فصل: تفسير الآية رقم (35):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (35):

{مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا وَعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ (35)}
{مَّثَلُ الجنة} أي نعتها وصفتها كما أخرجه ابن أبي حاتم. وأبو الشيخ عن عكرمة، فهو على ما في البحر من مثلت الشيء إذا وصفته وقربته للفهم، ومنه {وَلَهُ المثل الاعلى} [الروم: 27] أي الصفة العليا، وأنكر أبو علي ذلك وقال: إن تفسير المثل بالصفة غير مستقيم لغة ولم يوجد فيها وإنما معناه الشبيه.
وقال بعض المحققين: إنه يستعمل في ثلاثة معان. فيستعمل عنى الشبيه في أصل اللغة، وعنى القول السائر المعروف في عرف اللغة، وعنى الصفة الغريبة، وهو معنى مجازي له مأخوذ من المعنى العرفي بعلاقة الغرابة لأن المثل إنما يسير بين الناس لغرابته، وأكثر المفسرين على تفسيره هنا بالصفة الغريبة، وهو حينئذ مبتدأ خبره عند سيبويه محذوف أي فيما يقص ويتلى عليكم صفة الجنة {التى وُعِدَ المتقون} أي عن الكفر والمعاصي، وقدر مقدما لطول ذيل المبتدأ ولئلا يفصل بينه وبين ما يتعلق به معنى، وقوله تعالى: {تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الانهار} جملة مفسرة كخلقه من تراب في قوله سبحانه: {إِنَّ مَثَلَ عيسى عِندَ الله كَمَثَلِ ءادَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ} [آل عمران: 59] أو مستأنفة استئنافًا بيانيًا أو حال من العائد المحذوف من الصلة أي التي وعدها، وقيل: هي الخبر على طريقة قولك: شأن زيد يأتيه الناس ويعظمونه. واعترض بأنه غير مستقيم معنى لأنه يقتضي أن الأنهار في صفة الجنة وهي فيها لا في صفتها، وفيه أيضًا تأنيث الضمير العائد على {مَثَلُ} حملا على المعنى، وقد قيل: إنه قبيح. وأجيب بأن ذاك على تأويل أنها تجري، فالمعنى مثل الجنة جريان الأنهار أو أن الجملة في تأويل المفرد فلا يعود منها ضمير للمبتدأ أو المراد بالصفة ما يقال فيه هذا إذا وصف، فلا حاجة إلى الضمير كما في خبر ضمير الشأن.
وقال الطيبي: إن تأنيث الضمير لكونه راجعًا إلى الجنة لا إلى المثل، وإنما جاز ذلك لأن المقصود من المضاف عين المضاف إليه وذكره توطئة وليس نحو غلام زيد. وتعقب كل ذلك الشهاب بأنه كلام ساقط متعسف لأن تأويل الجملة بالمصدر من غير حرف سابك شاذ، وكذا التأويل بأنه أريد بالصفة لفظها الموضوف به وليس في اللفظ ما يدل عليه وهو تجوز على تجوز ولا يخفى تكلفه، وقياسه على ضمير الشأن قياس مع الفارق، وأما عود الضمير على المضاف إليه دون المبتدأ في مثل ذلك فأضعف من بيت العنكبوت فالحزم الاعراض عن هذا الوجه، وعن الزجاج أن الخبر محذوف والجملة المذكورة صفة له، والمراد مثل الجنة جنة تجري إلى آخره، فيكون سبحانه قد عرفنا الجنة التي لم نرها بما شاهدناه من أمور الدنيا وعايناه.
وتعقبه أبو علي على ما في البحر بأنه لا يصح لا على معنى الصفة ولا على معنى الشبه لأن الجنة التي قدرها جئة ولا تكون صفة ولأن الشبه عبارة عن المماثلة التي بين الشيئين وهو حدث فلا يجوز الاخبار عنه بالجنة الجثة. ورد بأن المراد بالمثل المثيل أو الشبيه فلا غبار في الأخبار، وقيل: إن التشبيه هنا تمثيلي منتزع وجهه من عدة أمور من أحوال الجنان المشاهدة من جريان أنهارها وغضارة أغصانها والتفاق أفنانها ونحوه، ويكون قوله تعالى: {أُكُلُهَا دَائِمٌ وِظِلُّهَا} بيانًا لفضل تلك الجنان وتمييزها عن هذه الجنان المشاهدة، وقيل: إن هذه بيان لحال جنان الدنيا على سبيل الفرض وأن فيما ذكر انتشارًا واكتفاء في النظير جرد جريان الأنهار وهو لا يناسب البلاغة القرآنية وهو كما ترى.
