فصل: تفسير الآية رقم (60):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (60):

{فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتَى (60)}
{فتولى فِرْعَوْنُ} أي انصرف عن المجلس، وقيل: تولى الأمر بنفسه وليس بذاك. وقيل: أعرض عن قبول الحق وليس بشيء {فَجَمَعَ كَيْدَهُ} أي ما يكاد به من السحرة وأدواتهم أو ذوي كيده {ثُمَّ أتى} أي الموعد ومعه ما جمعه. وفي كلمة التراخي إيماءً إلى أنه لم يسارع إليه بل أتاه بعد بطء وتلعثم، ولم يذكر سبحانه إتيان موسى عليه السلام بل قال جل وعلا:

.تفسير الآية رقم (61):

{قَالَ لَهُمْ مُوسَى وَيْلَكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى (61)}
{قَالَ لَهُمْ موسى} للإيذان بأنه أمر محقق غني عن التصريح به، والجملة مستأنفة استئنافًا بيانيًا كأنه قيل: فماذا صنع موسى عليه السلام عند إتيان فرعون بمن جمعه من السحرة. فقيل: قال لهم بطريق النصيحة {وَيْلَكُمْ لاَ تَفْتَرُواْ عَلَى الله كَذِبًا} بأن تدعوا آياته التي ستظهر على يدي سحرًا كما فعل فرعون {فَيُسْحِتَكُم} أي يستأصلكم بسبب ذلك.
{بِعَذَابِ} هائل لا يقادر قدره. وقرأ جماعة من السبعة. وابن عباس {فَيُسْحِتَكُم} بفتح الياء والحاء من الثلاثي على لغة أهل الحجاز والإسحات لغة نجد وتميم، وأصل ذلك استقصاء الحلق للشعر ثم استعمل في الإهلاك والاستئصال مطلقًا {وَقَدْ خَابَ مَنِ افترى} أي على الله تعالى كائنًا من كان بأي وجه كان فيدخل فيه الافتراء المنهي عنه دخولًا أوليًا أو قد خاب فرعون المفترى فلا تكونوا مثله في الخيبة وعدم نجح الطلبة، والجملة اعتراض مقرر لمضمون ما قبلها.

.تفسير الآية رقم (62):

{فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى (62)}
{فتنازعوا} أي السحرة حين سمعوا كلامه عليه السلام كأن ذلك غاظهم فتنازعوا {أَمَرَهُمْ} الذي أريد منهم من مغالبته عليه السلام وتشاوروا وتناظروا {بَيْنَهُمْ} في كيفية المعارضة وتجاذبوا أهداب القول في ذلك {وَأَسَرُّواْ النجوى} بالغوا في إخفاء كلامهم عن موسى وأخيه عليهما السلام لئلا يقفا عليه فيدافعاه، وكان نجواهم على ما قاله جماعة منهم الجبائي. وأبو مسلم ما نطق به قوله تعالى:

.تفسير الآية رقم (63):

{قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَنْ يُخْرِجَاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى (63)}
{قَالُواْ} أي بطريق التناجي والإسرار {إِنْ هاذان لساحران} إلخ فإنه تفسير لذلك ونتيجة التنازع وخلاصة ما استقرت عليه آراؤهم بعد التناظر والتشاور.
وقيل: كان نجواهم أن قالوا حين سمعوا مقالة موسى عليه السلام ما هذا بقول ساحر، وروي ذلك عن محمد بن إسحاق. وقيل: كان ذلك أن قالوا: إن غلبنا موسى اتبعناه، ونقل ذلك عن الفراء. والزجاج.
وقيل: كان ذلك أن قالوا: إن كان هذا ساحرًا فسنغلبه وإن كان من السماء فله أمر، وروي ذلك عن قتادة، وعلى هذه الأقوال يكون المراد من {أَمَرَهُمْ} [طه: 62] أمر موسى عليه السلام وإضافته إليهم لأدنى ملابسة لوقوعه فيما بينهم واهتمامهم به ويكون إسرارهم من فرعون وملئه، ويحمل قولهم: {إِنْ هاذان لساحران} إلخ على أنهم اختلفوا فيما بينهم من الأقاويل المذكورة ثم استقرت آراؤهم على ذلك وأبوا إلا المناصبة للمعارضة وهو كلام مستأنف استئنافًا بيانيًا كأنه قيل: فماذا قالوا للناس بعد تمام التنازع فقبل: {قَالُواْ إِنْ هاذان} إلخ.
وجعل الضمير في {قَالُواْ}: لفرعون وملئه على أنهم قالوا ذلك للسحرة ردًا لهم عن الاختلاف وأمرا بالإجماع والإزماع وإظهار الجلادة مخمل بجزالة النظم الكريم كما يشهد به الذوق السليم، نعم لو جعل ضمير {تنازعوا} والضمائر الذي بعده لهم كما ذهب إليه أكثر المفسرين أيضًا لم يكن فيه ذلك الإخلال وإن مخففة من إن وقد أهملت عن العمل واللام فارقة.
وقرأ ابن كثير بتشديد نون {هذان} وهو على خلاف القياس للفرق بين الأسماء المتمكنة وغيرها.
وقال الكوفيون: إن نافية واللام واللام عنى إلا أي ما هذان إلا ساخران. ويؤيده أنه قرئ كذلك. وفي رواية عن أبي أنه قرأ {إِنْ هاذان إِلا}. وقرئ {ءانٍ} بدون هاء التنبيه {إِلا}. وعزاها ابن خالويه إلى عبد الله. وبعضهم إلى أبي وهي تؤيد ذلك أيضًا. وقرئ {ءانٍ هاذان لساحران} بإسقاط هاء التنبيه فقط.
وقرأ أبو جعفر. والحسن. وشيبة. والأعمش. وطلحة. وحميد. وأيوب. وخلف في اختياره. وأبو عبيد. وأبو حاتم. وابن عيسى الأصبهاني. وابن جرير: وابن جبير الأنطاكي. والأخوان. والصاحبان من السبعة {ءانٍ} بتشديد النون {هذان} بألف ونون خفيفة، واستشكلت هذه القراءة حتى قيل: إنها لحن وخطأ بناءً على ما أخرجه أبو عبيد في فضائل القرآن عن هشام بن عروة عن أبيه قال: سألت عائشة رضي الله تعالى عنها عن لحن القرآن عن قوله تعالى: {إِنْ هاذان لساحران}. وعن قوله تعالى: {والمقيمين الصلاة والمؤتون الزكواة} [النساء: 162] وعن قوله تعالى: {والذين هَادُواْ والصابئون} [المائدة: 69] فقالت: يا ابن أخي هذا عمل الكتاب أخطؤا في الكتاب، وإسناده صحيح على شرط الشيخين كما قال الجلال السيوطي.
وهذا مشكل جدًا إذ كيف يظن بالصحابة أولًا أنهم يلحنون في الكلام فضلًا عن القرآن وهم الفصحاء اللد، ثم كيف يظن بهم ثانيًا الغلط في القرآن الذي تلقوه من النبي صلى الله عليه وسلم كما أنزل ولم يألوا جهدًا في حفظه وضبطه وإتقانه، ثم كيف يظهر بهم ثالثًا اجتماعهم كلهم على الخطأ وكتابته، ثم كيف يظن بهم رابعًا عدم تنبههم ورجوعهم عنه، ثم كيف يظن خامسًا الاستمرار على الخطأ وهو مروى بالتواتر خلفًا عن سلف ولو ساغ مثل ذلك لارتفع الوثوق بالقرآن.
وقد خرجت هذه القراءة على وجوه، الأول أن {ءانٍ} عنى نعم وإلى ذلك ذهب جماعة منهم المبرد والأخفش الصغير وأنشدوا قوله:
بكر العواذل في الصبو ** ح يلمنني وألومهنه

ويقلن شيب قد علا ** ك وقد كبرت فقلت إنه

والجيد الاستدلال بقول ابن الزبير رضي الله تعالى عنهما لمن قال له: لعن الله ناقة حملتني إليك إن وراكبها إذ قد قيل: في البيت إنا لا نسلم أن إن فيه عنى نعم والهاء للسكت بل هي الناصبة والهاء ضمير منصوب بها والخبر محذوف أي إنه كذلك ولا يصح أن يقال: إنها في الخبر كذلك وحذف الجزءان لأن حذف الجزأين جميعًا لا يجوز. وضعف هذا الوجه بأن كونها عنى نعم لم يثبت، أو هو نادر. وعلى تقدير الثبوت من غير ندرة ليس قبلها ما يقتضي جوابًا حتى تقع نعم في جوابه. والقول بأنه يفهم من صدر الكلام أن منهم من قال: هما ساحران فصدق وقيل: نعم بعيد. ومثله القول بأن ذلك تصديق لما يفهم من قول فرعون: {أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ ياموسى موسى} [طه: 57] وأيضًا إن لام الابتداء لا تدخل على خبر المبتدأ.
وأجيب عن هذا بأن اللام زائدة وليست للابتداء كما في قوله:
أم الحليس لعجوز شهربه ** ترضى من اللحم بعظم الرقبة

