فصل: تفسير الآية رقم (27):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (27):

{وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ (27)}
{وَأَنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ} أي من خلف يوسف عليه السلام أو خلف القميص {فَكَذَّبْتَ} في دعواها {وَهُوَ مِن الصادقين} في دعواه، والشرطيتان محكيتان: إما بقول مضمر أي شهد قائلًا أو فقال: {إِن كَانَ} إلخ كما هو مذهب البصريين، وإما يشهد لأن الشهادة قول من الأقوال فجاز أن تعمل في الجمل كما هو مذهب الكوفيين، والإظهار في موضع الإضمار في الشرطية الثانية ليدل على الاستقلال مع رعاية زيادة الإيضاح، وجملتا {وهو من الكاذبين} [يوسف: 26] {وهو من الصادقين} مؤكدتان لأن من قوله: {فَصَدَقَتْ} [يوسف: 26] يعلم كذبه، ومن قوله: {فَكَذَّبْتَ} يعلم صدقه، ووجه دلالة قدّ القميص من دبر على كذبها أنها تبعته وجذبت ثوبه فقدته، وأما دلالة قده من قبل على صدقها فمن وجهين: أحدهما: أنه إذا كان تابعها وهي دافعته عن نفسه قدت قميصه من قدام بالدفع، وثانيهما: أن يسرع إليها ليلحقها فيتعثر في مقام قميصه فيشقه كذا في الكشاف، وتعقب ابن المنير الوجه الأول بأن ما قرر في اتباعه لها يحتمل مثله في اتباعها له فإنها إنما تقد قميصه من قبل بتقدير أن يكون عليه السلام أخذ بها حتى صارا متقابلين فدفعته عن نفسها، وهذا بعينه يحتمل إذا كانت هي التابعة بأن تكون اجتذبته حتى صارا متقابلين ثم جذبت قميصه إليها من قبل بل هذا أظهر لأن الموجب لقدّ القميص غالبًا الجذب لا الدفع، والوجه الثاني بأن ما ذكر بعينه محتمل لو كانت هي التابعة وهو فار منها بأن ينقدّ قميصه في إسراعه للفرار اه.
وأجيب عما ذكره أولًا: بأنه غير وارد لأن تلك الحالة السريعة لا تحتمل إلا أيسر ما يمكن وأسرعه، وعلى تقدير اتباعها له تعين القدّ من دبر لأنه أهون الجذبين، ثم لا نفرض كر الفار ليدفعها أو كما لحقت جذبت فهذا الفرض لا وجه له هنالك فإذا ثبت دلالته فـ يالجملة على هذا القسم تعينت، وعما ذكره ثانيًا: بأن الظاهر على تقدير أن تكون تابعة أنه إذا تعثر الفار يتعلق به التابع متشبثًا وإذا كانا منفلتين بعد ذلك الاحتمال.
وذكر الفاضل المتعقب أن الحق في هذا الفصل أن يقال: إن الشاهد المذكور إن كان صبيًا أنطقه الله تعالى في المهد كما ورد في بعض الأحاديث فالآية في مجرد كلامه قبل أوانه حتى لو قال صدق يوسف وكذبت لكفى برهانًا على صدقه عليهالسلام كما كان مجرد إخبار عيسى عليه السلام في المهد برهانًا على صدق مريم، فلا تنبغي المناسبة بين الأمارة المنصوبة وما رتب عليها لأن العمدة في الدلائل نصبها لا مناسبتها، وإن كان قريبًا لها قد بصر بها من حيث لا تشعر فهذا والله تعالى أعلم كان من حقه أن يصرح بما رأى فيصدق يوسف عليه السلام ويكذبها ولكنه أراد أن لا يكون هو الفاضح لها، ووثق بأن قدّ قميصه إنما كان من دبر فنصبه أمارة لصدقه وكذبها، ثم ذكر القسم الآخر وهو قده من قبل على علم بأنه لم ينقد كذلك حتى ينفى عن نفسه التهمة في الهشادة وقصد الفضيجة وينصفهما جميعًا فلذا ذكر أمارة على صدقها المعلوم نفيه كما ذكر أمارة على صدقه المعلوم وجوده، وأخرجهما مخرجًا واحدًا وبنى {قَدْ} لما لم يسم فاعله في الموضعين سترًا على من قدّه، وقدم أمارة صدقها في الذكر إزاحة للتهمة ووثوقًا بأن الأمارة الثانية هي الواقعة فلا يضره تأخيرها.
والحاصل أن عمدة هذا الشاهد الأمارة الأخير فقط والمناسبة فيها محققه، وأما الأمارة الأولى فليست مقصودة وإنما هي كالغرض ذكرت توطئة للثانية فلم يلتمس لها مناسبة مثل تلك المناسبة، وأما إن كان الحكيم الذي كان الملك يرجع إلى رأيه فلابد من التماس المناسبة في الطرفين لأنها عمدة الحكيم، وأقرب وجه في المناسبة أن قدّ القميص من دبر دليل على إدباره عنها، وقدّه من قبل دليل على إقباله عليها بوجهه، ولا يخفى أن مثل هذا الوجه لا يصلح أن يكون مطمح نظر الحكيم الذي لا يلتفت إلا لليقينيات، فالأولى أن يقال: يحتمل أن ذلك الحكيم كان