فصل: تفسير الآية رقم (31):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (31):

{قُلْ لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آَمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خِلَالٌ (31)}
{قُل لّعِبَادِىَ الذين ءامَنُواْ} وخصهم بالإضافة إليه تعالى رفعًا لهم وتشريفًا وتنبيهًا على أنهم المقيمون لوظائف العبودية الموفون بحقوقها، وترك العطف بين الأمرين للإيذان بتباين حالهم تهديدًا وغيره، ومقول القول على ما ذهب إليه المبرد. والأخفش. والمازني محذوف دل عليه {يُقِيمُواْ} أي قال لهم: أقيموا الصلاة وأنفقوا. {يُقِيمُواْ الصلاة *وَيُنْفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ} والفعل المذكور مجروم على أنه جواب {قلذ عندهم. وأورد أنه لا يلزم من قوله عليه الصلاة والسلام: أقيموا وأنفقوا أن يفعلوا. ورد بأن المقول لهم الخلص وهم متى أمروا امتثلوا، ومن هنا قالوا: إن في ذلك إيذانًا بكمال مطاوعتهم يفعلوا. ورد بأن المقول لهم الخلص وهم متى أمروا امتثلوا، ومن هنا قالوا: إن في ذلك إيذانًا بكمال مطاوعتهم وغاية مسارعتهم إلى الامتثال، ويشد عضد ذلك حذف المقول لما فيه من إيهام أنهم يفعلون من غير أمر، على أن مبنى الإيراد على أنه يشترط في السببية التامة وقد منع. وجعل ابن عطية قل عنى بلغ وأد الشريعة والجزم في جواب ذلك. وهو قريب مما تقدم.
وحكى عن أبي علي. وعزى للمبرد أن الجزم في جواب الأمر المقول المحذوف، وتعقبه أبو البقاء بأنه فاسد لوجهين: الأول أن جواب الشرط لابد أن يخالف فعل الشرط اما في الفعل أو في الفاعل أو فيهما فإذا اتحدا لا يصح كقولك: قم تقم إذا التقدير هنا إن يقيموا يقيموا. والثاني أن الأمر المقدر للمواجهة والفعل المذكور على لفظ الغيبة وهو خطأ إذا كان الفاعل واحدًا. وقيل عليه: إن الوجه الأول قريب، وأما الثاني فليس بشيء لأنه يجوز أن تقول: قل لعبدك أطعني يطعك وإن كان للغيبة بعد المواجهة باعتبار حكاية الحال.
وعن أبي علي. وجماعة أن {يقيموا} خبر في معنى الأمر وهو مقول القول. ورد بحذف النون وهي في مثل ذلك لا تحذف، ومنه قوله تعالى: {هَلْ أَدُلُّكمْ على تجارة تُنجِيكُم} إلى قوله سبحانه: {تُؤْمِنُونَ} [الصف: 10، 11] إذ المراد منه آمنوا، والقول بأنه لما كان عنى الأمر بني على حذف النون كما بنى الاسم التمكن في النداء على الضم في نحو يا زيد لما شبه بقبل وبعد وما لم يبن إنما لوحظ فيه لفظه مما لا يكاد يلتفت إليه، وذهب الكسائي. والزجاج. وجماعة إلى أنه مقول القول وهو مجزوم بلام أمر مقدرة أي ليقيموا وينفقوا على حد قول الأعشى:
محمد تفد نفسك كل نفس ** إذا ما خفت من أمر تبالا

وأنت تعلم أن اضمار الجازم أضعف من إضمار الجار إلا أن تقدم {قُلْ} نائب منابه؛ كما أن كثرة الاستعمال في أمر المخاطب ينوب مناب ذلك، والشيء إذا كثر في موضع أو تأكد الدلالة عليه جاز حذفه، منه حذف الجار من أني إذا كانت عنى من أين، وا ذكرنا من النيابة فارق ما هنا ما في البيت فلا يضرنا تصريحهم فيه بكون الحذف ضرورة، وعن ابن مالك أنه جعل حذف هذه اللام على أضرب.
