فصل: تفسير الآية رقم (117):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (117):

{بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (117)}
{بَدِيعُ السماوات والأرض} أي مبدعهما فهو فعيل من أفعل وكان الأصمعي ينكر فعيلًا عنى مفعل، وقال ابن بري: قد جاء كثيرًا نحو مسخن وسخين ومقعد وقعيد وموصى ووصي ومحكم وحكيم ومبرم وبريم ومونق وأنيق في أخوات له، ومن ذلك السميع في بيت عمرو بن معدي كرب السابق. والاستشهاد بناءًا على الظاهر المتبادر على ما هو الأليق باحث العربية فلا يرد ما قيل في البيت لأنه على خلافه كما لا يخفى على المنصف، وقيل: هو من إضافة الصفة المشبهة إلى فاعلها للتخفيف أي بديع سمواته. وأنت تعلم أنه قد تقرر أن الصفة إذا أضيفت إلى الفاعل يكون فيها ضمير يعود إلى الموصوف فلا تصح الإضافة إلا إذا صح اتصاف الموصوف بها نحو حسن الوجه حيث يصح اتصاف الرجل بالحسن لحسن وجهه بخلاف حسن الجارية وإنما صح زيد كثير الاخوان لاتصافه بأنه متقوّ بهم، وفيما نحن فيه وإن امتنع اتصافه بالصفة المذكورة لكن يصح اتصافه بما دلت عليه وهو كونه مبدعًا لهما. وهذا يقتضي أن يكون الأولى بقاء المبدع على ظاهره وهو الذي عليه أساطين أهل اللغة، والإبداع اختراع الشيء لا عن مادة ولا في زمان، ويستعمل ذلك في إيجاده تعالى للمبادي كما قاله الراغب وهو غير الصنع إذ هو تركيب الصورة بالعنصر؛ ويستعمل في إيجاد الأجسام وغير التكوين فإنه ما يكون بتغير وفي زمان غالبًا وإذا أريد من السموات والأرض جميع ما سواه تعالى من المبدعات والمصنوعات والمكونات لاحتوائها على عالم الملك والملكوت فبعد اعتبار التغليب يصح إطلاق كل من الثلاثة إلا أن لفظ الإبداع أليق لأنه يدل على كمال قدرته تعالى، والقول بتعين حمل الإبداع على التكوين من مادة أو أجزاء لأن إيجاد السموات من شيء كما يشير إليه قوله تعالى: {ثُمَّ استوى إِلَى السماء وَهِىَ دُخَانٌ} [فصلت: 11] ناشئ من الغفلة عما ذكرنا، والآية حجة أخرى لإبطال تلك المقالة الشنعاء، وتقريرها أنه تعالى مبدع لكل ما سواه فاعل على الإطلاق، ولا شيء من الوالد كذلك ضرورة انفعاله بانفصال مادة الولد عنه فالله تعالى ليس بوالد، وقرأ المنصور {بَدِيعُ} بالنصب على المدح، وقرئ بالجر على أنه بدل من الضمير في {لَهُ} على رأي من يجوز ذلك {وَإِذَا قضى أَمْرًا} أي أراد شيئًا بقرينة قوله تعالى: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا} [يس: 82] وجاء القضاء على وجوه ترجع كلها إلى إتمام الشيء قولًا أو فعلًا وإطلاقه على الإرادة مجاز من استعمال اللفظ المسبب في السبب فإن الإيجاد الذي هو إتمام الشيء مسبب عن تعلق الإرادة لأنه يوجبه، وساوى ابن السيد بينه وبين القدر، والمشهور التفرقة بينهما بجعل القدر تقديرًا لأمور قبل أن تقع، والقضاء إنفاذ ذلك القدر وخروجه من العدم إلى حد الفعل، وصحح ذلك الجمهور لأنه قد جاء في الحديث: «أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بكهف مائل للسقوط فأسرع المشي حتى جاوزه فقيل: له أتفر من قضاء الله تعالى؟ فقال: أفر من قضائه تعالى إلى قدره» ففرق صلى الله عليه وسلم بين القضاء والقدر.
{فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} الظاهر أن الفعلين من كان التامة لعدم ذكر الخبر مع أنها الأصل أي احدث فيحدث، وهي تدلك على معنى الناقصة لأن الوجود المطلق أعم من وجوده في نفسه أو في غيره والأمر محمول على حقيقته كما ذهب إليه محققو ساداتنا الحنفية والله تعالى قد أجرى سنته في تكوين الأشياء أن يكوّنها بهذه الكلمة وإن لم يمتنع تكوينها بغيرها، والمراد الكلام الأزلي لأنه يستحيل قيام اللفظ المرتب بذاته تعالى ولأنه حادث فيحتاج إلى خطاب آخر فيتسلسل وتأخره عن الإرادة وتقدمه على وجود الكون باعتبار التعلق، ولما لم يشتمل خطاب التكوين على الفهم واشتمل على أعظم الفوائد جاز تعلقه بالمعدوم، وذهب المعتزلة وكثير من أهل السنة إلى أنه ليس المراد به حقيقة الأمر والامتثال، وإنما هو تمثيل لحصول ما تعلق به الإرادة بلا مهلة بطاعة المأمور المطيع بلا توقف فهناك استعارة تمثيلية حيث شبهت هيأة حصول المراد بعد تعلق الإرادة بلا مهلة، وامتناع بطاعة المأمور المطيع عقيب أمر المطاع بلا توقف وإباء تصويرًا لحال الغائب بصورة الشاهد ثم استعمل الكلام الموضوع للمشبه في المشبه به من غير اعتبار استعارة في مفرداته وكان أصل الكلام إذا قضى أمرًا فيحصل عقيبه دفعة فكأنما يقول له كان فيكون ثم حذف المشبه، واستعمل المشبه به مقامه، وبعضهم يجعل في الكلام استعارة تحقيقية تصريحية مبنية على تشبيه حال بقال، ولعل الذي دعى هؤلاء إلى العدول عن الظاهر زعم امتناعه لوجوه ذكرها بعض أئمتهم الأول: أن قوله تعالى: {كُنَّ} إما أن يكون قديمًا أو محدثًا لا جائز أن يكون قديمًا لتأخر النون ولتقدم الكاف، والمسبوق محدث لا محالة، وكذا المتقدم عليه بزمان مقدر أيضًا، ولأن {إِذَا} للاستقبال فالقضاء محدث و{كُنَّ} مرتب عليه بفاء التعقيب، والمتأخر عن المحدث محدث، ولا جائز أن يكون محدثًا وإلا لدار أو تسلسل، الثاني: إما أن يخاطب المخلوق بكن قبل دخوله في الوجود، وخطاب المعدوم سفه، وإما بعد دخوله ولا فائدة فيه. الثالث: المخلوق قد يكون جمادًا وتكليفه لا يليق بالحكمة.
الرابع: إذا فرضنا القادر المريد منفكًا عن قوله: {كُنَّ} فإن تمكن من الإيجاد فلا حاجة إليها وإن لم يتمكن فلا يكون القادر قادرًا على الفعل إلا عند تكلمه بـ {كُنَّ} فيلزم عجزه بالنظر إلى ذاته.
الخامس: أنا نعلم بالضرورة أنه لا تأثير لهذه الكلمة إذا تكلمنا بها فكذا إذا تكلم بها غيرنا. السادس: المؤثر إما مجموع الكاف والنون ولا وجود لهما مجموعين أو أحدهما وهو خلاف المفروض انتهى.
