فصل: تفسير الآية رقم (66):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (66):

{قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا (66)}
{قَالَ لَهُ موسى} استئناف مبني على سؤال نشأ من السياق كأنه قيل فما جرى بينهما من الكلام؟ فقيل: قال له موسى عليه السلام: {هَلْ أَتَّبِعُكَ على أَن تُعَلّمَنِ} استئذان منه عليه السلام في اتباعه له بشرط التعليم، ويفهم ذلك من {على} فقد قال الأصوليون: إن على قد تستعمل في معنى يفهم منه كون ما بعدها شرطًا لما قبلها كقوله تعالى: {يُبَايِعْنَكَ على أَن لاَّ يُشْرِكْنَ} [الممتحنة: 12] أي بشرط عدم الإشراك، وكونها للشرط نزلة الحقيقة عند الفقهاء كما في التلويح لأنها في أصل الوضع للالزام والجزاء لازم للشرط، ويلوح بهذا أيضًا كلام الفناري في بدائع الأصول وهو ظاهر في أنها ليست حقيقة في الشرط، وذكر السرخسي أنه معنى حقيقي لها لكن النحاة لم يتعرضوا له، وقد تردد السبكي في وروده في كلام العرب، والحق أنه استعمال صحيح يشهد به الكتاب حقيقة كان أو مجازًا ولا ينافي انفهام الشرطية تعلق الحرف بالفعل الذي قبله كما قالوا فيما ذكرنا من الآية كما أنه لا ينافيه تعلقه حذوف يقع حالًا كما قيل به هنا فيكون المعنى هل اتبعك باذلا تعليمك إياي {مِمَّا عُلّمْتَ رُشْدًا} أي علمًا ذا رشد وهو إصابة الخير. وقرأ أبو عمرو. والحسن. والزهري. وأبو بحرية. وابن محيصن. وابن مناذر ويعقوب. وأبو عبيد. واليزيدي {رَشَدًا} بفتحتين؛ وأكثر السبعة بالضم والسكون وهما لغتان كالبخل والبخل، ونصبه في الأصل على أنه صفة للمفعول الثاني لتعلمني ووصف به للمبالغة لكن أقيم مقامه بعد حذفه والمفعول الثاني لعلمت الضمير العائد على ما الموصولة أي من الذي علمته، والفعلان مأخوذان من علم المتعدي إلى مفعول واحد، وجوز أن يكون {مِمَّا عُلّمْتَ} هو المفعول الثاني لتعلمني و«رشدا» بدل منه وهو خلاف الظاهر، وان يكون {رَشَدًا} مفعولًا له لأتبعك أي هل أتبعك لأجل إصابة الخير فيتعين أن يكون المفعول الثاني لتعلمني {مِمَّا عُلّمْتَ} لتأويله ببعض ما علمت أو علما مما علمت، وأن يكون مصدرًا باضمار فعله أي أرشد رشدًا والجملة استئنافية والمفعول الثاني {مِمَّا عُلّمْتَ} أيضًا. واستشكل طلبه عليه السلام التعليم بأنه رسول من أولي العزم فكيف يتعلم من غيره والرسول لابد أن يكون أعلم أهل زمانه، ومن هنا قال نوف واضرابه: إن موسى هذا ليس هو ابن عمران وإن كان ظاهر اطلاقه يقتضي أن يكون إياه. وأجيب بأن اللازم في الرسول أن يكون أعلم في العقائد وما يتعلق بشريعته لا مطلقًا ولذا قال نبينا صلى الله عليه وسلم: «أنتم اعلم بأمور دنياكم» فلا يضر في منصبه أن يتعلم علومًا غيبية وأسرارًا خفية لا تعلق لها بذلك من غيره لاسيما إذا كان ذلك الغير نبيا أو رسولًا أيضًا كام قيل في الخضر عليه السلام، ونظير ما ذكر من وجه تعلم عالم مجتهد كأبي حنيفة والشافعي رضي الله عنهما علم الجفر مثلا ممن دونه فإنه لا يخل قامه، وإنكار ذلك مكابرة.
