فصل: تفسير الآية رقم (25):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (25):

{وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (25)}
{واستبقا الباب} متصل بقوله سبحانه: {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا} [يوسف: 24] إلخ، وقوله تعالى: {كذلك} [يوسف: 24] إلخ اعتراض جيء به بين المعطوفين تقريرًا لنزاهته عليه السلام، والمعنى لقد همت به وأبى هو واستبقا أي تسابقا إلى الباب على معنى قصد كل من يوسف عليه السلام وامرأة العزيز سبق الآخر إليه فهو ليخرج وهي لتمنعه من الخروج؛ وقيل: المراد من السبق في جانبها الإسراع إثره إلا أنه عبر بذلك للمبالغة، ووحد الباب هنا مع جمعه أولًا لأن المراد الباب البراني الذي هو المخلص؛ واستشكل بأنه كيف يستبقان إليه ودونه أبواب جوانيه بناءًا على ما ذكروا من أن الأبواب كانت سبعة.
وأجيب بأنه روى عن كعب أن أقفال هاتيك الأبواب كانت تتناثر إذا قرب إليها يوسف عليه السلام وتتفتح له؛ ويحتمل أنه لم تكن تلك الأبواب المغلقة على الترتيب بابًا فبابًا بل كانت في جهات مختلفة كلها منافذ للمكان الذي كانا فيه فاستبقا إلى باب يخرج منه، ونصب الباب على الاتساع لأن أصل استبق أن يتعدى بإلى لكن جاء كذلك على حد {وَإِذَا كَالُوهُمْ} [المطففين: 3] {واختار موسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا} [الأعراف: 155]، وقيل: إنه ضمن الاستباق معنى الابتدار فعدى تعديته {وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِن دُبُرٍ} يحتمل أن يكون معطوفًا على {استبقا}، ويحتمل أن يكون في موضوع الحال كما قال أبو حيان أي وقدقدت، والقدّ القطع والشق وأكثر استعماله فيما كان طولًا وهو المراد هنا بناءًا على ما قيل: إنها جذبته من وراء فانخرق القميص إلى أسفله، ويستعمل القط فيما كان عرضًا، وعلى هذا جاء ما قيل في وصف علي كرم الله تعالى وجهه: إنه كان إذا اعتلى قدّ وإذا اعترض قط، وقيل، القدّ هنا مطلق الشق، ويؤيده ما نقل عن ابن عطية أنه قرأت فرقة وقط وقد وجد ذلك في مصحف المفضل بن حرب.
وعن يعقوب تخصيص القدّ بما كان في الجلد والثوب الصحيحين، والقميص معروف، وجمعه أقمصة. وقمص. وقمصان، وإسناد القدّ بأي معنى كان إليها خاصة مع أن لقوة يوسف عليه السلام أيضًا دخلا فيه إما لأنها الجزء الأخير للعلة التامة، وإما للائيذان بالغتهافي منعه عن الخروج وبذل مجهودها في ذلك لفوت المحبوب أو لخوف الافتضاح {دُبُرٍ وَأَلْفَيَا} أي وجدا، وبذلك قرأ عبد الله {سَيِّدَهَا} أي زوجها وهو فيعل من ساد يسود، وشاع إطلاقه على المالك وعلى الرئيس، وكانت المرأة إذ ذاك على ما قيل: تقول لزوجها سيدي، ولذا لم يقل سيدهما، وفي البحر إنما لم يضف إليهما لأنه لم يكن مالكًا ليوسف حقيقة لحريته {لُّدًّا الباب} أي عند الباب البراني، قيل: وجداه يريد أن يدخل مع ابن عمر لها {قَالَتْ} استئناف مبني على سؤال يقول؛ فماذا كان حين ألفيا السيد عند الباب؟ فقيل.
قالت: {مَا جَزَاء مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءا} من الزنا ونحوه.
