فصل: تفسير الآية رقم (77):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (77):

{أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآَيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا (77)}
{أَفَرَأَيْتَ الذي كَفَرَ بئاياتنا} أي بآياتنا التي من جملتها آيات البعث. أخرج البخاري. ومسلم. والترمذي. والطبراني. وابن حبان. وغيرهم عن خباب بن الأرت قال: كنت رجلًا قينًا وكان لي على العاصي بن وائل دين فأتيته أتقاضاه فقال: لا والله لا أقضيك حتى تكفر حمد صلى الله عليه وسلم فقلت: لا والله لا أكفر حمد صلى الله عليه وسلم حتى تموت ثم تبعث قال: فإني إذا مت ثم بعثت جئتني ولي ثم مال وولد فأعطيك فأنزل الله تعالى: {أَفَرَأَيْتَ} إلخ.
وفي رواية أن خبابًا قال له لا والله لا أكفر حمد صلى الله عليه وسلم حيًا ولا ميتًا ولا إذا بعثت فقال العاصي: فإذا بعثت جئتني إلخ، وفي رواية أن رجالًا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أتوه يتقاضون دينًا لهم عليه فقال: ألستم تزعمون أن في الجنة ذهبًا وفضة وحريرًا ومن كل الثمرات؟ قالوا: بلى قال: موعدكم الآخرة والله لأوتين مالًا وولدًا ولأوتين مثل كتابكم الذي جئتم به فنزلت، وقيل: نزلت في الوليد بن المغيرة، وقد كانت له أقوال تشبه ذلك، وقال أبو مسلم: هي عامة في كل من له هذه الصفة، والأول هو الثابت في كتب الصحيح، والهمزة للتعجيب من حال ذلك الكافر والإيذان بأنها من الغرابة والشناعة بحيث يجب أن ترى ويقضي منها العجب، والفاء للعطف على مقدر يقتضيه المقام أي أنظرت فرآيت الذي كفر بآياتنا الباهرة التي حقها أن يؤمن بها كل من وقف عليها {وَقَالَ} مستهزأ بها مصدرًا كلامه باليمين الفاجرة والله {لاَوتَيَنَّ} في الآخرة واردة في الدنيا كما حكاه الطبرسي عن بعضهم تأباه الأخبار الصحيحة إلا أن يحمل الإيتاء على ما قيل على الإيتاء المستمر إلى الآخرة أي لأوتين إيتاء مستمرًا {مَالًا وَوَلَدًا} والمراد انظر إليه فتعجب من حالته البديعة وجرأته الشنيعة، وقيل: إن الرؤية مجاز عن الإخبار من إطلاق السبب وإرادة المسبب، والاستفهام مجاز عن الأمر به لأن المقصود من نحو قولك: ما فعلت أخبرني فهو إنشاء تجوز به عن إنشاء آخر والفاء على أصلها.
والمعنى أخبر بقصة هذا الكافر عقيب حديث أولئك الذين قالوا: {أَىُّ الفريقين خَيْرٌ مَّقَامًا} [مريم: 73] الآية، وقيل: عقيب حديث من قال: {أَإِذَا مَا مِتُّ} [مريم: 66] إلخ، وما قدمنا في معنى الآية هو الأظهر واختاره العلامة أبو السعود.
وتعقب الثاني بقوله: أنت خبير بأن المشهور استعمال {أَرَأَيْتَ} في معنى أخبرني بطريق الاستفهام جاريًا على أصله أو مخرجًا إلى ما يناسبه من المعاني لا بطريق الأمر بالإخبار لغيره وإرادة أخبرني هنا مما لا يكاد يصح كما لا يخفى.
وقيل: المراد لأوتين في الدنيا ويأباه سبب النزول، قال العلامة: إلا أن يحمل على الإيتاء المستمر إلى الآخرة فحينئذٍ ينطبق على ذلك. وقرأ حمزة. والكسائي. والأعمش. وطلحة. وابن أبي ليلى. وابن عيسى الأصبهاني {وَلَدًا} بضم الواو وسكون اللام فقيل: هو جمع ولد كأسد وأسد وأنشدوا له قوله:
ولقد رأيت معاشرا ** قد ثمروا مالًا وولدًا

وقيل هو لغة في ولد كالعرب والعرب، وأنشدوا له قوله:
فليت فلانًا كان في بطن أمه ** وليت فلانًا كان ولد حمار

والحق أنه ورد في كلام العرب مفردًا وجمعًا وكلاهما صحيح هنا. وقرأ عبد الله. ويحيى بن يعمر {وَلَدًا} بكسر الواو وسكون اللام وهو عنى ذلك، وقوله تعالى:

.تفسير الآية رقم (78):

{أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا (78)}
{أَطَّلَعَ الغيب} رد لكلمته الشنعاء وإظهار لبطلانها إثر ما أشير إليه بالتعجيب منها، فالجملة مستأنفة لا محل لها من الإعراب، وقيل: إنها في محل نصب واقعة موقع مفعول ثان لأرأيت على أنه عنى أخبرني وهو كما ترى، والهمزة للاستفهام، والأصل أأطلع فحذفت همزة الوصل تخفيفًا، وقرئ {أَطَّلَعَ} بكسر الهمزة وحذف همزة الاستفهام لدلالة أم عليها كما في قوله:
بسبع رمين الجمر أم بثمان

والفعل متعد بنفسه وقد يتعدى بعلى وليس بلازم حتى تكون الآية من الحذف والإيصال، والمراد من الطلوع الظهور على وجه العلو والتملك ولذا اختير على التعبير بالعلم ونحوه أي أقد بلغ من عظمة الشأن إلى أن ارتقى علم الغيب الذي استأثر به العليم الخبير جل جلاله حتى ادعى علم أن يؤتى في الآخرة مالًا وولد وأقسم عليه، وعن ابن عباس أن المعنى أنظر في اللوح المحفوظ {أَمِ اتخذ عِندَ الرحمن عَهْدًا} قال لا إله إلا الله يرجو بها ذلك، وعن قتادة العهد العمل الصالح الذي وعد الله تعالى عليه الثواب، فالمعنى أعلم الغيب أم عمل عملًا يرجو ذلك في مقابلته. وقال بعضهم: العهد على ظاهره. والمعنى أعلم الغيب أم أعطاه الله تعالى عهدًا وموثقًا وقال له: إن ذلك كائن لا محالة.
ونقل هذا عن الكلبي، وهذه مجاراة مع اللعين بحسب منطوق مقاله كما أن كلامه كذلك، والتعرض لعنوان الرحمانية للإشعار بعلية الرحمة لإيتاء ما يدعيه.

.تفسير الآية رقم (79):

{كَلَّا سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدًّا (79)}
{كَلاَّ} ردع وزجر عن التفوه بتلك العظيمة، وفي ذلك تنبيه على خطئه. وهذا مذهب الخليل. وسيبويه. والأخفش. والمبرد. وعامة البصريين في هذا الحرف وفيه مذاهب لعلنا نشير إليها إن شاء الله تعالى، وهذا أول موضع وقع فيه من القرآن، وقد تكرر في النصف الأخير فوقع في ثلاثة وثلاثين موضعًا ولم يجوز أبو العباس الوقف عليه في موضع.
وقال الفراء: هو على أربعة أقسام، أحدها: ما يحسن الوقف عليه ويحسن الابتداء به. والثاني: ما يحسن الوقف عليه ولا يحسن الابتداء به، والثالث: ما يحسن الابتداء به ولا يحسن الوقف عليه، والرابع: ما لا يحسن فيه شيء من الأمرين، أما القسم الأول ففي عشرة مواضع ما نحن فيه وقوله تعالى: {لّيَكُونُواْ لَهُمْ عِزًّا كَلاَّ} [مريم: 81، 82] وقوله سبحانه: {لَعَلّى أَعْمَلُ صالحا فِيمَا تَرَكْتُ كَلاَّ} [المؤمنون: 100] وقوله عز وجل: {الذين أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكَاء كَلاَّ} [سبأ: 27] وقوله تبارك وتعالى: {أَن يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ كَلاَّ} [المعارج: 38، 39] وقوله جل وعلا: {أَنْ أَزِيدَ كَلاَّ} [المدثر: 15، 16] وقوله عز اسمه: {صُحُفًا مُّنَشَّرَةً كَلاَّ} [المدثر: 52، 53] وقوله سبحانه وتعالى: {رَبّى أَهَانَنِ كَلاَّ} [الفجر: 16، 17] وقوله تبارك اسمه: {أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ كَلاَّ} [الهمزة: 3، 4] وقوله تعالى شأنه: {ثُمَّ يُنْجِيه كَلاَّ} [المعارج: 14، 15] فمن جعله في هذه المواضع ردًا لما قبله وقف عليه ومن جعله عنى ألا التي للتنبيه أو عنى حقًا ابتدأ به وهو يحتمل ذلك فيها، وأما القسم الثاني ففي موضعين قوله جل جلاله حكاية {فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ قَالَ كَلاَّ} [الشعراء: 14، 15] وقوله عز شأنه: {إِنَّا لَمُدْرَكُونَ قَالَ كَلاَّ} [الشعراء: 61، 62] وأما الثالث ففي تسعة عشر موضعًا قوله تعالى شأنه: {كَلاَّ إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ} [المدثر: 54] {كَلاَّ والقمر} [المدثر: 32] {كَلاَّ بَلْ تُكَذّبُونَ بالدين} [الانفطار: 9] {كَلاَّ إِذَا بَلَغَتِ التراقى} [القيامة: 26] {كَلاَّ لاَ وَزَرَ} [القيامة: 11] {كُلاٌّ بَلْ تُحِبُّونَ العاجلة} [القيامة: 20] {كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ} [النبأ: 4] {كَلاَّ لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ} [عبس: 23] {كَلاَّ بَلْ رَانَ على قُلُوبِهِمْ} [المطففين: 14] {كَلاَّ بَل لاَّ تُكْرِمُونَ اليتيم} [الفجر: 17] {كَلاَّ إِنَّ كتاب الفجار} [المطففين: 7] {كَلاَّ إِنَّ كتاب الابرار} [المطففين: 18] {كَلاَّ إِنَّهُمْ عَن رَّبّهِمْ} [المطففين: 15] {كَلاَّ إِذَا دُكَّتِ الأرض} [الفجر: 21] {كَلاَّ إِنَّ الإنسان ليطغى} [العلق: 6] {كَلاَّ لَئِن لَّمْ يَنتَهِ} [العلق: 15] {كَلاَّ لاَ تُطِعْهُ} [العلق: 19] [التكاثر: 3، 5] لأنه ليس للرد في ذلك، وأما القسم الرابع ففي موضعين {ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ} [التكاثر: 4] {ثُمَّ كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ} [النبأ: 5] فإنه لا حسن الوقف على ثم لأنه حرف عطف ولا على كلا لأن الفائدة فيما بعد، وقال بعضهم: إنه يحسن الوقف على كلًا في جميع القرآن لأنه عنى انته إلا في موضع واحد وهو قوله تعالى: {كَلاَّ والقمر} [المدثر: 32] لأنه موصول باليمين نزلة قولك أي وربي {سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ} أي سنظهر إنا كتبنا قوله كقوله:
إذا ما انتسبنا لم تلدني لئيمة ** ولم تجدي من أن تقري به بدًا