ونقل عن الفراء أن الجملة خبر أيضًا إلا أن المثل عنى الشبه مقحم، والتقدير الجنة التي وعد المتقون تجري من تحتها الأنهار إلى آخره، وقد عهد اقحامه بهذا المعني، ومنه قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْء} [الشورى: 11] وتعقبه أبو حيان بأن اقحام الأسماء لا يجوز، ورد بأنه في كلامهم كثير كثم اسم السلام عليكما ولا صدقة إلا عن ظهر غني إلى غير ذلك، والأولى بعد القيل والقال الوجه الأول فإنه سالم من التكلف مع ما فيه من الإيجاز والإجمال والتفصيل، والظاهر أن المراد من الأكل ما يؤكل فيها، ومعنى دوامه أنه لا ينقطع أبدًا، وقال إبراهيم التيمي: إن لذته دائمة لا تزاد بجوع ولا تمل بشبع وهو خلاف الظاهر.
وفسر بعضهم الأكل بالثمرة، فقيل: وجهه أنه ليس في جنة الدنيا غيره وإن كان في الموعودة غير ذلك من الأطعمة، واستظهر أن ذلك لإضافته إلى ضمير الجنة والأطعمة لا يقال فيها أكل الجنة وفيه تردد، والظل في الأصل ضد الضح وهو عند الراغب أعم من الفيء فإنه يقال: ظل الليل ولا يقال فيؤه، ويقال لكل موضع لم تصل إليه الشمس ظل ولا يقال الفيء إلا لما زالت عنه، وفي القاموس هو الضح والفيء أو هو بالغداة والفيء بالعشى جمعه ظلال وظلول وإظلال، ويعبر به عن العزة والمنعة وعن الرفاهة، والمشهور تفسيره هنا بالمعنى الأول، وهو مبتدأ محذوف الخبر أي وأكلها كذلك أي دائم، والجملة معطوفة على الجملة التي قبلها، ومعنى دوامه أنه لا ينسخ كما ينسخ في الدنيا بالشمس إذ لا شمس هناك على الشائع عند أهل الأثر أو لأنها لا تأثير لها على ما قيل، ويجوز عندي أن يراد بالظل العزة أو الرفاهة وان يراد المعنى الأول ويجعل الكلام كناية عن دوام الراحة، وأكقر خارجة بن معصب كما روي عنه ذلك ابن المنذر.
وأبو الشيخ القائل بعدم دوام الجنة كما يحكي عن جهم. وأتباعه لهذه الآية. وبها استدل القاضي على أنها لم تخلق بعد لأنها لو كانت مخلوقة لوجب أن يفنى وينقطع أكلها لقوله تعالى: {كُلُّ شَيْء هَالِكٌ} [القصص: 88] لكن أكلها لا ينقطع ولا يفنى للآية المذكورة فوجب أن لا تكون مخلوقة بعد، ثم قال: ولا ننكر أن يكون الآن جنان كثيرة في السماء يتمتع بها من شاء الله تعالى من الأنبياء والشهداء وغيرهم إلا أنا نقول: إن جنة الخلد إنما تخلق بعد الإعادة. وأجاب الإمام عن ذلك بأن دليله مركب من شيئين قوله تعالى: {هُوَ كُلُّ شَيْء هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ} [القصص: 88] وقوله سبحانه: {أُكُلُهَا دَائِمٌ} فإذا أدخلنا التخصيص في أحد هذين العمومين سقط الدليل فنحن نخصص أحدهما بالدلائل الدالة على أن الجنة مخلوقة كقوله تعالى: {وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السماء والأرض أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ ءامَنُواْ} [الحديد: 21] اه.
