فصل: تفسير الآية رقم (45):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (45):

{وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ (45)}
{وَقَالَ الَّذي نَجَا منْهُمَا} أي صاحبي يوسف عليه السلام وهو الشرابي {وَادَّكَرَ} بالدال غير المعجمة عند الجمهور، وأصله اذتكر أبدلت التاء دالًا وأدغمت الدال فيها. وقرأ الحسن غ- اذكر: بإبدال التاء ذالًا معجمة وإدغام الذال المعجمة فيها، والقراءة الأولى أفصح، والمعنى على كليهما تذكر ما سبق له مع يوسف عليه السلام {بَعْدَ أُمَّة} أي طائفة من الزمان ومدة طويلة. وقرأ الأشهب العقيلي {إمة} بكسر الهمزة وتشديد الميم أي نعمة عليه بعد نعمة، والمراد بذلك خلاصه من القتل والسجن وإنعام ملكه عليه، وعلى هذا جاء قوله:
ألا لا أرى ذا إمة أصبحت به ** فتتركه الأيام وهي كما هي

وقال ابن عطية: المراد بعد نعمة أنعم الله تعالى بها على يوسف عليه السلام وهي تقريب إطلاقه. ولا يخفى بعده. وقرأ ابن عباس وزيد بن علي رضي الله تعالى عنهم: وأمة: وأمه بفتح الهمزة والميم المخففة وهاء منونة من أمه يأمه أمهًا إذا نسي، وجاء في المصدر: أمه: بسكون الميم أيضًا فقد روي عن مجاهد وعكرمة وشبيل بن عزرة الضبعي أنهم قرأوا بذلك ولا عبرة بمن أنكر. والجملة اعتراض بين القول والمقول، وجوز أن تكون حالًا من الموصول أو من ضميره في الصلة، ويحتاج ذلك إلى تقدير قد على المشهور، وقيل: معطوفة على {نجا} وليس بشيء: كما قال بعض المحققين: لأن حق كل من الصلة والصفة أن تكون معلومة الانتساب إلى الموصول والموصوف عند المخاطب كما عند المتكلم، ومن هنا قيل: الأوصاف قبل العلم بها أخبار والأخبار بعد العلم بها أوصاف، وأنت تعلم أن تذكره بعد أمة إنما علم بهذه الجملة فلا معنى لنظمه مع نجاته المعلومة من قبل في سلك الصلة.
{أَنا أُنَبِّئُكُم بتَأْويله} أي أخبركم بتأويل ذلك الذي خفي أمره بالتلقي ممن عنده علمه لا من تلقاء نفسي ولذلك لم يقل أفتيكم في ذلك، وعقبه بقوله: {فَأَرْسلُون} إلى من عنده علمه، وأراد به يوسف عليه السلام وإنما لم يصرح به حرصًا على أن يكون هو المرسل إليه فإنه لو ذكره فلرا أرسلوا غيره وضمير الجمع إما لأنه أراد الملك وحده لكن خاطبه بذلك على سبيل التعظيم كما هو المعروف في خطاب الملوك، ويؤيده ما روي أنه لما سمع مقالة القوم جثى بين يدي الملك وقال: إن في السجن رجلًا عالمًا يعبر الرؤيا فابعثوني إليه فبعثوه وكان السجن: على ما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: في غير مدينة الملك، وقيل: كان فيها، قال أبو حيان: ويرسم الناس اليوم سجن يوسف عليه لاسلام في موضع على النيل بينه وبين الفسطاط ثمانية أميال. والله تعالى أعلم بحقيقة الحال. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الحسن أنه كان يقرأ: أنا آتيكم: مضارع أتى من الإتيان فقيل له: إنما هو أنا أنبئكم فقال: أهو كان ينبئهم؟!، وأخرج ابن المنذر وغيره عن أبيّ أنه قرأ أيضًا كذلك. وفي البحر أنه كذا في الإمام أيضًا.

.تفسير الآية رقم (46):

{يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ (46)}
{يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدّيقُ} في الكلام حذف اي فأرسلوه فأتاه فقال: يا يوسف. ووصفه بالمبالغة في الصدق حسا علمه وجرب أحواله في مدة إقامته معه في السجن لكونه بصدد اغتنام آثاره واقتباس أنواره، فهو من باب براعة الاستهلال. وفيه إشارة إلى أنه ينبغي للمستفتي أن يعظم المفتي، واستدل بذلك على أنهما لم يكذبا على يوسف في منامهما وأنهما كذبا في قولهما: كذبنا إن ثبت.
{أَفْتنَا في سَبْع بَقَرَات سمَان يَأكُلُهُنَّ سَبْعٌ عجَافٌ وَسَبْع سُنْبُلاَت خُضْر وَأُخَرَ يَابِسَات} أي في رؤيا ذلك، وإنما لم يصرح به لوضوح مرامه بقرينة ما سبق من معاملتهما ولدلالة مضمون الحادثة عليه حيث إن مثله لا يقع في عالم الشهادة، والمعنى بين لنا مآل ذلك وحكمه. وعبر عن ذلك بالإفتاء ولم يقل كما قال هو وصاحبه أولًا {نبئنا بتأويله} [يوسف: 36] تفخيمًا لشأنه عليه السلام حيث عاين رتبته في الفضل، ولم يقل: أفتني مع أنه المستفتي وحده إشعارًا بأن الرؤيا ليست له بل لغيره ممن له ملابسة بأمور العامة وأنه في ذلك معبر وسفير، ولذا لم يغير لفظ الملك، ويؤذن بهذا قوله: {لَّعَلِّي أَرْجعُ إلَى النَّاس} أي غلى الملك ومن عنده أو إلى أهل البلد فأنبئهم بما أفتيت {لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ} ذلك ويعملون قتضاه أو يعلمون فضلك ومكانك مع ما أنت فيه من الحال فتتخلص منه. والجملة عند أبي حيان على الأول كالتعليل للرجوع وعلى الثاني كالتعليل لأفتنا: وإنما لم يبت القول بل قال: {لعلي} و{لعلهم} مجاراة معه عليه السلام على نهج الأدب واحترازًا عن المجازفة إذ لم يكن على يقين من الرجوع:
فبينما المرء في الأحياء مغبط ** إذا هو الرمس تعفوه الأعاصير

ولا من علمهم بذلك فرا لم يعلموه إما لعدم فهمهم أو لعدم اعتمادهم.

.تفسير الآية رقم (47):

{قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ (47)}
{قَالََ} مستأنف على قياس ما مر غير مرة {تَزْرَعُونَ سَبْعَ سنينَ دَأَبًا} قرأ حفص بفتح الهمزة والجمهور بإسكانها، وقرئ: دابًا: بألف من غير همز على التخفيف، وهو في كل ذلك مصدر لدأب وأصل معناه التعب، ويكنى به عن العادة المستمرة لأنها تنشأ من مداومة العمل اللازم له التعب، وانتصابه على الحال من ضمير {تزرعون} أي دائبين أو ذوي دأب، وأفرد لأن المصدر الأصل فيه الإفراد أو على أنه مفعول مطلق لفعل محذوف أي تدأبون دأبًا. والجملة حالة أيضًا، وعند المبرد مفعول مطلق: لتزرعون: وذلك عنده نظير قعد القرفصاء وليس بشيء. وقد أول عليه السلام البقرات السمان والسنبلات الخضر بسنين مخاصيب والعجاف واليابسات بسنين مجدبة، فأخبرهم بأنهم يوظبون على الزراعة سبع سنين ويبالغون فيها إذ بذلك يتحقق الخصب الذي هو مصداق البقرات السمان وتأويلها، وقيل: المراد الأمر بالزراعة كذلك، فالجملة خبر لفظًا أمر معنى، وأخرج على صورة الخبر مبالغة في إيجاب إيجاده حتى كأنه وقع وأخبر عنه.
وأيد بأن قوله تعالى: {فَمَا حَصَدتُّمْ} أي في كل سنة {فَذَرُوهُ في سُنبُله} ولا تذروه كيلا يأكله السوس كما هو شأن غلال مصر ونواحيها إذا مضى عليها نحو عامين، ولعله استدل على ذلك بالسنبلات الخضر يناسب كونه أمرًا مثله، قيل: لأنه لو لم يؤوّل ذلك بالأمر لزم عطف الإنشاء على الخبر لأن: ما: إما شرطية أو موصولة متضمنة لمعنى الشرط، وعلى كل حال فلكون الجزاء إنشاء تكون إنشائية معطوفة على خبرية. وأجيب بأنا لا نسلم أن الجملة الشرطية التي جوابها إنشائي إنشائية، ولو سلم فلا نسلم العطف بل الجملة مستأنفة لنصحهم وإرشادهم إلى ما ينبغي أن يفعلوه حيث لم يكن معتادًا لهم كما كان الزرعكذلك، أو هي جواب شرط مقدر أي إن زرعتم فما حصدتم إلخ، وأيضًا يحتمل الأمر عكس ما ذكروه بأن يكون ذروه عنى تذروه، وأبرز في صورة الأمر لأنه بإرشاده فكأنهم أمرهم به. والتحقيق ما في الكشف من أن الأظهر أن {تزرعون} على أصله لأنه تأويل المنام بدليل قوله الآتي: {ثم يأتي} [يوسف: 48] وقوله: {فما حصدتم فذروه} اعتراض اهتمامًا منه عليه السلام بشأنهم قبل تتميم التأويل، وفيه ما يؤكد أمر السابق واللاحق كأنه قد كان فهو يأمرهم بما فيه صلاحهم وهذا هو النظم المعجز انتهى. وذكر بعضهم أن: ما حصدتم: إلخ على تقدير كون {تزرعون} عنى ازرعوا داخل في العبارة فإن أكل السبع العجاف السبع السمان وغلبة السنبلات اليابسات الخضر دال على أنهم يأكلون في السنين المجدبة ما حصل في السنين المخصبة، وطريق بقائه تعلموه من يوسف عليه السلام فبقي لهم في تلك المدة. وقيل: إن تزرعون على هذا التقدير وكذا ما بعده خارج عن العبارة، والكل كما ترى.
{إلاَّ قَليلًا مِّمَّا تَأْكُلُونَ} أي اتركوا ذلك في السنبل إلا ما لا غنى عنه من القليل الذي تأكلونه في تلك السنين، وفيه إرشاد إلى التقليل في الأكل. وقرأ السلمي {مما يأكلون} بالياء على الغيبة أي يأكل الناس، والاقتصار على استثناء المأكول دون البذر لكون ذلك معلومًا من قوله عليه السلام: {تزرعون سبع سنين}

.تفسير الآية رقم (48):

{ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ (48)}
{ثُمَّ يَأتي من بَعْد ذَلكَ} أي من بعد السنين السبع المذكورات، وإنما لم يقل من بعدهن قصدًا غلى تفخيم شأنهن {سَبْعٌ شدَادٌ} اي سبع سنين صعاب على الناس، وحذف التمييز لدلالة الأول عليه {يَأكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ} أي ما ادخرتم في تلك السنين من الحبوب المتروكة في سنابلها لأجلهن. وإسناد الأكل إليهن مع أنه حال الناس فيهن مجازي كما في قوله تعالى: {والنهار مبصرًا} [يونس: 67] واللام في {لهن} ترشيح لذلك، وكان الداعي إليه التطبيق بين المعبر والمعبر به، ويجوز أن يكون التعبير بذلك للمشاكلة لما وقع في الواقعة. وفسر بعضهم الأكل بالإفناء كما في قولهم: أكل السير لحم الناقة أي أفناه وذهب به {إلاَّ قَليلًا مِّمَّا تُحْصنُونَ} أي تحرزونه وتخبئونه لبزور الزراعة مأخوذ من الحصن وهو الحرز والملجأ.