{إِلا أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} الظاهر أن {مَا} نافية، و{جَزَاء} مبتدأ، و{مِنْ} موصولة أو موصوفة مضاف إليه، والمصدر المؤول خبر، و{أَوْ} للتنويع خبر المبدأ وما بعد معطوف على ذلك المصدر أي ليس جزاؤه إلا السجن أو العذاب الأليم، والمراد به على ما قيل: الضرب بالسوط، وعن ابن عباس أنه القيد، وجوز أن تكون {مَا} استفهامية فجزاء مبتدأ أو خبر أي أي شيء جزاؤه غير ذلك أو ذلك، ولقد أتت في تلك الحالة التي يدهش فيها الفطن اللوذعي حيث شاهدها زوجها على تلك الهيئة بحيلة جمعت فيها غرضيها وهما تبرئة ساحتها مما يلوح من ظاهر الحال. واستنزال يوسف عليه السلام عن رأيه في استعصائه عليها وعدم موتاته لها على مرادها بإلقاء الرعب في قلبه من مكرها طمعًا في مواقعته لها مكرهًا عند يأسها عن ذلك مختارًا كما قالت: {لَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَا ءامُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وليكونا مِنَ الصاغرين} [يوسف: 32] ثم إنها جعلت صدور الإرادة المذكورة عن يوسف عليه السلام أمرًا محققًا مفروغًا عنه غنيًا عن الأخبار بوقوعه وإن ما هي عليه من الأفاعيل لأجل تحقيق جزائرها، ولم تصرح بالاسم بل أتت بلفظ عام تهويلًا للأمر ومبالغة في التخويف كأن ذلك قانون مطرد في حق كل أحد كائنًا من كان، وذكرت نفسها بعنوان أهلية العزيز إعظامًا للخطب وإغراءًا له على تحقيق ما يتوخاه بحكم الغضب والحمية كذا قرره غيره واحد.
وذكر الإمام في تفسيره ما فيه نوع مخالف لذلك حيث قال: إن في الآية لطائف: أحدها: أن حبها الشديد ليوسف عليه السلام حملها على رعاية دقيقتين في هذا الموضوع وذلك لأنها بدأت بذكر السجن وأخرت ذكر العذاب لأن المحب لا يسعى في إسلام المحبوب، وأيضًا إنها لم تذكر أن يوسف عليه السلام يجب أن يقابل بأحد هذين الأمرين بل ذكرت ذلك ذكرًا كليًا صونًا للمحبوب عن الذكر بالشر والألم، وأيضًا قالت: {إِلا أَن يُسْجَنَ} والمراد منه أن يسجن يومًا. أو أقل على سبيل التخفيف، فأما الحبس الدائم فإنه لا يعبر عنه بهذه العبارة بل يقال: يجب أن يجعل من المسجونين، ألا ترى أن فرعون كيف قال حين هدد موسى عليه السلام: {لَئِنِ اتخذت إلها غَيْرِى لاجْعَلَنَّكَ مِنَ المسجونين} [الشعراء: 29].
وثانيها: أنها لما شاهدت من يوسف عليه السلام أنه استعصم منها مع أنه كان في عنفوان الشباب وكمال القوة ونهاية الشهوة عظم اعتقادها في طهارته ونزاهته فاستحيت أن تقول: إن يوسف قصدني بسوء وما وجدت من نفسها أن ترميه بهذا الكذب على سبيل التصريح بل اكتفت بهذا التعريض، وليت الحشوية كانوا يكتفون ثل ما اكتفت به، ولكنهم لم يفعلوه ووصفوه بعد قريب من أربعة آلاف سنة بما وصفوه من القبيح وحاشاه.
وثالثها: أن يوسف عليه السلام أراد أن يضربها ويدفعها عن نفسه وكان ذلك بالنسبة إليها جاريًا مجرى السوء فقولها {مَا جَزَاء} إلخ جار مجرى التعريض فلعلها بقلبها كانت تقريد إقدامه على دفعها ومنعها، وفي ظاهر الأمر كانت توهم أنه قصدني بما لا ينبغي انتهى المراد منه، وفيه من الانظار ما فيه.
