فصل: تفسير الآية رقم (14):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (14):

{لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلَّا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ (14)}
{لَهُ} أي لله تعالى: {دَعْوَةُ الحق} أي الدعاء والتضرع الثابت الواقع في محله المجاب عند وقوعه، والإضافة للإيذان لابسة الدعوة للحق واختصاصها به وكونها عزل من شائبة البطلان والضلال والضياع كما يقال: كلمة الحق؛ والمراد أن إجابة ذلك له تعالى دون غيره، ويؤيده ما بعد كما لا يخفى وقيل: المراد بدعوة الحق الدعاء عند الخوف فإنه لا يدعي فيه إلا الله تعالى كما قال سبحانه: {ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلا إِيَّاهُ} [الإسراء: 67] وزعم الماوردي أن هذا أشبه بسياق الآية، وقيل: الدعوة عنى الدعاء أي طلب الإقبال، والمراد به العبادة للاشتمال، والإضافة على طرز ما تقدم، وبعضنم يقول: إن هذه الإضافة من إضافة الموصوف إلى الصفة والكلام فيها شهير، وحاصل المعنى أن الذي يحق أن يعبد هو الله تعالى دون غيره.
ويفهم من كلام البعض على ما قيل أن الدعوة عنى الدعاء ومتعلقها محذوف أي للعبادة، والمعنى أنه الذي يحق أن يدعي إلى عبادته دون غيره، ولا يخفى ما بين المعنيين من التلازم فإنه إذا كانت الدعوة إلى عبادته سبحانه حقًا كانت عبادته جل شأنه حقًا وبالعكس، وعن الحسن أن المراد من الحق هو الله تعالى، وهو كما في البحر ثاني الوجهين اللذين ذكرهما الزمخشري، والمعنى عليه كما قال: له دعوة المدعو الحق الذي يسمع فيجيب، والأول ما أشرنا إليه أولًا وجعل الحق فيه مقابل الباطل.
وبين صاحب الكشف حاصل الوجهين بأن الكلام مسوق لاختصاصه سبحانه بأن يدعي ويعبد ردًا لمن يجادل في الله تعالى ويشرك به سبحانه الأنداد ولابد من أن يكون في الإضافة إشعار بهذا الاختصاص، فإن جعل الحق في مقابل الباطل فهو ظاهر، وإن جعل اسمًا من أسمائه تعالى كان الأصل لله دعوته تأكيدًا للاختصاص من اللام والإضافة ثم زيد ذلك بإقامة الظاهر مقام المضمر معادًا بوصف ينبئ عن اختصاصها به أشد الاختصاص فقيل: له دعوة المدعو الحق والحق من أسمائه سبحانه يدل على أنه الثابت بالحقيقة وما سواه باطل من حيث هو وحق بتحقيقه تعالى إياه فيتقيد بحسب كل مقام للدلالة على أن مقابله لا حقيقة له، وإذا كان المدعو من دونه بطلانه لعدم الاستجابة فهو الحق الذي يسمع فيجيب انتهى. وبهذا سقط ما قاله أبو حيان في الاعتراض على الوجه الثاني من أن مآله إلى الله دعوة الله وهو نظير قولك: لزيد دعوة زيد ولا يصح ذلك، واستغنى عما قال العلامة الطيبي في تأويله: من أن المعنى ولله تعالى الدعوة التي تليق أن تنسب وتضاف إلى حضرته جل شأنه لكونه تعالى سميعًا بصيرًا كريمًا لا يخيب سائله فيجيب الدعاء فإن ذلك كما ترى قليل الجدوى.