.تفسير الآية رقم (49):

{ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ (49)}
{ثُمَّ يَأتي من بَعْد ذَلكَ} أي السنين الموصوفة بما ذكر من الشدة وأكل المدخر من الحبوب {عَامٌ} هو كالسنة لكن كثيرًا ما يستعمل فيما فيه الرخاء والخصب، والسنة فيما فيه الشدة والجدب ولهذا يعبر عن الجدب بالسنة، وكأنه تحاشيًا عن ذلك وتنبيهًا من أول الأمر على اختلاف الحال بينه وبين السوابق عبر به دون السنة {فيه يُغَاثُ النَّاسُ} أي يصيبهم غيث أي مطر كما قال ابن عباس ومجاهد والجمهور فهو من غاث الثلاثي اليائي، ومنه قول الأعرابية: غثنا ما شئنا؛ وقول بعضهم أذى البراغيث إذا البُرُّ أُغيث، وقيل: هو من الغوث أي الفرج، يقال: أغاثنا الله تعالى إذا أمدّنا برفع المكاره حين أظلتنا فهو رباعي واوي {وَفيه يَعْصرُونَ} من العصر المعروف أي يعصرون ما من شأنه أن يعصر من العنب والقصب والزيتون والسمسم ونحوها من الفواكه لكثرتها. والتعرض لذكره كما قال بعض المحققين مع جواز الاكتفاء عنه بذكر الغيث المستلزم له عادة كما اكتفى به عن ذكر تصرفهم في الحبوب: إما لأن استلزام الغيث له ليس كاستلزامه للحبوب إذ المذكورات يتوقف صلاحها على أمور أخرى غير المطر، وإما لمراعاة جانب المستفتي باعتبار حالته الخاصة به بشارة له، وهي التي يدور عليها حسن موقع تغليبه على الناس في قراءة حمزة والكسائي بالفوقانية. وعن ابن عباس تفسير ذلك بيحلبون وكأنه مأخوذ من العصر المعروف لأن في الحلب عصر الضرع ليخرج الدر. وتكرير {فيه} إما كما قيل: للإشعار باختلاف أوقات ما يقع فيه زمانًا وعنوانًا، وإما لأن المقام مقام تعداد منافع ذلك العام، ولأجله قدم في الموضعين على العامل فإن المقام بيان أنه يقع في ذلك العام هذا وذاك لا بيان أنهما يقعان في ذلك العام كما يفيده التأخير، وجوز أن يكون التقديم للقصر علىمعنى أن غيثهم في تلك السنين كالعدم بالنسبة إلى عامهم ذلك وأن يكون ذلك في الأخير لمراعاة الفواصل، وفي الأول لرعاية حاله.
وقرأ جعفر بن محمد رضي الله تعالى عنهما والأعرج وعيسى البصرة {يعصرون} على البناء للمفعول، وعن عيسى: تعصرون: بالفوقانية مبنيًا للمفعول أيضًا من عصره الله تعالى إذا أنجاه أي ينجيهم الله سبحانه مما هم فيه من الشدة، وهو مناسب لقوله: {يغاث الناس} وعن أبي عبيدة بالضم بالمنجاة وأنشد قول أبي زبيد في عثمان رضي الله تعالى عنه:
صاديًا يستغيث غير مغاث ** ولقد كان عصرة المنجود