وقرأ زيد بن علي رضي الله تعالى عنهما أو عذابًا أليمًا بالنصب على المصدرية كما قال الكسائي: أي أو يعذب عذابًا أليمًا إلا أنه حذف ذلك لظهوره، وهذه القراءة أوفق بقوله تعالى: {أَن يُسْجَنَ} ولم يظهر لي في سر اختلاف التعبير على القراءة المشهورة ما يعول عليه، والله تعالى أعلم بأسرار كتابه فتدبر.

.تفسير الآية رقم (26):

{قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (26)}
{قَالَ} استئناف وجواب عما يقال: فماذا قال يوسف عليه السلام حينئذ؟ فقيل: قال: {هِىَ رَاوَدَتْنِى عَن نَّفْسِى} أي طالبتني للمواتاة لا أني أردت بها سوءًا كما زعمت وإنما قاله عليه السلام لتنزيه نفسه عن التهمة ودفع الضرر عنها لا لتفضيحها.
وفي التعبير عنها بضمير الغيبة دون الخطاب أو اسم الإشارة مراعاة لحسن الأدب مع الإيماء إلى الإعراض عنها كذا قالوا، وفي هذا الضمير ونحو كلام فقد ذكر ابن هشام في بعض حواشيه على قول ابن مالك في ألفيته:
فما الذي غيبة أو حضور

إلخ.
لينظر إلى نحو {هِىَ رَاوَدَتْنِى} فإن {هِىَ} ضمير باتفاق، وليس هو للغائب بل لمن بالحضرة، وكذا {ياأبت استجره} [القصص: 26] وهذا في المتصل وذاك في المنفصل، وقول من يخاطب شخصًا في شأن آخر حاضر معه قلت له: اتق الله تعالى وأمرته بفعل الخير، وقد يقال: إنه نزل الضمير فيهن منزلة الغائب وكذا في عكس ذلك يبلغك عن شخص غائب شيء فنقول: ويحك يا فلان أتفعل كذا؟ تنزلًا له منزلة من بالحضرة، وحينذ يقال: الحد المستفاد مما ذكر إنما هو للضمير باعتبار وضعه اه.
وقال السراج البلقيني في رسالته المسماة نشر العبير لطي الضمير المفسر لضمير الغائب إما مصرح به أو مستغنى بحضور مدلوله حسًا أو علمًا فالحس نحو قوله تعالى: {هِىَ رَاوَدَتْنِى} و{ياأبت استجره} [القصص: 26] كما ذكره ابن مالك، وتعقبه شيخنا أبوحيان بأنه ليس كما مثل به لأن هذين الضميرين عائدان على ما قبلهما فضمير {هِىَ رَاوَدَتْنِى} عائد على الأهل في قولها: {مَا جَزَاء مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءا} [يوسف: 25] ولما كنت عن نفسها بذلك ولم تقل بي بدل {بِأَهْلِكَ} كنى هو عليه السلام عنها بضمير الغيبة فقال: {هِىَ رَاوَدَتْنِى} ولم يخاطبها بأنت راودتيني، ولا أشار إليها بهذه راودتني وكل هذا على سبيل الأدب في الألفاظ والاستيحاء في الخطاب الذي لا يليق بالأنبياء عليهم السلام، فأبرز الاسم في صورة ضمير الغائب تأدبًا مع العزيز وحياءًا منه، وضمير {استجره} عائد على موسى فمفسره مصرح بلفظه، وكأن ابن مالك تخيل أن هذا موضع إشارة لكون صاحب الضمير حاضرًا عند المخاطب فاعتقد أن المفسر يستغنى عنه بحضور مدلوله حسًا فجرى الضمير مجرى اسم الإشارة، والتحقيق ما ذكرناه هذا كلامه.