ويعلم مما في الكشف وجه تعلق هذه الجملة بما تقدم، وقال بعضهم: وجه تعلق هذه الجملة التي قبلها أعني قوله تعالى: {وَهُوَ شَدِيدُ المحال} [الرعد: 13] إن كان سبب النزول قصة أربد. وعامر أن إهلاكهما من حيث لم يشعرا به محال من الله تعالى وإجابة لدعوة رسوله صلى الله عليه وسلم فقد روي أنه عليه الصلاة والسلام قال: «اللهم احبسهما عني بما شئت» أو دلالة على رسوله صلى الله عليه وسلم على الحق، وإن لم يكن سبب النزول ذلك فالوجه أن ذلك وعيد للكفرة على مجادلتهم الرسول صلى الله عليه وسلم بحلول محاله بهم وتهديد بإجابة دعائه عليه الصلاة والسلام أن دعا عليهم أو بيان ضلالتهم وفساد رأيهم في عبادة غير الله تعالى، ويعلم مما ذكر وجه التعلق على بعض التفاسير إذا قلنا: إن سبب النزول قصة اليهودي أو الجبار فتأمل.
{والذين يَدْعُونَ} أي الأصنام الذين يدعونهم أي المشركون، وحذف عائد الموصول في مثل ذلك كثير، وجوز أن يكون الموصول عبارة عن المشركين وضمير الجمع المرفوع عائد إليه ومفعول {يَدَّعُونَ} محذوف أي الأصنام وحذف لدلالة قوله تعالى: {مِن دُونِهِ} عليه لأن معناه متجاوزين له وتجاوزه إنما هو بعبادتها ويؤيد الوجه الأول قراءة البزدوي عن أبي عمرو {تَدْعُونَ} بتاء الخطاب، وضمير {لا} عليه عائد على {يَتَذَكَّرُونَ الذين} وعلى الثاني عائد على مفعول {يَدَّعُونَ} وعلى كل فالمراد لا يستجيب الأصنام {لَهُمْ} أي للمشركين {بِشَيْء} من طلباتهم {إِلاَّ كباسط كَفَّيْهِ إِلَى الماء} أي لا يستجيبون شيئًا من الاستجابة وطرفًا منها إلا استجابة كاستجابة الماء لمن بسط كفيه إليه من بعيد يطلبه ويدعوه {لِيَبْلُغَ} أي الماء بنفسه من غير أن يؤخذ بشيء من إناء ونحوه {فَاهُ وَمَا هُوَ} أي الماء {بِبَالِغِهِ} أي ببالغ فيه أبدًا لكونه جمادًا لا يشعر بعطشه وبسط يديه إليه، وجوز أبو حيان كون {هُوَ} ضمير الفم والهاء في {بالغه} ضمير الماء أي وما فوه ببالغ الماء لأن كلًا منهما لا يبلغ الآخر على هذه الحال.
وجوز بعضهم كون الأول ضمير {وَكَلْبُهُمْ باسط} والثاني ضمير «الماء» قال أبو البقاء: ولا يجوز أن يكون الأول عائدًا على «باسط» والثاني عائدًا على الفم لأن اسم الفاعل إذا جرى على غير من هو له لزم إبراز الفاعل فكان يجب على ذلك أن يقال: وما هو ببالغه الماء، والجمهور على ما سمعت أولًا، والغرض كما قال بعض المدققين نفي الاستجابة على البت بتصوير أنهم أحوج ما يكونون إليها لتحصيل مباغيهم أخيب ما يكون أحد في سعيه لما هو مظطر إليه، والحاصل أنه شبه آلهتهم حين استكفائهم إياهم ما أهمهم بلسان الاضطرار في عدم الشعور فضلًا عن الاستطاعة للاستجابة وبقائهم لذلك في الخسار بحال ماء رأى من عطشان باسط كفيه إليه يناديه عبارة وإشارة فهو لذلك في زيادة الكباد والبوار، والتشبيه على هذا من المركب التمثيلي في الأصل أبرز في معرض التهكم حيث أثبت أنهما استجابتان زيادة في التخسير والتحسير، فالاستثناء مفرغ من أعم عام المصدر كما أشرنا إليه، والظاهر أن الاستجابة هناك مصدر من المبنى للفاعل وهو الذي يقتضيه الفعل الظاهر، وجوز أن يكون من المبني للمفعول ويضاف إلى الباسط بناءًا على استلزام المصدر من المبني للفاعل للمصدر من المبني للمفعول وجودًا وعدمًا فكأنه قيل: لا يستجيبون لهم بشيء فلا يستجاب لهم استجابة كائنة كاستجابة من بسط كفيه إلى الماء كما في قول الفرزدق:
وعض زمان يا ابن مروان لم يدع ** من المال إلا مسحت أو مجلف

أي لم يدع فلم يبق إلا مسحت أو مجلف. وأبو البقاء يجعل الاستجابة مصدر المبني للمفعول وإضافته إلى {باسط} من باب إضافة المصدر إلى مفعوله كما في قوله تعالى: {لاَّ يَسْئَمُ الانسان مِن دُعَاء الخير} [فصلت: 49] والفاعل ضمير {الماء} على الوجه الثاني في الموصول، وقد يراد من بسط الكفين إلى الماء بسطهما أي نشر أصابيعهما ومدها لشربه لا للدعاء، والإشارة إليه كما أشرنا إليه فيما تقدم، وعلى هذا قيل: شبه الداعون لغير الله تعالى بمن أراد أن يغرف الماء بيديه فبسطهما ناشرًا أصابعه في أنهما لا يحصلان على طائل، وجعل بعضهم وجه الشبه قلة الجدوى، ولعله أراد عدمها لكنه بالغ بذكر القلة وإرادة العدم دلالة على هضم الحق وإيثار الصدق ولإشمام طرف من التهكم، والتشبيه على هذا من تشبيه المفرد المقيد كقولك لمن لا يحصل من سعيه على شيء: هو كالراقم على الماء؛ فإن المشبه هو الساعي مقيدًا بكون سعيه كذلك والمشبه به هو الراقم مقيدًا بكونه على الماء كذلك فيما نحن فيه، وليس من المركب العقلي في شيء على ما توهم. نعم وجه الشبه عقلي اعتباري والاستثناء مفرغ عن أعم عام الأحوال أي لا يستجيب الآلهة لهؤلاء الكفرة الداعين إلا مشبهين أعني الداعين بمن بسط كفيه ولم يقبضهما وأخرجهما كذلك فلم يحصل على شيء لأن الماء يحصل بالقبض لا بالبسط. وروي عن علي كرم الله تعالى وجهه أن ذلك تشبيه بعطشان على شفير بئر بلا رشاء ولا يبلغ قعر البئر ولا الماء يرتفع إليه، وهو راجع إلى الوجه الأول وليس مغايرًا له كما قيل، وعن أبي عبيدة أن ذلك تشبيه بالقابض على الماء في أنه لا يحصل على شيء، ثم قال: والعرب تضرب المثل في الساعي فيما لا يدركه بذلك، وأنشد قول الشاعر:
فأصبحت فيما كان بيني وبينها ** من الود مثل القابض الماء باليد

وقوله:
وإني وإياكم وشوقًا إليكم ** كقابض ماء لم تسعه أنامله

وهو راجع إلى الوجه الثاني خلا أنه لا يظهر من {باسط} معنى قابض فإن بسط الكف ظاهر في نشر الأصابيع ممدودة كما في قوله:
تعود بسط الكف حتى لو أنه ** أراد انقباضًا لم تطعه أنامله

وكيفما كان فالمراد بباسط شخص باسط أي شخص كان، وما يقتضيه ظاهر ما روي عن بكير بن معروف من أنه قابيل حيث أنه لما قتل أخاه جعل الله تعالى عذابه أن أخذ بناصيته في البحر ليس بينه وبين الماء إلا إصبع فهو يريده ولا يناله مما لا ينبغي أن يعول عليه. وقرئ {كباسط كَفَّيْهِ} بالتنوين أي كشخص يبسط كفيه {وَمَا دُعَاء الكافرين إِلاَّ فِي ضلال} أي في ضياع وخسار وباطل، والمراد بهذا الدعاء إن كان دعاء آلهتهم فظاهر أنه كذلك لكنه فهم من السابق وحينئذٍ يكون مكررًا للتأكيد، وإن كان دعاءهم الله تعالى فقد استشكلوا ذلك بأن دعاء الكافرين قد يستجاب وهو المصرح به في الفتاوى، واستجابة دعاء إبليس وهو رأس الكافر نص في ذلك. وأجيب بأن المراد دعاؤهم الله تعالى بما يتعلق بالآخرة، وعلى هذا يحمل ما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما من أن أصوات الكفار محجوبة عن الله تعالى فلا يسمع دعاؤهم، وقيل: يجوز أن يراد دعاؤهم مطلقًا ولا يقيد بما أجيبوا به.