واقفًا على حقيقة الحال بطريق من الطرق الممكنة، ويسهل أمر ذلك إذا قلنا: إنه كان ابن عم لها فهو متيقن بعدم مقدم الشرطية الأولى وبوجود مقدم الشرطية الثانية، ومن ضروريات ذلك الجزم بانتفاء تالي الأولى ووقوع تالي الثانية فإذا هو إخبار بكذبها وصدقه عليه السلام لكنه ساق شهادته مساقًا مأمونًا من الجرح والطعن حيث صورها بصورة الشرطية المترددة ظاهرًا بين نفعها ونفعه، وأما حقيقة فلا تردد فيها قطعًا كما أشير إليه وإلى كون الشرطية الأولى غير مقصودة بالذات ذهب العلامة ابن الكمال معرضًا بغفلة القاضي البيضاوي حيث قال: إن قوله تعالى: {إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ} [يوسف: 26] ابخ من قبيل المسامحة في أحد شقي الكلام لتعين الآخر عند القائل تنيزلًا للمحتمل منزلة الظاهر لأن الشق بالجذب في هذا الشق أيضًا محتمل، ومن غفل عن هذا قال: لأنه يدل على أنه قصدها فدفعت عن نفسها إلى آخر عبارة البيضاوي، وحاصل ذلك على ما قرره بعض مشايخنا عليهم الرحمن أن القائل: يعلم يقينًا وقوع الشق من دبر لكنه ذكر الشق من القبل مع أنه محتمل أن يكون بجذبها إياه إلى طرفها كما أن كونه من دفعها إياه من بعض محتملاته تنزيلًا لهذا المحتمل منزلة الظاهر تأكيدًا ومبالغة لثبوت ما دلت عليه الشرطية الثانية من صدقه وكذبها يعني أنا نحكم بصدقها وكذبه جرد وقوع الشق في القبل، وإن كان محتملًا لأسباب أخر غير دفعها لكنه ما وقع هذا الشق أصلًا فلا صدق لها وذلك كما إذا قيل لك: بلغت إلى زيد الكلام الفلاني في هذا اليوم؟ فقلت: إن كنت تكلمت في هذا اليوم مع زيد فقولكم هذا صادق مع أن تكلمك معه في هذا اليوم مطلقًا لا يدل على صدق دعواهم لاحتمال أنك تكلمت معه بكلام غير ذلك الكلام لكنك قلت ذلك تحقيقًا لعدم تبليغك ذلك الكلام إليه، هذا وذكر شيخ مشايخنا العلامة صبغة الله الحيدري طيب الله تعالى ثراه: أن الظاهر أن دلالة كل من الشقين في الشقين على ما يدل عليه من حيث موافقته لما ادعاه صاحبه فإنها كانت تقول: هو طلبني مقبلًا على فخلصت نفسي عنه بالدفع أو الفرار وهو كان يقول: هي الطالبة ففرت منها وتبعتني واجتذبت ثوبي فقدته فوقوع الشق في شق الدبر يدل على كونه مدبرًا عنها لا مقبلًا عليها وعكسه على عكسه، ثم فرع على هذا أن ما ذكره ابن الكمال عفلة عن المخاصمة بالمقاولة وهو توجيه لطيف للآية الكريمة، بيد أن دعوى وقوع المخاصمة بالمقاولة على الطرز الذي ذكره رحمه الله تعالى مما لا شاهد لها، وعلى المدعى البيان على أنه يبعد عقلًا أن تقول هو طلبني مقبلًا فخلصت نفسي منه فانقدّ قميصه من قبل وهو الذي تقتضيه دعواه أن الظاهر أن دلالة كل من الشقين إلخ لظهور أن ظهور كذبها حينئذ أسرع ما يكون، وبالجملة قيل: إن الاحتمالات المضعفة لهذه المشاهدة كثيرة: منها ما علمت.
ومنها ما تعلمه بأدنى التفات، ومن هنا قالوا: إن ذلك من باب اعتبار الأمارة، ولذلك احتج بالآية كما قال ابن الفرس: من يرى الحكم من العلماء بالأمارات والعلامات فيما لا تحضره البينات كاللقطة. والسرقة. والوديعة. ومعاقد الحيطان. والسقوف وغير ذلك.
وذكر الإمام أن علامات كذب المرأة كانت كثيرة بالغة مبلغ اليقين فضموا إليها هذه العلامة الأخرى لا لأجل أن يعوّلوا في الحكم عليها بل لأجل أن يكون ذلك جاريًا مجرى المقويات والمرجحات والله تعالى أعلم.
وقرأ الحسن. وأبو عمرو في رواية {مِن قَبْلُ وَمِن دُبُرٍ} بسكون الباء فيهما والتنوين وهي لغة الحجاز. وأسد، وقرأ أبو يعمر. وابن أبي إسحاق. والعطاردي. وأبو الزناد. وآخرون {مِن قَبْلُ وَمِن دُبُرٍ} بثلاث ضمات، وقرأ الأولان. والجارود في رواية عنهم بإسكان الباء فيهما مع بنائهما على الضم جعلوهما كقبل. وبعد بعد حذف المضاف إليه ونية معناه، وتعقب ذلك أو حاتم بأن هذا رديء في العربية وإنما يقع بعد البناء في الظروف، وهذان اللفظان اسمان متمكنان وليسا بظرفين، وعن ابن إسحق أنه قرأ من قبل ومن دبر بالفتح قيل: كأنه جعلهما علمين للجهتين فمنعهما الصرف للعلمية والتأنيث باعتبار الجهة.

