فصل: تفسير الآية رقم (9):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (9):

{إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا (9)}
{إِنَّ هذا القرءان} الذي آتيناكه، وهذا متعلق بصدر السورة كما مرت الإشارة إليه، وفي الإشارة بهذا تعظيم لما جاء به النبي المجتبى صلى الله عليه وسلم {يَهْدِى} أي الناس كافة لا فرقة مخصوصة منهم كدأب الكتاب الذي آتيناه موسى عليه السلام {لِلَّتِى} أي الطريقة التي {هِىَ أَقْوَمُ} أي أقوم الطرق وأسدها أعني ملة الإسلام والتوحيد فللثي صفة لموصوف حذف اختصارًا وقدره بعضهم الحالة أو الملة، وأيما قدرت لم تجد مع الإثبات ذوق البلاغة الذي تجده مع الحذف لما في الإبهام من الدلالة على أنه جرى الوادي وطم على القرى، و{أَقْوَمُ} أفعل تفضيل على ما أشار إليه غير واحد.
وقال أبو حيان: الذي يظهر من حيث المعنى أنه لا يراد به التفضيل إذ لا مشاركة بين الطريقة التي يهدي لها القرآن وغيرها من الطرق في مبدأ الاشتقاق لتفضل عليه فالمعنى للتي هي قيمة أي مستقيمة كما قال الله تعالى: {فِيهَا كُتُبٌ قَيّمَةٌ} [البينة: 3] {ذَلِكَ دِينُ القيمة} [البينة: 5] اه. وإلى ذلك ذهب الإمام الرازي {وَيُبَشّرُ المؤمنين} بما في تضاعيفه من الأحكام والشرائع.
وقرأ عبد الله. وطلحة. وابن وثاب. والإخوان {وَيُبَشّرُ} بالتخفيف مضارع بشر المخفف وجاء بشرته وبشرته وأبشرته {الذين يَعْمَلُونَ} الأعمال {الصالحات} التي شرحت فيه {أَنَّ لَهُمْ} أي بأن لهم قابلة أعمالهم {أَجْرًا كَبِيرًا} بحسب الذات وبحسب التضعيف عشرًا فصاعدًا وفسر ابن جريج الأجر الكبير وكذا الرزق الكريم في كل القرآن بالجنة.

.تفسير الآية رقم (10):

{وَأَنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (10)}
{وأَنَّ الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالاخرة} وأحكامها المشروحة فيه من البعث والحساب والجزاء من الثواب والعقاب الروحانيين والجسمانيين، وتخصيص الآخرة بالذكر من بينت سائر ما لم يؤمن به الكفرة لكونها معظم ما أمروا الايمان به ولمراعاة التناسب بين أعمالهم وجزائها الذي أنبأ عنه قوله تعالى: {أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} وهو عذاب جهنم أي أعددنا وهيأنا لهم فيما كفروا به وأنكروا وجوده من الآخرة عذابًا مؤلمًا، وهو أبلغ في الزجر لما أن إتيان العذاب من حيث لا يحتسب أفظع وأفجع، ولعل أهل الكتاب داخلون في هذا الحكم لأنهم لا يقولون بالجزاء الجسماني ويعتقدون في الآخرة أشياء لا أصل لها فلم يؤمنوا بالآخرة وأحكامها المشروحة في هذا القرآن حقيقة الايمان فافهم.
والعطف على {أن لهم أجرًا كبيرًا} [الإسراء: 9] فيكون إعداد العذاب الأليم للذين لا يؤمنون بالآخرة مبشرًا به كثبوت الأجر الكبير للمؤمنين الذين يعملون الصالحات، ومصيبة العدو سرور يبشر به فكأنه قيل يبشر المؤمنين بثوابهم وعقاب أعدائهم، ويجوز أن تكون البشارة مجازًا مرسلًا عنى مطلق الاخبار الشامل للأخبار بما فيه سرور وللاخبار بما ليس كذلك، وليس فيه الجمع بين معنى المشترك أو الحقيقة والمجاز حتى يقال: إنه من عموم المجاز وإن كان راجعًا لهذا أو العطف على {يُبَشّرُ} [الإسراء: 9] أو {يَهْدِى} [الإسراء: 9] بإضمار يخبر فيكون من عطف الجملة على الجملة، ولا يخفى ما في الآية من ترجيح الوعد على الوعيد.
