فصل: تفسير الآية رقم (3):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (3):

{الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآَخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ (3)}
{الذين يَسْتَحِبُّونَ الحياة الدنيا عَلَى الاخرة} أي يختارونها عليها فإن المختار للشيء يطلب من نفسه أن يكون أحب إليه من غيره، فالسين للطلب، والمحبة مجاز مرسل عن الاختيار والإيثار بعلاقة اللزوم في الجملة فلا يضر وجود أحدهما بدون الآخر كاختيار المريض الدواء المر لنفعه وترك ما يحبه ويشتهيه من الأطعمة اللذيذة لضرره، ولاعتبار التجوز عدى الفعل بعلى ويجوز أن يكون استفعل عنى أفعل كاستجاب عنى أجاب والفعل مضمن معنى الاختيار والتعدية بعلى لذلك {وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ الله} يعوقون الناس ويمنعونهم عن دين الله تعالى والإيمان به وهو الصراط الذي بين شأنه، والاقتصار على الإضافة إلى الاسم الجليل المنطوي على كل وصف جميل لزوم الاختصار.
وقرأ الحسن {يَصِدُّونَ} من أصد المنقول من صده صدود إذا تنكب وحاد وهو ليس بفصيح بالنسبة إلى القراءة الأخرى لأن في صده مندوحة عن تكلف النقل ولا محذور في كون القراءة المتواترة أفصح من غيرها، ومن مجيء أصد قوله:
أناس أصدوا الناس بالسيف عنهم ** صدود السواقي عن أنوف الحوائم

ونظير هذا وقفه وأوقفه {وَيَبْغُونَهَا} أي يبغون لها فحذف الجار وأوصل الفعل إلى الضمير أي يطلبون لها {عِوَجَا} أي زيغًا واعوجاجًا وهي أبعد شيء عن ذلك أي يقولون لمن يريدون صده وإضلاله عن السبيل هي سبيل ناكبة وزائغة غير مستقيمة، وقيل: المعنى يطلبون أن يروا فيها ما يكون عوجًا قادحًا فيها كقول من لم يصل إلى العنقود وليسوا بواجدين ذلك، وكلا المعنيين أنسب مما قيل: إن المعنى يبغون أهلها أن يعوجوا بالردة. ومحل موصول هذه الصلات الجر على أنه بدل كما قيل من {الكافرين} [إبراهيم: 2] فيعتبر كل وصف من أوصافهم بما يناسبه من المعاني المعتبرة في الصراط، فالكفر المنبئ عن الستر بإزاء كونه نورًا، واستحباب الحياة الدنيا الفانية المفصحة عن وخامة العاقبة قابلة كون مسلوكه محمود العاقبة، والصد عنه بإزاء كونه سالكه عزيزًا.
وقال الحوفي. وأبو البقاء: إنه صفة {الكافرين} ورد ذلك أبو حيان بأن فيه الفصل بين الصفة والموصوف بأجنبي وهو {مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ} [إبراهيم: 2] سواء كان في موضع الصفة لويل أو متعلقًا حذوف، ونظير ذلك على الوصفية قولك: الدار لزيد الحسنة القرشي وهو لا يجوز لأنك قد فصلت بين زيد وصفته بأجنبي عنهما، والتركيب الصحيح فيه أن يقال: الدار الحسنة لزيد القرشي أو الدار لزيد القرشي الحسنة، وقيل إذا جعل {مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ} [إبراهيم: 2] خبر مبتدأ محذوف والجملة اعتراضية لا يضر الفصل بها وهو كما ترى، وجوز أن يكون محله النصب على الذم أو الرفع عليه بأن يقدر أنه كان نعتًا فقطع أي هم الذين، وجوز أن لا يقدر ذلك ويجعل مبتدأ خبره قوله تعالى: {أُوْلَئِكَ فِي ضلال} أي بعد عن الحق {بَعِيدٍ} وهو على غير هذا الوجه استئناف في موضع التعليل، وفيه تأكيد لما أشعر به بناء الحكم على الموصول، والمراد أنهم قد ضلوا عن الحق ووقعوا عنه راحل.
وفي الآية من المبالغة في ضلالهم ما لا يخفى حيث أسند فيها إلى المصدر ما هو لصاحبه مجازًا كجد جده إلا أن الفرق بين ما نحن فيه وذاك أن المسند إليه في الأول مصدر غير المسند وفي ذاك مصدره وليس بينهما بعد.
