فصل: تفسير الآية رقم (48):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (48):

{انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا (48)}
{انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُواْ لَكَ الامثال} أي مثلوك فقالوا تارة شاعرة وتارة ساحرة وتارة مجنون مع علمهم بخلاف {فُضّلُواْ} في جميع ذلك عن منهاج المحاجة {فَلاَ يَسْتَطِيعْونَ سَبِيلًا} طريقًا ما إلى طعن يمكن أن يقبله أحد فيتهافتون ويخبطون ويأتون بما لا يرتاب في بطلانه من سمعه أو إلى سبيل الحق والرشاد، وفيه من الوعيد وتسلية الرسول صلى الله عليه وسلم ما لا يخفى.

.تفسير الآية رقم (49):

{وَقَالُوا أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا (49)}
{وَقَالُواْ أَءذَا كُنَّا عظاما ورفاتا} عطف على {ضَرَبُواْ} [الإسراء: 48] ولما عجب من ضربهم الأمثال عطف عليه أمرًا آخر يعجب منه أيضًا. وفي الكشف الأظهر أن يكون هذا إلى تمام المقالات الثلاث تفسيرًا لـ {ضربوا لك الأمثال} [الإسراء: 48] ألا ترى إلى قوله تعالى: {واضرب لَهُمْ مَّثَلًا} [الكهف: 32] وتفسيره ثلوك غير ظاهر بل الظاهر مثلوا لك، ولا خفاء إن تجاوب الكلام على ما ذكرنا أتم، وذلك أنه لما ذكر استهزاءهم به صلى الله عليه وسلم وبالقرآن عجبه من استهزائهم ضمونه من البعث دلالة على أنه أدخل في التعجب لأن العقل أيضًا يدل عليه ولكن على سبيل الإجمال، وأما على تفسير {ضَرَبُواْ لَكَ الامثال} [الإسراء: 48] ثلوك فوجهه أن يكون معطوفًا على قوله سبحانه: {فُضّلُواْ} [الإسراء: 48] لأنه باب من أبواب الضلال أو على مقدر دل عليه {كيف ضربوا} [الإسراء: 48] لأن معناه مثلوك وقالوا شاعر ساحر مجنون وقالوا: {أَن كُنَّا} إلخ اه.
ولا يخفى أنه على التفسير الذي اختاره يكون {قَالُواْ} معطوفًا على {ضَرَبُواْ} [الإسراء: 48] أيضًا عطفًا تفسيريًا لكن الظاهر فيه حينئذ الفاء وأنه لا يحتاج على ما ذكرنا إلى تكلف العطف على مقدر والارتباط عليه لا يقصر عن الارتباط الذي ذكره، وعطفه على {فُضّلُواْ} [الإسراء: 48] مما لا يحسن لعدم ظهور دخوله معه في حيز الفاء، والاعتراض على التفسير ثلوك بأنهم ما مثلوه عليه الصلاة والسلام بالشاعر والساحر مثلًا بل قالوا تارة كذا وأخرى كذا، وأيضًا كان الظاهر أن يقال فيك بدل {لك} [الإسراء: 48] ليس بشيء لأن ما ذكروه على طريق التشبيه لتقريعه صلى الله عليه وسلم وعجزهم عن معارضته، و{لَكَ} أظهر من فيك لأنه عليه الصلاة والسلام الممثل له، هذا وأقول: انظر هل ثم مانع من عطف {قَالُواْ} على {يَقُولُ الظالمون} [الإسراء: 47] وجعل هذا القول مما يتناجون به أيضًا وإعلانهم به أحيانًا لا يمنع من هذا الجعل وكذا اختلاف المتعاطفين ماضوية ومضارعية لا يمنع من العطف، نعم يحتاج إلى نكتة ولا أظنها تخفى فتدبر.
والرفات ما تكسر وبلى من كل شيء، وكثر بناء فعال في كل ما تحطم وتفرق كدقاق وفتات.
وأخرج ابن جرير وغيره عن مجاهد أنه التراب وهو قول الفراء، وأخرج ابن المنذر وغيره عن ابن عباس أنه الغبار، وقال المبرد: هو كل شيء مدقوق مبالغ في دقه وهي أقوال متقاربة، والهمزة للاستفهام الإنكاري مفيدة لكمال الاستبعاد والاستنكار للبعث بعد ما آل الحال إلى هذا المآل كأنهم قالوا: إن ذلك لا يكون أصلًا.
ومنشؤه أن بين غضاضة الحي وطراوته المقتضية للاتصال المقتضى للحياة وبين يبوسة الرميم المقتضية للتفرق المقتضي لعدم الحياة تنافيًا، و{إِذَا} هنا كما في الدر المصون متمحضة للظرفية والعامل فيها ما دل عليه.
قوله تعالى: {أَءنَّا لَمَبْعُوثُونَ} لا نفسه لأن إن لها الصدر فلا يعمل ما بعدها فيما قبلها، وكذا الاستفهام وإن كان تأكيدًا مع كون الاستفهام بالفعل أولى وهو نبعث أو نعاد مصب الإنكار، وتقييده بالوقت المذكور لتقوية إنكار البعث بتوجيهه إليه في حالة منافية له وإلا فالظاهر من حالهم أنهم منكرون للأحياء بعد الموت وإن كان البدن على حاله.
وجوز أن تكون شرطية وجوابها مقدر أي نبعث أو نحوه وهو العامل فيها. ويل الشرط والمعنى انبعث وقد كنا رفاتًا في وقت وهو مذهب لبعض النحويين غير مشهور ولا معول عليه، وتحلية الجملة بأن واللام لتأكيد الإنكار لا لإنكار التأكيد كما عسى يتوهم من ظاهر النظم، وليس مدار إنكارهم كونهم ثابتين في المبعوثية بالفعل في حال كونهم عظامًا ورفاتًا كما يرءى من ظاهر الجملة الاسمية بل كونهم بعرضية ذلك واستعدادهم له، ومرجعه إلى إنكار البعث بعد تلك الحالة، وفيه من الدلالة على غلوهم في الكفر وتماديهم في الضلال ما لا مزيد عليه قاله بعض المحققين.
{خَلْقًا جَدِيدًا} نصب بعوثين على أنه مفعول مطلق له من غير لفظ فعله أو حال على أن الخلق عنى المخوق ووحد لاستواء الواحد في المصدر وإن أريد منه اسم المفعول أي مخلوقين.

.تفسير الآية رقم (50):

{قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا (50)}
{قُلْ} جوابًا لهم وتقريبًا لما استبعدوه.
{كُونُواْ حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا} رد سبحانه قوله: {كُونُواْ} على قولهم {كنا} [الإسراء: 49] فهو من باب المشاكلة والمقابلة بالجنس، ومعنى الأمر كما قيل الاستهانة كما في قوله موسى عليه السلام: {أَلْقُواْ مَا أَنتُمْ مُّلْقُونَ} [يونس: 80] وجعله صاحب الإيضاح أمر إهانة والفاضل الطيبي أمر تسخير كما في قوله تعالى: {كُونُواْ قِرَدَةً خاسئين} [الأعراف: 166] لكنه قال: إنه على الفرض. وفي الكشف أنه غير ذاهر ولو جعل من باب كن فلانًا على معنى أنت فلان من استعمال الطلب في معنى الخبر أي أنتم حجارة ولستم عظامًا ومع ذلك تبعثون لا محالة لكان وجهًا قويمًا، وبحث في الشهاب بأنه كيف يقال أنتم حجارة على أنه خبر وهو غير مطابق للواقع فلابد من قصد الإهانة وعدم المبالاة وجعل الأمر مجازًا عن الخبر والخبر خبر فرضي وليس فيه ما يدل على الفرض كان ولو الشرطيتين فهو مما لا يخفى بعده وليس بأقرب مما استبعده فالصواب أنه للإهانة كما جنح إليه صاحب الإيضاح فتدبر، والحجارة جمع حجر كأحجار وهو معروف وكذا الحديد وهو مفرد وجمعه حدائد وحديدات.
والظاهر أن المراد كونوا من هذين الجنسين.

.تفسير الآية رقم (51):

{أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُءُوسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا (51)}
{أَوْ خَلْقًا} أي مخلوقًا آخر {مّمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ} أي مما يستبعد عندكم قبوله الحياة لكونه أبعد شيء منها وتعيينه مفوض إليكم فإن الله تعالى لا يعجزه إحياؤكم لتساوي الأجسام في قبول الاعراض فكيف إذا كنتم عظامًا بالية وقد كانت موصوفة بالحياة قبل والشيء أقبل لما عهد مما لم يعهد، وقال مجاهد: الذي يكبر السموات والأرض والجبال.
وأخرج ابن جرير وجماعة عن ابن عباس. وابن عمر. والحسن، وابن جبير أنهم قالوا: ما يكبر في صدورهم الموت فإنه ليس شيء أكبر في نفس ابن آدم من الموت، والمعنى لو كنتم مجسمين من نفس الموت لأعادكم فضلًا عن أصل لايضاد الحياة إن لم يقتضها، وإن كان اللفظ غير ظاهر فيه {فَسَيَقُولُونَ} لك: {مَن يُعِيدُنَا} مع ما بيننا وبين الإعادة من مثل هذه المباعدة والمباينة {قُلْ} لهم تحقيقًا للحق وإزاحة للاستبعاد وإرشادًا إلى طريقة الاستدلال {الذى فَطَرَكُمْ} أي القادر العظيم الذي اخترعكم {أَوَّلَ مَرَّةٍ} منغير مثال يحتذيه ولا أسلوب ينتحيه وكنتم ترابًا ما شم رائحة الحياة أليس الذي يقدر على ذلك بقادر على أن يفيض الحياة على العظام البالية ويعيدها إلى حالها المعهودة بلى إنه سبحانه على كل شيء قدير، والموصول مبتدأ خبره يعيدكم المحذوف لدلالة السؤال عليه أو قاعل به أو خبر مبتدأ محذوف على اختلاف في الأول كما فصل في محله. و{أَوَّلَ مَرَّةٍ} ظرف فطركم {فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُءوسِهِمُ} أي سيحر كونها نحوك استهزاء كما روى عن ابن عباس وأنشد عليه قول الشاعر:
أتنغض لي يوم الفخار وقد ترى ** خيولًا عليها كالأسود ضواريا

ومثله قول الآخر:
انغض نحوي رأسه وأقنعا ** كأنه يطلب شيئًا أطمعا

وفي القاموس نغض كنصر وضرب نغضًا ونغوضًا ونغضانًا ونغضا محركتين تحرك واضطرب كانغض وحرك كأنغض، وفسر الفراء الانغاض بتحريك الرأس بارتفاع وانخفاض، وقال أبو الهيثم، من أخبر بشيء فحرك رأسه انكارًا له فقد أنغض رأسه فكأنه سيحركون رؤسهم إنكارًا {وَيَقُولُونَ} استهزاء {متى هُوَ} أي ما ذكرته من الإعادة، وجوز أن يكون الضمير للعود أو البعث المفهوم من الكلام {قُلْ} لهم {عسى أَن يَكُونَ} ذلك {قَرِيبًا} فإن ما هو محقق إتيانه قريب، ولم يعين زمانه لأنه من المغيبات التي لا يطلع عليها غيره تعالى ولا يطلع عليها سبحانه أحدًا، وقيل: قربه لأن ما بقي من زمان الدنيا أقل مما مضى منه؛ وانتصاب {قَرِيبًا} على أنه خبر كان الناقصة واسمها ضمير يعود على ما أشير إليه، وجوز أن يكون منصوبًا على الظرفية والأصل زمانًا قريبًا فحذف الموصوف وأقيمت صفته مقامه فانتصب انتصابه وكان على هذا تامة وفاعلها ذلك الضمير أي عسى أن يقع ذلك في زمان قريب وأن يكون في تأويل مصدر منصوب وقع خبر لها أي عسى كونه قريبًا أو في وقت قريب.
واعترض بأن عسى للمقاربة فكأنه قيل: قرب أن يكون قريبًا ولا فائدة فيه، وأجيب بأن نجم الأئمة لم يثبت معنى المقارنة في عسى لا وضعًا ولا استعمالًا، ويدل له ذكر {قَرِيبًا} بعدها في الآية فلا حاجة إلى القول بأنها جردت عنه فالمعنى يرجى ويتوقع كونه قريبًا.

.تفسير الآية رقم (52):

{يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا (52)}
{يَوْمَ يَدْعُوكُمْ} منصوب بفعل مضمر أي اذكروا أو بدل من {قَرِيبًا} [الإسراء: 51] على أنه ظرف أو متعلق بيكون تامة بالاتفاق وناقصة عند من يجوز إعمال الناقصة في الظروف أو بتبعثون محذوفًا أو بضمير المصدر المستتر في {يكون} أو {عسى} [الإسراء: 51] العائد على العود مثلًا بناء على مذهب الكوفيين المجوزين اعمال ضمير المصدر كما في قوله:
وما الحرب إلا ما علمتم وذقتمو ** وما هو عنها بالحديث المرجم

وجعله بدلًا من الضمير المستتر بدل اشتمال ولم يرفع لأنه إذا أضيف إلى مثل هذه الجملة قد يبنى على الفتح تكلف وادعاء ظهوره مكابرة، والدعاء قيل: مجاز عن البعث وكذا الاستجابة في قوله تعالى: {فَتَسْتَجِيبُونَ} مجاز عن الانبعاث أي يوم يبعثكم فتنبعثون فلا دعاء ولا استجابة وهو نظير قوله تعالى: {كُنْ فَيَكُونُ} [يس: 82] في أنه لا خطاب ولا مخاطب في المشهور، وتجور بالدعاء والاستجابة عن ذلك للتنبيه على السرعة والسهولة لأن قول: قم يا فلان أمر سريع لا بطء فيه ومجرد النداء ليس كمزاولة الإيجاد بالنسبة إلينا، وعلى أن المقصود الإحضار للحساب والجزاء فإن دعوة السيد لعبده إنما تكون لاستخدامه أو للتفحص عن أمره والأول منتف لأن الآخرة لا تكليف فيها فتعين الثاني، وقال الإمام وأبو حيان: يدعوكم بالنداء الذي يسمعكم وهو النفخة الأخيرة كما قال سبحانه: {يَوْمٍ يُنَادِى المناد مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ} [ق: 41] الآية، ويقال إن إسرافيل عليه السلام وفي رواية جبرائيل عليه السلام ينادي على صخرة بيت المقدس أيتها الأجسام البالية والعظام النخرة والأجزاء المتفرقة عودي كما كنت.
وأخرج أبو داود، وابن حبان عن أبي الدرداء أنه قال: «قال صلى الله عليه وسلم إنكم تدعون يوم القيامة بأسمائكم وأسماء آبائكم فحسنوا أسماءكم» ولعل هذا عند الدعاء للحساب وهو بعد البعث من القبور، واقتصر كثير على التجوز السابق فقيل إن فيه إشارة إلى امتناع الحمل على الحقيقة لما يلزم من الحمل عليها خطاب الجماد وهو الأجزاء المتفرقة ولو لم تمتنع إرادة الحقيقة لكان ذلك كناية عن البعث والانبعاث لا مجازًا والمجوز لإرادتها يقول إن الدعوة بالأمر التكويني وهو مما يوجه إلى المعدوم وقد قال جمع به في قول كن ولم يتجوزوا في ذلك وأما أنه لو لم تمتنع إرادة الحقيقة لكان كناية لا مجازًا فأمر سهل كما لا يخفى فتدبر.
{بِحَمْدِهِ} حال من ضمير المخاطبين وهم الكفار كما هو الظاهر، والباء للملابسة أي فتستجيبون ملتبسين بحمده أي حامدين له تعالى على كمال قدرته، وقيل المراد معترفين بأن الحمد له على النعم لا تنكرون ذلك لأن المعارف هناك ضرورية.
وأخرج عبد بن حميد وغيره عن ابن جرير أنه قال: يخرجون من قبورهم وهم يقولون: سبحانك اللهم وبحمدك ولا بعد في صدور ذلك من الكافر يوم القيامة وإن لم ينفعه وحمل الزمخشري ذلك على المجاز والمراد المبالغة في انقيادهم للبعث كقولك لمن تأمره بركوب ما يشق عليه فيتأبى ويمتنع ستركبه وأنت حامد شاكر يعني أنك تحمل عليه وتقسر قسرًا حتى إنك تلين لين المسمح الراغب فيه الحامد عليه فكأنه قيل: منقادين لبعثه انقياد الحامدين له وتعلق الجار بيدعو كم ليس بشيء، وعن الطبري أن {بِحَمْدِهِ} معترضين بين المتعاطفين اعتراضه بين اسم إن وخبرها في قوله:
فإني بحمد الله لأثوب فاجر ** لبست ولا من غدرة أتقنع

ويكون الكلام على حد قولك لرجل وقد خصمته في مسألة أخطأت بحمد الله تعالى فكان الرسول عليه الصلاة والسلام قال: عسى أن يكون البعث قريبًا يوم تدعون فتقومون بخلاف ما تعتقدون اليوم وذلك بحمد الله سبحانه على صدق خبري، وملخصه يكون ذلك على خلاف اعتقادكم والحمد لله تعالى، ولا يخفى أنه معنى متكلف لا يكاد يفهم من الكلام ونحن في غنى عن ارتكابه والحمد لله، وقيل. الخطاب للمؤمنين وانقطع خطاب الكافرين عند قوله تعالى: {قَرِيبًا} [الإسراء: 51] فيستجيبون حامدين له سبحانه على إحسانه إليهم وتوفيقه إياهم للإيمان بالبعث. وأخرج الترمذي. والطبراني. وغيرهما عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليس على أهل لا إله إلا الله وحشة في قبورهم ولا في منشرهم وكأني باهل لا إله إلا الله ينفضون التراب عن رؤسهم ويقولون الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن» وفي رواية عن أنس مرفوعًا: «ليس على أهل لا إله إلا الله وحشة عند الموت ولا في القبور ولا في الحشر وكأني بأهل لا إله إلا الله قد خرجوا من قبورهم ينفضون رؤسهم من التراب يقولون الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن» وقيل: الخطاب للفريقين وكلهم يقولون: ما روى عن ابن جبير.
{وَتَظُنُّونَ} الظاهر أنه عطف على {تستجيبون} وإليه ذهب الحوفي وغيره، وقال أبو البقاء: هو بتقدير مبتدأ والجملة في موضع الحال أي وأنتم تظنون {بَيْنَهُمْ إِن لَّبِثْتُمْ} أي ما لبثتم في القبور {إِلاَّ قَلِيلًا} كالذي مر على قرية أو ما لبثتم في الدينا كما روى غير واحد عن قتادة، وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما يستقلون لبثهم بين النفختين فإنه يزال عنهم العذاب في ذلك البين ولذا يقولون {مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا} [يس: 52] وقيل يستقلون لبثهم في عرصة القيامة لما أن عاقبة أمرهم الدخول إلى النار، وهذا في غاية البعد كما لا يخفى، والظن يحتمل أن يكون على بابه ويحتمل أن يكون عنى اليقين وهو معلق عن العمل بأن النافية وقل من ذكرها من أدوات التعليق قاله أبو حيان وانتصاب {قَلِيلًا} على أنه نعت لزمان محذوف أي إلا زمانًا قليلًا، وجوز أن يكون نعتًا لمصدر محذوف أي لبثًا قليلًا ودلالة الفعل على مصدره دلالة قوية.