ولا يرد على هذا أن علم الغيب ليس علمًا ذا رشد أي إصابة خير وموسى عليه السلام كان بصدد تعلم علم يصيب به خيرًا لقوله تعالى: {ولوْ كُنتُ أَعْلَمُ الغيب لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الخير وَمَا مَسَّنِىَ السوء} [الأعراف: 188] وقال بعضهم: اللازم كون الرسول أعلم من أمته والخضر عليه السلام نبي لم يرسل إليه ولا هو مأمور باتباع شريعته فلا ينكر تفرده بما لم يعلمه غيره، ولا يخفى أنه على هذا ليس الخضر عليه السلام من بنى إسرائيل لأن الظاهر إرسال موسى عليه السلام إليهم جميعًا كذا قيل: ثم إن الذي أميل إليه أن لموسى عليه السلام علمًا بعلم الحقيقة المسمى بالعلم الباطن والعلم اللدني إلا أن الخضر أعلم به منه وللخضر عليه السلام سواء كان نبيًا أو رسولًا علمًا بعلم الشريعة المسمى بالعلم الظاهر إلا أن موسى عليه السلام أعلم به منه فكل منهما أعلم من صاحبه من وجه، ونعت الخضر عليه السلام في الأحاديث السابقة بأنه أعلم من موسى عليه السلام ليس على معنى أنه أعلم منه من كل وجه بل على معنى أنه أعلم من بعض الوجوه وفي بعض العلوم لكن لما كان الكلام خارجًا مخرج العتب والتأديب أخرج على وجه ظاهره العموم، ونظير هذا آيات الوعيد على ما قيل من أنها مقيدة بالمشيئة لكنها لم تذكر لمزيد الإرهاب، وافغل التفضيل وإن كان للزيادة في حقيقة الفعل إلا أن ذلك على وجه يعم الزيادة في فرد منه، ويدل على ذلك صحة التقييد بقسم خاص كما تقول زيد أعلم من عمرو في الطب وعمرو أعلم منه في الفلاحة، ولو كان معناه الزيادة في مطلق العلم كان قولك زيد أعلم من عمرو مستلزمًا لأن لا يكون عمرو أعلم منه في شيء من العلوم فلا يصح تفضيل عمرو عليه في علم الفلاحة، وإنكار صدق الأعلم المطلق مع صدق المقيد التزام لصدق المقيد بدون المطلق، وقد جاء إطلاق افعل التفضيل والمراد منه التفضيل من وجه على ما ذكره الشيخ ابن الحاجب في أمالي القرآن ضمن عداد الأوجه في حل الاشكال المشهور في قوله تعالى: {وَمَا نُرِيِهِم مّنْ ءايَةٍ إِلاَّ هي أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا} [الزخرف: 48] من أن المراد إلا هي أكبر من أختها من وجه ثم قال: وقد يكون الشيئان كل واحد منهما أفضل من الآخر من وجه، وقد أشبع الكلام في هذا المقام مولانا جلال الدين الدواني فيما كتبه على الشرح الجديد للتجريد وحققه بما لا مزيد عليه، ومما يدل على أن لموسى عليه السلام علمًا ليس عند الخضر عليه السلام ما أخرجه البخاري.
ومسلم. والترمذي. والنسائي من حديث ابن عباس مرفوعًا أن لخضر عليه السلام قال يا موسى: إني على علم من علم الله تعالى علمنيه لا تعلمه أنت وأنت على علم من علم الله تعالى علمك لله سبحانه لا أعلمه، وأنت تعلم أنه لو لم يكن قوله تعالى لموسى عليه السلام المذكور في الأحاديث السابقة إن لي عبدًا جمع البحرين هو أعلم منك على معنى أعلم في بعض العلوم بل كان على معنى أعلم في كل العلوم أشكل الجمع بينه بين ما ذكرنا من كلام الخضر عليه السلام، ثم على ما ذكرنا ينبغي أن يراد من العلم الذي ذكر الخضر أنه يعلمه هو ولا بعلمه موسى عليهما السلام بعض علم الحقيقة ومن العلم الذي ذكر أنه يعلمه موسى ولا يعلمه هو عليهما السلام بعض علم لشريعة، فلكل من موسى والخضر عليهما السلام علم بالشريعة والحقيقة إلا أن موسى عليه السلام أزيد بعلم الشريعة والخضر عليه السلام أزيد بعلم الحقيقة، ولكن نظرًا للحالة الحاضرة كما ستعلم وجهه إن شاء الله تعالى وعدم علم كل ببعض ما عند صاحبه لا يضر قامه. وينبغي أن يحمل قول من قال كالجلال السيوطي ما جمعت الحقيقة والشريعة إلا نبينا صلى الله عليه وسلم ولم يكن للأنبياء إلا أحدهما على معنى أنها ما جمعت على الوجه الأكمل إلا له صلى الله عليه وسلم ولم يكن للأنبياء عليهم السلام على ذلك الوجه إلا أحدهما، والحمل على أنهما لم يجمعا على وجه الأمر بالتبليغ إلا لنبينا صلى الله عليه وسلم فإنه عليه الصلاة والسلام مأمور بتبليغ الحقيقة كما هو مأمور بتبليغ الشريعة لكن للمستعدين لذلك لا يخلو عن شيء. ويفهم من كلام بعض الأكابر أن علم الحقيقة من علوم الولاية وحينئذ لابد أن يكون لكل نبي حظ منه ولا يلزم التساوي في علومها.
ففي الجواهر والدرر قلت للخواص عليه الرحمة: هل يتفاضل الرسل في العلم؟ فقال: العلم تابع للرسالة فإنه ليس عند كل رسول من العلم إلا بقدر ما تحتاج إليه أمته فقط فقلت له: هذا من حيث كونهم رسلًا فهل حالهم من حيث كونهم أولياء كذلك؟ فقال: لا قد يكون لأحدهم من علوم الولاية ما هو أكثر من علوم ولاية أولي العزم ان الرسل الذين هم أعلى منهم انتهى، وانا أرى أن ما يحصل لهم من علم الحقيقة بناء على القول بأنه من علوم لولاية أكثر مما يحصل للأولياء الذين ليسوا بأنبياء. ولا تراني أفضل وليا ليس بنبي في علم الحقيقة على ولي هو نبي؛ ولا أقول بولاية الخضر عليه السلام دون نبوته.
وقائلوا ذلك يلزمهم ظاهرًا القول بأن ما عنده من علم الحقيقة مع كونه وليًا أكثر مما عند موسى عليه السلام منه إن أثبتوا له عليه السلام شيئًا من ذلك مع كونه نبيًا ولكنهم لا يرون في ذلك حطا لقدر موسى عليه السلام. وظاهر كلام بعضهم أنه عليه السلام لم يؤت شيئًا من علم الحقيقة أصلًا ومع هذا لا ينط قدره عن قدر الخضر عليهما السلام إذ له جهات فضل أخر، وسيأتي إن شاء الله تعالى تحقيق ما يقوله الذاهبون إلى ولايته عليه السلام.
ثم ما أراه أنا ولله تعالى الحمد أبعد عن القول بما نقل عن بعض الصوفية من أن الولاية مطلقًا أفضل من النبوة وإن كان الولي لا يبلغ درجة النبي. وهو مردود عند المحققين بلا تردد. نعم قد يقع تردد في نبوة النبي وولايته أيهما أفضل؟ فمن قائل بان نبوته أفضل من ولايته، ومن قائل بان ولايته أفضل.
واختار هذا بعض العرفاء معللًا له بأن نبوة التشريع متعلقة صلحة الوقت والولاية لا تعلق لها بوقت دون وقت وهي في النبي على غاية الكمال. والمختار عندي الأول. وقد ضل الكرامية في هذا المقام فزعموا أو الولي قد يبلغ درجة النبي بل أعلى. ورده ظاهر. والاستدلال له بما فيه هذه القصة بناء على القول بولاية الخضر عليه السلام ليس بشيء كما لا يخفى.
هذا ولا يخفى على من له أدنى ذوق بأساليب الكلام ما راعاه موسى عليه السلام في سوق كلامه على علو مقامه من غاية التواضع مع الخضر عليه السلام ونهاية الأدب واللطف، وقد عد الإمام من ذلك أنواعًا كثيرة أوصلها إلى اثني عشر نوعًا أن أردتها فارجع إلى تفسيره. وسيأتي إن شاء الله عز وجل ما تدل عليه هذه الآية في سرد ما تدل عليه آيات القصة بأسرها مما ذكر في كتب الحديث وغيرها.

.تفسير الآية رقم (67):

{قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (67)}
{قال} أي الخضر لموسى عليهما السلام {إنك لن تستطيع معي صبرًا} نفي لأن يصبر معه على أبلغ وجه حيث جيء بإن المفيدة للتأكيد وبلن ونفيها آكد من نفي غيرها، وعدل عن لن تصبر إلى {لن تستطيع} المفيد لنفي الصبر بطريق برهاني لأن الاستطاعة مما يتوقف عليه الفعل فيلزم من نفيه نفيه. ونكر {صبرًا} في سياق النفي وذلك يفيد العموم أي لا تصبر معي أصلًا شيئًا من الصبر، وعلل ذلك بقوله:

.تفسير الآية رقم (68):

{وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا (68)}
{وَكَيْفَ تَصْبِرُ على مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا} إيذانًا بأنه عليه السلام يتولى أمورًا خفية المراد منكرة الظواهر والرجل الصالح لاسيما صاحب الشريعة لا يتمالك أن يشمئز عند مشاهدتها وكأنه علم مع ذلك حدة موسى عليه السلامومزيد غيرته التي أوصلته إلى أن أخذ برأس أخيه يجره، ونصب {خُبْرًا} على التمييز المحول عن الفاعل والأصل ما لم يحط به خبرك، وهو من خبر الثلاثي من باب نصر وعلم ومعناه عرف، وجوز أن يكون مصدرًا وناصبه {تُحِطْ} لأنه يلاقيه في المعنى لأن الإحاطة تطلق اطلاقًا شائعًا على المعرفة فكأنه قيل لم تخبره خبرا. وقرأ الحسن. وابن هرمز {خُبْرًا} بضم الباء. واستدلوا بالآية كما قال الإمام وغيره على أن الاستطاعة لا تحصل قبل الفعل قالوا: لو كانت الاستطاعة حاصلة قبل حصول الفعل لكانت الاستطاعة على الصبر حاصلة قبل حصول الصبر فيكون نفيها كذبًا وهو باطل فتعين أن لا تكون قبل الفعل. وأجاب الجبائي بأن المراد من هذا القول أنه يثقل عليك الصبر كما يقال في العرف إن فلانًا لا يستطيع أن يرى فلانًا وأن يجالسه إذا كان يثقل عليه ذلك. وتعقبه الإمام بأنه عدول عن الظاهر وأيد الاستدلال بما أيد، والانصاف أن الاستدلال بها على ما ذكر غير ظاهر لأن المراد ليس الأنفي الصبر بنفي ما يتوقف هو عليه أعني الاستطاعة وهذا حاصل سواء كانت حاصلة قبل أو مقارنة، ثم أن القول بأن الاستطاعة قبل الفعل ليس خاصًا بالمعتزلة بل المفهوم من كلام الشيخ إبراهيم الكوراني أنه مذهب السلف أيضًا وتحقيق ذلك في محله.

.تفسير الآية رقم (69):

{قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا (69)}
{قَالَ} موسى عليه السلام {سَتَجِدُنِى إِن شَاء الله صَابِرًا} معك غير معترض عليك {وَلاَ أَعْصِى لَكَ أمْرًا} عطف على {صَابِرًا} والفعل يعطف على المفرد المشتق كما في قوله تعالى: {صافات وَيَقْبِضْنَ} [الملك: 19] بتأويل أحدهما بالآخر، والأولى فيما نحن فيه التأويل في جانب المعطوف أي ستجدني صابرًا وغير عاص، وفي وعد هذا الوجدان من المبالغة ما ليس في الوعد بنفس الصبر وترك العصيان أو على {سَتَجِدُنِى} والجملة على الأول في محل نصب لأنها معطوفة على المفعول الثاني للوجدان، وعلى الثاني لا محل لها من الإعراب على ما في الكشاف. واستشكل بأن الظاهر أن محلها النصب أيضًا لتقدم القول. وأجيب بأن مقول القول هو مجموع المعطوف والمعطوف عليه فلا يكون لأجزائه محل باعتبار الأصل، وقيل: مراد الزمخشري بيان حال العطف في القول المحكي عن موسى عليه السلام، وقيل: مراده أنه ليس مؤولا فرد كما في الأول، وقيل: إنه مبني على أن مقول القول محذوف وهذه الجملة مفسرة له، والظاهر الجواب الأول، وأول الوجهين في العطف هو الأولى لما عرفت ولظهور تعلق المعطوف بالاستثناء عليه. وذكر المشيئة إن كان للتعليق فلا اشكال في عدم تحقق ما وعد به.