وعندي أن الذي قاله ابن مالك أرجح مما قاله الشيخ، وذلك أن الإثنين إذا وقعت بينهما خصومة عند حاكم فيقول المدعي للحاكم: لي على هذا كذا: فيقول المدعى عليه: هو يعلم أنه لا حق له علي، فالضمير في هو إنما هو لحضور مدلوله حسالًا لقوله: لي كما هو المتبادر إلى الأفهام، وأيضًا يرد على ما ذكره في ضمير{استجره} [القصص: 26] أن موسى عليه السلام لم يسبق له ذكر عند حضوره مع بنت شعيب عليه السلام، وقد قالت: {إِحْدَاهُمَا ياأبت استجره} [القصص: 26] وقصدها بالضمير الرجل الحاضر الذي بان لها من قوته وأمانته الأمر العظيم، ثم إن من خاصم زوجته فقال للحاضرين من أهلها. أو من غيرهم: هي طالق تطلق زوجته لوجود ما قرره ابن مالك، ولا يتمشى على ما قرره الشيخ كما لا يخفى، وبالجملة إن التأويل الذي ذكره في الآيتين وإن سلم فيهما لكن لا يكاد يتمشى معه في غيرهما هذا فليفهم {وَشَهِدَ شَاهِدٌ مّنْ أَهْلِهَا} ذهب جمع إلى أنه كان ابن خالها، وكان طفلًا في المهد أنطقه الله تعالى ببراءته عليه السلام، فقد ورد عنه صلى الله عليه وسلم: «تكلم أربعة في المهد وهم صغار: ابن ماشطة ابنة فرعون. وشاهد يوسف عليه السلام. وصاحب جريج. وعيسى ابن مريم عليهما السلام» وتعقب ذلك الطيبي بقوله: يرده دلالة الحصر في حديث الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه «أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة: عيسى ابن مريم. وصاحب جريج. وصبي كان يرضع من أمه فمر راكب حسن الهيئة فقالت: أمه اللهم اجعل ابني مثل هذا فترك الصبي الثدي، وقال اللهم لا تجعلني مثله» اه، ورده الجلال السيوطي فقال: هذا منه على جاري عادته من عدم الإطلاع على طرق الأحاديث، والحديث المتقدم صحيح أخرجه أحمد في مسنده. وابن حبان في صحيحه. والحاكم في مستدركه وصححه من حديث ابن عباس، ورواه الحاكم أيضًا منحديث أبي هريرة، وقال صحيح على شرط الشيخين، وفي حديث الصحيحين المشار إليه آنفًا زيادة على الأربعة «الصبي الذي كان يرضع من أمه فمر راكب» إلخ فصاروا خمسة وهم أكثر من ذلك، ففي صحيح مسلم تكلم الطفل في قصة أصحاب الأخدود، وقد جمعت من تكلم في المهد فبلغوا أحد عشر، ونظمتها فقلت:
تكلم في المهد النبي محمد ** ويحيى وعيسى والخليل ومريم

ومبرى جريج ثم شاهد يوسف ** وطفل لذي الأخدود وديرويه مسلم

وطفل عليه مر بالأمة التي ** يقال لها تزنى ولا تتكلم

وماشطة في عهد فرعون طفلها ** وفي زمن الهادي المبارك يختم

اه، وفيه أنه لم يرد الطيبي الطعن على الحديث الذي ذكر كما توهم، وإنما أراد أن بين الحديث الدال على الخصر وغيره تعارضًا يحتاج إلى التوفيق؛ وفي الكشف بعد ذكره حديث الأربعة، وما تعقب به مما تقدم عن الطيبي أنه نقل الزمخشري في سورة البروج خامسًا فإن ثبتت هذه أيضًا فالوجه أن يجعل في المهد قيدًا وتأكيدًا لكونه في مبادئ الصبا، وفي هذه الرواية يحمل على الإطلاق أي سواء كان في المبادي أو بعيدها بحيث يكون تكلمه من الخوارق، ولا يخفى أنه توفيق بعيد.