قليل. وكثير. ومتوسط، فالكثير أن يكون قبله قول بصيغة الأمر كما في الآية، والمتوسط ما تقدمه قول غير أمر كقوله:
قلت لبواب لديه دارها ** تيذن فإني حمها وجارها

والقليل ما سوى ذلك. وظاهر كلام الكشف اختيار هذا الوجه حيث قال المدقق فيه: والمعنى على هذا أظهر لكثرة ما يلزم من الاضمار، وان تقييد الجواب بقوله تعالى: {مّن قَبْلِ أَن يَأْتِىَ} إلى {وَلاَ خلال} ليس فيه كثير طائل إنما المناسب تقييد الأمر به، وقال ابن عطية: ويظهر أن مقول القول: {الله الذى} [إبراهيم: 32] إلخ ولا يخفى ما في ذلك من التفكيك، على أنه لا يصح حينئذ أن يكون {يُقِيمُواْ} مجزومًا في جواب الأمر لأن قول: {الله الذى} [إبراهيم: 32] إلخ لا يستدعي إقامة الصلاة والإنفاق إلا بتقدير بعيد جدًا هذا، والمراد بالصلاة قيل ما يعم كل صلاة فرضًا كانت أو تطوعًا، وعن ابن عباس تفسيرها بالصلاة المفروضة وفسر الإنفاق بزكاة الأموال.
ولا يخفى عليك أن زكاة المال إنما فرضت في السنة الثانية من الهجرة بعد صدقة الفطر وان هذه السورة كلها مكية عند الجمهور، والآيتين ليست هذه الآية إحداهن عند بعض، ثم إن لم يكن هذا المأمور به في الآية مأمورًا به من قبل فالأمر ظاهر وإن كان مأمورًا به فالأمر للدوام فتحقق ذلك ولا تغفل {سِرّا وَعَلاَنِيَةً} منتصبان على المصدرية لكن من الأمر المقدر أو من الفعل المذكور على ما ذهب إليه الكسائي ومن معه على ما قيل، والأصل إنفاق سر وإنفاق علانية فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه فانتصب انتصابه، ويجوز أن يكون الأصل إنفاقًا سرًا وإنفاقًا علانية فحذف الموصوف وأقيمت صفته مقامه، وجوز أن يكونا منتصبين على الحالية أما على التأويل بالمشتق أو على تقدير مضاف أي مسرين ومعلنين أو ذوي سر وعلانية أو على الظرفية أي في سر وعلانية، وقد تقدم الكلام في حكم نفقة السر ونفقة العلانية {مّن قَبْلِ أَن يَأْتِىَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ} فيبتاع المقصر فيه ما يتلافى به تقصيره أو يفتدي به نفسه، والمقصود كما قال بعض المحققين نفى عقدًا لمعاوضة بالمرة، وتخصيص البيع بالذكر للإيجاز مع المبالغة في نفي العقد إذ انتفاء البيع يستلزم انتفاء الشراء على أبلغ وجه وانتفاؤه را يتصور مع تحقق الإيجاب من البائع انتهى، وقيل: إن البيع كما يستعمل في إعطاء المثمن وأخذا الثمن وهو المعنى الشائع يستعمل في إعطاء الثمن وأخذ المثمن وهو معنى الشراء؛ وعلى هذا جاء قوله صلى الله عليه وسلم: «لا يبيعن أحدكم على بيع أخيه» ولا مانع من إرادة المعنيين هنا، فإن قلنا بجواز استعمال المسترك في معنييه مطلقًا كما قال به الشافعية أو في النفي كما قال به ابن الهمام فذاك وإلا احتجنا إلى ارتكاب عموم المجاز فكأنه قيل: لا معاوضة فيه {وَلاَ خلال} أي مخالة فهو كما قال أبو عبيدة وغيره مصدر خاللته كالخلال، وقال الأخفش: هو جمع خليل كأخلاء وأخلة، والمراد واحد وهو نفي أن يكون هناك خليل ينتفع به بأن يشفع له أو يسامحه بما يفتدي به، ويحتمل أن يكون المعنى من قبل أن يأتي يوم لا انتفاع فيه لما لهجوا بتعاطيه من البيع والمخالة ولا انتفاع بذلك وإنما الانتفاع والارتفاق فيه بالإنفاق لوجه الله تعالى، فعلى الأول المنفي البيع والخلال في الآخرة، وعلى هذا المراد نفي البيع والخلال الذين كانا في الدنيا عنى نفي الانتفاع بهما، و{فِيهِ} ظرف للانتفاع المقدر حسا أشرنا إليه، ولا يشكل ما هنا مع قوله تعالى: {الاخلاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ المتقين} [الزخرف: 67] حيث أثبت فيه المخالة وعدم العداوة بين المتقين لأن المراد هنا على ما قيل نفي المخالة النافعة بذاتها في تدارك ما فات ولم يذكر في تلك الآية أن المتقين يتدارك بعضهم لبعض ما فات.
وقيل: في التوفيق بين الآيتين: إن المراد لا مخالة بسبب ميل الطبع ورغبة النفس وتلك المخالة الواقعة بين المتقين في الله تعالى، مع أن الاستثناء من الإثبات لا يلزمه النفي وإن سلم لزومه فنفى العداوة لا يلزم منه املخالة وهو كما ترى؛ ومثله ما قيل: إن الإثبات والنفي بحسب المواطن. والظرف على ما استظهره غير واحد متعلق بالأمر المقدر، وعلقه بالفعل المذكور من رأى رأى الكسائي ومن معه بل وبعض من رأى غير ذلك إلا أنه لا يخلو عن شيء، وتذكير اتيان ذلك اليوم على ما في إرشاد العقل السليم لتأكيد مضمون الأمر من حيث أن كلا من فقدان الشفاعة وما يتدارك به التقصير معاوضة وتبرعًا وانقطاع آثار البيع والخلال والواقعين في الدنيا وعدم الانتفاع بهما من أقوى الدواعي إلى الإتيان بما تبقى عوائده وتدوم فوائده من الإنفاق في سبيل الله تعالى أو من حيث أن ادخار المال وترك انفاقه إنما يقع غالبًا للتجارات والمهاداة فحيث لا يمكن ذلك في الآخرة فلا وجه لادخاره إلى وقت الموت. وتخصيص أمر الإنفاق بذلك التأكيد لميل النفوس إلى المال وكونها مجبولة على حبه والضنة به. وفيه أيضًا أنه لا يبعد أن يكون تأكيدًا لمضمون الأمر بإقامة الصلاة أيضًا من حيث أن تركها كثيرًا ما يكون للاشتغال بالبياعات والمخاللات كما في قوله تعالى: {وَإِذَا رَأَوْاْ تجارة أَوْ لَهْوًا انفضوا إِلَيْهَا} [الجمعة: 11] وأنت تعلم بعده لفظًا بناء على تعلق {سِرّا وَعَلاَنِيَةً} بالأمر بالإنفاق، ثم إن ما ذكر من الوجهين في الآية هو الذي ذكره بعض المحققين، واقتصر الزمخشري فيها على الوجه الثاني، وكلامه في تقريره ظاهر في أن فائدة التقييد الحث على الإنفاق حسا بينه في الكشف، وفيه تقرير الحاصل أن قوله تعالى: {لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خلال} أي لا انتفاع بهما كناية عن الانتفاع بما يقابلهما وهو ما أنفق لوجه الله تعالى فهو حث على الإنفاق لوجهه سبحانه كأنه قيل: لينفقوا له من قبل أن يأتي يوم ينتفع بانفاقهم المنفقون له ولا ينفع الندم لمن أمسك، والعدول إلى ما في النظم الجليل ليفيد الحصر وإن ذلك وحده هو المنتفع به، وليفيد المضاة بين ما ينفع عاجليًا وما ينفع آجليًا، وذكر في آية البقرة (254) {مّن قَبْلِ أَن يَأْتِىَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خُلَّةٌ} أن المعنى من قبل أن يأتي يوم لا تقدرون فيه على تدارك ما فاتكم من الإنفاق لأنه لا بيع حتى تبتاعوا ما تنفقونه ولا خلة حتى يسامحكم أخلاؤكم به، وبين المدقق وجه اختصاص كل من المعنيين وضعه مع صحة جريانهما جميعًا في كل من الموضعين بأن الأول خطاب عام فكان الحث فيه الإنفاق مطلقًا وتصوير أن الإنفاق نفسه هو المطلوب فليغتنم قبل أن يأتي يوم يفوت فيه ولا يدركه الطالب هو الموافق لمقتضى المقام وأن الثاني لما اختص بالخلص كان الموافق للمقام تحريضهم على ما هم عليه من الإنفاق ليدوموا عليه فقيل: دوموا عليه وتمسكوا به تغتبطوا يوم لا ينفع إلا من دام عليه، ولو قيل: دوموا عليه قبل أن يفوتكم ولا تدركوه لم يكن بتلك الوكادة لأن الأول بالحث على طلب أصل الفعل أشبه والثاني بطلب الدوام فتفطن له اه ولا يخلو عن دغدغة.
وقرأ أبو عمرو. وابن كثير. ويعقوب {لاَّ بَيْعٌ فِيهَا وَلاَ *خلال} بفتح الاسمين تنصيصًا على استغراق النفي، ودلالة الرفع على ذلك باعتبار خطابي هو على ما قيل وقوعه في جواب هل فيه بيع أو خلال؟ ثم إنه لما ذكر سبحانه أحوال الكافر لنعمه وأمر المؤمنين بإقامة مراسم الطاعة شكرًا لها شرع جل وعلا في تفصيل ما يستوجب على كافة الانام المثابرة على الشكر والطاعة من النعم العظام والمنن الجسام حثًا للمؤمنين عليها وقريعًا للكفرة المخلين أتم اخلال بها فقال عز قائلًا:

.تفسير الآية رقم (32):

{اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ (32)}
{الله الذي خَلَقَ السموات والأرض} إلخ، وهذا أولى مما قيل: إنه تعالى لما أطال الكلام في وصف أحوال السعداء والأشقياء وكان حصول السعادة عرفة الله تعالى وصفاته والشقاوة بالجهل بذلك ختم الوصف بالدلائل الدالة على وجوده جل شأنه وكمال علمه وقدرته فقال سبحانه ما قال لظهور اعتبار المذكورات في حيز الصلة نعمًا لا دلائل، والاسم الجليل مبتدأ والموصول خبره ولا يخفى ما في الكلام من تربية المهابة والدلالة على قوة السلطان، والمراد خلق السموات وما فيها من الإجرام العلوية والأرض وما فيها من أنواع المخلوقات {وَأَنزَلَ مِنَ السماء} أي السحاب {مَاء} أي نوعًا منه وهو المطر، وسمى السحاب سماء لعلوه وكل ما علاك سماء؛ وقيل: المراد بالسماء الفلك المعلوم فإن المطر منه يتبدى إلى السحاب ومن السحاب إلى الأرض، وعليه الكثير من المحدثين لظواهر الأخبار.
