فصل: تفسير الآية رقم (29):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (29):

{فَادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (29)}
{فادخلوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ} خطاب لكل صنف منهم أن يدخل بابًا من أبواب جهنم، والمراد بها اما المنفذ أو الطبقة، ولا يجوز أن يكون خطابًا لكل فرد لئلا يلزم دخول الفرد من الكفار من أبواب متعددة أو يكون لجهنم أبواب بعدد الأفراد، وجوز أن يراد بالأبواب أصناف العذاب، فقد جاء إطلاق الباب على الصنف كما يقال: فلان ينظر في باب من العلم أي صنف منه وحينئذ لا مانع في كون الخطاب لكل فرد، وأبعد من قال: المراد بتلك الأبواب قبور الكفرة المملوءة عذابًا مستدلًا بما جاء «القبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار» {خالدين فِيهَا} حال مقدرة أن أريد بالدخول حدوثه، ومقارنة ان أريد به مطلق الكون، وضمير {فِيهَا} قيل: للأبواب عنى الطبقات، وقيل: لجهنم، والتزم هذا وكون الحال مقدرة من أبعد، وحمل الخلود على المكث الطويل للاستغناء عن هذا الالتزام وان كان واقعًا في كلامهم خلاف المعهود في القرآن الكريم {فَلَبِئْسَ مَثْوَى المتكبرين} أي عن التوحيد، وذكرهم بعنوان التكبر للاشعار بعليته لثوائهم فيها، وقد وصف سبحانه الكفار فيما تقدم بالاستكبار وهنا بالتكبر، وذكر الراغب أنهما والكبر تتقارب فالكبر الحالة التي يتخصص بها الإنسان من اعجابه بنفسه، والاستكبار على وجهين: أحدهما أن يتحرى الإنسان ويطلب أن يصير كبيرًا، وذلك متى كان على ما يحب وفي المكان الذي يحب وفي الوقت الذي يحب وهو محمود. والثاني أن يتشبع فيظهر من نفسه ما ليس له وهو مذموم، والتكبر على وجهين أيضًا. الأول أن تكون الأفعال الحسنة كثيرة في الحقيقة وزائدة على محاسن غيره، وعلى هذا وصف الله تعالى بالمتكبر. والثاني أن يكون متكلفًا لذلك متشبعًا وذلك في وصف عامة الناس، والتكبر على الوجه الأول محمود وعلى الثاني مذموم، والمخصوص بالذم محذوف أي جهنم أو أبوابها أن فسرت بالطبقات؛ والفاء عاطفة، واللام جيء بها للتأكيد اعتناء بالذم لما أن القوم ضالون مضلون كما ينبئ عنه قوله تعالى: {لِيَحْمِلُواْ أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ القيامة وَمِنْ أَوْزَارِ الذين يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ} [النحل: 25] وللتأكيد اعتناء بالمدح جيء باللام أيضًا فيما بعد من قوله سبحانه: {وَلَدَارُ الاخرة خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ المتقين} [النحل: 30] لأن أولئك القوم على ضد هؤلاء هادون مهديون، وكأنه لعدم هذا المقتضى في آيتي الزمر والمؤمن لم يؤت باللام، وقيل: {فَلَبِئْسَ مَثْوَى المتكبرين} [الزمر: 72] وقيل: التأكيد متوجه لما يفهم من الجملة من أن جهنم مثواهم، وحيث أنه لم يفهم من الآيات قبل هنا فهمه منها قبل آيتي تينك السورتين جيء بالتأكيد هناك ولم يجئ به هنا اكتفاء بما هو كالصريح في إفادة أنها مثواهم مما ستسمعه إن شاء الله تعالى هناك.

.تفسير الآية رقم (30):

{وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا خَيْرًا لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الْآَخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ (30)}
{وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتقوا} أي المؤمنين، وصفوا بذلك اشعارًا بأن ما صدر عنهم من الجواب ناشئمن التقوى.
{مَاذَا أَنزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ خَيْرًا} أي أنزل خيرًا {فَمَاذَا} اسم واحد مركب للاسفهام عنى أي شيء محله النصب {بأنزل} و{الله خَيْرًا} مفعول لفعل محذوف، وفي اختيار ذلك دليل على أنهم لم يتلعثموا في الجواب وأطبقوه على السؤال معترفين بالإنزال على خلاف الكفرة حيث عدلوا بالجواب عن السؤال فقالوا: هو {أساطير الاولين} وليس من الإنزال في شيء. نعم قرأ زيد بن علي رضي الله تعالى عنهما {خَيْرٌ} بالرفع فما اسم استفهام و{ذَا} اسم موصول عنى الذي أي أي شيء الذي أنزله ربكم، و{خَيْرٌ شُرَكَاءكُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُواْ لَهُمْ وَرَأَوُاْ العذاب لَوْ أَنَّهُمْ كَانُواْ يَهْتَدُونَ وَيَوْمَ يناديهم فَيَقُولُ مَاذَا} منصوبًا على المفعولية كما مر ورفع {خَيْرٌ} على الخبرية لمبتدأ جائز إلا أنه خلاف الأول، وفي الكشف أنه يظهر من الوقوف على مراد صاحب الكشاف في هذا المقام إن فائدة النصب مع أن الرفع أقوى دفع الالتباس ليكون نصًا في المطلوب كما أوثر النصب في قوله تعالى: {إِنَّا كُلَّ شَيْء خلقناه بِقَدَرٍ} [القمر: 49] لذلك، وينحل مراده من ذلك بالرجوع إلى ما نقلناه عنه سابقًا والتأمل فيه فتأمل فإنه دقيق.
هذا ولم نجد في السائل هنا خلافًا كما في السائل فيما تقدم، والذي رأيناه في كثير مما وقفنا عليه من التفاسير أن السائل الوفد الذي كان سائلًا أو لا في بعض الأقوال المحكية هناك، وذكر أنه السائل في الموضعين كثير منهم ابن أبي حاتم، فقد أخرج عن السدى قال اجتمعت قريش فقالوا: إن محمدًا صلى الله عليه وسلم رجل حلو اللسان إذا كلمه الرجل ذهب بعقله فانظروا أناسًا من أشرافكم المعدودين المعروفة انسابهم فابعثوهم في كل طريق من طرق مكة على رأس ليلة أو ليلتين فمن جاء يريده فردوه عنه فخرج ناس منهم في كل طريق فكان إذا أقبل الرجل وافد لقومه ينظر ما يقول محمد صلى الله عليه وسلم فينزل بهم قالوا له: يا فلان ابن فلان فيعرفه بنسبه ويقول: أنا أخبرك عن محمد صلى الله عليه وسلم هو رجل كذاب لم يتبعه على أمره إلا السفهاء والعبيد ومن لا خير فيه وأما شيوخ قومه وخيارهم فمفارقون له فيرجع أحدهم فذلك قوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ مَّاذَا أَنزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ أساطير الاولين} [النحل: 24] فإذا كان الوافد ممن عزم الله تعالى له على الرشاد فقالوا له مثل ذلك قال: بئس الوافد أنا لقومي إن كنت جئت حتى إذا بلغت مسيرة يوم رجعت قبل أن ألقى هذا الرجل وانظر ما يقول وآتي قومي ببيان أمره فيدخل مكة فيلقى المؤمنين فيسألهم ماذا يقول محمد صلى الله عليه وسلم فيقولون: خيرًا إلخ، نعم يجوز عقلا أن يكون السائل بعضهم لبعض ليقوى ما عنده بجوابه أو لنحو ذلك كالاستلذاذ بسماع الجواب وكثيرًا ما يسأل المحب عما يعلمه من أحوال محبوبه استلذاذًا دامة ذكره وتشنيفا لسمعه بسني دره:
الا فاسقني خمرا وقل لي هي الخمر ** ولا تسقني سرًا إذا أمكن الجهر

بل يجوز أيضًا أن يكون السائل من الكفرة المعاندين وغرضه بذلك التلاعب والتهكم {لّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ} أتوا بالأعمال الحسنة الصالحة {فِى هذه} الدار {الدنيا حَسَنَةٌ} مثوبة حسنة جزاء إحسانهم، والجار والمجرور متعلق بما بعده على معنى أن تلك الحسنة لهم في الدنيا، والمراد بها على ما روي عن الضحاك النصر والفتح، وقيل: المدح والثناء منه تعالى، وقال الإمام: يحتمل أن يكون فتح باب المكاشفات والمشاهدات والالطاف كقوله تعالى: {والذين اهتدوا زَادَهُمْ هُدًى} [محمد: 17] وقيل: متعلق بما قبله، وحينئذ يحتمل أن يكون الكلام على تقدير مثله متعلقًا بما بعد أولا بل تكون هذه الحسنة الواقعة مثوبة لاحسانهم في الدنيا في الآخرة، واقتصر بعضهم على هذا الاحتمال، والمراد بالحسنة حينئذ إما الثواب العظيم الذي أعده الله تعالى يوم القيامة للمحسنين وإما التضعيف بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى ما لا يعلمه غيره جل وعلا، واختير كونه متعلقًا بما بعد لأنه الأوفق بقوله سبحانه: {وَلَدَارُ الاخرة خَيْرٌ} والكلام كما يشعر به كلام غبر واحد على حذف مضاف أي ولثواب دار الآخرة أي ثوابهم فيها خير مما أوتوا في الدنيا من الثواب.
وجوز أن يكون المعنى خير على الإطلاق فيجوز إسناد الخيرية إلى نفس دار الآخرة {وَلَنِعْمَ دَارُ المتقين} أي دار الآخرة حذف لدلالة ما سبق عليه كما قاله ابن عطية. والزجاج. وابن الأنباري. وغيرهم، وهذا كلام مبتدأ عدة منه تعالى الذين اتقوا على قولهم، وهو في الوعد هاهنا نظير {لِيَحْمِلُواْ أَوْزَارَهُمْ} [النحل: 25] في الوعيد فيما مر، وجوز أن يكون {خَيْرًا} مفعول {قَالُواْ} وعمل فيه لأنه في معنى الجملة كمقال قصيده أو صفة مصدر أي قولًا خيرًا، وهذه الجملة بدل منه فمحلها النصب أو مفسرة له فلا محل لها من الأعراب، وعلى التقديرين مقولهم في الحقيقة {لّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ} إلخ إلا أن الله سبحانه سماه خيرًا ثم حكاه كما تقول: قال فلان جميلًا من قصدنا وجب حقه علينا، وعلى ما ذكر لا يكون دلالة النصب على ما مر لما أشير إليه هناك وإنما تكون من حيث شهادة اللهتعالى بخيرية قولهم ويحتمل جعل ذلك كما الكشف مفعول {أَنَزلَ} ويكون تسميته خيرًا من الله تعالى كما قوله سبحانه: {لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ العزيز العليم} [الزخرف: 9] ليشعر أول ما يقرع السمع بالمطابقة من غير نظر إلى فهم معناه؛ وأما قولهم: «للذين أحسنوا» أي قالوا أنزل هذه المقالة فإن ما يفهم من المطابقة بعد تدبر المعنى، وزعم بعضهم أنه لا يجوز جعله منصوبًا بأنزل لأن هذا القول ليس منزلًا من الله تعالى، وفيه تفوت المطابقة حينئذ وهو كلام ناشئ من قلة التدبر. وفي البحر الظاهر أن {لِلَّذِينَ} إلخ مندرج تحت القول وهو تفسير للخير الذي أنزل الله تعالى في الوحي، وظاهره أنه وجه آخر غير ما ذكر وفيه رد على الزاعم أيضًا، ولعل اقتصارهم على هذا من بين المنزل لأنه كلام جامع وفيه ترغيب للسائل، والمختار من هذه الأوجه عند جمع هو الأول بل قيل إنه الوجه.

.تفسير الآية رقم (31):

{جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ كَذَلِكَ يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِينَ (31)}
{جنات عَدْنٍ} خبر مبتدأ محذوف كما اختاره الزجاج وابن الأنباري أي هي جنات، وجوز أن يكون مبتدأ خبره محذوف أي لهم جنات أو هو المخصوص بالمدح {يَدْخُلُونَهَا} نعت لجنات عند الحوفي بناء على أن {عَدْنٍ} نكرة وكذلك {تَجْري منْ تَحْتَها الأنْهَارُ} وكلاهما حال عند غير واحد بناء على أنها علم. وجوزوا أن يكون {جنات} مبتدأ وجملة «يدخلونها» خبره وجملة تجري إلخ حال، وقرأ زيد بن ثابت. وأبو عبد الرحمن جنات بالنصب على الاشتغال أي يدخلون جنات عدن يدخلونها، قال أبو حيان: وهذه القراءة تقوى كون «جنات» مرفوعًا مبتدأ والجملة بعده خبره، وقرأ زيد بن علي رضي الله تعالى عنهما {ولنعمة دار المتقين} [النحل: 30] بتاء مضمومة ودار مخفوضة فيكون «نعمة» مبتدأ مضافًا إلى دار وجنات خبره. وقرأ اسمعيل بن جعفر عن نافع «يدخلونها» بالياء على الغيبة والفعل مبني للمفعول، ورويت عن أبي جعفر، وشيبة {لَّهُمْ فِيهَا} أي في تلك الجنات {مَا يَشَآءونَ} الظرف الأول خبر لما والثاني حال منه، والعامل ما في الأول من معنى الحصول والاستقرار أو متعلق به لذلك أي حاصل لهم فيها ما يشاؤون من أنواع المشتهيات وتقديمه للاحتراز عن توهم تعلقه بالمشيئة أو لما مر غير مرة من أن تأخير ما حقه التقديم يوجب ترقب النفس إليه فيتمكن عند وروده فضل تمكن. وذكر بعضهم أن تقديم فيها للحصر وما للعموم بقرينة المقام فيفيد أن الإنسان لا يجد جميع ما يريده إلا في الجنة فتأمله. والجملة في موضع الحال نظير ما تقدم، وزعم أن لهم متعلق بتجري أي تجري من تحتها الأنهار لنفعهم {وفيها ما يشاؤون} مبتدأ وخبر في موضع الحال لا يخفى حاله عند ذوي التمييز {كذلك} مثل ذلك الجزاء إلا وفي {يَجْزِى الله المتقين} أي جنسهم فيشمل كل من يقتي من الشرك والمعاصي وقيل من الشرك ويدخل فيه المتقون المذكورون دخولًا أوليًا ويكون فيه بعث لغيرهم على التقوى أو المذكورين فيكون فيه تحسير للكفرة، قيل: وهذه الجملة تؤيد كون قوله سبحانه: {للذين أحسنوا} [النحل: 30] عدة فإن جعل ذلك جزاء لهم ينظر إلى الوعد به من الله تعالى وإذا كان مقول القول لا يكون من كلامه تعالى حتى يكون وعدًا منه سبحانه، وقيل: إنها تؤيد كون «جنات» خبر مبتدأ محذوف لا مخصوصًا بالمدح لأنه إذا كان مخصوصًا بالمدح يكون كالصريح في أن «جنات عدن» جزاء للمتقين فيكون «كذلك» إلخ تأكيدًا بخلاف ما إذا كان خبر مبتدأ محذوف فإنه لم يعلم صريحًا أن جنات عدن جزاء للمتقين وفيه نظر وكذا في سابقه إلا أن في التعبير بالتأبيد ما يهون الأمر.

.تفسير الآية رقم (32):

{الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (32)}
{الذين تتوفاهم الملائكة} نعت للمتقين وجوز قطعه، وقوله سبحانه: {طَيّبِينَ} حال من ضميرهم، ومعناه على ما روي عن أبي معاذ طاهرين من دنس الشرك وهو المناسب لجعله في مقابلة {ظالمي أنفسهم} [النحل: 28] في وصف الكفرة بناء على أن المراد بالظلم أعظم أنواعه وهو الشرك لكن قيل عليه: إن ذكر الطهارة عن الشرك وحده لا فائدة فيه بعد وصفهم بالتقوى.
وأجيب بأن فائدة ذلك الإشارة إلى أن الطهارة عن الشرك هي الأصل الأصيل. وفي إرشاد العقل السليم بعد تفسير الظلم بالكفر وتفسير طيبين بطاهرين عن دنس الظلم وجعله حالًا قال: وفائدته الايذان بأن ملاك الأمر في التقوى هو الطهارة عما ذكر إلى وقت توفيهم، ففيه حث للمؤمنين على الاستمرار على ذلك ولغيرهم على تحصيله.
وقال مجاهد: المراد بطيبين زاكية أقوالهم وأفعالهم، وهو مراد من قال: طاهرين من ظلم أنفسهم بالكفر والمعاصي وإلى هذا ذهب الراغب حيث قال: الطيب من الإنسان من تعرى من نجاسة الجهل والفسق وقبائح الأعمال وتحلي بالعلم والإيمان ومجاسن الأعمال وإياهم قصد بقوله سبحانه: {الذين تتوفاهم الملائكة طَيّبِينَ}.
وانتصر لذلك بأن وصفهم بأنهم متقون موعودون بالجنة في مقابلة الأعمال يقتضي ما ذكر، وحملوا الظلم فيما مر على ما يعم الكفر والمعاصي لأن ذلك مجاب بقولهم: {ما كنا نعمل من سوء} [النحل: 28] فلا تفوت المناسبة في جعل هذا مقابلًا لذاك لكن في الاستدلال بما ذكر في الجواب على إرادة العام ما لا يخفى، والكثير على تفسير الطيب بالطاهر عن قاذورات الذنوب مطابق الذي لا خبث فيه، وقيل: المعنى فرحين ببشارة الملائكة عليهم السلام إياهم أو بقبض أرواحهم لتوجه نفوسهم بالكلية إلى حضرة القدس، فالمراد بالطيب طيب النفس وطيبها عبارة عن القبول مع انشراح الصدر {يَقُولُونَ} حال من الملائكة، وجوز أن يكون «الذين» مبتدأ خبره هذه الجملة أي قائلين أو قائلون لهم: {سلام عَلَيْكُمُ} لا يحيقكم بعد مكروه.
قال القرطبي: وروى نحوه البيهقي عن محمد بن كعب القرظي إذا استدعيت نفس المؤمن جاءه ملك الموت عليه السلام فقال: السلام عليك يا ولي الله إن الله تعالى يقرأ عليك السلام وبشره بالجنة {ادخلوا الجنة} التي أعدها الله تعالى لكم ووعدكم إياها وكأنها إنما لم توصف لشهرة أمرها.
وفي إرشاد العقل السليم اللام للعهد أي {جنات عَدْنٍ} [النحل: 31] إلخ ولذلك جردت عن النعت وهو كما ترى، والمراد دخولهم فيها بعد البعث بناء على أن المتبارد الدخول بالأرواح والأبدان والمقصود من الأمر بذلك قبل مجيء وقته البشارة بالجنة على أتم وجه ويجوز أن يراد الدخول حين التوفي بناء على حمل الدخول على الدخول بالأرواح كما يشير إليه خبر «القبر روضة من رياض الجنة» وكون البشار بذلك دون البشارة بدخول الجنة على المعنى الأول لا يمنع عن ذلك على أن لقائل أن يقول: إن البشارة بدخول الجنة بالأرواح متضمنة للبشارة بدخولها بالأرواح والأبدان عند وقته؛ وكون هذا القول كسابقه عند قبض الأرواح هو المروي عن ابن مسعود.
وجماعة من المفسرين، وقال مقاتل. والحسن: إن ذلك يوم القيامة، والمراد من التوفي وفاة الحشر أعني تسليم أجسادهم وإيصالها إلى موقف الحشر من توفى الشيء إذا أخذه وافيًا، وجوز حمل التوفيس على المعنى المتعارف مع كون القول يوم القيامة إما بجعل {الذين تتوفاهم الملائكة} [النحل: 28] يقولون مبتدأ وخبرًا أو بجعل يقولون حالًا مقدرة من الملائكة {والذين} على حاله أولا وحال ذلك لا يخفى {ا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} أي بسبب ثباتكم على التقوى والطاعة بالذي كنتم تعملونه من ذلك، والباء للسببية العادية، وهي فيما في الصحيحين من قوله صلى الله عليه وسلم: «لن يدخل الجنة أحدكم بعمله» الحديث للسببية الحقيقية فلا تعارض بين الآية والحديث وبعضهم جعل الباء للمقابلة دفعًا للتعارض.