فصل: تفسير الآية رقم (102):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (102):

{أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِنْ دُونِي أَوْلِيَاءَ إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلًا (102)}
{أَفَحَسِبَ الذين كَفَرُواْ} أي كفروا بي كما يعرب عنه قوله تعالى: {عِبَادِى} والحسبان عنى الظن، وقد قرأ عبد الله {أفظن} والهمزة للإنكار والتوبيخ على معنى إنكار الواقع واستقباحه. والفاء للعطف على مقدر يفصح عنه الصلة على توجيه الإنكار والتوبيخ وإلى المعطوفين جميعًا على ما اختاره شيخ الإسلام. والمعنى أكفروا بي مع جلالة شأني فحسبوا {كَفَرُواْ أَن يَتَّخِذُواْ عِبَادِى} من الملائكة وعيسى ونحوهم عليهم السلام من المقربين كما تشعر به الإضافة إن الأكثر أن تكون في مثل هذا اللفظ لتشريف المضاف. واقتصر قتادة في المراد من ذلك على الملائكة؛ والظاهر إرادة ما يعمهم وغيرهم ممن ذكرنا واختاره أبو حيان وغيره، وروي عن ابن عباس أن المراد منه الشياطين وفيه بعد ولعل الرواية لا تصح. وعن مقاتل أن المراد الأصنام وهو كما ترى، وجوز بعض المحققين أن يراد ما يعم المذكورين والأصنام وسائر المعبودات الباطلة من الكواكب وغيرها تغليبًا. ولعل المقام يقتضي أن لا تكون الإضافة فيه للتشريف أي أفظنوا أن يتخذوا عبادي الذي هم تحت ملكي وسلطاني {مِن دُونِى} أي مجاوزين لي {أَوْلِيَاء} أي معبودين أو أنصارًا لهم من بأسي. وما في حيز صلة أن قيل ساد مسد مفعولي حسب أي أفحسبوا أنهم يتخذونهم أولياء. وكان مصب الإنكار أنهم يتخذونهم كذلك إلا أنه أقحم الحسبان للمبالغة، وقيل: المراد ما ذكر على معنى أن ذلك ليس من الاتخاذ في شيء لما أنه إنما يكون من الجانبين والمتخذون عزل عن ولايتهم لقولهم سبحانك أنت ولينا من دونهم، وقيل: أن وما بعدها في تأويل مصدر مفعول أول لحسب والمفعول الثاني محذوف أي أفحسبوا اتخاذهم نافعهم أو سببًا لرفع العذاب عنهم أو نحو ذلك. وهو مبني على تجويز حذف أحد المفعولين في باب علم وهو مذهب بعض النحاة، وتعقب بأن فيه تسليمًا لنفس الاتخاذ واعتدادًا به في الجملة والأولى ما خلا عن ذلك.
هذا وفي الكشف أن التحقيق أن قوله تعالى: {فحسب} معطوف على {كانت وكانوا} [الكهف: 101] دلالة على أن الحسبان ناشئ عن التعامي والتصام وأدخل عليه همزة الإنكار ذمًا على ذم وقطعًا له عن المعطوف عليهما لفظًا لا معنى للإيذان بالاستقلال المؤكد للذم كأنه قيل لا يزيلون ما بهم من مرضى الغشاوة والصمم ويزيدون عليهما الحسبان المترتب عليهما. وقوله تعالى: {وَقَالَ الذين كَفَرُواْ} من وضع الظاهر مقام المضمر زيادة للذم انتهى. وفي إرشاد العقل السليم بعد نقل ما ذكر إلى قوله كأنه قيل إلخ أنه يأبى ذلك ترك الإضمار والتعرض لوصف آخر غير التعامي والتصام على أنهما أخرجا مخرج الأحوال الجبلية لهم ولم يذكرا من حيث أنهما من أفعالهم الاختيارية الحادثة كحسبانهم ليحسن تفريعه عليهما.