ويرد على الاستدلال أنه مشترك الالزام إذ الشيء في قوله تعالى: {كُلُّ شَيْء هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ} [القصص: 88] الموجود مطلقًا كما في قوله تعالى: {خالق كُلّ شَيْء وَهُوَ على كُلّ شَيْء وَكِيلٌ} [الزمر: 62] والمعنى أن كل ما يوجد في وقت من الأوقات يصير هالكًا بعد وجوده فيصح أن يقال: لو وجدت الجنة في وقت لوجب هلاك أكلها تحقيقًا للعموم لكن هلاكه باطل لقوله تعالى: {أُكُلُهَا دَائِمٌ} فوجدها في وقت من الأوقات باطل. وأجيب بأنه لعل المراد من الشيء الموجود في الدنيا فإنها دار الفناء دون الموجود في الآخرة فإنها دار البقاء وهذا كاف في عدم اشتراك الإلزام وفيه أنه ان أريد أن معنى الشيء هو الموجود في الدنيا فهو ظاهر البطلان، وان أريد أن المراد ذلك بقرينة كونه محكومًا عليه بالهلاك وهو إنما يكون في الدنيا لأنها دار الفناء فنقول: إنه تخصيص بالقرينة اللفظية فنحن نخصصه بغير الجنة لقوله تعالى: {أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} [آل عمران: 133] و{أُكُلُهَا دَائِمٌ} فلا يتم الاستدلال.
وأجاب غير الإمام بأن المراد هو الدوام العرفي وهو عدم طريان العدم زمانًا يقيد به وهذا لا ينافي طريان العدم عليه وانقطاعه لحظة على أن الهلاك لا يستلزم الفناء بل يكفي فيه الخروج عن الانتفاع المقصود، ولو سلم يجوز أن يكون المراد أن كل ممكن فهو هالك في حد ذاته عنى أن الوجود الإمكاني بالنظر إلى الوجود الواجبي نزلة العدم، وقيل: في الجواب أيضًا: إن المراد بالدوام المعنى الحقيقي أعني عدم طريان العدم مطلقاف، والمراد بدوام الأكل دوام النوع وبالهلاك هلاك الأشخاص، ويجوز أن لا ينقطع النوع أصلًا مع هلاك الأشخاص بأن يكون هلاك كل شخص معين من الأكل بعد وجود مثله، وهذا مبني على ما ذهب إليه الأكثرون من أن الجنة لا يطرأ عليها العدم ولو لحظة، وأما على ما قيل: من جريانه عليها لحظة فلا يتم لأنه يلزم منه انقطاع النوع قطعًا كما لا يخفى.
وقرأ علي كرم الله تعالى وجهه. وابن مسعود رضي الله تعالى عنه {أصحاب الجنة} وفي اللوامح عن السلمي {أصحاب الجنة} أي صفاتها {تِلْكَ} الجنة المنعوتة بما ذكر {عقبى الذين اتقوا} الكفر والمعاصي أي مآلهم ومنتهى أمرهم {وَّعُقْبَى الكافرين النار} لا غير كما يؤذن به تعريف الخبر، وحمل الاتقاء على اتقاء الكفر والمعاصي لأن المقام مقام ترغيب وعليه يكون العصاة مسكوتًا عنهم، وقد يحمل على إتقاء الكفر بقرينة المقابلة فيدخل العصاة في الذين اتقوا لأن عاقبتهم الجنة وإن عذبوا.

.تفسير الآية رقم (36):

{وَالَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمِنَ الْأَحْزَابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَلَا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُو وَإِلَيْهِ مَآَبِ (36)}
{والذين ءاتيناهم الكتاب} نزلت كما قال الماوردي في مؤمني أهل الكتابين كعبد الله بن سلام. وكعب. وأضرابهما من اليهود وكالذين أسلموا من النصارى كالثمانين المشهورين وهم أربعون رجلًا بنجران وثمانية باليمن واثنان وثلاثون بالحبشة، فالمراد بالكتاب التوراة والانجيل {يَفْرَحُونَ بما أُنزِلَ إِلَيْكَ} إذ هو الكتاب الموعود فيما أوتوه {وَمِنَ الاحزاب} أي من أحزابهم وهم كفرتهم الذين تحزبوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعداوة ككعب بن الأشرف. وأصحابه. والسيد. والعاقب أسقفي نجران. وأشياعهما، وأصله جمع حزب بكسر وسكون الطائفة المتحزبة أي المجتمعة لأمر ما كعداوة وحرب وغير ذلك، وإرادة جماعة مخصوصة منه بواسطة العهد {مَن يُنكِرُ بَعْضَهُ} وهو ما لا يوافق كتبهم من الشرائع الحادثة إنشاء أو نسخًا وأما ما يوافق كتبهم فلم ينكروهر وإن لم يفرحوا به، وعن ابن عباس. وابن زيد أنها نزلت في مؤمني اليهود خاصة. فالمراد بالكتاب التوراة وبالأحزاب كفرتهم. وعن مجاهد. والحسن. وقتادة أن المراد بالموصول جميع أهل الكتاب فإنهم كانوا يفرحون بما يوافق كتبهم. فالمراد بما أنزل إليك بعضه وهو الموافق، واعترض عليه بأنه يأباه مقابلة قوله سبحانه: {وَمِنَ الاحزاب مَن يُنكِرُ بَعْضَهُ} لأن إنكار البعض مشترك بينهم، وأجيب بأن المراد من الأحزاب من حظه انكار بعضه فحسب ولا نصيب له من الفرح ببعض منه لشدة بغضه وعداوته وأولئك يفرحون ببعضه الموافق لكتبهم، وقيل: الظاهر أن المعنى أن منهم من يفرح ببعضه إذا وافق كتبهم وبعضهم لا يفرح بذلك البعض بل يغتم به وان وافقها وينكر الموافقة لئلا يتبع أحد منهم شريعته صلى الله عليه وسلم كما في قصة الرجم، وأنت تعلم أن الجوابين ليسا بشيء، وعلى تفسير الموصول بعامة أهل الكتاب فسر البعض البعض بما لم يوافق ما حرفوه، وبين ذلك بأن منهم من يفرح بما وافق ومنهم من ينكره لعناده وشدة فساده، وانكارهم لمخالفة المحرف بالقول دون القلب لعلمهم به أو هو بالنسبة لمن لم يحرفه، ولعل نعى الإنكار أوفق بالمقام من نعى التحريف عليهم على ما لا يخفى على المتأمل، وقيل: المراد بالموصول مطلق المسلمين وبالأحزاب اليهود والنصارى والمجوس.
وأخرج ذلك ابن جرير عن قتادة، فالمراد بالكتاب القرآن، ومعنى {يَفْرَحُونَ} استمرار فرحهم وزيادته وقالت فرقة: المراد بالأحزاب أحزاب الجاهلية من العرب، وقال مقاتل: هم بنو أمية. وبنو المغيرة. وآل أبي طلحة {قُلْ} صادعًا بالحق غير مكترث نكر بعض ما أنزل إليك {إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ الله وَلا أُشْرِكَ بِهِ} أي شيئًا من الأشياء أولا أفعل إلا شراك به سبحانه، والظاهر أن المراد قصر الأمر على عبادته تعالى خاصة وهو الذي يقتضيه كلام الإمام حيث قال: إن {إِنَّمَا} للحصر ومعناه إني ما أمرت إلا بعبادة الله تعالى وهو يدل على أنه لا تكليف ولا أمر ولا نهي إلا بذلك، وقيل: معناه انما أمرت بعبادته تعالى وتوحيده لا بما أنتم عليه.
وفي إرشاد العقل السليم أن المعنى الزامًا للمنكرين وردًا لانكارهم إنما أمرت إلى آخره، والمراد قصر الأمر بالعبادة على الله تعالى لا قصر الأمر مطلقًا على عبادته سبحانه أي قل لهم: إنما أمرت فيما أنزل إلي بعبادة الله تعالى وتوحيده. وظاهر أن لا سبيل لكم إلى إنكاره لاطباق جميع الأنبياء عليهم السلام والكتب على ذلك لقوله تعالى: {تَعَالَوْاْ إلى كَلِمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَن لا *نَعْبُدَ إِلاَّ الله وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا} [آل عمران: 64] فما لكن تشركون به عزيرًا. والمسيح عليهما السلام، ولا يخفى أن هذا التفسير مبني على كون المراد من الأحزاب كفرة أهل الكتابين وهذا الكلام إلزام لهم، واعترض بأن منهم من ينكر التوحيد وإطباق جميع الأنبياء والكتب عليه كالمثلثة من النصارى.