وأنت إذا تأملت ما ذكرنا ظهر لك اندفاع جميع هذه الوجوه، ويا عجبًا لمن يقول بالكلام النفسي ويجعل هذا دالًا عليه كيف تروعه هذه القعاقع أم كيف تغره هذه الفقاقع؟ا نعم لو ذهب ذاهب إلى هذا القول لما فيه من مزيد إثبات العظمة لله تعالى ما ليس في الأول لا لأن الأول باطل في نفسه كان حريا بالقبول ولعلي أقول به والآية مسوقة لبيان كيفية الإبداع ومعطوفة على قوله تعالى: {بَدِيعُ السموات والأرض} مشتملة على تقرير معنى الإبداع وفيها تلويح بحجة أخرى لإبطال ذلك الهذيان بأن اتخاذ الولد من الوالد إنما يكون بعد قصده بأطوار ومهلة لما أن ذلك لا يمكن إلا بعد انفصال مادته عنه وصيرورته حيوانًا، وفعله تعالى بعد إرادته أو تعلق قوله مستغن عن المهلة فلا يكون اتخاذ الولد فعله تعالى، وكأن السبب في هذه الضلالة أنه ورد إطلاق الأب على الله تعالى في الشرائع المتقدمة باعتبار أنه السبب الأول وكثر هذا الإطلاق في إنجيل يوحنا ثم ظنت الجهلة أن المراد به معنى الولادة فاعتقدوا ذلك تقليدًا وكفروا، ولم يجوز العلماء اليوم إطلاق ذلك عليه تعالى مجازًا، قطعًا لمادة الفساد، وقرأ ابن عامر {فَيَكُونُ} بالنصب، وقد أشكلت على النحاة حتى تجرأ أحمد بن موسى فحكم بخطئها وهو سوء أدب بل من أقبح الخطأ ووجهها أن تكون حينئذ جواب الأمر حملًا على صورة اللفظ وإن كان معناه الخبر إذ ليس معناه تعليق مدلول مدخول الفاء دلول صيغة الأمر الذي يقتضيه سببية ما قبل الفاء لما بعدها اللازمة لجواب الأمر بالفاء إذ لا معنى لقولنا ليكن منك كون فكون، وقيل: الداعي إلى الحمل على اللفظ أن الأمر ليس حقيقيًا فلا ينصب جوابه وإن من شرط ذلك أن ينعقد منهما شرط وجزاء نحو ائتني فأكرمك إذ تقديره إن تأتني أكرمك، وهنا لا يصح أن يكن يكن وإلا لزم كون الشيء سببًا لنفسه، وأجيب بأن المراد إن يكن في علم الله تعالى وإرادته يكن في الخارج فهو على حد «من كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله» وبأن كون الأمر غير الحقيقي لا ينصب في جوابه ممنوع فإن كان بلفظ فظاهر ولكنه مجاز عن سرعة التكوين وإن لم يعتبر فهو مجاز عن إرادة سرعته فيؤول إلى إن يراد سرعة وجود شيء يوجد في الحال فلا محذور للتغاير الظاهر ولا يخفى ما فيه، ووجه الرفع الاستئناف أي فهو يكون وهو مذهب سيبويه، وذهب الزجاج إلى عطفه على {يِقُولُ} وعلى التقديرين لا يكون {يَكُونَ} داخلًا في المقول ومن تتمته ليوجه العدول عن الخطاب بأنه من باب الالتفات تحقيرًا لشأن الأمر في سهولة تكونه ووجهه به غير واحد على تقدير الدخول.

.تفسير الآية رقم (118):

{وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ لَوْلَا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينَا آَيَةٌ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (118)}
{وَقَالَ الذين لاَ يَعْلَمُونَ} عطف على قوله تعالى: {وَقَالُواْ اتخذ الله} [البقرة: 116] ووجه الارتباط أن الأول: كان قدحًا في التوحيد وهذا قدح في النبوة، والمراد من الموصول جهلة المشركين، وقد روي ذلك عن قتادة والسدي والحسن وجماعة، وعليه أكثر المفسرين ويدل عليه قوله تعالى: {لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حتى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأرض يَنْبُوعًا} [الإسرار: 90] وقالوا: {بَلْ قَالُواْ أضغاث أَحْلاَمٍ بَلِ} [الأنبياء: 5] وقالوا: {لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْنَا الملئكة أَوْ نرى رَبَّنَا} [الفرقان: 21] وقيل: المراد به اليهود الذين كانوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بدليل ما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن رافع بن خزيمة من اليهود قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إن كنت رسولًا من عند الله تعالى فقل لله يكلمنا حتى نسمع كلامه فأنزل الله تعالى هذه الآية، وقوله تعالى: {يَسْأَلُكَ أَهْلُ الكتاب أَن تُنَزّلَ عَلَيْهِمْ كتابا مّنَ السماء فَقَدْ سَأَلُواْ موسى أَكْبَرَ مِن ذلك} [النساء: 153] وقال مجاهد: المراد به النصارى ورجحه الطبري بأنهم المذكورون في الآية، وهو كما ترى، ونفي العلم على الأول عنهم على حقيقته لأنهم لم يكن لهم كتاب ولا هم أتباع نبوة، وعلى الأخيرين لتجاهلهم أو لعدم علمهم قتضاه.
