فصل: تفسير الآية رقم (14):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (14):

{وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ (14)}
{وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِم} أي على هؤلاء المقترحين المعاندين {بَابًا مِنَ السماء} ظاهره بابا ما لا بابا من أبوابها المعهودة كما قيل: {فَظَلُّواْ فِيهِ} أي في ذلك الباب {يَعْرُجُونَ} يصعدون حسا نيسره لهم فيرون ما فيها من الملائكة والعجائب طول نهارهم مستوضحين لما يرونه كما يفيده ظلوا لأنه يقال ظل يعمل كذا إذا فعله في النهار حيث يكون للشخص ظل، وجوز في البحر كون ظل عنى صار وهو مع كونه خلاف الأصل مما لا داعي إليه، وأيامًا كان فضمير الجمع للمقترحين، وهو الظاهر المروى عن الحسن وإليه ذهب الجبائي. وأبو مسلم، وأخرج ابن جريج عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه للملائكة وروى ذلك عن قتادة أيضًا أي فظل الملائكة الذين اقترحوا اتيانهم يعرجون في ذلك الباب وهم يرونهم على أتم وجه. وقرأ الأعمش. وأبو حيوة {يَعْرُجُونَ} بكسر الراء وهي لغة هذيل في العروج عنى الصعود.

.تفسير الآية رقم (15):

{لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ (15)}
{لَقَالُواْ} لفرط عنادهم وغلوهم في المكابرة وتفاديهم عن قبول الحق: {إِنَّمَا سُكّرَتْ أبصارنا} أي سدت ومنعت من الأبصار حقيقة وما نراه تحيل لا حقيقة له، أخرج ابن أبي حاتم وغيره عن مجاهد، وروى أيضًا عن ابن عباس. وقتادة فهو من السكر بالفتح، وقال أبو حيان: بالكسر السد والحبس، وقال ابن السيد: السكر بالفتح سد الباب والنهر وبالكسر السد نفسه ويجمع على سكور، قال الرفاء:
غناؤنا فيه ألحان السكور إذا ** قل الغناء ورنات النواعير

ويشهد لهذا المعنى قراءة ابن كثير. والحسن. ومجاهد {سُكّرَتْ أبصارنا} بتخفيف الكاف مبنيًا للمفعول لأن سكر المخفف المتعدي اشتهر في معنى السد، وعن عمرو بن العلاء أن المراد حيرت فهو من السكر بالضمر ضد الصحو، وفسروه بأنه حالة تعرض بين المرء وعقله، وأكثر ما يستعمل ذلك في الشراب وقد يعتري من الغضب والعشق، ولذا قال الشاعر:
سكران سكر هوى وسكر مدامة ** أني يفيق فتى به سكران

والتشديد في ذلك للتعدية لأن سكر كفرح لازم في الأشهر وقد حكى تعديه فيكون للتكثير والمبالغة، وأرادوا بذلك أنه فسدت أبصارنا واعتراها خلل في احساسها كما يعتري عقل السكران ذلك فيختل إدراكه ففي الكلام على هذا استعارة وكذا على الأول عند بعض ويشهد لهذا المعنى قراءة الزهري {سُكّرَتْ} بفتح السين وكسر الكاف مخففة مبنيًا للفاعل لأن الثلاثي اللازم مشهور فيه ولأن سكر عنى سد المعروف ففيه فتح الكاف.
واختار الزجاج أن المعنى سكنت عن أبصار الحقائق من سكرت الريح تسكر سكرًا إذا ركدت ويقال: ليلة ساكرة لا ريح فيها والتضعيف للتعدية ولهم أقوال أخر متقاربة في المعنى. وقرأ أبان بن تغلب وحملت لمخالفتها سواد المصحف على التفسير سحرت أبصارنا {بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَّسْحُورُونَ} قد سحرنا محمد صلى الله عليه وسلم كما قالوا ذلك عند ظهور سائر الآيات الباهرة، والظاهر على ما قال القطب انهم أرادوا أولا سكرت أبصارنا لا عقولنا فنحن وأن تخيلنا هذه الأشياء بأبصارنا لكن نعلم بعقولنا أن الحال بخلافه ثم أضربوا عن الحصر في الأبصار وقالوا: بل تجاوز ذلك إلى عقولنا، وفسر الزمخشري الحصر بأن ذلك ليس إلا تسكيرًا فأورد عليه بأن {إِنَّمَا} إنما تفيد الحصر في المذكور آخرًا وحينئذ يكون المعنى ما نقدم وهو مبني على أن تقديم المقصور على المقصور عليه لازم وخلافه ممتنع، وقد قال المحقق في شرح التخليص انه يجوز إذا كان نفس التقديم يفيد الحصر كما في قولنا: إنما زيدًا ضربت فإنه لقصر الضرب على زيد، وقال أبو الطيب:
صفاته لم تزده معرفة ** لكنها لذة ذكرناها

