين.
وروي عن نافع أنه قرأ يا بشراي بسكون ياء الإضافة ويلزمه التقاء الساكنين عغلى غيره وحده، واعتذر بأنه أجري الوصل مجرى الوقف ونظائر ذلك كثيرة في القرآن وغيره، وقيل: جاز ذلك لأن الألف لمدها تقوم مقام الحركة، وقرأ أبو الطفيل. والحسن. وابن أبي إسحق. والجحدري {الرياح بُشْرىً} بقلب الألف ياءًا وإدغامها في ياء الاضافة وهي لغة لهذيل.
ولناس غيرهم ومن ذلك قول أبي ذؤيب:
سبقوا هوى وأعنقوا لهواهم ** فتخرموا ولكل جنب مصرع

ويقولون: يا سيدي. ومولى، والغلام كثيرًا ما يطلق على ما بين الحولين إلى البلوغ، وقد يطلق على الرجل الكامل كما في قول ليلى الأخيلية في الحجاج بن يوسف الثقفي:
غلام إذا هز القناة سقاها

والظاهر أن التنوين فيه للتغخيم، وحق له ذلك فقد كان عليه من أحسن الغلمان، وذكر البغوي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «أعطي يوسف شطر الحسن».
وقال محمد بن إسحق: ذهب يوسف وأمه بثلثي الحسن، وحكى الثعلبي عن كعب الأحبار أنه قال: كان يوسف حسن الوجه جعد الشعر ضخم العينين مستوى الخلق أبيض اللون غليظ الساعدين والساقين خميص البطن صغير السرة وكان إذا تبسم رأيت النور في ضواحكه وإن تكلم رأيت شعاع النور من ثناياه ولا يستطيع أحد وصفه وكان حسنه كضوء النهار عند الليل وكان يشبه آدم عليه السلام يوم خلقه قبل أن يصيب الخطيئة، ويحكى أن جوانب الجب بكت عليه حين خرج منها، ولعله من باب بكت الدار لفقد فلان، والظاهر أن قول الوارد {قَالَ يابشرى هذا غُلاَمٌ} [يوسف: 91] كان عند وؤيته، وقيل: إنه حين وروده على أصحابه صاح بذاك {وَأَسَرُّوهُ} أي أخفاه الوارد وأصحابه عن بقية الرفقة حتى لا تراه فتطمع فيه، وقيل: أخفوا أمره وكونه وجد في البئر، وقالوا لسائر القافلة: دفعه إلينا أهل الماء لنبيعه لهم صر، وقيل: الضمير لإخوة يوسف، وذلك أن بعضهم رجع ليتحقق أمره فرآه عند السيارة فأخبر إخوته فجاءوا إليهم فقالوا: هذا غلام أبق لنا فاشتروه منا فاشتروه وسكت يوسف مخافة أن يقتلوه، وفي رواية أنهم قالوا بالعبرانية: لا تنكر العبودية نفتلك فأقر بها واشتروه منهم، وقيل: كان يهوذا يأتيه بالطعام فأتاه يوم أخرج فلم يجده في الجب ووجده عند الرفقة فأخبر إخوته فأتوهم فقالوا ما قالوا، وروي كون الضمير للاخوة عن ابن عباس رضي الله عنهما، قيل: وهو المناسب لإفراد {قَالَ} وجمع ضمير أسروا وللوعيد الآتي قريبًا إن شاء الله تعالى، وليس فيه اختلاف في النظم، ولا يخفى أن الظاهر ما أشير إليه أولا، ونصب قوله سبحانه: {بضاعة} على الحال أي أخفوه حال كونه متاعًا للتجارة، وفي الفرائد أنه ضمن أسروه معنى جلعوه أي جعلوه بضاعة مسرين إياه فهو مفعول به.
وقال ابن الحاجب: يحتمل أن يكون مفعولًا له أي لأجل التجارة وليس شرطه مفقودًا لاتحاد فاعله وفاعل الفعل المعلل به إذ المعنى كتموه لأجل تحصيل المال به، ولا يجوز أن يكون تمييزًا وهو من البضع عنى القطع وكأن البضاعة إنما سميت بذلك لأنها تقطع من المال وتجعل للتجارة، ومن ذلك البضع بالكسر بما بين الثلاث إلى العشرة أو لما فوق الخمس ودون العشرة، والبضيعة للجزيرة المنقطعة عن البر، واعتبر الراغب في البضاعة كونها قطعة وافرة من المال تقتني للتجارة ولم يعتبر الكثير كونها وافرة {وَاللَّهِ عَليمُ بما يَعْمَلُونَ} لم يخف عليه سبحانه اسرارهم، وصرح غير واحد أن هذا وعيد لإخوة يوسف عليه السلام على ما صنعوا بأبيهم وأخيهم وجعلهم إياه، وهو هو عرضة للابتذال بالبيع والشراء.