أو بأنها داخلة على مبتدأ محذوف أي لهما ساحران، كما اختاره الزجاج وقال: عرضته على عالمنا وشيخنا وأستاذنا محمد بن زيد يعني المبرد. والقاضي إسماعيل بن إسحاق بن حماد فقبلاه، وذكرا أنه أجود ما سمعناه في هذا أو بأنها دخلت بعد إن هذه لشبهها بأن المؤكدة لفظًا كما زيدت أن بعد ما المصدرية لمشابهتها للنافية في قوله:
ورج الفتى للخير ما إن رأيته ** على السن خيرًا لا يزال يزيد

ورد الأول: بأن زيادتها في الخبر خاصة بالشعر وما هنا محل النزاع فلا يصح الاحتجاج به كما توهم النيسابوري. وزيف الثاني أبو علي في الإغفال بما خلاصته أن التأكيد فيما خيف لبسه فإذا بلغ به الشهرة الحذف استغنى لذلك عن التأكيد، ولو كان ما ذكر وجهًا لم يحمل نحو لعجوز شهربة على الضرورة ولا تقاس على أن حيث حذف معها الخبر في:
إن محلا وإن مرتحلا

وإن اجتمعا في التأكيد لأنها مشبهة بلا وحمل النقيض على النقيض شائع، وابن جني بأن الحذف من باب الإيجاز والتأكيد من باب الأطناب والجمع بينهما محال للتنافي.
وأجيب: بأن الحذف لقيام القرينة والاستغناء غير مسلم والتأكيد لمضمون الجملة لا للمحذوف والحمل في البيت ممكن أيضًا واقتصارهم فيه على الضرورة ذهول وكم ترك الأول للآخر واجتماع ألا يجازوا الأطناب مع اختلاف الوجه غير محال. وأصدق شاهد على دخول اللام في مثل هذا الكلام ما رواه الترمذي. وأحمد. وابن ماجه {أغبط أوليائي عندي لمؤمن خفيف الحاذ} نعم لا نزاع في شذوذ هذا الحذف استعمالًا وقياسًا.
الثاني: أن إن من الحروف الناصبة واسمها ضمير الشأن وما بعد مبتدأ وخبر والجملة خبرها، وإلى ذلك ذهب قدماء النحاة. وضعف بأن ضمير الشان موضوع لتقوية الكلام وما كان كذلك لا يناسبه الحذف والمسموع من حذفه كما في قوله:
إن من لام في بني بنت حسا ** ن ألمه وأعصه في الخطوب

وقوله:
إن من يدخل الكنيسة يوما ** يلق فيها جآذرا وظباء

ضرورة أو شاذ إلا في باب إن المفتوحة إذا خففت فاستسهلوه لوروده في كلام بني على التخفيف فحذف تبعًا لحذف النون ولأنه لو ذكر لوجب التشديد إذ الضمائر ترد الأشياء إلى أصولها، ثم يرد بحث دخول اللام في الخبر، وإن التزم تقدير مبتدأ داخلة هي عليه فقد سمعت ما فيه من الجرح والتعديل، الثالث: أنها الناصبة وهاء ضمير القصة اسمها وجلمة {هاذان لساحران} خبرها، وضعف بأنه يقتضي وصل ها بإن من إثبات الألف وفصل ها من {ذان} في الرسم وما في المصحف ليس كذلك، ومع ذلك يرد بحث دخول اللام.
الرابع: أن إن ملغاة وإن كانت مشددة حملا لها على المخففة وذلك كما أعملت المخففة حملا لها عليها في قوله تعالى: {وَإِنَّ كُلًا لَّمَّا لَيُوَفّيَنَّهُمْ} [هود: 111] أو حطًا لرتبتها عن الفعل لأن عملها ليس بالأصالة بل بالشبه له وما بعدها مبتدأ وخبر وإلى ذلك ذهب علي بن عيسى. وفيه أن هذا الإلغاء لم ير في غير هذا الموضع وهو محل النزاع وبحث اللام فيه بحالة. الخامس: وهو أجود الوجوه وأوجهها. واختاره أبو حيان. وابن مالك. والأخفش. وأبو علي الفارسي. وجماعة أنها الناصبة. واسم الإشارة اسمها: واللام لام الابتداء و{ساحران} خبرها؛ ومجيء اسم الإشارة بالألف مع أنه منصوب جار على لغة بعض العرب من إجراء المثنى بالألف دائمًا قال شاعرهم:
واها لريا ثم واها واها ** يا ليت عيناها لنا وفاها

وموضع الخلخال من رجلاها ** بثمن نرضى به أباها

وقال الآخر:
وأطرق إطراق الشجاع ولو يرى ** مساغًا لنا باه الشجاع لصمما

وقالوا: ضربته بين أذناه ومن يشتري الخفان وهي لغة الكنانة حكى ذلك أبو الخطاب ولبني الحرث بن كعب. وخثعم. وزبيد. وأهل تلك الناحية حكى ذلك الكسائي. ولبني العنبر. وبني الهيجم. ومراد وعذرة. وقال أبو زيد: سمعت من العرب من يقلب كل ياء ينفتح ما قبلها ألفًا، وابن الحاجب يقول: إن {يَشَاء هذان} مبني لدلالته على معنى الإشارة. وإن قول الأكثرين هذين جرًا ونصبًا ليس إعرابًا أيضًا.
قال ابن هشام: وعلى هذا فقراءة هذان أقيس إذ الأصل في المبنى أن لا تختلف صيغته مع أن فيها مناسبة لألف {ساحران} اه. وأما الخبر السابق عن عائشة فقد أجاب عنه ابن أشته وتبعه ابن جبارة في شرح الرائية بأن قولها: اخطؤا على معنى أخطؤا في اختيار الأولى من الأحرف السبعة لجمع الناس عليه لا أن الذي كتبوا من ذلك خطأ لا يجوز فإن ما لا يجوز من كل شيء مردود بالإجماع وإن طالت مدة وقوعه وبنحو هذا يجاب عن أخبار رويت عنها أيضًا.
وعن ابن عباس في هذا الباب تشكل ظواهرها. ثم أخرج عن إبراهيم النخعي أنه قال: إن هذان لساحران وإن هذين لساحران سواء لعلهم كتبوا الألف مكان الياء يعني أنه من إبدال حرف في الكتابة بحرف كما وقع في صلاة وزكاة وحياة. ويرد على هذا أنه إنما يحسن لو كانت القراءة بالياء في ذلك. ثم أنت تعلم أن الجواب المذكور لا يحسم مادة الإشكال لبقاء تسمية عروة ذلك في السؤال لحنًا اللهم إلا أن يقال: أراد باللحن اللغة كما قال ذلك ابن اشته في قول ابن جبير المروي عنه بطرق في {والمقيمين الصلاة} [النساء: 162] هو لحن من الكاتب أو يقال: أراد به اللحن بحسب بادئ الرأي: وابن الأنباري جنح إلى تضعيف الروايات في هذا الباب ومعارضتها بروايات أخر عن ابن عباس. وغيره تدل على ثبوت الأحرف التي قيل فيها ما قيل في القراءة. ولعل الخبر السابق الذي ذكر أنه صحيح الإسناد على شرط الشيخين داخل في ذلك لكن قال الجلال السيوطي: إن الجواب الأول الذي ذكره ابن اشته أولى وأقعد. وقال العلاء فيما أخرجه ابن الأنباري وغيره عن عكرمة قال: لما كتبت المصاحف عرضت على عثمان فوجد فيها حروفًا من اللحن فقال: لا تغيروها فإن العرب ستغيرها أو قال: ستقرؤها بألسنتها لو كان الكاتب من ثقيف والمملي من هذيل لم توجد فيه هذه الحروف إن ذلك لا يصح عن عثمان فإن إسناده ضعيف مضطرب منقطع.
والذي أجنح أنا إليه والعاصم هو الله تعالى تضعيف جميع ما ورد مما فيه طعن بالمتواتر ولم يقبل تأويلًا ينشرح له الصدر ويقبله الذوق وإن صححه من صححه.
والطعن في الرواة أهون بكثير من الطعن بالأئمة الذين تلقوا القرآن العظيم الذي وصل إلينا بالتواتر من النبي صلى الله عليه وسلم ولم يألوا جهدًا في إتقانه وحفظه.
وقد ذكر أهل المصطلح أن مما يدرك به وضع الخبر ما يؤخذ من حال المروى كان يكون مناقضًا لنص القرآن أو السنة المتواترة أو الإجماع القطعي أو صريح العقل حيث لا يقبل شيء من ذلك التأويل أو لم يحتمل سقوط شيء منه يزول به المحذور فلو قال قائل بوضع بعض هاتيك الأخبار لم يبعد والله تعالى أعلم.
وقرأ أبو عمرو {ءانٍ} بتشديد نون {حَمِيمٍ ءانٍ} وبالياء في {هذين}. وروي ذلك عن عائشة. والحسن. والأعمش. والنخعي. والجحدري. وابن جبير. وابن عبيد. وإعراب ذلك واضح إذ جاء على المهيع المعروف في مثله لكن في الدر المصون قد استشكلت هذه القراءة بأنها مخالفة لرسم الإمام فإن اسم الإشارة فيه بدون ألف وياء فإثبات الياء زيادة عليه. ولذا قال الزجاج: أنا لا أجيزها وليس بشيء لأنه مشترك الإلزام ولو سلم فكم في القراءات ما خالف رسمه القياس مع أن حذف الألف ليس على القياس أيضًا.
{لساحران يُرِيدَانِ أَن يُخْرِجَاكُمْ مّنْ أَرْضِكُمْ} أي أرض مصر بالاستيلاء عليها {بِسِحْرِهِمَا} الذي أظهراه من قبل، ونسبة ذلك لهارون لما أنهم رأوه مع موسى عليهما السلام سالكًا طريقته. وهذه الجملة صفة أو خبر بعد خبر.
{وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ المثلى} أي ذهبكم الذي هو أفضل المذاهب وأمثلها بإظهار مذهبهما وإعلاء دينهما يريدون به ما كان عليه قوم فرعون لا طريقة السحر فإنهم ما كانوا يعتقدونه دينًا. وقيل: أرادوا أهل طريقتكم فالكلام على تقدير مضاف. والمراد بهم بنو إسرائيل لقول موسى عليه السلام: {أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِى إسراءيل} [طه: 47] وكانوا أرباب علم فيما بينهم.
وأخرج ذلك ابن المنذر. وابن أبي حاتم عن ابن عباس. وتعقب بأن إخراجهم من أرضهم إنما يكون بالاستيلاء عليها تمكنًا وتصرفًا فكيف يتصور حينئذٍ نقل بني إسرائيل إلى الشام. وحمل الإخراج على إخراج بني إسرائيل منها مع بقاء قوم فرعون على حالهم مما يجب تنزيه التنزيل عن أمثاله، على أن هذه المقالة منهم للإغراء بالمبالغة في المغالبة والاهتمام بالمناصبة فلابد أن يكون الإنذار والتحذير بأشد المكاره وأشقها عليهم، ولا ريب في أن إخراج بني إسرائيل من بينهم والذهاب بهم إلى الشام وهم آمنون في ديارهم ليس فيه كثير محذور وهو كلام يلوح عليه مخايل القبول فلعل الخبر عن الحبر لا يصح.
وأخرج ابن المنذر. وابن أبي حاتم أيضًا عن مجاهد أن الطريقة اسم لوجوه القوم وأشرافهم. وحكى فلان طريقة قومه أي سيدهم، وكأن إطلاق ذلك على الوجوه مجاز لاتباعهم كما يتبع الطريق.
وأخرجا عن علي كرم الله تعالى وجهه أن إطلاق ذلك عليهم بالسريانية، وكأنهم أرادوا بهؤلاء الوجوه الوجوه من قوم فرعون أرباب المناصب وأصحاب التصرف والمراتب فيكونوا قد حذروهم بالإخراج من أوطانهم وفصل ذوي المناصب منهم عن مناصبهم وفي ذلك غاية الذل والهوان ونهاية حوادث الزمان، فما قيل: إن تخصيص الإذهاب بهم مما لا مزية فيه ليس بشيء، وقيل: إنهم أرادوا بهم بني إسرائيل أيضًا لأنهم كانوا أكثر منهم نشبًا وأشرف نسبًا وفيه ما مر آنفًا، واعترض أيضًا بأنه ينافيه استعبادهم واستخدامهم وقتل أولادهم وسومهم العذاب.
وأجيب بالمنع فكم من متبوع مقهور وشريف بأيدي الأنذال مأسور وهو كما ترى.