وأيضًا فإنه دين قديم لهم لا يمكن جعله ناشئًا عن تصامهم عن كلام الله عز وجل. وتخصيص الإنكار بحسبانهم المتأخر عن ذلك تعسف لا يخفى انتهى، ولا يخلو عن بحث فتأمل.
وقرأ علي كرم الله تعالى وجهه. وزيد بن علي بن الحسين رضي الله تعالى عنهم. والشافعي عليه الرحمة. ويحيى بن يعمر. ومجاهد. وعكرمة. وقتادة. ونعيم بن ميسرة. والضحاك. وابن أبي ليلى. وابن محيصن. وأبو حيوة. ومسعود بن صالح. وابن كثير. ويعقوب بخلاف عنهما {أَفَحَسِبَ} بإسكان السين وضم الباء مضافًا إلى الذين وخرج ذلك على أن حسب مبتدأ وهو عنى محسب أي كافي {وَأَنْ يَتَّخِذُواْ} خبره أي أفكافيهم اتخاذهم عبادي من دوني أولياء. وفيه دلالة على غاية الذم لأنه جعل ذلك مجموع عدتهم يوم الحساب وما يكتفون به عن سائر العقائد والفضائل التي لابد منها للفائز في ذلك اليوم. وجعل الزمخشري المصدر المتحصل من أن والفعل فاعلًا لحسب لأنه اعتمد على الهمزة واسم الفاعل إذا اعتمد ساوى الفعل في العمل، واعترض عليه أبو حيان بأن حسب مؤول باسم الفاعل وما ذكر مخصوص بالوصف الصريح. ثم أشار إلى جوابه بأن سيبويه أجاز في مررت برجل خير منه أبوه وبرجل سواء عليه الخير والشر وبرجل أب له صاحبه وبرجل إنما رجل هو وبرجل حسبك من رجل الرفع بالصفات المؤولة، وذكر أنهم أجازوا في مررت برجل أبي عشرة أبوه ارتفاع أبوه بأبي عشرة لأنه في معنى والد عشرة وحينئذٍ فلا كلام فيما ذكر الزمخشري {إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ} أي هيأناها وهو ظاهر في أنها مخلوقة اليوم {للكافرين} المعهودين عدل عن ازضمار ذمًا لهم وإشعارًا بأن ذلك الاعتداد بسبب كفرهم المتضمن لحسبانهم الباطل {نُزُلًا} أي شيئًا يتمتعون به عند ورودهم وهو ما يقام به للنزيل أي الضيف مما حضر من الطعام واختار هذا جماعة من المفسرين. وفي ذلك على ما قيل تخطئة لهم في حسبانهم وتهكم به حيث كان اتخاذهم إياهم أولياء من قبيل اعتاد العتاد وإعداد الزاد ليوم المعاد فكأنه قيل أنا أعتدنا لهم مكان ما أعدوا لأنفسهم من العدة والذخر جهنم عدة، وفي إيراد النزل إيماءً إلى أن لهم وراء جهنم من العذاب ما هي أنموذج له، ولا يأبى ذلك قوله تعالى: {جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ} [الكهف: 106] لأن المراد هناك أنها جزاؤهم بما فيها فافهم، وقال الزجاج: النزل موضع النزول، وروي ذلك عن ابن عباس، وقيل: هو جمع نازل ونصبه على الحال.
وقرأ أبو حيوة. وأبو عمرو بخلاف عنه {نُزُلًا} بسكون الزاي.