.تفسير الآية رقم (28):

{فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ (28)}
{فَلَمَّا رَءاهُ} أي السيد، وقيل: الشاهد، والفعل من الرؤية البصرية أو القبلية أي فلما علم {قَمِيصَهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ} أي هذا القد والشق كما قال الضحاك {مِن كَيْدِكُنَّ} أي ناشى من احتيالكن أيتها النساء ومكركن ومسبب عنه، وهذا تكذيب لها وتصديق له عليه السلام على ألطف وجه كأنه قيل: أنت التي راودتيه فلم يفعل وفرّ فاجتذبتيه فشققت قميصه فهو الصادق في إسناد المراودة إليك وأنت الكاذبة في نسبة السوء إليه، وقيل: الضمير للأمر الذي وقع فيه التشاجر وهو عبارة عن إرادة السوء التي أسندت إلى يوسف عليه السلام وتدبير عقوبته بقولها {مَا جَزَاء مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءا} [يوسف: 25] إلخ أي إن ذلك من جنس مكركن واحتيالكن، وقيل: هو للسوء وهو نفسه وإن لم يكن احتيالًا لكنه يلازمه، وقال الماوردي: هو لهذا الأمر وهو طمعها في يوسف عليه السلام؛ وجعله من الحيلة مجاز أيضًا كما في الوجه الذي قبله، وقال الزجاج: هو لقولها: {مَا جَزَاء} [يوسف: 25] إلخ فقط، واختار العلامة أبو السعود القيل الأول وتكلف له بما تكلف واعترض على ما بعده من الأقوال بما اعترض.
ولعل ما ذكرناه أقرب للذوق وأقل مؤنة مما تكلف له؛ وأيًا مّا كان فالخطاب عام للنساء مطلقًا وكونه لها ولجواريها كما قيل ليس بذاك، وتعميم الخطاب للتنبيه على أن الكيد خلق لهن عريق:
ولا تحسبا هندًا لها الغدر وحدها ** سجية نفس كل غانية هند

{إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ} فإنه ألطف وأعلق بالقلب وأشد تأثيرًا في النفس ولأن ذلك قد يورث من العار ما لا يورثه كيد الرجال، ولربات القصور منهن القدح المعلى من ذلك لأنهن أكثر تفرغًا من غيرهن مع كثرة اختلاف الكيادات إليهن فهن جوامع كوامل، ولعظم كيد النساء اتخذهن إبليس عليه اللعنة وسائل لإغواء من صعب عليه إغواؤه، ففي الخبر «ما أيس الشيطان من أحد إلا أتاه من جهة النساء» وحكي عن بعض العلماء أنه قال: أنا أخاف من النساء ما لا أخاف من الشيطان فإنه تعالى يقول: {إِنَّ كَيْدَ الشيطان كَانَ ضَعِيفًا} [النساء: 76] وقال للنساء: {إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ} [يوسف: 82] ولأن الشيطان يوسوس مسارقة وهن يواجهن به، ولا يخفى أن استدلاله بالآيتين مبني على ظاهر إطلاقهما، ومثله ما تنقبض له النفس وتنبسط يكفي فيه ذلك القدر فلا يضر كون ضعف كيد الشيطان إنما هو في مقابلة كيد الله تعالى، وعظيم كيدهن إنما هو بالنسبة إلى كيد الرجال، وما قيل: إن ما ذكر لكونه محكيًا عن قطفير لا يصلح للاستدلال به بوجه من الوجوه ليس بشيء لأنه سبحانه قصه من غير نكير فلا جناح في الاستدلال به كما لا يخفى.