ويجوز أن يقال: إنه أسند فيها ما للشخص إلى سبب إتصافه بما وصف به بناء على أن البعد في الحقيقة صفة له باعتبار بعد مكانه عن مقصده وسبب بعده ضلاله لأنه لو لم يضل لم يبعد عنه، فيكون كقولك: قتل فلانًا عصيانه، والإسناد مجازي وفيه المبالغة المذكورة أيضًا، وفي الكشاف هو من الإسناد المجازي والبعد في الحقيقة للضال فوصف به فعله، ويجوز أن يراد في ضلال ذي بعد أو فيه بعد لأن الضال قد يضل عن الطريق مكانًا قريبًا وبعيدًا، وكتب عليه في الكشف أن الإسناد المجازي على جعل البعد لصاحب الضلال لأنه الذي يتباعد عن طريق الضلال فوصف ضلاله بوصفه مبالغة وليس المراد إبعادهم في الضلال وتعمقهم فيه.
وأما قوله: فيجوز أن يراد في ضلال ذي بعد فعلى هذا البعد صفة للضلال حقيقة عنى بعد غوره وأنه هاوية لا نهاية لها، وقوله: أو فيه بعد على جعل الضلال مستقرًا للبعد نزلة مكان بعيد عن الجادة وهو معنى بعده في نفسه عن الحق لتضادهما، وإليه الإشارة بقوله: لأن الضال قد يضل مكانًا بعيدًا وقريبًا، والغرض بيان غاية التضاد وأنه بعد لا يوازن وزانه، وعلى جميع التقادير البعد مستفاد من البعد المسافي إلى تفاوت ما بين الحق والباطل أو ما بين أهلهما وجاز أن يكون قوله: ذي بعد أو فيه بعد وجهًا واحدًا إشارة إلى الملابسة بين الضلال والبعد لا بواسطة صاحب الضلال لكن الأول أولى تكثيرًا للفائدة، ثم قوله تعالى: {أُوْلَئِكَ فِي ضلال} دون أن يقول سبحانه: أولئك ضالون ضلالًا بعيدًا للدلالة على تمكنهم فيه تمكن المظروف في الظرف وتصوير اشتمال الضلال عليهم اشتمال المحيط على المحاط وليكون كناية بالغة في إثبات الوصف أعني الضلال على الأوجه فافهم.

.تفسير الآية رقم (4):

{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (4)}
{وَمَا أَرْسَلْنَا} أي في الأمم الخالية من قبلك كما سيذكر إن شاء الله تعالى إجمالًا {مِن رَّسُولٍ إِلاَّ} متلبسًا {بِلِسَانِ قَوْمِهِ} متكلمًا بلغة من أرسل إليهم من الأمم المتفقة على لغة سواء بعث فيهم أولًا، وقيل: بلغة قومه الذين هو منهم وبعث فيهم، ولا ينتقض الحصر بلوط عليه السلام فإنه تزوج منهم وسكن معهم، وأما يونس عليه السلام فإنه من القوم الذين أرسل إليهم كما قالوه فلا حاجة إلى القول بأن ذلك باعتبار الأكثر الأغلب ولعل الأولى ما ذكرنا. وقرأ أبو السمال. وأبو الحوراء. وأبو عمران الجوني {بلسن} بإسكان السين على وزن ذكر وهي لغة في لسان كريش ورياش، وقال صاحب اللوامح: إنه خاص باللغة واللسان يطلق عليها وعلى الجارحة وإلى ذلك ذهب ابن عطية. وقرأ أبو رجاء. وأبو المتوكل. والجحدري {بلسن} بضم اللام والسين وهو جمع لسان كعماد وعمد. وقرئ {بلسن} بضم اللام وسكون السين وهو مخفف لسن كرسل ورسل {الله لِيُبَيّنَ} ذلك الرسول {لَهُمْ} لأولئك القوم الذين أرسل إليهم ما كلفوا به فيتلقوه منه بسهولة وسرعة فيمتثلوا ذلك من غير حاجة إلى الترجمة وحيث لم تتأت هذه القاعدة في شأن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى إخوانه المرسلين أجمعين لعموم بعثته وشموله رسالته الأسود والأحمر والجن والبشر على اختلاف لغاتهم وكان تعدد نظم الكتاب المنزل إليه صلى الله عليه وسلم عليه حسب تعدد ألسنة الأمم أدعى إلى التنازع واختلاف الكلمة وتطرق أيدي التحريف مع أن استقلال بعض من ذلك بالإعجاز مئنة لقدح القادحين، واتفاق الجميع فيه أمر قريب من الإلجاء المنافي للتكليف، وحصل البيان بالترجمة والتفسير اقتضت الحكمة المنبئ عن العزة وجلالة الشأن المستتبع لفوائد غنية عن البيان، على أن الحاجة إلى الترجمة تتضاعف عند التعدد إذ لابد لكل طائفة من معرفة توافق الكل حذو القذة بالقذة من غير مخالفة ولو في خصلة فذة، وإنما يتم ذلك بمن يترجم عن الكل واحدًا أو متعددًا وفيه من التعذر ما فيه، ثم لما كان أشرف الأقوام وأولاهم بدعوته عليه الصلاة والسلام قومه الذين بعث بين ظهرانيهم ولغتهم أفضل اللغات نزل الكتاب المبين بلسان عربي مبين وانتشرت أحكامه بين الأمم أجمعين، كذا قرره شيخ الإسلام الإسلام والمسلمين وهو من الحسن كان، بيد أن بعضهم أبقى الكلام على عمومه بحيث يشمل النبي صلى الله عليه وسلم وأراد بالقوم الذين ذلك الرسول منهم وبعث فيهم، والمراد من قومه صلى الله عليه وسلم العرب كلهم، ونقل ذلك أبو شامة في المرشد عن السجستاني واحتج بقوله صلى الله عليه وسلم:
«انزل القرآن على سبعة أحرف» وفيه نظر ظاهر.
وقال ابن قتيبة: المراد منهم قريش ولم ينزل القرآن إلا بلغتهم، وقيل: إنما نزل بلغة مضر خاصة لقول عمر رضي الله تعالى عنه: نزل القرآن بلغة مضر، وعين بعضهم فيما حكاه ابن عبد البر سبعًا منهم هذيل وكنانة وقيس وضبة وتيم الرباب وأسيد بن خزيمة وقريش، وأخرج أبو عبيد عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال: نزل بلغة الكعبين كعب قريش وكعب خزاعة فقيل: وكيف؟ فقال: لأن الدار واحدة يعني خزاعة كانوا جيران قريش فسهلت عليهم لغتهم؛ وجاء عن أبي صالح عنه أنه قال: نزل على سبع لغات منها خمس بلغة العجز من هوازن ويقال لهم عليا هوازن، ومن هنا قال أبو عمرو بن العلاء: أفصح العرب عليا هوازن وسفى تميم يعني بني دارم، والذي يذهب مذهب السجستاني يقول: إن في القرآن ما نزل بلغة حمير. وكنانة. وجرهم. وأزد شنوءة. ومذحج. وخثعم. وقيس عيلان. وسعد العشيرة. وكندة. وعذرة. وحضرموت. وغسان. ومزينة. ولخم. وجذام. وحنيفة. واليمامة. وسبا. وسليم. وعمارة. وطي. وخزاعة. وعمان. وتميم. وأنمار. والأشعريين. والأوس. والخزرج. ومدين؛ وقد مثل لكل ذلك أبو القاسم، وذكر أبو بكر الواسطي أن في القرآن من اللغات خمسين لغة وسردها ممثلًا لها إلا أنه ذكر أن فيه من غير العربية الفرس والنبط والحبشة والبربر والسريانية والعبرانية والقبط، والذاهب إلى ما ذهب إليه ابن قتيبة يقول: إن ما نسب إلى غير قريش على تقدير صحة نسبته مما يوافق لغتهم، ونقل أبو شامة عن بعض الشيوخ أنه قال: إنه نزل أولًا بلسان قريش ومن جاورهم من العرب الفصحاء ثم أبيح لسائر العرب أن تقرأه بلغاتهم التي جرت عاداتهم باستعمالها كاختلافهم في الألفاظ والإعراب، ولم يكلف أحد منهم الانتقال من لغتهم إلى لغة أخرى للمشقة. ولما كان فيهم من الحمية ولطلب تسهيل المراد، لكن أنت تعلم أن هذه الإباحة لم تستمر، وكون المتبادر من قومه عليه الصلاة والسلام قريشًا مما لا أظن أن أحدًا يمتري فيه ويليه في التبادر العرب. وفي البحر أن سبب نزول الآية أن قريشًا قالوا: ما بال الكتب كلها أعجمية وهذا عربي؟ وهذا إن صح ظاهر في العموم، ثم إنه لا يلزم من كون لغته لغة قريش أو العرب اختصاص بعثته صلى الله عليه وسلم بهم، وإن زعمت طائفة من اليهود يقال لهم العيسوية اختصاص البعثة بالعرب لذلك، وحكمة إنزاله بلغتهم أظهر من أن تخفى، وقيل: الضمير في {قَوْمِهِ} لمحمد صلى الله عليه وسلم المعلوم من السياق فإنه كما أخرج ابن أبي عن سفيان الثوري لم ينزل وحي إلا بالعربية ثم ترجم كل نبي لقومه، وقيل: كان يترجم ذلك جبريل عليه السلام ونسب إلى الكلبي، وفيه أنه إذا لم يقع التبيين إلا بعد الترجمة فات الغرض مما ذكر، وضمير {لَهُمْ} للقوم بلا خلاف وهم المبين لهم بالترجمة.