واستبعد ذلك الإمام لأن الإنسان را كان واقفًا على قلة جبل عال ويرى السحاب أسفل منه فإذا نزل رآه ماطرًا، ثم قال: وإذا كان هذا أمرًا مشاهدًا بالبصر كان النزاع فيه باطلًا، وأول بعضهم الظواهر لذلك بأن معنى نزول المطر من السماء نزوله بأسباب ناشئة منها، وإيامًا كان {فَمَنْ} ابتدائية وهي متعلقة {بأنزل} وتقديم المجرور على المنصوب اما باعتبار كونه مبتدأ لنزوله أو لتشريفه كما في قولك: أعطاه السلطان من خزائنه مالًا أو لما مر غير مرة من التشويق إلى المؤخر {مَاء فَأَخْرَجَ بِهِ} أي بذلك الماء {مِنَ الثمرات رِزْقًا لَّكُمْ} تعيشون به وهو عنى المرزوق مرادًا به المعنى اللغوي وهو كل ما ينتفع به فيشمل المطعوم والملبوس، ونصبه على أنه مفعول {أَخْرَجَ} و{مِنَ الثمرات} بيان له فهو في موضع الحال منه، وتقدم {مِنْ} البيانية على ما تبينه قد أجازه الكثير من النحاة وقد مر الكلام في ذلك، واستظهر أبو حيان المانع لذلك كون {مِنْ} للتبعيض، والجار والمجرور في موضع الحال و{رِزْقًا} مفعول {أَخْرَجَ} أيضًا، وجوز أن تكون {مِنْ} عنى بعض مفعول أخرج و{رِزْقًا} عنى مرزوقًا حالًا منه فهو بيان للمراد من بعض الثمرات لأن منها ما ينتفع به فهو رزق ومنها ما ليس كذلك، ويجوز أن يكون {رِزْقًا} باقيًا على مصدريته، ونصبه على أنه مفعول له أي أخرج به ذلك لأجل الرزق والانتفاع به أو مفعول مطلق لأخرج لأن أخرج بعض الثمرات في معنى رزق فيكون في معنى قعدت جلوسًا على المشهور، وقيل: من زائدة ولا يرى جواز ذلك هنا إلا الأخفش و{لَكُمْ} صفة لرزقًا أن أريد به المرزوق ومفعول به إن أريد به المصدر كأنه قيل: رزقًا إياكم، والباء للسببية.
ومعنى كون الإخراج بسببه أن الله تعالى أودع فيه قوة مؤثرة بإذنه في ذلك حسا جرت به حكمته الباهرة مع غناه الذاتي سبحانه عن الاحتياج إليه في الإخراج، وهذا هو رأي السلف الذي رجع إليه الأشعري كما حقق في موضعه، وزعم من زعم أن المراد أخرج عنده والتزموا هذا التأويل في ألوف من المواضع وضللوا القائلين بأن الله تعالى أودع في بعض الأشياء قوة مؤثرة في شيء ما حتى قالوا: إنهم إلى الكفر أقرب منهم إلى الإيمان، وأولئك عندي أقرب إلى الجنون وسفاهة الرأي. و{الثمرات} يراد بها ما يراد من جمع الكثرة لأن صيغ الجموع يتعاور بعضها موضع بعض أو لأنه أريد بالمفرد جماعة الثمرة التي في قولك: أكلت ثمرة بستان فلان، وقد تقدم لك ما ينفعك تذكرة في هذا المقام فتذكر {وَسَخَّرَ لَكُمُ الفلك} السفن بأن أقدركم على صنعتها واستعمالها بما ألهمكم كيفية ذلك، وقيل: بأن جعلها لا ترسب في الماء {لِتَجْرِىَ فِي البحر} حيث توجهتم {بِأَمْرِهِ} شيئته التي بها نيط كل شيء، وتخصيصه بالذكر على ما ذكره بعض المحققين للتنصيص على أن ذلك ليس زاولة الأعمال واستعمال الآلات كما يتراءى من ظاهر الحال، ويندرج في تسخير الفلك كما في البحر تسخيره وكذا تسخير الرياح {وَسَخَّرَ لَكُمُ الانهار} جعلها معدة لانتفاعكم حيث تشربون منها وتتخذون جداول تسقون بها زروعكم وجناتكم وما أشبه ذلك، هذا إذا أريد بالأنهار المياه العظيمة اجلارية في المجاري المخصوصة وأما إذا أريد بها نفس المجاري فتسخيرها تيسيرها لهم لتجري فيها المياه.