.تفسير الآية رقم (103):

{قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103)}
{قُلْ} يا محمد {هَلْ نُنَبّئُكُم} خطاب للكفرة. وإذا حمل الاستفهام على الاستئذان كان فيه من التهكم ما فيه، والجمع في صيغة المتكلم قيل لتعيينه من أول الأمر وللإيذان علومية النبأ للمؤمنين أيضًا {بالاخسرين أعمالا} نصب على التمييز، وجمع مع أن الأصل في التمييز الإفراد والمصدر شامل للقليل والكثير كما ذكر ذلك النحاة للإيذان بتنوع أعمالهم وقصد شمول الخسران لجميعها، وقيل: جمع لأن ما ذكره النحاة إنما هو إذا كان المصدر باقيًا على مصدريته أما إذا كان مؤولًا باسم فاعل فإنه يعامل معاملته وهنا عمل عنى عامل فجمع على أعمال والمراد عاملين والصفة تقع تمييزًا نحو لله تعالى دره فارسًا، وزعم بعضهم أن أعمالًا جمع عامل، وتعقب بأن جمع فاعل على أفعال نادر وقد أنكره بعض النحاة في غير ألفاظ مخصوصة كأشهاد جمع شاهد، وقيل: جمع عمل ككتف عنى ذو عمل كما في القاموس وهو كما ترى، وزعم بعض المتأخرين أنه إذا اعتبر أعمالًا عنى عاملين كان الأخسرين عنى الخاسرين لأن التمييز إذا كان صفة كان عبارة عن المنتصب عنه متحدًا معه بالذات محمولًا عليه بالمواطأة حتى أن النحاة صرحوا بأنه تجعل الحال أيضًا وهو خبر عن ذي الحال معنى ومن البين أن أفعل التفضيل يمتنع أن يتحد مع اسم الفاعل لمكان الزيادة فحيث وقع اسم الفاعل تمييزًا وانتصب بأفعل وجب أن يكون عنى فاعل ليتحدا، وتعقبه بعضهم بأن أفعل لا يكون مع اللام مجردًا عن معنى التفضيل كما أنه لا يكون مجردًا عنه مع الإضافة وإنما يكون ذلك إذا كان مع من كما صرح به ابن مالك في التسهيل وذكره الرضي، ولا يخفى عليك ما في جميع ذلك من النظر، والحق أن الجمعية ليست إلا لما ذكر أولًا، نعم ذكر أبو البقاء أنه جمع لكونه منصوبًا على أسماء الفاعلين وأول ذلك بأنه أراد باسم الفاعل المعنى اللغوي وأراد أنه جمع ليفيد التوزيع على أنه لا يخلو عن شيء، ثم أن هذا على ما في إرشاد العقل السليم بيان لحال الكفرة باعتبار ما صدر عنهم من الأعمال الحسنة في أنفسها وفي حسبانهم أيضًا حيث كانوا معجبين بها واثقين بنيل ثوابها ومشاهدة آثارها غب بيان أحوالهم باعتبار أعمالهم السيئة في أنفسها مع كونها حسنة في حسبانهم.

.تفسير الآية رقم (104):

{الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (104)}
{الَّذِينَ ضَلَّ} أي ضاع وبطل بالكلية عند الله عز وجل: {سَعْيُهُمْ} في إقامة تلك الأعمال {وَقَالَ إِنَّمَا اتخذتم} متعلق بسعي لا بضل لأن بطلان سعيهم غير مختص بالدنيا.
قيل: المراد بهم أهل الكتابين وروي ذلك عن ابن عباس. وسعد بن أبي وقاص. ومجاهد ويدخل في الأعمال حينئذٍ ما عملوه من الأحكام المنسوخة المتعلقة بالعبادات، وقيل: الرهبان الذين يحبسون أنفسهم في الصوامع ويحملونها على الرياضات الشاقة، وقيل الصابئة، وسأل ابن الكواء عليًا كرم الله تعالى وجهه عنهم فقال: منهم أهل حروراء يعني الخوارج، واستشكل بأن قوله تعالى: {أُوْلَئِكَ الذين كَفَرُواْ} [الكهف: 105] إلخ يأباه لأنهم لا ينكرون البعث وهم غير كفرة، وأجيب بأن من اتصالية فلا يلزم أن يكونوا متصلين بهم من كل الوجوه بل يكفي كونهم على الضلال مع أنه يجوز أن يكون كرم الله تعالى وجهه معتقدًا لكفرهم، واستحسن أنه تعريض بهم على سبيل التغليظ لا تفسير للآية، والمذكور في مجمع البيان أن العياشي روى بسنده أن ابن الكواء سأل أمير المؤمنين كرم الله تعالى وجهه عن أهل هذه الآية فقال: أولئك أهل الكتاب كفروا بربهم وابتدعوا في دينهم فحبطت أعمالهم وما أهل النهر منهم ببعيد، وهذا يؤيد الجواب الأول، وأخبر أن المراد ما يعم سائر الكفرة، ومحل الموصول الرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف لأنه جواب للسؤال كأنه قيل من هم؟ فقيل الذين إلخ، وجوز أن يكون في محل جر عطف بيان على {الاخسرين} [الكهف: 103]، وجوز أن يكون نعتًا أو بدلًا وأن يكون منصوبًا على الذم على أن الجواب ما سيأتي إن شاء الله تعالى من قوله سبحانه: {أولئك الذين} [الكهف: 105] إلخ.
وتعقب بأنه يأبى ذلك أن صدره ليس منبئًا عن خسران الأعمال وضلال السعي كما يستدعيه مقام الجواب والتفريع الأول وإن دل على هبوطها لكنه ساكت عن إنباء بما هو العمدة في تحقيق معنى الخسران من الوثوق بترتب الربح واعتقاد النفع فيما صنعوا على أن التفريغ الثاني مما يقطع ذلك الاحتمال رأسًا إذ لا مجال لإدراجه تحت الأمر بقضية نون العظمة والجواب عن ذلك لا يتم إلا بتكلف فتأمل {وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} الإحسان الإتيان بالأعمال على الوجه اللائق وهو حسنها الوصفي المستلزم لحسنها الذاتي أي يعتقدون أنهم يعملون ذلك على الوجه اللائق لإعجابهم بأعمالهم التي سعوا في إقامتها وكابدوا في تحصيلها، والجملة حال من فاعل {ضَلَّ} أي ضل سعيهم المذكور والحال أنهم يحسنون في ذلك وينتفعون بآثاره أو من المضاف إليه في {سَعْيُهُمْ} لكونه في محل الرفع أي بطل سعيهم والحال أنهم إلخ، والفرق بين الوجهين أن المقارن لحال حسبانهم المذكور في الأول ضلال سعيهم، وفي الثاني نفس سعيهم قيل، والأول أدخل في بيان خطئهم، ولا يخفى ما بين يحسبون ويحسنون من تجنيس التصحيف ومثل ذلك قول البحتري:
ولم يكن المغتر بالله إذ سرى ** ليعجز والمعتز بالله طالبه

.تفسير الآية رقم (105):

{أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا (105)}
{أولئك} كلام مستأنف من جنابه تعالى مسوق لتكميل تعريف الأخسرين وتبيين خسرانهم وضلال سعيهم وتعيينهم بحيث ينطبق التعريف على المخاطبين غير داخل تحت الأمر كما قيل أي أولئك المنعوتون بما ذكر من ضلال السعي والحسبان المذكور {الذين كَفَرُواْ بئايات رَبّهِمْ} بدلائله سبحانه الداعية إلى التوحيد الشاملة للسمعية والعقلية، وقيل: بالقرآن والأول أولى، والتعرض لعنوان الربوبية لزيادة تقبيح حالهم في الكفر المذكور {وَلِقَائِهِ} هو حقيقة في مقابلة الشيء ومصادفته وليس راد، والأكثرون على أنه كناية عن البعث والحشر وما يتبع ذلك من أمور الآخرة أي لم يؤمنوا بذلك على ما هو عليه، وقيل: الكلام على حذف مضاف أي لقاء عذابه تعالى وليس بذلك {فَحَبِطَتْ} بكسر الباء، وقرأ ابن عباس. وأبو السمال بفتحها، والفاء للتفريغ أي فحبطت لذلك {أعمالهم} المعهودة حبوطًا كليًا {فَلاَ نُقِيمُ لَهُمْ} أي لأولئك الموصوفين بما مر من حبوط الأعمال {يَوْمَ القيامة وَزْنًا} أي فنزدري بهم ونحتقرهم ولا نجعل لهم مقدارًا واعتبارًا لأن مدار الاعتبار والاعتناء الأعمال الصالحة وقد حبطت بالمرة وحيث كان هذا الازدراء والاحتقار من عواقب حبوط الأعمال عطف عليه بطريق التفريع وأما ما هو من أجزية الكفر فسيجيء إن شاء الله تعالى بعد ذلك، وزعم بعضهم أن حقه على هذا أن يعطف بالواو عطف أحد المتفرعين على الآخر لأن منشأ ازدرائهم الكفر لا الحبوط وبه اعترض على ذلك وهو ناشئ من فرط الذهول كما لا يخفى أو لا نضع لأجل وزن أعمالهم ميزانًا لأنها قد حبطت وصارت هباءً منثورًا. ونفى هذا بعد الإخبار بحبوطها من قبيل التأكيد بخلاف النفي على المعنى الأول ولذلك رجح عليه وليس من الاعتزال في شيء، وقرأ مجاهد. وعبيد بن عمير {فَلا} بالياء لتقدم قوله تعالى: {كَذَّبُواْ بآيات رَبّهِمْ} وعن عبيد أيضًا {فَلا} بفتح ياء المضارعة كأنه جعل قام متعديًا، وعن مجاهد. وابن محيصن ويعقوب بخلاف عنهم {فَلا ياقوم لَهُمْ يَوْمَ القيامة وَزْنًا} على أن يقوم مضارع قام اللام و{وزن} فاعله.