وفي الكشاف أن ذلك ليس بصحيح لأن ضمير {لَهُمْ} للقوم وهم العرب فيؤدي إلى أن الله تعالى أنزل التوراة مثلًا بالعربية ليبين للعرب وهو معنى فاسد.
وتكلف الطيبي دفع ذلك بأن الضمير راجع إلى كل قوم بدلالة السياق، والجواب كما في الكشف أنه لا يدفع عن الإيهام على خلاف مقتضى المقام. واحتج بعض الناس بهذه الآية على أن اللغات اصطلاحية لا توقيفية قال: لأن التوقيف لا يحصل إلا بإرسال الرسل، وقد دلت الآية على أن إرسال كل من الرسل لا يكون إلا بلغة قومه وذلك يقتضي تقدم حصول اللغات على إرسال الرسول، وإذا كان كذلك امتنع حصول تلك اللغات بالتوقيف فوجب حصولها بالاصطلاح انتهى.
وأجيب بأنا لا نسلم توقف التوقيف على إرسال الرسل لجواز أن يخلق الله تعالى في العقلاء علمًا بأن الألفاظ وضعها واضع لكذا وكذا، ولا يلزم من هذا كون العاقل عالمًا بالله تعالى بالضرورة بل الذي يلزم منه ذلك لو خلق سبحانه في العقلاء علمًا ضروريًا بأنه تعالى الواضع وأين هذا من ذاك، على أنه لا ضرر في التزام خلق الله تعالى هذا العلم الضروري وأي ضرر في كونه سبحانه معلوم الوجود بالضرورة لبعض العقلاء؟ والقول بأنه يبطل التكليف حينئذٍ على عمومه غير مسلم وعلى تخصيصه بالمعرفة مسلم وغير ضار {فَيُضِلُّ الله مَن يَشَاء} إضلاله أي يخلق فيه الضلال لوجود أسبابه المؤدية إليه فيه، وقيل: يخذله فلا يلطف به لما يعلم أنه لا ينجع فيه الإلطاف {وَيَهْدِى} يخلق الهداية أو يمنح الإلطاف {مَن يَشَآء} هدايته لما فيه من الأسباب المؤدية إلى ذلك، والالتفات بإسناد الفعلين إلى الاسم الجليل لتفخيم شأنهما وترشيح مناط كل منهما، والفاء قيل فصيحة مثلها في قوله تعالى: {فَقُلْنَا اضرب بّعَصَاكَ الحجر فانفجرت} [البقرة: 60] كأنه قيل: فبينوه لهم فأضل الله تعالى من شاء إضلاله وهدى من شاء هدايته حسا اقتضته حكمته تعالى البالغة، والحذف للإيذان بأن مسارعة كل رسول إلى ما أمر به وجريان كل من الفعلين على سننه أمر محقق غني عن الذكر والبيان. وفي الكشف وجه التعقيب عن السابق كوجهه في قوله تعالى: {يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا} [البقرة: 26] على معنى أرسلنا الكتاب للتبيين فمنهم من نفعناه بذلك البيان ومنهم من جعلناه حجة عليه، والفاء على هذا تفصيلية، والعدول إلى صيغة الاستقبال لاستحضار الصورة أو الدلالة على التجدد والاستمرار حيث تجدد البيان من الرسل عليهم السلام المتعاقبة عليهم، وتقديم الإضلال على الهداية كما قال بعض المحققين إما لأنه إبقاء ما كان على ما كان والهداية إنشاء ما لم يكن أو للمبالغة في بيان أنه لا تأثير للتبيين والتذكير من قبل الرسل عليهم السلام وأن مدار الأمر إنما هو مشيئته تعالى بإيهام أن ترتيب الضلالة أسرع من ترتب الاهتداء، وهذا محقق لما سلف من تقييد الإخراج من الظلمات إلى النور بإذن ربهم {وَهُوَ العزيز} فلا يغالب في مشيئته تعالى: {الحكيم} فلا يشاء ما يشاء إلا لحكمة بالغة، وفيه كما في البحر وغيره أن ما فوض إلى الرسل عليهم الصلاة والسلام إنما هو التبليغ وتبيين طريق الحق، وأما الهداية والإرشاد إليه فذلك بيد الله تعالى يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد. ثم إن هذه الآية ظاهرة في مذهب أهل السنة من أن الضلالة والهداية بخلقه سبحانه، وقد ذكر المعتزلة لها عدة تأويلات، وللإمام فيها كلام طويل إن أردته فارجع إليه.