ولا يقال: إنه عليه السلام أخلف وعده وإن كان للتيمن، فإن قلنا: إن الوعد الكوعيد إنشاء لا يحتمل الصدق والكذب أو إنه مقيد بقيد يعلم بقرينة المقام كان أردت أو إن لم يمنع مانع شرعي أو غيره فكذلك لا إشكال، وإن قلنا: إنه خبر وإنه ليس على نية التقييد جاء الاشكال ظاهرًا فإن الخلف حينئذ كذب وهو غير لائق قام النبوة لمنافاته العصمة. وأجيب بأن ما صدر منه عليه السلام في المرتين الأخيرتين كانا نسيانًا كما في المرة الأولى ولا يضر مثل هذا الخلف قام النبوة لأن النسيان عذر. وتعقب بأنه لا نسلم النسيان في المرتين الأخيرتين ففي البخاري وشرحه لابن حجر وكانت الأولى نسيانًا والثانية شرطًا والثالثة عمدا، وفي رواية والثانية عمدًا والثالثة فراقًا، وقال بعضهم: لك أن تقول: لم يقع منه عليه السلام ما يخل قامه لأن الخلف في المرة الأولى معفو عنه وحيث وقع لم تكن الأخيرتان خلفا وفيه تأمل، وقال القشيري: إن موسى عليه السلام وعد من نفسه بشيئين بالصبر وقرنه بالمشيئة فصبر فيما كان من الخضر عليه السلام من الفعل وبان لا يعصيه فاطلق ولم يقرنه بالمشيئة فعصاه حيث قال: فلا تسألني فكان يسأله فما قرنه بالاستثناء لم يخلف فيه وما أطلقه وقع فيه الخلف انتهى، وهو مبني على أن العطف على {سَتَجِدُنِى} وقد علمت أنه خلاف الأولى، وأيضًا المراد بالصبر الثبات والإقرار على الفعل وعدم الاعتراض كما ينبئ عنه المحاورة الآتية وهو لم يتحقق منه عليه السلام، وأيضًا يبقى الكلام في الخلف كما لا يخفى، وأنت تعلم أنه يبعد من حال موسى عليه السلام القطع بالصبر وعدم عصيان الأمر بعد أن أشار له الخضر عليه السلام أنه سيصدر منه أمور منكرة مخالفة لقضية شريعته فلا يبعد منه اعتبار التعليق في الجملتين، ولم يأت به بعدهما بل وسطه بين مفعولي الوجدان من الجملة الأولى لمزيد الاعتناء بشأنه، وبه يرتفع الإشكال من غير احتياج إلى القيل والقال، وفيه دليل على أن أفعال العبد شيئته تعالى لأنه إذا صدر بعض الأفعال الاختيارية شيئته سبحانه لزم صدور الكل بها إذ لا قائل بالفرق.
والمعتزلة اختاروا أن ذكر المشيئة للتيمن وهو لا يدل على ما ذكر، وقال بعض المحققين: إن الاستدلال جار أيضًا على احتمال التيمن لأنه لا وجه للتيمن بما لا حقيقة له، وقد أشار إلى ذلك الإمام أيضًا فافهم، وقد استدل بالآية على أن الأمر للوجوب وفيه نظر، ثم إن الظاهر أنه لم يرد بالأمر مقابل النهي بل أريد مطلق الطلب وحاصل الآية نفي أن يعصيه في كل ما يطلبه.