أي إذا انتسبنا علمت وتبين أني لست بابن لئيمة أو سننتقم منه انتقام من كتب جريمة الجاني وحفظها عليه فإن نفس كتبة ذلك لا تكاد تتأخر عن القول لقوله تعالى: {مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق: 18] وقوله سبحانه جل وعلا: {وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ} [الزخرف: 80] فمبنى الأول تنزيل إظهار الشيء الخفي منزلة إحداث الأمر المعدوم بجامع أن كلًا منهما إخراج من الكمون إلى البروز فيكون استعارة تبعية مبنية على تشبيه إظهار الكتابة على رؤوس الأشهاد بإحداثها ومدار الثاني تسمية الشيء باسم سببه فإن كتبة جريمة المجرم سبب لعقوبته قطعًا قاله أبو السعود، وقيل: إن الكتابة في المعنى الثاني استعارة للوعيد بالانتقام وفيه خفاء، وقال بعضهم: لا مجاز في الآية بيد أن السين للتأكيد، والمراد نكتب في الحال ورد بأن السين إذا أكدت فإنما تؤكد الوعد أو الوعيد وتفيع أنه كائن لا محالة في المستقبل. وأما إنها تؤكد ما يراد به الحال فلا كذا قيل: فليراجع.
وقرأ الأعمش {سيكتب} بالياء التحتية والبناء للمفعول والبناء للمفعول وذكرت عن عاصم {يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ العذاب مَدًّا} مكان ما يدعيه لنفسه من الإمداد بالمال والولد أي نطول له من العذاب ما يستحقه أو نزيد عذابه ونضاعفه له من المدد يقال: مده وأمده عنى، وتدل عليه قراءة علي كرم الله تعالى وجهه {وَنَمُدُّ} بالضم وهو بهذا المعنى يجوز أن يستعمل باللام وبدونها ومعناه على الأول نفعل المدله وهو أبلغ من نمده وأكد بالمصدر إيذانًا بفرط غضب الله تعالى عليه لكفره وافترائه على الله سبحانه واستهزائه بآياته العظام نعوذ بالله عز وجل مما يستوجب الغضب.

.تفسير الآية رقم (80):

{وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْدًا (80)}
{وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ} أي نسلب ذلك ونأخذه وته أخذ الوارث ما يرثه، والمراد بما يقول مسماه ومصداقه وهو ما أوتيه في الدنيا من المال والولد يقول الرجل: أنا أملك كذا فتقول: ولي فوق ما تقول، والمعنى على المضي وكذا في {يقول} [مريم: 79] السابق، وفيه إيذان بأنه ليس لما قال مصداق موجود سوى ما ذكر، وما إما بدل من الضمير بدل اشتمال وإما مفعول به أي نرث منه ما آتيناه في الدنيا {وَيَأْتِينَا} يوم القيامة {فَرْدًا} لا يصحبه مال ولا ولد كان له فضلًا أي يؤتى ثمة زائدًا، وفي حرف ابن مسعود {وَنَرِثُهُ مَا عِندَهُ *وَيَأْتِينَا فَرْدًا لا مَّالِ لَهُ وَلاَ وَلَدًا} وهو ظاهر في المعنى المذكور، وقيل: المعنى نحرمه ما زعم أنه يناله في الآخرة من المال والولد ونعطيه لغيره من المستحقين، وروي هذا عن أبي سهل، وتفسير الإرث بذلك تفسير باللازم و{مَا يَقُولُ} مراد منه مسماه أيضًا والولد الذي يعطى للغير ينبغي أن يكون ولد ذلك الغير الذي كان له في الدنيا وإعطاؤه إياه بأن يجمع بينه وبينه حسا يشتهيه وهذا مبني على أنه لا توالد في الجنة.
وقد اختلف العلماء في ذلك فقال جمع: منهم مجاهد. وطاوس. وإبراهيم النخعي: بعدم التوالد احتجاجًا بما في حديث لفيط رضي الله تعالى عنه الطويل الذي عليه من الجلالة والمهابة ونور النبوة ما ينادي على صحته، وقال فيه أبو عبد الله بن منده لا ينكره إلا جاحد أو جاهل، وقد خرجه جماعة من أئمة السنة من قوله: قلت يا رسول الله أولنا فيها أزواج أو منهن مصلحات؟ قال صلى الله عليه وسلم: «المصلحات للمصلحين تلذذونهن ويلذذنكم مثل لذاتكم في الدنيا غير أن لا تتوالد» وا روي عن أبي ذر العقيلي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن أهل الجنة لا يكون لهم ولد» وقالت فرقة بالتوالد احتجاجًا بما أخرجه الترمذي في جامعه عن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المؤمن إذا اشتهى الولد في الجنة كان حمله ووضعه وسنه في ساعة واحدة كما يشتهي» وقال حسن غريب، وا أخرجه أبو نعيم عن أبي سعيد أيضًا قيل يا رسول الله أيولد لأهل الجنة فإن الولد من تمام السرور؟ فقال عليه الصلاة والسلام: «نعم والذي نفسي بيده وما هو إلا كقدر ما يتمنى أحدكم فيكون حمله ورضاعه وشبابه» وأجابت عما تقدم بأن المراد نفى أن يكون توالد أو ولد على الوجه المعهود في الدنيا.
وتعقب ذلك بأن الحديث الأخير ضعيف كما قال البيهقي.
والحديث الأول قال فيه السفاريني: أجود أسانيده إسناد الترمذي وقد حكم عليه بالغرابة وأنه لا يعرف إلا من حديث أبي الصديق التاجي. وقد اضطرب لفظه فتارة يروى عنه إذا اشتهى الولد وتارة أنه يشتهي الولد وتارة إن الرجل من أهل الجنة ليولد له وإذا قلنا بأن له على الرواية السابقة سندًا حسنًا كما أشار إليه الترمذي فلقائل أن يقول: إن فيه تعليقًا بالشرط وجاز أن لا يقع، وإذا وإن كانت ظاهرة في المحقق لكنها قد تستعمل لمجرد التعليق الأعم. وأما الجواب عن الحديثين السابقين بما مر فأوهن من بيت العنكبوت كما لا يخفى، وبالجملة المرجح عند الأكثرين عدم التوالد ورجح ذلك السفاريني بعشرة أوجه لكن للبحث في أكثرها مجال والله تعالى أعلم. وقيل: المراد بما يقول نفس القول المذكور لا مسماه، والمعنى إنما يقول هذا القول ما دام حيًا فإذا فبضناه حلنا بينه وبين أن يقوله ويأتينا رافضًا له مفرد عنه.
وتعقب بأن هذا مبني على صدور القول المذكور عنه بطريق الاعتقاد وأنه مستمر على التفوه به راج لوقوع مضمونه ولا ريب في أن ذلك مستحيل ممن كفر بالبعث وإنما قال ما قال بطريق الاستهزاء.
وأجيب بأنا لا نسلم البناء على ذلك لجواز أن يكون المراد إنما يقول ذلك ويستهزئ ما دام حيًا فإذا قبضناه حلنا بينه وبين الاستهزاء بما ينكشف له ويحل به أو يقال: إن مبنى ما ذكر على المجاراة مع اللعين كما تقدم.
قيل: المعنى نحفظ قوله لنضرب به وجهه في الموقف ونعيره به ويأتينا على فقره ومسكنته فردًا من المال والولد لم نوله سؤله ولم نؤته متمناه فيجتمع عليه أمران أمران تبعة قوله ووباله وفقد المطموع فيه، وإلى تفسير الإرث بالحفظ ذهب النحاس وجعل من ذلك {العلماء وَرَثَةِ الانبياء} أي حفظة ما قالوه، وأنت خبير بأن حفظ قوله قد علم من قوله تعالى: {سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ}.
وفي الكشاف يحتمل أنه قد تمنى وطمع أن يؤتيه الله تعالى مالًا وولدًا في الدنيا وبلغت به أشعبيته أن تألى على ذلك فقال سبحانه هب أنا أعطيناه ما اشتهاه أما نرثه منه في العاقبة ويأتينا غدًا فردًا بلا مال ولا ولد كقوله تعالى: {لَّقَدْ جِئْتُمُونَا فرادى} [الأنعام: 94] فما يجدي عليه تمنيه وتأليه انتهى، ولا يخفى أنه احتمال بعيد جدًا في نفسه ومن جهة سبب النزول، والتكلف لتطبيقه عليه لا يقر به كما لا يخفى و{فَرْدًا} حال على جميع الأقوال لكن قيل. إنه حال مقدرة حيث أريد حرمانه عن المال والولد وإعطاء ذلك لمستحقه لأن الانفراد عليه يقتضي التفاوت بين الضال والمهتدي وهو إنما يكون بعد الموقف بخلاف ما إذا أريد غير ذلك مما تضمنته الأقوال لعدم اقتضائه التفاوت بينهما وكفاية فردية الموقف في الصحة وإن كانت مشتركة.
وزعم بعضهم أن الحال مقدرة على سائر الأقوال لأن المراد دوام الانفراد عن المال والولد أو عن القول المذكور والدوام غير محقق عند الإتيان بل مقدر كما في قوله تعالى: {ادخلوها خالدين} [الزمر: 73] ولا يخفى ما فيه.