أي ما ذكرناها إلا لذة إلا أن هذا لا ينفع فيما نحن فيه. نعم نقل عن عروس الأفراح أن حكم أهل المعاني غير مسلم فإن قولك: إنما قمت معناه لم يقع إلا القيام فهو لحصر الفعل وليس بآخر ولو قصد حصر الفاعل لا نفصل، ثم أورد عدة أمثلة من كلام المفسرين تدل على ما ذكروه في المسألة، فالظاهر أن الزمخشري لا يرى ما قالوه مذردًا وهم قد غفلوا عن مراده هنا قاله الشهاب، وما نقله عن عروس الأفراح في إنما قمت من أنه لحصر الفعل ولو كان لحصر الفاعل لانفصل يخالفه ما في شرح المفتاح الشريفي من أنه إذا أريد حصر الفعل في الفاعل المضمر فإن ذكر بعد الفعل شيء من متعلقاته وجب انفصال الفاعل وتأخيره كما في قولك: إنما ضرب اليوم أنا، وكما في قول الفرزدق:
أنا الذائد الحامي الذمار وإنما ** يدافع عن أحسابهم أنا أو مثلي

وان لم يذكر احتمل الوجوب طردًا للباب وعدمه بأن يجوز الانفصال نظرًا إلى المعنى والاتصال نظرًا إلى اللفظ إذ لا فاصل لفظيًا اه فإنه صريح في أن إنما قمت لحصر الفاعل وان لم يجب الانفصال لكن اختار السعد في شرحه وجوب الانفصال مطلقًا وحكم بأن الظاهر أن معنى إنما أقوم ما أنا إلا أقوم كما نقله السمرقندي. وأبو حيان مع طائفة يسيرة من انلحاة أنكروا إفادة إنما للحصر أصلا وليس بالمعول عليه عند المحققين لكنهم قالوا: إنها قد تأتي لمجرد التأكيد وتمام الكلام في هذا المقام يطلب من محله. ووجه الشهاب الاضراب بعد أن قال هو جعل الأول في حكم المسكوت عنه دون النفي ويحتمل الثاني بأنه اضراب لأن هذا ليس بواقع في نفس الأمر بل بطريق السحر أو هو باعتبار ما تفيده الجملة من الاستمرار الذي دلت عليه الاسمية أي مسحوريتنا لا تختص بهذه الحالة بل نحن سترون عليها في كل ما يرينا من الآيات، هذا وفي هذه الآية من وصفهم بالعناد وتواطئهم على ما هم فيه من التكذيب والفساد ما لا يخفى، وفي ذلك تأكيد لما يفهم من الآية الأولى، وقد ذكر بن المنير في المراد منها وجهًا بعيدًا جدًا فيما أرى فقال: المراد والله تعالى أعلم إقامة الحجة على المكذبين بأن الله تعالى سلك القرآن في قلوبهم وأدخله في سويدائها كما سلك في قلوب المؤمنين المصدقين فكذب به هؤلاء وصدق به هؤلاء كل على علم وفهم ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حي عن بينة ولئلا يكون للكفار على الله تعالى حجة بأنهم ما فهموا وجه الاعجاز كما فهمها من آمن فأعلمهم الله تعالى وهم في مهلة وإمكان أنهم ما كفروا إلا على علم معاندين باغين غير معذورين ولذلك عقبه سبحانه بقوله تعالى: {وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِم} إلخ أي هؤلاء فهموا القرآن وعلموا وجوه إعجازه وولج ذلك في قلوبهم ووقر ولكنهم قوم سجيتهم العناد وسمتهم اللداد حتى لو سلك بهم أوضح السبل وأدعاها إلى الإيمان لقالوا بعد الإيضاح العظيم: إنما سكرت أبصارنا وسحرنا وما هذه إلا خيالات لا حقائق تحتها فأسجل سبحانه عليهم بذلك أنهم لا عذر لهم بالتكذيب من عدم سماع ووعى ووصول إلى القلوب وفهم كما فهم غيرهم من المصدقين لأن ذلك كان حاصلًا لهم وليس بهم إلا العناد والإصرار لا غير اه فليتأمل والله تعالى الهادي إلى سواء السبيل، ثم أنه تعالى لما ذكر حال منكري النبوة وكانت مفرعة على التوحيد ذكر دلائله السماوية والأرضية فقال عز قائلًا:

.تفسير الآية رقم (16):

{وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ (16)}
{وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السماء بُرُوجًا} إلخ وإلى هذا ذهب الإمام وغيره في وجه الربط.
وق ابن عطية: انه سبحانه لما ذكر أنهم لو رأوا الآية المطلوبة في السماء لعاندوا وبقوا على ما هم فيه من الضلال عقب ذلك بهذه الآية كأنه جل شأنه قال: وإن في السماء لعبرا منصوبة غير هذه المذكورة وكفرهم بها وإعراضهم عنها اصرار منهم وعتو اه؛ والظاهر أن الجعل عنى الخلق والإبداع فالجار والمجرور متعلق به، وجوز أن يكون عنى التصيير فهو متعلق حذوف على أنه مفعول ثان له وبروجًا مفعوله الأول، والبروج جمع برج وهو لغة القصر والحصن وبذلك فسره هنا عطية، فقد أخرج عنه ابن أبي حاتم أنه قال: جعلنا قصورًا في السماء فيها الحرس، وأخرج عن أبي صالح أن المراد بالبروج الكواكب العظام.
وفي البحر عنه الكواكب السيارة وروى غير واحد عن مجاهد. وقتادة أنها الكواكب من غير قيد، وروي عن ابن عباس تفسير ذلك بالبروج الأثنى عشر المشهورة وهي ستة شمالية ثلاثة ربيعية وثلاثة صيفية وأولها الحمل وستة جنوبية ثلاثة خريفية وثلاثة شتائية وأولها الميزان وطول كل برج عندهم (ل) درجة وعرضه قف درجة (ص) منها في جهة الشمال ومثلها في جهة الجنوب وكأنها إنما سميت بذلك لأنها كالحصن أو القصر للكوكب الحال فيها وهي في الحقيقة أجزاء الفلك الأعظم وهو المحدد المسمى بلسانهم الفلك الأطلسي وفلك الأفلاك وبلسان الشرع بعكسه ولهذا يسمى الشيخ الأكبر قدس سره الفلك الأطلس بفلك البروج والمشهور تسمية الفلك الثامن وهو فلك الثوابت به لاعتبارهم الانقسام فيه وكأن ذلك لظهور ما تتعين به الأجزاء من الصور فيه وان كان كل منها منتقلًا عما عينه إلى آخر منها لثبوت الحركة الذاتية للثوابت على خلاف التوالي وان لم يثبتها لها لعدم الإحساس بها قدماء الفلاسفة كما لم يثبت الأكثرون حركتها على نفسها وأثبتها الشيخ أبو علي ومن تبعه من المحققين، وقد صرحوا بأن هذه الصور المسماة بالأسماء المعلومة توهمت على المنطقة وما يقرب منها من الجانبين من كواكب ثابتة تنظمها خطوط موهومة وقعت وقت القسمة في تلك الأقسام ونقل ذلك في الكفاية عن عامة المنجمين وانهم إنما توهموا لكل قسم صورة ليحصل التفهيم والتعليم بأن يقال: الدبران مثلا عين الأسد.
وتعقب ذلك بقوله: وهذا ليس بسديد عندي لأن تلك الصور لو كانت وهمية لم يكن لها أثر في أمثالها من العالم السفلى مع أن الأمر ليس كذلك فقد قال بطليموس في الثمرة. الصور التي في عالم التركيب مطيعة للصور الفلكية إذ هي في ذواتها على تلك الصور فأدركتها الأوهام على ما هي عليه وفيه بحث ثم هذه البروج مختلفة الآثار والخواص بل لكل جزء من كل منها وإن كان أقل من عاشرة بل أقل الأقل آثار تخالف آثار الجزء الآخر وكل ذلك آثار حكمة الله تعالى وقدرته عز وجل.
وقد ذكر الشيخ الأكبر قدس سره في بعض كتبه أن آثار النجوم وأحكامها مفاضة عليها من تلك البروج المعتبرة في المحدد.
وفي الفصل الثالث من الباب الحادي والسبعين والثلثمائة من فتوحاته ما منه إن الله تعالى قسم الفلك الأصلس اثنى عشر قسمًا سماها بروجًا وأسكن كل برج منها ملكًا وهؤلاء الملائكة أئمة العالم وجعل لكل منهم ثلاثين خزانة تحتوي كل منها على علوم شتى يهبون منها للنازل بهم قدر ما تعطيه رتبته وهي الخزائن التي قال الله تعالى فيها: {وَإِن مّن شَيْء إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ} [الحجر: 21] وتسمى عند أهل التعاليم بدرجات الفلك والنازلون بها هم الجوارى والمنازل وعيوقاتها من الثوابت والعلوم الحاصلة من تلك الخزائن الإلهية هي ما يظهر في عام الأركان من التأثيرات بل ما يظهر في مقعر فلك الثوابت إلى الأرض إلى آخر ما قال، وقد قدس سره الكلام في هذا الباب وهو عزل عن اعتقاد المحدثين نقلة الدين عليهم الرحمة، ثم إن في اختلاف خواص البروج حسا تشهد به التجربة مع ما اتفق عليه الجمهور من بساطة السماء أدل دليل على وجود الصانع المختار جل جلاله.
{وزيناها} أي السماء بما فيها من الكواكب السيارات وغيرها وهي كثيرة لا يعلم عددها إلا الله تعالى. نعم المرصود منها ألف ونيف وعشرون ورتبوها على ست مراتب وسموها اقدارًا متزايدة سدسًا حتى كان قطر ما في القدر الأول ستة أمثال ما في القدر السادس وجعلوا كل قدر على ثلاث مراتب وما دون السادس لم يثبتوه في المراتب بل إن كان كقطعة السحاب يسمونه سحابيًا وإلا فمظلمًا، وذكر في الكفاية إن ما كان منها في القدر الأول فجرمه مائة وستة وخمسون مرة ونصف عشر الأرض. وجاء في بعض الآثار أن أصغر النجوم كالجبل العظيم واستظهر أبو حيان عود الضمير للبروج لأنها المحدث عنها والأقرب في اللفظ والجمهور على ما ذكرنا حذرًا من انتشار الضمائر {للناظرين} أي بأبصارهم إليها كما قاله بعضهم لأنه المناسب للتزيين، وجوز أن يراد بالتزيين ترتيبها على نظام بديع مستتبعًا للآثار الحسنة فيراد بالناظرين المتفكرون المستدلون بذلك على قدرة مقدرها وحكمة مدبرها جل شأنه.

.تفسير الآية رقم (17):

{وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ (17)}
{وحفظناها مِن كُلّ شيطان رَّجِيمٍ} مطرود عن الخيرات، ويطلق الرجم على الرمي بالرجام وهي الحجارة، فالمراد بالرجيم المرمي بالنجوم، ويطلق أيضًا على الإهلاك والقتل الشنيع، والمراد بحفظها من الشيطان اما منعه عن التعرض لها على الإطلاق والوقوف على ما فيها في الجملة فالاستثناء في قولبه تعالى: