فصل: تفسير الآيات (1- 7):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآيات (1- 7):

{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (1) الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4) إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5) اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7)}
بسم الله الرحمن الرحيم
فيها أبحاث:
البحث الأول: اختلف العلماء فيها هل هي من خواص هذه الأمة أم لا؟ فنقل العلامة أبو بكر التونسي إجماع علماء كل ملة على أن الله تعالى افتتح كل كتاب بها وروى السيوطي فيما نقله عنه السرميني والعهدة عليه: بسم الله الرحمن الرحيم فاتحة كل كتاب، وذهب هذا الراوي إلى أن البسملة من الخصوصيات لما روي أنه صلى الله عليه وسلم كان يكتب باسمك اللهم إلى أن نزل: {بِسْمِ الله مَجْرَاهَا} [هود: 14] فأمر بكتابة بسم الله حتى نزل: {قُلِ ادعوا الله أَوِ ادعوا الرحمن} [الإسراء: 110] فأمر بكتابة بسم الله الرحمن إلى أن نزلت آية النمل فأمر بكتابة بسم الله الرحمن الرحيم، ولما اشتهر أن معاني الكتب في القرآن ومعانيه في الفاتحة ومعانيها في البسملة ومعاني البسملة في الباء فلو كانت في الكتب القديمة لأمر من أول الأمر بكتابتها ولكانت معاني القرآن في كل كتاب واللازم منتف فكذا الملزوم، وفيه أن الأمر بذلك التفصيل لا يستلزم النفي لاحتمال نفي العلم إذ ذاك ولا ضير وأن المختص بالقرآن اللفظ العربي بهذا الترتيب والكتب السماوية بأسرها خلافًا للغيطى غير عربية وما في القرآن منها مترجم فلرا لهذه الألفاظ مدخل في الاشتمال على جميع المعاني فلا تكون في غير القرآن كما توهمه السرميني وإن كان هناك بسملة على أن في أول الدليلين بظاهره دليلًا على عدم الخصوصية.
البحث الثاني: وهو من أمهات المسائل حتى أفرده جمع بالتصنيف اختلف الناس في البسملة في غير النمل إذ هي فيها بعض آية بالاتفاق على عشرة أقوال:
الأول: إنها ليست آية من السور أصلًا.
الثاني: أنها آية من جميعها غير براءة.
الثالث: أنها آية من الفاتحة دون غيرها.
الرابع: أنها بعض آية منها فقط.
الخامس: أنها آية فذة أنزلت لبيان رءوس السور تيمنًا للفصل بينها.
السادس: أنه يجوز جعلها آية منها وغير آية لتكرر نزولها بالوصفين.
السابع: أنها بعض آية من جميع السور.
الثامن: أنها آية من الفاتحة وجزء آية من السور.
التاسع: عكسه.
العاشر: أنها آيات فذة وإن أنزلت مرارًا.
فابن عباس وابن المبارك وأهل مكة كابن كثير وأهل الكوفة كعاصم والكسائي وغيرهما سوى حمزة وغالب أصحاب الشافعي والإمامية على الثاني، وقال بعض الشافعية وحمزة ونسب للإمام أحمد بالثالث وأهل المدينة ومنهم مالك والشام ومنهم الأوزاعي والبصرة ومنهم أبو عمرو ويعقوب على الخامس وهو المشهور من مذهبنا وعلى المرء نصرة مذهبه والذب عنه وذلك بإقامة الحجج على إثباته وتوهين أدلة نفاته وكنت من قبل أعد السادة الشافعية لي غزية ولا أعد نفسي إلا منها، وقد ملكت فؤادي غرة أقوالهم كما ملكت فؤاد قيس ليلى العامرية فحيث لاحت لا متقدم ولا متأخر لي عنها:
أتاني هواها قبل أن أعرف الهوى ** فصادف قلبًا خاليًا فتمكنا

إلى أن كان ما كان فصرت مشغولًا بأقوال السادة الحنفية وأقمت منها برياض شقائق النعمان واستولى عليّ من حبها ما جعلني أترنم بقول القائل:
محا حبها حب الألى كن قبلها ** وحلت مكانًا لم يكن حل من قبل

وقد أطال الفخر في هذا المقام المقال وأورد ست عشرة حجة لإثبات أنها آية من الفاتحة كما هو نص كلامه ولا عبرة بالترجمة فها أنا بتوفيق الله تعالى راده ولا فخر وناصر مذهبي بتأييد الله تعالى ومنه التأييد والنصر فأقول قال:
الحجة الأولى: روى الشافعي عن ابن جريج عن أبي مليكة عن أم سلمة أنها قالت: «قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فاتحة الكتاب فعد: {بسم الله الرحمن الرحيم} آية، {الحمد للَّهِ رَبّ العالمين} آية، {الرحمن الرحيم} آية، {مالك يَوْمِ الدين} آية، {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} آية، {اهدنا الصراط المستقيم} آية، {صِرَاطَ الذين أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ المغضوب عَلَيْهِمْ وَلاَ الضالين} آية» وهذا نص صريح.
الحجة الثانية: روى سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «فاتحة الكتاب سبع آيات أولاهن بسم الله الرحمن الرحيم».
الحجة الثالثة: روى الثعلبي بإسناده عن أبي بردة عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ألا أخبرك بآية لم تنزل على أحد بعد سليمان بن داود غيري؟ فقلت بلى قال: بأي شيء تستفتح القرآن إذا افتتحت الصلاة؟ فقلت بسم الله الرحمن الرحيم قال: هي هي» الحجة الرابعة: روى الثعلبي بإسناده عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر بن عبد الله: «أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له كيف تقول: إذا قمت إلى الصلاة؟ قال: أقول الحمد لله رب العالمين قال: قل بسم الله الرحمن الرحيم» وروى أيضًا بإسناده عن أم سلمة: «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين» وروى أيضًا بإسناده عن علي كرم الله تعالى وجهه: «أنه كان إذا افتتح السورة في الصلاة يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم وكان يقول: من ترك قراءتها فقد نقص». وروى أيضًا بإسناده عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله تعالى: {وَلَقَدْ ءاتيناك سَبْعًا مّنَ المثاني والقرءان العظيم} [الحجر: 78] قال: فاتحة الكتاب فقيل لابن عباس فأين السابعة فقال: {بِسْمِ اللَّهِ الرحمن الرحيم} وبإسناده عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا قرأتم أم القرآن فلا تدعوا بسم الله الرحمن الرحيم فإنها إحدى آياتها».
وبإسناده أيضًا عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: قال: «يقول الله عز وجل قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين فإذا قال بسم الله الرحمن الرحيم قال الله تعالى: مجدني عبدي وإذا قال: الحمد لله رب العالمين قال الله حمدني عبدي وإذا قال: الرحمن الرحيم قال: أثنى عليَّ عبدي فإذا قال: مالك يوم الدين قال الله تعالى: فوض إليَّ عبدي وإذا قال: إياك نعبد وإياك نستعين قال الله تعالى: هذا بيني وبين عبدي وإذا قال: اهدنا الصراط المستقيم قال الله تعالى: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل» وبإسناده أيضًا عن أبي هريرة قال: «كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد والنبي يحدث أصحابه إذا دخل رجل يصلي فافتتح الصلاة وتعوذ ثم قال: الحمد لله رب العالمين فسمع النبي صلى الله عليه وسلم ذلك فقال له يا رجل قطعت على نفسك الصلاة أما علمت أن بسم الله الرحمن الرحيم من الحمد فمن تركها فقد ترك آية منها ومن ترك آية منها فقد قطع عليه صلاته فإنه لا صلاة إلا بها فمن ترك آية منها فقد بطلت صلاته» وبإسناده عن طلحة بن عبيد الله قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من ترك بسم الله الرحمن الرحيم فقد ترك آية من كتاب الله».
الحجة الخامسة: قراءة بسم الله الرحمن الرحيم واجبة في أول الفاتحة وإذا كان كذلك وجب أن تكون آية منها بيان الأول: {اقرأ باسم رَبّكَ} [العلق: 1] ولا يجوز أن يقال الباء صلة لأن الأصل أن تكون لكل حرف من كلام الله تعالى فائدة وإذا كان الحرف مفيدًا كان التقدير اقرأ مفتتحًا باسم ربك وظاهر الأمر الوجوب ولم يثبت في غير القراءة للصلاة فوجب إثباته في القراءة فيها صونًا للنص عن التعطيل.
الحجة السادسة: التسمية مكتوبة بخط القرآن وكل ما ليس من القرآن فإنه غير مكتوب بخط القرآن ألا ترى أنهم منعوا كتابة أسامي السور في المصحف ومنعوا من العلامات على الأعشار والأخماس والغرض من ذلك كله أن يمنعوا أن يختلط بالقرآن ما ليس بقرآن فلو لم تكن التسمية من القرآن لما كتبوها بخط القرآن.
الحجة السابعة: أجمع المسلمون على أن ما بين الدفتين كلام الله تعالى والبسملة موجودة بينهما فوجب جعلها منه.
الحجة الثامنة: أطبق الأكثرون على أن الفاتحة سبع آيات إلا أن الشافعي قال: {بِسْمِ اللَّهِ الرحمن الرحيم} آية وأبو حنيفة قال: إنها ليست آية {لَكِنِ صِرَاطَ الذين أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} آية، وسنبين أن قوله مرجوح ضعيف فحينئذٍ يبقى أن الآيات لا تكون سبعًا إلا بجعل البسملة آية تامة منها.
الحجة التاسعة: أن نقول قراءة التسمية قبل الفاتحة واجبة فوجب كونها آية منها، بيان الأول أن أبا حنيفة يسلم أن قراءتها أفضل وإذا كان كذلك فالظاهر أنه صلى الله عليه وسلم قرأها فوجب أن يجب علينا قراءتها لقوله تعالى: {واتبعوه} [الأعراف: 158] وإذا ثبت الوجوب ثبت أنها من السورة لأنه لا قائل بالفرق وقوله عليه الصلاة والسلام: «كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بسم الله فهو أبتر» وأعظم الأعمال بعد الإيمان الصلاة فقراءة الفاتحة بدون قراءتها توجب كون الصلاة عملًا أبتر ولفظه يدل على غاية النقصان والخلل بدليل أنه ذكر ذمًا للكافر الشانئ فوجب أن يقال للصلاة الخالية عنها في غاية النقصان والخلل وكل من أقر بذلك قال بالفساد وهو يدل على أنها من الفاتحة.
الحجة العاشرة: ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبيّ بن كعب: «ما أعظم آية في القرآن؟ قال: بسم الله الرحمن الرحيم» فصدقه النبي في قوله وجه الاستدلال أن هذا يدل على أن هذا المقدار آية تامة ومعلوم أنها ليست بتامة في النمل فلابد أن تكون في غيرها وليس إلا الفاتحة.
الحجة الحادية عشرة: عن أنس أن معاوية قدم المدينة فصلى بالناس صلاة جهرية فقرأ أم القرآن ولم يقرأ البسملة فلما قضى صلاته ناداه المهاجرون والأنصار من كل ناحية أنسيت أين بسم الله الرحمن الرحيم حين استفتحت القرآن؟ا فأعاد معاوية الصلاة وجهر بها.
الحجة الثانية عشرة: أن سائر الأنبياء كانوا عند الشروع في أعمال الخير يبتدءون باسم الله فقد قال نوح: {بِسْمِ الله مَجْرَاهَا} [هود: 41] وسليمان: {بِسْمِ اللَّهِ الرحمن الرحيم أَلاَّ تَعْلُواْ عَلَىَّ} [النمل: 30، 31] فوجب أن يجب على رسولنا ذلك لقوله تعالى: {فَبِهُدَاهُمُ اقتده} [الأنعام: 90] وإذا ثبت ذلك في حقه صلى الله عليه وسلم ثبت أيضًا في حقنا لقوله تعالى: {واتبعوه} [الأعراف: 158] وإذا ثبت في حقنا ثبت أنها آية من سورة الفاتحة.
الحجة الثالثة عشرة: أنه تعالى قديم والغير محدث فوجب بحكم المناسبة العقلية أن يكون ذكره سابقًا على ذكر غيره والسبق في الذكر لا يحصل إلا إذا كانت قراءة البسملة سابقة وإذا ثبت أن القول بوجوب هذا التقديم فما رآه المؤمنون حسنًا فهو عند الله حسن وإذا ثبت وجوب القراءة ثبت أنها آية من الفاتحة لأنه لا قائل بالفرق.
الحجة الرابعة عشرة: إنه لا شك أنها من القرآن في سورة النمل ثم إنا نراه مكررًا بخط القرآن فوجب أن يكون من القرآن كما أنا لما رأينا قوله تعالى: {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لّلْمُكَذّبِينَ} [المراسلات: 15] {فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ} [الرحمن: 13] مكررًا كذلك قلنا: إن الكل منه.
الحجة الخامسة عشرة: روى أنه عليه السلام كان يكتب «باسمك اللهم» الحديث وهو يدل على أن أجزاء هذه الكلمة كلها من القرآن مجموعها منه وهو مثبت فيه فوجب الجزم بأنه من القرآن إذ لو جاز إخراجه مع هذه الموجبات والشهرة لكان جواز إخراج سائر الآيات أولى وذلك يوجب الطعن في القرآن العظيم.