وقال ابن المستنير معناه يمطرون من أعصرت السحابة عليهم أي حان وقت عصر الرياح لها لتمطر فعلي صلة الفعل كما في عصرت الليمون على الطعام فحذفت وأوصل الفعل بنفسه أو تضمن أعصرت معنى مطرت فتعدى تعديته.
وفي الصحاح عصر القوم أي أمطروا، ومنه قراءة بعضهم {وفيه يعصرون} وظاهره أن اللفظ موضوع لذلك فلا يحتاج إلى التضمين عليه. وحكى النقاش أنه قرئ {يعصرون} بضم الياء وكسر الصاد وتشديدها من عصر مشددًا للتكثير، وقرأ زيد بن علي رضي الله تعالى عنهما {وفيه تعصرون} بكسر التاء والعين والصاد وتشديدها، وأصله تعتصرون فأدغم التاء في الصاد ونقل حركتها إلى العين، وأتبع حركة التاء لحركة العين، واحتمل أن يكون من اعتصر العنب ونحوه أو من اعتصر عنى نجا، ومن ذلك قوله:
لو بغير الماء حلقي شرق ** كنت كالغصان بالماء اعتصاري

ثم إن أحكام هذا العام المبارك كما أخرج ابن جرير وغيره عن قتادة علم آتاه الله تعالى علمه لم يكن فيما سئل عنه، وروي مثل ذلك عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، وعنيا أن ذلك بالوحي وهو الظاهر. ولقد أتى عليه السلام بما يدل على فضله في آخر فتواه على عكس ما فعل بالوحي وهو الظاهر. ولقد أتى عليه السلام بما يدل على فضله في آخر فتواه على عكس ما فعل أولًا عند الجواب عن رؤيا صاحبيه حيث أتى بذلك في أولها ووجه ذلك ظاهر. وقيل: إن هذه البشارة منه عليه السلام لم تكن عن وحي بل لأن العادة جارية بأن انتهاء الجدب الخصب، أو لأن السنة الإلهية على أن يوسع على عباده سبحانه بعد ما ضيق عليهم، وفيه أنه لو كان كذلك لأجمل في البشارة، وإن حصر الجدب يقتضي تغييره بخصب مّا لا على ما ذكره خصوصًا على ما تقتضيه بعض القراءات من إغاثة بعضهم بعضًا فإنها لا تعلم إلا بالوحي. ثم إنه عليه السلام بعد أن أفتاهم وأرشدهم وبشرهم كان يتوقع وقوع ما أخبر به، فقد أخرج ابن أب يحاتم عن زيد بن أسلم أنه عليه السلام كان بعد ذلك يصنع لرجل طعام اثنين فيقربه إلى الرجل فيأكل نصفه ويدع نصفه حتى إذا كان يوم قربه له فأكله كله، فقال عليه السلام: هذا أول يوم من الشداد. واستدل البلخي بتأويله لذلك على بطلان قول من يقول: إن الرؤيا على ما عبرت أولًا فإنهم كانوا قد قالوا: {أضغاث أحلام} [يوسف: 44] فلو كان ما قالوه مؤثرًا شيئًا لأعرض عليه السلام عن تأويلها وفيه بحث، فقد روى أبو داود وابن ماجه عن أبي رزين «الرؤيا على جناح طائر ما لم تعبر فإذا عبرت وقعت، ولا تقصها إلا على وادّ وذي رأي»، ولعله إذا صح هذا يلتزم القول بأن الحكم على الرؤيا بأنها أضغاث أحلام وأنها لا ذيل لها ليس من التعبير في شيء، وإلا فالجمع بين ما هنا وبين الخبر مشكل.
وقال ابن العربي: إنه ينبغي أن يخص ذلك بما يحتمل من الرؤيا وجوهًا فيعبر بأحدها فيقع عليه. واستدلوا بذلك أيضًا على صحة رؤيا الكافر وهو ظاهر. وقد ذكروا للاستفتاء عن الرؤيا آدابًا: منها أن لا يكون ذلك عند طلوع الشمس أو عند غروبها أو في الليل، وقالوا: إن تعبيرها منامًا هو تعبيرها في نفس الأمر فلا تحتاج إلى تعبير بعد، وأكثروا القول فيما يتعلق بها، وأكثر ما قيل مما لا يظهر لي سره ولا أرى بعض ذلك إلا كأضغاث أحلام.