وأجيب بأنهم مع التثليث يزعمون التوحيد ولا ينكرونه كما يدل عليه قوله: باسم الأب والابن وروح القدس إلهًا واحدًا، وأنت تعلم أن هذا مما لا يحتاج إليه والاعتراض ناشيء من الغفلة عن المراحد، وقد يقال: المعنى إنما أمرت بعبادة الله تعالى وعدم الإشراك به وذلك أمر تستحسنه العقول وتصرح به الدلائل الآفاقية والانفسية:
وفي كل شيء له آية ** تدل على أنه واحد

فانكاره دليل الحماقة وشاهد الجهالة لا ينبغي لعاقل أن يلتفت إليه، ويجري هذا على سائر تفاسير الأحزاب.
وقرأ أبو خليد عن نافع {وَلاَ أُشْرِكُ} بالرفع على القطع أي وأنا لا أشرك، وجوز أن يكون حالًا أي أن أعبد الله غير مشرك به قيل: وهو الأولى لخلو الاستئناف عن دلالة الكلام على أن المأمور به تخصيص العبادة به تعالى وفيه بحث {إِلَيْهِ} أي إلى الله تعالى خاصة على النهج المذكور من التوحيد أو إلى ما أمرت به من التوحيد {أَدْعُو} الناس لا إلى غيره ولا إلى شيء آخر مما لا يطبق عليه الكتب الإلهية والأنبياء عليهم السلام فما وجه انكاركم؟ قاله في الإرشاد أيضًا، والأولى عود الضمير على الله تعالى كنظيره السابق وكذا اللاحق في قوله سبحانه: {وَإِلَيْهِ} أي الله تعالى وحده {مَئَابٍ} أي مرجعي للجزاء وعلى ذلك اقتصر العلامة البيضاوي وكان قد زاد ومرجعكم فيما تقدم غير بعيد، واعترض بأنه كان عليه أن يزيده هنا أيضًا بل هذا المقام أنسب بالتعميم ليدل على ثبوت الحشر عمومًا وهو المروى عن قتادة، وقد جعل الإمام هذه الآية جامعة لكل ما يحتاج المرء إليه من معرفة المبدأ والمعاد فقوله سبحانه: {قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَعْبُدَ الله وَلا أُشْرِكَ بِهِ} جامع لكل ما ورد التكليف به وقوله تعالى: {إِلَيْهِ أَدْعُو} مشير إلى نبوته عليه الصلاة والسلام.
وقوله جل وعلا: {وَإِلَيْهِ مَابِ} إشارة إلى الحشر والبعث والقيامة. وأجاب الشهاب عن ذلك بقوله: إن قول الزمخشري إليه لا إلى غيره مرجعي وأنتم تقولون مثل ذلك فلا معنى لانكاركم فيه بيان لنكتة التخصيص من أنهم ينكرون حقيقة أو حكمًا فلا حاجة إلى ما يقال لا حاجة لذكره هنا لدلالة قوله تعالى: {تِلْكَ عقبى الذين اتقوا وَّعُقْبَى الكافرين النار} [الرعد: 35] انتهى.
وهو كما ترى، ولعل الاظهر أن يقال: إن دلالة الكلام عليه هنا ليست كدلالته عليه هناك إذ مساق الآية فيه للتخويف اللائق به اعتباره ومساقها هنا لأمر آخر والاقتصار على ذلك كاف فيه.
وأنت تعلم أنه لا مانع من اعتباره ويكون معنى الآية قل في جوابهم: إني إنما أمرني الله تعالى بما هو من معالي الأمور وإليه أدعو وقتًا فوقتا وإليه مرجعي ومرجعكم فيثيبني على ما أنا عليه وينتقم منكم على إنكاركم وتخلفكم عن اتباع دعوتي أو فحينئذ يظهر حقية جميع ما أنزل إلي ويتبين فساد رأيكم في إنكار كم شيئًا منه، وقد، يقال على عدم اعتباره نحو ما قيل فيما قبل: إن المعنى قل في مقابلة إنكارهم إني إنما أمرني الله تعالى بما أمرني به وإليه ادعو وإليه مرجعي فيما يعرض لي في أمر الدعوة وغيره فلا أبالي بانكاركم فانه سبحانه كاف من رجع إليه، ولعل هذا المعنى هنا من حيث انه فيه تأسيس محض أولى منه هناك، واقتصر في الإرشاد على جعل الكلام إلزامًا وجعله نكتة أمره صلى الله عليه وسلم بأن يخاطبهم بذلك وذكر أن قوله تعالى: