فصل: تفسير الآية رقم (23):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (23):

{فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا (23)}
{فَأَجَاءهَا المخاض} أي الجأها كما قال الزمخشري وجماعة، وفي الصحاح أجأته إلى كذا عنى الجأته واضطررته إليه قال زهير بن أبي سلمى:
وجار سار معتمدًا عليكم ** أجاءته المخافة والرجاء

قال الفراء: أصله من جئت وقد جعلته العرب الجاء، وفي المثل شر ما يجيئك إلى مخة عرقوب انتهى، واختار أبو حيان أن المعنى جاء بها واعترض على الزمخشري وأطال الكلام بما لا يفخى رده و{المخاض} بفتح الميم كما في قراءة الأكثرين وبكسرها كما في رواية عن ابن كثير مصدر مخضت المرأة بفتح الخاء وكسرها إذا أخذها الطلق وتحرك الولد في بطنها للخروج، وقرأ الأعمش. وطلحة {فَأَجَاءهَا} بامالة فتحة الجيم، وقرأ حماد بن سلمة عن عاصم {فاجأها} من المفاجأة وروي ذلك عن مجاهد ونقله ابن عطية عن شبيل بن عزرة أيضًا، وقال صاحب اللوامح: إن قراءته تحتمل أن تكون الهمزة فيها قد قلبت ألفا ويحتمل أن تكون بين بين غير مقلوبة.
{المخاض إلى جِذْعِ النخلة} لتستند إليه عند الولادة كما روي عن ابن عباس. ومجاهد. وقتادة. والسدي أو لذلك ولتستر به كما قيل، والجذع ما بين العرق ومتشعب الأغصان من الشجرة، وقد يقال للغصن أيضًا: جذع، والنخلة معروفة. والتعريف إما للجنس فالمراد واحدة من النخل لا على التعيين أو للعهد فالمراد نخلة معينة ويكفي لتعينها تعينها في نفسها وإن لم يعلمها المخاطب بالقرآن عليه الصلاة والسلام كما إذا قلت أكل السلطان ما أتي به الطباح أي طباخه فإنه المعهود، وقد يقال: إنها معينة له صلى الله عليه وسلم بأن يكون الله تعالى أراها له عليه الصلاة والسلام ليلة المعراج، وزعم بعضهم أنها موجودة إلى اليوم، والظاهر أنها كانت موجودة قبل مجيء مريم إليها وهو الذي تدل عليه الآثار، فعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنها عليها السلام لما اشتد عليها الطلق نظرت إلى أكمة فصعدت مسرعة فإذا عليها جذع نخلة نخرة ليس عليها سعف.
وقيل: إن الله تعالى خلقها له يومئذ وليس بذاك؛ وكان الوقت شتاء، ولعل الله تعالى أرشدها إليها ليريها فيما هو أشبه الأشجار بالإنسان من آياته ما يسكن روعتها كاثمارها بدون رأس وفي وقت الشتاء الذي لم يعهد ذلك فيه ومن غير لقاح كما هو المعتاد، وفي ذلك إشارة أيضًا إلى أن أصلها ثابت وفرعها في السماء، وإلى أن ولدها نافع كالثمرة الحلواء وانه عليه السلام سيحيي الأموات كما أحي الله تعالى بسببه الموات مع ما في ذلك من اللطف بجعل ثمرتها خرسة لها، والجار والمجرور متعلق بإجاءها، وعلى القراءة الأخرى متعلق حذوف وقع حالًا أي مستندة إلى جذع النخلة {قَالَتْ ياأيها لَيْتَنِى مّتَّ} بكسر الميم من مات يمات كخاف يخاف أو من مات يميت كجاء يجيء.
وقرأ ابن كثير. وأبو عمرو، وابن عامر، وأبو بكر. ويعقوب بضمها من مات يموت كقال يقول.
{قَبْلَ هذا} الوقت الذي لقيت فيه ما لقيت أو قبل هذا الأمر. وإنما قالته عليها السلام مع أنها كانت تعلم ما جرى بينها وبين جبريل عليه السلام من الوعد الكريم استحياء من الناس وخوفًا من لائمتهم أو حذرًا من وقوع الناس في المعصية بما يتكلمون فيها. وروي أنها سمعت نداء أخرج با من يعبد من دون الله تعالى فحزنت لذلك وتمنت الموت، وتمنى الموت لنحو ذلك مملا لا كراهة فيه. نعم يكره تمنيه لضرر نزل به من مرض أو فاقة أو محنة من عدو أو نحو ذلك من مشاق الدنيا. ففي صحيح مسلم. وغيره قال صلى الله عليه وسلم: «لا يتمنين أحدكم الموت لضرر نزل فإن كان لابد متمنيًا فليقل اللهم احيني ما كانت الحياة خيرًا لي وتوفني إذا كانت الوفاة خيرًا لي» ومن ظن أن تمنيها عليها السلام ذلك كان لشدة الوجه فقد أساء الظن والعياذ بالله تعالى.
{وَكُنتُ نَسْيًا} أي شيئًا تافهًا شأنه أن ينسى ولا يعتد به أصلًا كخرقة الطمث.
قرأ الأكثرون {نَسِيًّا} بالكسر. قال الفراء: هما لغتان في ذلك كالوتر والوتر والفتح أحب إلي.
وقال الفارسي: الكسر أعلى اللغتين، وقال ابن الأنباري: هو بالكسر اسم لما ينسى كالنقض اسم لما ينقض وبالفتح مصدر نائب عن الاسم، وقرأ محمد بن كعب القرظي {نسئًا} بكسر النون والهمزة مكان الياء وهي قراءة نوف الأعرابي، وقرأ بكر بن حبيب السهمي. ومحمد بن كعب أيضًا في رواية {نسأ} بفتح النون والهمزة على أن ذلك من نسأت اللبن إذا صببت عليه ماء فاستهلك اللبن فيه لقلته فكأنها تمنت أن تكون مثل ذلك اللبن الذيلا يرى ولا يتميز من الماء، ونقل ابن عطية عن بلكر بن حبيب أنه قرأ {نسا} بفتح النون والسين من غير همز كعصى {نَسْيًا مَّنسِيًّا} لا يخطر ببال أحد من الناس. ووصف النسى بذلك لما أنه حقيقة عرفية فيما يقل الاعتداد به وإن لم ينس، وقرأ الأعمش. وأبو حعفر في رواية بكسر الميم اتباعًا لحركة السين كما قالوا: منتن باتباع حركة الميم لحركة التاء.

.تفسير الآية رقم (24):

{فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا (24)}
{فَنَادَاهَا} أي جبريل عليه السلام كما روي عن ابن عباس. ونوف.
وقرأ علقمة فخاطبها. قال أبو حيان: وينبغى أن تكون تفسيرًا لمخالفتها سواد المصحف، وقرأ الحبر {فَنَادَاهَا مُلْكُ} {مِن تَحْتِهَا} وينبغي أن يكون المراد به جبريل عليه السلام ليوافق ما روي عنه أولًا. ومعنى {من تحتها} من مكان أسفل منها وكان واقفًا تحت الأكمة التي صعدتها مسرعة كما سمعت آنفًا، ونقل في البحر عن الحسن أنه قال: ناداها جبريل عليه السلام وكان في بقعة من الأرض أخفض من البقعة التي كانت عليها وأقسم على ذلك. ولعله إنما كان موقفه عليه السلام هناك إجلالًا لها وتحاشيًا من حضوره بين يديها في تلك الحال. والقول بأنه عليه السلام كان تحتها يقبل الولد مما لا ينبغي أن يقال لما فيه من نسبة ما لا يليق بشأن أمين وحي الملك المتعال، وقيل: ضمير {مِنْ تَحْتِهَا} من مكان أسفل منها وكان واقفًا تحت الأكمة التي صعدتها مسرعة كما سمعت آنفًا، ونقل في البحر عن الحسن أنه قال: ناداها جبريل عليه السلام وكان في بقعة من الأرض أخفض من البقعة التي كانت عليها وأقسم على ذلك. ولعله إنما كان موقفه عليه السلام هناك إجلالًا لها وتحاشيًا من حضوره بين يديها في تلك الحال. والقول بأنه عليه السلام كان تحتها يقبل الولد مما لا ينبغي أن يقال لما فيه من نسبة ما لا يليق بشأن أمين وحي الملك المتعال، وقيل: ضمير {تَحْتِهَا} للنخلة، واستظهر أبو حيان كون المنادي عيسى عليه السلام والضمير لمريم والفاء فصيحة أي فولدت غلامًا فانطقه الله تعالى حين الولادة فناداها المولود من تحتها.
وروي ذلك عن مجاهد. ووجهب. وابن جبير. وابن جرير. وابن زيد. والجبائي. ونقله الطبرسي عن الحسن أيضًا، وقرأ الابنان والأبوان. وعاصم. والجحدري. وابن عباس والحسن في رواية عنهما {مِنْ} بفتح الميم عنى الذي فاعل نادى و{تَحْتِهَا} ظرف منصوب صلة لمن والمراد به إما عيسى أو جبريل عليهما الصلاة والسلام {أَلاَّ تَحْزَنِى} أي أي لا تحزني على أن أن مفسرة أو بأن لا تحزني على أنها مصدرية قد حذف عنها الجار {قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ} كان أسغل منك، وقيل: تحت أمرك إن أمرت بالجري جري وإن أمرت بالإمساك أمسك وهو خلاف الظاهر {سَرِيًّا} أي جدولًا كما أخرجه الحاكم في مستدركه عن البراء وقال: إنه صحيح على شرط الشيخين وذكره البخاري تعليقًا موقوفًا عليه وأسنده عبد الرزاق. وابن جرير. وابن مردويه في تفاسيرهم عنه موقوفًا عليه أيضًا ولم يصح الرفع كما أوضحه الجلال السيوطي.
وعلى ذلك جاء قول لبيد يصف عيرا وأتانا:
فتوسطا عرض السرى فصدعا ** مسجورة متجاوزا قلامها

وأنشد ابن عباس قول الشاعر:
سهل الخليقة ماجد ذو نائل ** مثل السرى تمده الأنهار

وكان ذلك على ما روي عن ابن عباس جدولًا من الأردن أجراه الله تعالى منه لما أصابها العطش. وروي أن جبريل عليه السلام ضرب برجله الأرض فظهرت عين ماء عذب فجرى جدولًا، وقيل: فعل ذلك عيسى عليه السلام وهو المروى عن أبي جعفر رضي الله تعالى عنه، وقيل: كان ذلك موجودًا من قبل إلا أن الله تعالى نبهها عليه. وما تقدم هو الموافق لمقام بيان ظهور الخوارق والمتبادر من النظم الكريم. وسمى الجدول سريًا لأن الماء يسري فيه فلامه على هذا المعنى ياء، وعن الحسن. وابن زيد. والجبائي أن المراد بالسرى عيسى عليه السلام وهو من السرو عنى الرفعة كما قال الراغب أي جعل ربك تحتك غلامًا رفيع الشأن سامي القدر، وفي الصحاح هو سخاء في مروءة وإرادة الرفعة أرفع قدرًا ولامه على هذا المعنى واو. والجملة تعليل لانتفاء الحزن المفهوم من النهي عنه. والتعرض لعنوان الربوبية مع الإضافة إلى ضميرها لتشريفها وتأكيد التعليل وتكميل التسلية.

.تفسير الآية رقم (25):

{وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا (25)}
{وَهُزِّى إِلَيْك} أي إلى جهتك. والهز تحريك يمينًا وشمالًا سواء كان بعنف أولا أو تحريك بجذب ودفع وهو مضمن معنى الميل فلذا عدى بالي أوأنه مجاز عنه أو اعتبر في تعديته ذلك لأنه جزء معناه كذا قيل.
ومنع أبو حيان تعلقه بهزي وعلل ذلك بأنه قد تقرر في النحوان الفعل لا يعدي إلى الضمير المتصل وقد رفع الضمير المتصل وليس من باب ظن ولا فقد ولا عدم وهما لمدلول واحد فلا يقال: ضربتك وزيد ضربه على معنى ضربت نفسك وضرب نفسه. والضمير المجرور عندهم كالضمير المنصوب فلا يقال: نظرت إليه وزيد نظر على معنى نظرت إلى نفسك ونظر إلى نفسه. ومن هنا جعلوا على في قوله:
هون عليك فإن الأمور ** بكف الإله مقاديرها

اسمًا كما في قوله:
غدت من عليه بعد ما تم ظمؤها

وجعل الجار والمجهرور هنا متعلقًا حذوف أي أعني إليك كما قالوا في سقيا لك ونحوه مما جيء به للتبيين. وأنت تعلم أنهم قالوا جيء إلى للتبيين لكن قال ابن مالك. وكذا صاحب القاموس: إنها المبينة لغاعلية مجرورها بعدما يفيد حبًا أو يغضًا من فعل تعجب أو اسم تفضيل وما هنا ليس كذلك. وقال في الاتقان: حكى ابن عصفور في شرح أبيات الإيضاح عن ابن الأنباري أن إلى تستعمل اسمًا فيقال: انصرفت من إليك كما يقال غدوت من عليه وخرج عليه من القرآن {أَنزَلْنَا إِلَيْكَ} وبه يندفع إشكال أبي حيان فيه انتهى.
وكان عليه أن يبين ما معناها على القول بالإسمية، ولعلها حينئذ عنى عند فقد صرح جيئها بهذا المعنى في القاموس وأنشد:
أم لا سبيل إلى الشباب وذكره ** أشهى إلى من الرحيق السلسل

لكن لا يحلو هذا المعنى في الآية، ومثله ما قيل إنها في ذلك اسم فعل، ثم أن حكاية استعمالها اسمًا إذا صحت تقدح في قول أبي حيان: لا يمكن أن يدعي أن إلى تكون اسمًا لا جماع النحاة على حرفيتها. ولعله أراد اجماع من يعتد به منهم في نظره. والذي أميل إليه في دفع الاشكال أن الفعل مضمن معنى الميل والجار والمجرور متعلق به لا بالفعل الرافع للضمير وهو مغزى بعيد لا ينبغي أن يسارع إليه بالاعتراض على أن في القلب من عدم صحة نحو هذا التركيب للقاعدة المذكورة شيئًا لكثرة مجيء ذلك في كلامهم. ومنه قوله تعالى: {أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ} [الأحزاب: 37] والبيت المار آنفًا. وقول الشاعر:
دع عنك نهبا صيح في حجراته ** ولكن حديثًا ما حديث الرواعل

وقولهم: اذهب إليك وسر عنك إلى غير ذلك مما لا يخفى على المتتبع.
وتأويل جميع ما جاء لا يخلو عن تكلف فتأمل وأنصف، ثم الفعل هنا منزل منزلة اللازم كما في قول ذي الرمة:
فإن تعتذر بالمحل من ذي ضروعها ** إلى الضيف يجرح في عراقيبها نصلى

فلذا عدى بالباء أي افعلي الهز {بِجِذْعِ النخلة} فالباء للآلة كام في كتبت بالقلم. وقيل هو متعد والمفعول محذوف والكلام على تقدير مضاف أي هزي الثمرة بهز جذع النخلة ولا يخفى ما فيه من التكلف وأن هز الثمرة لايخلو من ركاكة، وعن المبرد أن مفعوله {رُطَبًا} الآتي والكلام من باب التنازع. وتعقب بأن الهز على الرطب لا يقع إلا تبعًا فجعله أصلًا وجعل الأصل تبعًا حيث أدخل عليه الباء للاستعانة غير ملائم مع ما فيه من الفصل بجواب الأمر بينه وبين مفعوله ويكون فيه أعمال الأول وهو ضعيف لاسيما في هذا المقام.
وما ذكر من التعكيس وارد على ما فيه التكلف وهو ظاهر، وما قيل من أن الهز وان وقع بالأصالة على الجذع لكن المقصود منه الثمرة فلهذه النكتة المناسبة جعلت أصلًا لأن هز الثمرة ثمرة الهز لا يدفع الركاكة التي ذكرناها مع أن المفيد لذلك ما يذكر في جواب الأمر. وجعل بعضهم {بِجِذْعِ النخلة} في موضع الحال على تقدير جعل المفعول {رُطَبًا} أو الثمرة أي كائنة أو كائنًا بجذع النخلة وفيه ثمرة ما لا تسمن ولا تغنى، وقيل الباء مزيدة للتأكيد مثلها في قوله تعالى: {وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التهلكة} [البقرة: 195] وقول الشاعر:
هن الحرائر لا ربات أخمرة ** سود المحاجر لا يقرأن بالسور

والوجه الصحيح الملائم لما عليه التنزيل من غرابة النظم كما في الكشف هو الأول، وقول الفراء: إنه يقال هزه وهز به إن أراد أنهما عنى كما هو الظاهر لا يلتفت إليه كما نص عليه بعض من يعول عليه {تساقط} من ساقطت عنى أسقطت، والضمير المؤنث للنخلة ورجوع الضمير للمضاف إليه شائع، ومن أنكره فهو كمثل الحمار يحمل أسفارًا.
وجوز أبو حيان أن يكون الضمير للجذع لاكتسابه التأنيث من المضاف إليه كما في قوله تعالى: {يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السيارة} [يوسف: 10] في قراءة من قرأ بالتاء الفوقية، وقول الشاعر:
كما شرقت صدر القناة من الدم

وتعب بأنه خلاف الظاهر وإن صح. وقرأ مسروق. وأبو حيوة في رواية {تُسْقِطَ} بالتاء من فوق مضمومة وكسر القاف. وفي رواية أخرى عن أبي حيوة أنه قرأ كذلك إلا أنه بالياء من تحت. وقوله تعالى: {عَلَيْكِ رُطَبًا} في جميع ذلك نصب على المفعولية وهو نضيج البسر واحدته بهاء وجمع شاذًا على أرطاب كربه وأرباع، وعن أبي حيوة أيضًا أنه قرأ {تُسْقِطَ} بالتاء من فوق مفتوحة وضم القاف، وعنه أيضًا كذلك إلا أنه بالياء من تحت فنصب {رُطَبًا} على التمييز، وروي عنه أنه رفعه في القراءة الأخيرة على الفاعلية.
وقرأ أبو السمال {تتساقط} بتاءين. وقرأ البراء بن عازب {يساقط} بالياء من تحت مضارع أساقط. وقرأ الجمهور {النخلة تساقط} بفتح التاء من فوق وشد السين بعدها ألف وفتح القاف، والنصب على هذه الثلاثة على التمييز أيضًا.
وجوز في بعض القراآت أن يكون على الحالية الموطئة وإذا أضمر ضمير مذكر على إحدى القراآت فهو للجذع، وإذا أضمر ضمير مؤنث فهو للنخلة أوله على ما سمعت {جَنِيًّا} أي مجنيًا ففعيل عنى مفعول أي صالحًا للاجتناء. وفي القاموس ثم جنى جنى من ساعته. وعليه قيل المعنى رطبًا يقول من يراه هو جني وهو صفة مدح فإن ما يجنى أحسن مما يسقط بالهز وما قرب عهده أحسن مما بعد عهده، وقيل فعيل عنى فاعل أي رطبًا طريًا، وكان المراد على ما قيل إنه تم نضجه.
وقرأ طلحة بن سليمان {جَنِيًّا} بكسر الجيم للاتباع. ووجه التذكير ظاهر. وعن ابن السيد أنه قال في شرح أدب الكاتب. كان يجب أن يقال جنية إلا أنه أخرج بعض الكلام على التذكير وبعضه على التأنيث، وفيه نظر. روي عن ابن عباس أنه لم يكن للنخلة إلا الجذع ولم يكن لها رأس فلما هزته إذ السعف قد طلع ثم نظرت إلى الطلع يخرج من بين السعف ثم أخضر فصار بلحًا ثم أحمر فصار زهوًا ثم رطبًا كل ذلك في طرفة عين فجعل الرطب يقع بين يديها وكان برنيا، وقيل عجوة وهو المروى عن أبي عبد الله رضي الله تعالى عنه.
والظاهر أنها لم تحمل سوى الرطب، وقيل كان معه موز، وروي ذلك عن أبي روق. وإنما اقتصر عليه لغاية نفعه للنفساء، فعن الباقر رضي الله تعالى عنه لم تستشف النفساء ثل الرطب إن الله أطعمه مريم في نفاسها وقالوا: ما للنفساء خير من الرطب ولا للمريض خير من العسل، وقيل: المرأة إذا عسر ولادها لم يكن لها خير من الرطب، وذكر أن التمر للنفساء عادة من ذلك الوقت وكذا التحنيك وفي أمرها بالهز إشارة إلى أن السعي في تحصيل الرزق في الجملة مطلوب وهو لا ينافي التوكل وما أحسن ما قيل:
ألم تر أن الله أوحى لمريم ** وهزى إليك الجذع يساقط الرطب

ولو شاء أحنى الجذع من غير هزه ** إليها ولكن كل شيء له سبب