ونبه سبحانه على ما في البحر بوصف المؤمنين بالذين يعملون الصالحات على الحالة الكاملة لهم ليتحلى المؤمن بذلك وأنت تعلم أنه إن فسر الأجر الكبير بالجنة فهو ثابت للمؤمن العامل وللمؤمن المفرط إذ أصل الإيمان متكفل بدخول الجنة فضلًا من الله تعالى ورحمة، نعم ما أعد للعامل في الجنة أعظم مما أعد للمفرط، وإن فسر بما أعده الله تعالى في الآخرة من الجنة والدرجات العلي وأنواع الكرامات فيها التي لا يتكفل بها مجرد الايمان فظاهر أن ذلك غير ثابت للمؤمن المفرط فلابد من التوصيف ولا يلزم منه عدم دخول المفرط الجنة، نعم يلزم منه أن لا يثبت له الأجر الكبير بالمعنى السابق، والآيات التي يفهم منها دخوله الجنة كثيرة ولعل هذه الآية يفهم منها ذلك واقتضى المقام عدم التصريح بحكمه. وفي الكشاف أنه تعالى ذكر المؤمنين الأبرار والكفار ولم يذكر الفسقة لأن الناس حينئذ إما مؤمن تقي وإما مشرك وأصحاب المنزلة بين المنزلتين إنما حدثوا بعد ذلك.
وتعقبه أبو حيان بأنه مكابر فقد وقع في زمان الرسول صلى الله عليه وسلم من بعض المؤمنين هفوات وسقطات بعضها مذكور في القرآن وبعضها مذكور في الأحاديث الصحيحة اه. والمقرر في الأصول أن الأكثر على عدالة الصحابة ومن طرأ له منهم قادح كسرقة وزنا عمل قتضاه، ثم ما ذكره من المنزلة بين المنزلتين الظاهر أنه أراد به ما ذهب إليه إخوانه المعتزلة من أن متركب الكبيرة ليس ؤمن ولا كافر وإذا مات من غير توبة خلد في النار وقد رد ذلك في علم الكلام فتدبر.
وقوله تعالى:

.تفسير الآية رقم (11):

{وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا (11)}
{وَيَدْعُ الإنسان بالشر} قال شيخ الإسلام: بيان لحال المهدي إثر بيان حال الهادي وإظهار لما بينهما من التباين والمراد بالإنسان الجنس أسند إليه حال بعض أفراده وهو الكافر، وإليه يشير كلام ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أو حكى عنه حاله في بعض أحيانه كما يقتضيه ما روى عن الحسن. ومجاهد فالمعنى على الأول أن القرآن يدعو الإنسان إلى الخير الذي لا خير فوقه من الأجر الكبير ويحذره من الشر الذي لا شر وراءه من العذاب الأليم وهو أي بعض أفراده أعني الكافر يدعو لنفسه بما هو الشر من العذاب المذكور إما بلسانه حقيقة كدأب من قال منهم: {اللهم إِن كَانَ هذا هُوَ الحق مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مّنَ السماء أَوِ ائتنا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [الأنفال: 32] ومن قال: {فَأْتِنَا بما تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصادقين} [الأعراف: 70] إلى غير ذلك مما حكى عنهم، وإما بأعمالهم السيئة المفضية إليه الموجبة له مجازًا كما هو ديدن كلهم. وبعضهم جعل الدعاء باللسان مجازًا أيضًا عن الاستعجال استهزاء.
{دُعَاءهُ} أي دعاء كدعائه فحذف الموصوف وحرف التشبيه وانتصب المجرور على المصدرية وهو مراد من قال: مثل دعائه {بالخير} المذكور فرضًا لا تحقيقًا فإنه عزل عن الدعاء به، وفيه رمز إلى أنه اللائق بحاله.