.تفسير الآية رقم (15):

{وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآَصَالِ (15)}
{وَللَّهِ} وحده {يَسْجُدُ} يخضع وينقاد لا لشيء غيره سبحانه استقلالًا ولا اشتراكًا، فالقصر ينتظم القلب والإفراد {مَن فِي السموات والأرض} من الملائكة والثقلين كما يقتضيه ظاهر التعبير ن، وتخصيص انقياد العقلاء مع كون غيرهم أيضًا كذلك لأنهم العمدة وانقيادهم دليل انقياد غيرهم على أن فيما سيأتي إن شاء الله تعالى بيانًا لذلك، وقيل: المراد ما يشمل أولئك وغيرهم، والتعبير بمن للتغليب {طَوْعًا وَكَرْهًا} نصب على الحال، فإن قلنا بوقوع المصدر حالًا من غير تأويل فهو ظاهر وإلا فهو بتأويل طائعين وكارهين أي أنهم خاضعون لعظمته تعالى منقادون لإحداث ما أراد سبحانه فيهم من أحكام التكوين والإعدام شاؤوا أو أبوا من غير مداخلة حكم غيره جل وعلا بل غير حكمه تعالى في شيء من ذلك.
وجوز أن يكون النصب على العلة فالكره عنى الإكراه وهو مصدر المبني للمفعول ليتحد الفاعل بناءً على اشتراط ذلك في نصب المفعول لأجله وهو عند من لم يشترط على ظاهره، وما قيل عليه من أن اعتبار العلية في الكره غير ظاهر لأنه الذي يقابل الطوع وهو الإباء ولا يعقل كونه علة للسجود فمدفوع بأن العلة ما يحمل على الفعل أو ما يترتب عليه لا ما يكون غرضًا له وقد مر عن قرب فتذكره، وقيل: النصب على المفعولية المطلقة أي سجود طوع وكره {وظلالهم} أي وتنقاد له تعالى ظلال من له ذلك منهم وهم الإنس فقط أو ما يعمهم وكل كثيف.
وفي «الحواشي الشهابية» ينبغي أن يرجع الضمير لمن في الأرض لأن من في السماء لا ظل له إلا أن يحمل على التغليب أو التجوز، ومعنى انقياد الظلال له تعالى أنها تابعة لتصرفه سبحانه ومشيئته في الامتداد والتقلص والفيء والزوال، وأصل الظل كما قال الفراء مصدر ثم أطلق على الخيال الذي يظهر للجرم، وهو إما معكوس أو مستو ويبني على كل منهما أحكام ذكروها في محلها {بالغدو والاصال} ظرف للسجود المقدر والباء عنى في وهو كثير، والمراد بهما الدوام لأنه يذكر مثل ذلك للتأبيد، قيل: فلا يقال لم خص بالذكر؟ وكذا يقال: إذا كانا في موضع الحال من الظلال، وبعضهم يعلل ذلك بأن امتدادها وتقلصها في ذينك الوقتين أظهر.
والغدو جمع غداة كقنى وقناة، والآصال جمع أصيل وهو ما بين العصر والمغرب، وقيل: هو جمع أصل جمع أصيل، وأصله أأصال بهمزتين فقلبت الثانية ألفًا، وقيل: الغدو مصدر وأيد بقراءة ابن مجلز {الإيصال} بكسر الهمة على أنه مصدر آصلنا بالمد أي دخلنا في الأصيل كما قاله ابن جني هذا، وقيل: إن المراد حقيقة السجود فإن الكفرة حالة الاضطرار وهو المعنى بقوله تعالى: {طَوْعًا وَكَرْهًا} يخصون السجود به سبحانه قال تعالى: {فَإِذَا رَكِبُواْ فِي الفلك دَعَوُاْ الله مُخْلِصِينَ لَهُ الدين} [العنكبوت: 65] ولا يبعد أن يخلق الله تعالى في الظلال أفهامًا وعقولًا بها تسجد لله تعالى شأنه كما خلق جل جلاله ذلك للجبال حتى اشتغلت بالتسبيح وظهرت فيها آثار التجلي كما قاله ابن الأنباري، وجوز أن يراد بسجودها ما يشاهد فيها من هيئة السجود تبعًا لأصحابها، وهذا على ما قيل: مبني على ارتكاب عموم المجاز في السجود المذكور في الآية بأن يراد به الوقوع على الأرض فيشمل سجود الظلال بهذا المعنى أو تقدير فعل مؤد ذلك رافع للظلال أو خبر له كذلك أو التزام أن إرادة ما ذكر لا يضر في الحقيقة لكونه بالتبعية والعرض أو أن الجمع بين الحقيقة والمجاز جائز ولا يخفى ما في بعض الشقوق من النظر. وعن قتادة أن السجود عبارة عن الهيئة المخصوصة وقد عبر بالطوع عن سجود الملائكة عليهم السلام والمؤمنين وبالكره عن سجود من ضمه السيف إلى الإسلام فيسجد كرهًا إما نفاقًا أو يكون الكره أول حالة فيستمر عليه الصفة وإن صح إيمانه بعد، وقيل: الساجد طوعًا من لا يثقل عليه السجود والساجد كرهًا من يثقل عليه ذلك. وعن ابن الأنباري الأول من طالت مدة إسلامه فألف السجود والثاني من بدأ بالإسلام إلى أن يألف، وأيًا ما كان فمن عام أريد به مخصوص إذ يخرج من ذلك من لا يسجد، وقيل: هو عام لسائر أنواع العقلاء والمراد بيسجد يجب أن يسجد لكن عبر عن الوجوب بالوقوع مبالغة.
واختار غير واحد في تفسير الآية ما ذكرناه أولًا، ففي البحر والذي يظهر أن مساق الآية إنما هو أن العالم كله مقهور لله تعالى خاضع لما أراد سبحانه منه مقصور على مشيئته لا يكون منه إلا ما قدر جل وعلا فالذين تعبدونهم كائنًا ما كانوا داخلون تحت القهر لا يستطيعون نفعًا ولا ضرًا، ويدل على هذا المعنى تشريك الظلال في السجود وهي ليست أشخاصًا يتصور منها السجود بالهيئة المخصوصة ولكنها داخلة تحت مشيئته تعالى يصرفها سبحانه حسا أراد إذ هي من العالم والعالم جواهره وأعراضه داخلة تحت قهر إرادته تعالى كما قال سبحانه: {أَوَ لَمْ يَرَوْاْ إلى مَا خَلَقَ الله مِن شَيْء يَتَفَيَّأُ ظلاله عَنِ اليمين والشمآئل سُجَّدًا لِلَّهِ} [النحل: 48] وكون المراد بالظلال الأشخاص كما قال بعضهم ضعيف وأضعف منه ما قاله ابن الأنباري، وقياسها على الجبال ليس بشيء لأن الجبل يمكن أن يكون له عقل بشرط تقدير الحياة وأما الظل فعرض لا يتصور قيام الحياة به وإنما معنى سجودها ميلها من جانب إلى جانب واختلاف أحوالها كما أراد سبحانه وتعالى. وفي إرشاد العقل السليم بعد نقل ما قيل أولًا وأنت خبير بأن اختصاص سجود الكافر حالة الاضطرار والشدة لله تعالى لا يجدي فإن سجوده للصنم حالة الاختيار والرخاء مخل بالقصر المستفاد من تقديم الجار والمجرور، فالوجه حمل السجود على الانقياد ولأن تحقيق انقياد الكل في الإبداع والإعدام له تعالى ادخل في التوبيخ على اتخاذ أولياء من دونه سبحانه وتعالى من تحقيق سجودهم له تعالى اه؛ وفي تلك الأقوال بعد ما لا يخفى على الناقد البصير.