وقيل: كان ابن عمها الذي كان مع زوجها لدى الباب وكان رجلًا ذا لحية ولا ينافي هذا قول قتادة: إنه كان رجلًا حكيمًا من أهلها ذا رأي يأخذ الملك برأيه ويستشيره، وجوز أن يكون بعض أهلها وكان معهما في الدار بحيث لم يشعرا به فبصر بما جرى بينهما فأغضبه الله تعالى ليوسف فقال الحق، وعن مجاهد أن الشاهد هو القميص المقدود وليس بشيء كما لا يخفى، وجعل الله تعالى الشاهد من أهلها قيل: لكون أدل على نزاهته عليه السلام وأنفى للتهمة وألزم لها، وخص هذا اإذا لم يكن الشاهد الطفل الذي أنطقه الله تعالى الذي أنطق كل شيء، وأما إذا كان ذلك فذكر كونه من أهلها لبيان الواقع فإن شهادة الصبي حجة قاطعة ولا فرق فيها بين الأقارب وغيرهم، وتعقب بأن كون شهادة القريب مطلقًا أقوى مما لا ينبغي أن يشك فيه، وسمي شاهدًا لأنه أدى تأديته في أن ثبت بكلامه قول يوسف وبطل قولها، وقيل: سمي بذلك من حيث دل على الشاهد وهو تخريق القميص، وفسر مجاهد فيما أخرجه عنه ابن جرير الشهادة بالحكم أي وحكم حاكم من أهلها {إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ} أي من قدام يوسف عليه السلام. أو من قدام القميص؛ و{ءانٍ} شرطية، و{كَانَ} فعل الشرط وقوله سبحانه: {فَصَدَقَتْ} جواب الشرط وهو بتقدير قد، وإلا فالفاء لا تدخل في مثله، وعن ابن خروف أن مثل هذا على إضمار المبتدا، والجملة جواب الشرط لا الماضي وحده، وفي الكشاف إن الشرطية هنا نظير قولك: إن أحسنت إليك منقبل لمن يمتنّ عليك بإحسانه فإنه على معنى إن تمتن على أمتن عليك، وكذا هنا المراد أن يعلم أنه كان قميصه قدّ ونحوه وإلا فبين أن الذي للاستقبال و{كَانَ} تناف قيل: وهو مبني على ما ذهب إليه البعض من أن {كَانَ} قوية في الدلالة على الزمان فحرف الشرط لا يقلب ماضيها مستقبلًا وإلا فلا ماض دخل عليه الشرط قلبه مستقبلًا من غير حاجة إلى التأويل، وتعقب بأنه لابد من التأويل هاهنا وجعل حدوث العلم ونحوه جزئي الشرطية كأن يقال: إن يعلم أو يظهر كونه كذلك فقد ظهر الصدق، ويقال نظيره في الشرطية الأخرى الآتية: وإن كانت {كَانَ} مما يقلب حرف الشرط ماضيها مستقبلًا كسائر الأفعال الماضية لأن المعنى ليس على تعليق الصدق أو الكذب في المستقبل على كون القميص كذا أو كذا كذلك بل على تعليق ظهور أحد الأمرين الصدق والكذب على حدوث العلم بكونه كذلك وهو ظاهر، وهل هذا التأويل من باب التقدير.
أو من غيره؟ فيه خلاف، والذي يشير إليه كلام بعض المدققين أنه ينزل في مثل ذلك العلم بالشيء منزلة استقباله لما بينهما من التلازم كما قيل: أي شيء يخفى؟ فقيل: ما لا يكون فليفهم، ثم إن متعلق الصدق ما دل كلامها عليه من أن يوسف أراد بها سوءًا وهو متعلق الكذب المسند إليها فيما بعد، وهما كما يتعلقن بالنسبة التي يتضمنها الكلام باعتبار منطوقه يتعلقان بالنسبة التي يتضمنها باعتبار ما يستلزمه فكأنه قيل: {إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ} في دعواها أن يوسف أراد بها سوءًا {وَهُوَ مِنَ الكاذبين} في دعواه أنها راودته عن نفسه.