.تفسير الآية رقم (29):

{يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ (29)}
{يُوسُفَ} حذف منه حرف النداء لقربه وكمال تفطنه للحديث، وفي ندائه باسمه تقريب له عليه السلام وتلطيف.
وقرأ الأعمش {يُوسُفَ} بالفتح، والأشبه على ما قال أبو البقاء: أن يكون أخرجه على أصل المنادي كما جاء في الشعر:
يا عديًا لقد وقتك الأواقي

وقيل: لم تضبط هذه القراءة عن الأعمش، وقيل: إنه أجرى الوقف مجرى الوصل ونقل إلى الفاء حركة الهمزة من قوله تعالى: {أَعْرِضْ عَنْ هذا} أي عن هذا الأمر واكتمه ولا تتحدث به فقد ظهر صدقك وطهارة ثوبك، وهذا كما حكى الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله بالوصل والفتح، وقرئ {أَعْرَضَ} بصيغة الماضي فيوسف حينئذٍ مبتدأ والجملة بعده خبر، ولعل المراد الطلب على أتم وجه فيؤول إلى معنى {أَعْرَضَ} {واستغفرى} أنت أيتها المرأة، وضعف أبو البقاء هذه القراءة بأن الأشبه عليها أن يقال: فاستغفري {لِذَنبِكِ} الذي صدر عنك وثبت عليك {إِنَّكَ كُنتَ} بسبب ذلك {مِنَ الخاطئين} أي من جملة القوم المتعمدين للذنب، أو من جنسهم يقال: خطئ يخطئ خطأ وخطأ إذا أذنب متعمدًا، وأخطأ إذا أذنب من غير تعمد، وذكر الراغب أن الخطأ العدول عن الجهة وهو أضرب: الأول: أن يريد غير ما تحسن إرادته فيفعله، وهذا هو الخطأ التام المأخوذ به الإنسان، والثاني أن يريد ما يحسن فعله ولكن يقع منه خلاف ما يريد وهذا قد أصاب في الإرادة وأخطأ في الفعل، ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: «من اجتهد فأخطأ فله أجر» الثالث: أن يريد ما لا يحسن فعله ويتفق منه خلافه فهذا مخطئ في الإرادة مصيب في الفعل، ولا يخفى أن المعنى الذي ذكرناه راجع إلى الضرب الأول من هذه الضروب، والجملة المؤكدة في موضع التعليل لأمر والتذكير لتغليب الذكور على الإناث واحتمال أن يقال: المراد إنك من نسل الخاطئين فمنهم سرى ذلك العرق الخبيث فيك بعيد جدًا، وهذا النداء قيل: من الشاهد الحكيم، وروي ذلك عن ابن عباس، وحمل الاستغفار على طلب المغفرة والصفح من الزوج، ويحتمل أن يكون المراد به طلب المغفرة من الله تعالى ويقال: إن أولئك القوم وإن كانوا يعبدون الأوثان إلا أنهم مع ذلك يثبتون الصانع ويعتقدون أن للقبائح عاقبة سوء من لديه سبحانه إذا لم يغفرها، واستدل على أنهم يثبتون الصانع أيضًا بأن يوسف عليه السلام قال لهم: {أأرباب مُّتَّفَرّقُونَ خَيْرٌ أَمِ الله الواحد القهار مَا} [يوسف: 39]، والظاهر أن قائل ذلك هو العزيز، ولعله كما قيل: كان رجلًا حليمًا، وروي ذلك عن الحسن، ولذا اكتفى بهذا القدر من مؤاخذتها، وروي أنه كان قليل الغيرة وهو لطف من الله تعالى بيوسف عليه السلام، وفي البحر أن تربة إقليم قطفير اقتضت ذلك، وأين هذا مما جرى لبعض ملوك المغرب أنه كان مع ندمائه المختصين به في مجلس أنس وجارية تغنيهم من وراء ستر فاستعاد بعض خلصائه بيتين من الجارية كانت قد غنت بهما فما لبث أن جيء برأس الجارية مقطوعًا في طست، وقال له الملك: استعد البيتين من هذا الرأس فسقط في يد ذلك المستعيد ومرض مدة حياة الملك.