{لَوْلاَ يُكَلّمُنَا الله} أي هلا يكلمنا بأنك رسوله إما بالذات كما يكلم الملائكة أو بإنزال الوحي إلينا، وهو استكبار منهم بعدّ أنفسهم الخبيثة كالملائكة والأنبياء المقدسين عليهم الصلاة والسلام {أَوْ تَأْتِينَا ءايَةٌ} أي حجة على صدقك وهو جحود منهم قاتلهم الله تعالى لما آتاهم من الآيات البينات، والحجج الباهرات التي تخر لها صم الجبال، وقيل: المراد إتيان آية مقترحة، وفيه أن تخصيص النكرة خلاف الظاهر {كذلك قَالَ الذين مِن قَبْلِهِم} جواب لشبهتهم يعني أنهم يسألون عن تعنت واستكبار مثل الأمم السابقة والسائل المتعنت لا يستحق إجابة مسألته {مِّثْلَ قَوْلِهِمْ} هذا الباطل الشنيع {فَقَالُواْ أَرِنَا الله جَهْرَةً} [النساء: 153] {هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَن يُنَزّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً} [المائدة: 112] {اجعل لَّنَا إلها} [الأعراف: 138] وقد تقدم الكلام على هذين التشبيهين، ولبعضهم هنا زيادة على ما مر احتمال تعلق {كذلك} بـ {تَأْتِينَا} وحينئذ يكون الوقف عليه لا على {ءايَةً} أو جعل {مِّثْلَ قَوْلِهِمْ} متعلقًا بـ {تشابهت} وحينئذ يكون الوقف على {مِن قَبْلِهِمُ} وأنت تعلم أنه لا ينبغي تخريج كلام الله تعالى الكريم على مثل هذه الاحتمالات الباردة.
{تشابهت قُلُوبُهُمْ} أي قلوب هؤلاء ومن قبلهم في العمى والعناد، وقيل: في التعنت والاقتراح، والجملة مقررة لما قبلها، وقرأ أبو حيوة وابن أبي إسحق بتشديد الشين قال أبو عمرو الداني: وذلك غير جائز لأنه فعل ماض والتاآن المزيدتان إنما يجيئان في المضارع فيدغم أما الماضي فلا، وفي غرائب التفسير أنهم أجمعوا على خطئه، ووجه ذلك الراغب بأنه حمل الماضي على المضارع فزيد فيه ما يزاد فيه ولا يخفى أنه بهذا القدر لا يندفع الإشكال، وقال ابن سهمي في الشواذ: إن العرب قد تزيد على أول تفعل في الماضي تاء فتقول تتفعل وأنشد:
تتقطعت بي دونك الأسباب

وهو قول غير مرضي ولا مقبول فالصواب عدم صحة نسبة نسبة هذه القراءة إلى هذين الإمامين وقد أشرنا إلى نحو ذلك فيما تقدم.
{قَدْ بَيَّنَّا الآيات} أي نزلناها بينة بأن جعلناها كذلك في أنفسها فهو على حد سبحان من صغر البعوض وكبر الفيل {لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} أي يعلمون الحقائق علمًا ذا وثاقة لا يعتريهم شبهة ولا عناد وهؤلاء ليسوا كذلك فلهذا تعنتوا واستكبروا وقالوا ما قالوا، والجملة على هذا معللة لقوله تعالى: {كذلك قَالَ الذين مِن قَبْلِهِم} كما صرح به بعض المحققين، ويحتمل أن يراد من الإتيان طلب الحق واليقين. والآية رد لطلبهم الآية وفي تعريف الآيات وجمعها وإيراد التبيين مكان الاتيان الذي طلبوه ما لا يخفى من الجزالة، والمعنى أنهم اقترحوا آية فذة ونحن قد بينا الآيات العظام لقوم يطلبون الحق واليقين وإنما لم يتعرض سبحانه لرد قولهم {لَوْلاَ يُكَلّمُنَا الله} إيذانًا بأنه منهم أشبه شيء بكلام الأحمق وجواب الأحمق السكوت.

.تفسير الآية رقم (119):

{إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ (119)}
{إِنَّا أرسلناك بالحق} أي متلبسا مؤيدًا به فالظرف مستقر، وقيل: لغو متعلق بأرسلنا أو بما بعده، وفسر الحق بالقرآن أو بالاسلام وبقاؤه على عمومه أولى {بَشِيرًا وَنَذِيرًا} حالان من الكاف، وقيل: من الحق والآية اعتراض لتسلية الرسول صلى الله عليه وسلم لأنه كان يهتم ويضيق صدره لإصرارهم على الكفر والمراد: إنا أرسلناك لأن تبشر من أطاع وتنذر من عصى لا لتجبر على الإيمان فما عليك إن أصروا أو كابروا؟ والتأكيد لإقامة غير المنكر مقام المنكر بما لاح عليه من أمارة الإنكار والقصر إفرادي.
{وَلاَ تُسْئَلُ عَنْ أصحاب الجحيم} تذييل معطوف على ما قبله، أو اعتراض أو حال أي أرسلناك غير مسؤول عن أصحاب الجحيم ما لهم لم يؤمنوا بعد أن بلغت ما أرسلت به وألزمت الحجة عليهم؟ا، وقرأ أبيّ {وما} بدل {ولا} وابن مسعود {ولن} بدل {ذلك} وقرأ نافع، ويعقوب لا تسأل على صيغة النهي إيذانًا بكمال شدة عقوبة الكفار وتهويلًا لها كما تقول كيف حال فلان وقد وقع في مكروه فيقال لك لا تسأل عنه أي أنه لغاية فظاعة ما حل به لا يقدر المخبر على إجرائه على لسانه أو لا يستطيع السامع أن يسمعه، والجملة على هذا اعتراض أو عطف على مقدر أي فبلغ، والنهي مجازي، ومن الناس من جعله حقيقة، والمقصود منه بالذات نهيه صلى الله عليه وسلم عن السؤال عن حال أبويه على ما روي أنه عليه الصلاة والسلام سأل جبريل عن قبريهما فدله عليهما فذهب فدعا لهما وتمنى أن يعرف حالهما في الآخرة وقال: ليت شعري ما فعل أبواي؟ فنزلت ولا يخفى بعد هذه الرواية لأنه صلى الله عليه وسلم كما في «المنتخب» عالم بما آل إليه أمرهما، وذكر الشيخ ولي الدين العراقي أنه لم يقف عليها، وقال الإمام السيوطي: لم يرد في هذا إلا أثر معضل ضعيف الإسناد فلا يعول عليه، والذي يقطع به أن الآية في كفار أهل الكتاب كالآيات السابقة عليها والتالية لها لا في أبويه صلى الله عليه وسلم، ولتعارض الأحاديث في هذا الباب وضعفها، قال السخاوي: الذي ندين الله تعالى به الكف عنهما وعن الخوض في أحوالهما. والذي أدين الله تعالى به أنا أنهما ماتا موحدين في زمن الكفر، وعليه يحمل كلام الإمام أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه إن صح بل أكاد أقول: إنهما أفضل من عَلِيّ القاري وأضرابه. والجحيم النار بعينه إذا شب وقودها ويقال: جحمت النار تحجم جحمًا إذا اضطربت.