{وَكَانَ الإنسان} أي من أسند إليه الدعاء المذكور من أفراده {عَجُولًا} يسارع إلى طلب كل ما يخطر بباله متعاميًا عن ضرره أو مبالغًا في العجلة يستعجل الشر والعذاب وهو آتيه لا محالة ففيه نوع تهكم به، وعلى تقدير حمل الدعاء على أعمالهم تجعل العجولة على اللج والتمادي في استيجاب العذاب بتلك الأعمال، والمعنى على الثاني أن القرآن يدعو الإنسان إلى ما هو خير وهو في بعض أحيانه كما عند الغضب يدعه ويدعو الله تعالى لنفسه وأهله وماله بما هو شر وكان الإنسان بحسب جبلته عجولًا ضجرًا لا يتأنى إلى أن يزول عنه ما يعتريه.
أخرج الواقدي في المغازي عن عائشة رضي الله تعالى عنها: «أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها باسير وقال لها: احتفظي به قالت: فلهوت مع امرأة فخرج ولم أشعر فدخل النبي صلى الله عليه وسلم فسأل عنه فقلت: والله لا أدري وغفلت عنه فخرج فقال: قطع الله يدك ثم خرج عليه الصلاة والسلام فصاح به فخرجوا في طلبه حتى وجدوه ثم دخل علي فرآني وأنا أقرب يدي فقال: ما لك؟ قلت: انتظر دعوتك فرفع يديه وقال: اللهم إنما أنا بشر آسف وأغضب كما يغضب البشر فأيما مؤمن أو مؤمنة دعوتك عليه بدعوة فاجعلها له زكاة وطهرًا».
أو يدعو بما هو شر ويحسبه خيرًا وكان عجولًا غير مستبصر لا يتدبر في أموره حق التدبر ليتحقق ما هو خير حقيق بالدعاء به وهو شر جدير بالاستعاذة منه اه مع بعض زيادة وتغيير.
واختار إرادة الكافر من الإنسان الأول بعض المحققين وذكر في وجه ربط الآيات أنه تعالى لما شرح ما خص به نبيه صلى الله عليه وسلم من الإسراء وإيتاء موسى عليه السلام التوراة وما فعله بالعصاة المتمردين من تسليط البلاء عليهم كان ذلك تنبيهًا على أن طاعة الله تعالى توجب كل خير وكرامة ومعصية سبحانه توجب كل بلية وغرامة لا جرم قال: {إِنَّ هذا القرآن يهدى} [الإسراء: 9] إلخ ثم عطف عليه {وَجَعَلْنَا اليل} [الإسراء: 12] إلخ بجامع دليل العقل والسمع أو نعمتي الدين والدنيا، وأما اتصال قوله تعالى: {وَيَدْعُ الإنسان} إلخ فهو أنه سبحانه لما وصف القرآن حتى بلغ به الدرجة القصوى في الهداية أتى بذكر من أفرط في كفران هذه النعمة العظمة قائلًا {اللهم إِن كَانَ هذا هُوَ الحق مِنْ عِندِكَ} [الأنفال: 32] إلخ.
ومثل هذا ما قيل إنه تعالى بعد إن وصف القرآن بما وصف ذم قريشًا بعدم سؤالهم الهداية به وطلبهم إنزال الحجارة عليهم أو إيتاء العذاب الأليم إن كان حقًا، وفي الكشف أن قوله تعالى: {وَيَدْعُ الإنسان} إلخ بيان أن القرآن يهديهم للتي هي أقوم ويأبون إلا التي هي ألوم وهو وجه للربط مطلقًا وكل ما ذكروه في ذلك متقارب.
ويرد على حمل الدعاء على الدعاء بالأعمال والعجولية على اللج والتمادي في استيجاب العذاب بتلك الأعمال خلاف المتبادر كما لا يخفى، وفسر بعضهم الإنسان الثاني بآدم عليه السلام لما أخرج ابن جرير. وابن المنذر. وغيرهما عن سليمان الفارسي قال: أول ما خلق الله تعالى من آدم عليه السلام رأسه فجعل ينظر وهو يخلق وبقيت رجلاه، فلما كان بعد العصر قال: يا رب أعجل قبل الليل فذلك قوله تعالى: {وَكَانَ الإنسان عَجُولًا}، وروى نحوه عن مجاهد وروى القرطبي والعهدة عليه أنه لما وصلت الروح لعينيه نظر إلى ثمار الجنة فلما دخلت جوفه اشتهاها فوثب عجلًا إليها فسقط، ووجه ارتباط {وَكَانَ الإنسان} إلخ على هذا القول إفادته أن عجلته بالدعاء لضجره أو لعدم تأمله من شأنه وأنه موروث له من أصله وشنشنة يعرفها من أخزم فهو اعتراض تذييلي وكلام تعليلي والأولى إرادة الجنس وإن كان ألفاظ الآية لا تنبو عن إرادة آدم عليه السلام كما زعم أبو حيان ثم أن الباء في الموضعين على ظاهرها صلة الدعاء، وقيل: إنها عنى في والمعنى يدعو في حالة الشر والضر كما كان يدعو في حالة الخير فالمدعو به ليس الشر والخير، وقيل: إنها للسببية أي يدعو بسبب ذلك وكلا القولين مخالفين للظاهر لا يعول عليهما، واستدل بالآية على بعض الاحتمالات على المنع من دعاء الرجل على نفسه أو على ماله أو على أهله وقد جاء النهي عن ذلك صريحًا في بعض الأخبار.
فقد أخرج أبو داود والبزار عن جابر عن قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تدعو على أنفسكم لا تدعوا على أولادكم لا تدعو على أموالكم لئلا توافقوا من الله تعالى ساعة فيها إجابة فيستجيب لكم» وبه يرد على ما قيل من أن الدعاء بذلك لا يستجاب فضلًا من الله تعالى وكرمًا. واستشكل بأن النبي صلى الله عليه وسلم دعا على أهله كما سمعت في حديث الواقدي، وأجيب عن ذلك بأنه كان للزجر وإن كان وقت الغضب وقد اشترط صلى الله عليه وسلم على ربه سبحانه في مثل ذلك أن يكون رحمة فقد صح أنه عليه الصلاة والسلام قال: «إني اشترطت على ربي فقلت إنما أنا بشر أرضى كما يرضى البشر وأغضب كما يغضب البشر فأيما أحد دعوت عليه من أمتي بدعوة ليس لها بأهل أن تجعلها له طورًا وزكاة وقربة» وذكر النووي في جواب ما يقال: إن ظاهر الحديث أن الدعاء ونحوه كان بسبب الغضب ما قال المازري من أنه يحتمل أنه صلى الله عليه وسلم أراد أن دعاءه وسبه ونحوهما كان مما يخير فيه بين أمرين أحدهما هذا الذي فعله والثاني زجره بأمر آخر فحمله الغضب لله تعالى على أحد الأمرين المخير فيهما وليس ذلك خارجًا عن حكم الشرع، والمراد من قوله عليه الصلاة والسلام ليس لها بأهل ليس لها بأهل عند الله تعالى وفي باطن الأمر ولكنه في الظاهر مستوجب لذلك، وقد يستدل على ذلك بإمارات شرعية وهو مأمور صلى الله عليه وسلم بالحكم بالظاهر والله تعالى يتولى السرائر، وقيل: إن ما وقع منه عليه الصلاة والسلام من الدعاء ونحوه ليس قصود بل هو مما جرت به عادة العرب في وصل كلامهما بلا نية كتربت يمينك وعقري حلقي لكن خاف صلى الله عليه وسلم أن يصادف شيء من ذلك إجابة فسأل ربه سبحاته وتعالى ورغب إليه في أن يجعل ذلك زكاة وقربة، نعم في ذكر حديث الواقدي ونحوه كالحديث الذي ذكره البيضاوي في المقام الذي ذكر فيه لا يخلو عن شيء فتأمل، ثم إن القياس إثبات الواو في {يَدُعُّ} الإنسان إذ لا جازم تحذف له لكن نقل القرآن العظيم كما يمع ولم يتصرف فيه الناقل قدار فهمه وقوة عقله.