فصل: تفسير الآية رقم (64):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (64):

{فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَى (64)}
{فَأَجْمِعُواْ كَيْدَكُمْ} تصريح بالمطلوب إثر تمهيد المقدمات. والفاء فصيحة أي إذا كان الأمر كما ذكر من كونهما ساحرين يريدان بكم ما يريدان فازمعوا كيدكم واجعلوه مجمعًا عليه بحيث لا يتخلف عنه منكم أحد وارموا عن قوس واحدة.
وقرأ الزهري. وابن محيصن. وأبو عمرو. ويعقوب في رواية. وأبو حاتم {فَأَجْمِعُواْ} بوصل الهمزة وفتح الميم من الجمع. ويعضده قوله تعالى: {فَجَمَعَ كَيْدَهُ} [طه: 60] وفي الفرق بين جمع وأجمع كلام للعلماء. قال ابن هشام: إن أجمع يتعلق بالمعاني فقط وجمع مشترك بين المعاني والذوات. وفي عمدة الحفاظ حكاية القول بأن أجمع أكثر ما يقال في المعاني وجمع في الأعيان فيقال: أجمعت أمري وجمعت قومي وقد يقال بالعكس.
وفي المحكم أنه يقال: جمع الشيء عن تفرقة يجمعه جمعًا وأجمعه فلم يفرق بينهما، وقال الفراء: إذا أردت جمع المتفرق قلت: جمعت القوم فهم مجموعون وإذا أردت جمع المال قلت جمعت بالتشديد ويجوز تخفيفه والإجماع الأحكام والعزيمة على الشيء ويتعدى بنفسه وبعلى تقول: أجمعت الخروج وأجمعت على الخروج، وقال الأصمعي: يقال جمعت الشيء إذا جئت به من هنا ومن هنا وأجمعته إذا صيرته جميعًا، وقال أبو الهيثم: أجمع أمره أي جعله جميعًا وعزم عليه بعد ما كان متفرقًا وتفرقته أن يقول مرة أفعل كذا ومرة أفعل كذا والجمع أن يجمع شيئًا إلى شيء، وقال الفراء: في هذه الآية على القراءة الأولى أي لا تدعوا شيئًا من كيدكم إلا جئتم به {ثُمَّ ائتوا صَفًّا} أي مصطفين أمروا بذلك لأن أهيب في صدور الرائين وأدخل في استجلاب الرهبة من المشاهدين. قيل: كانوا سبعين ألفًا مع كل منهم حبل وعصا وأقبلوا عليه عليه السلام إقبالة واحدة، وقيل: كانوا اثنين وسبعين ساحرًا اثنان من القبط والباقي من بني إسرائيل، وقيل: تسعمائة ثلاثمائة من الفرس وثلاثمائة من الروم وثلاثمائة من الإسكندرية، وقيل: خمسة عشر ألفًا، وقيل بضعة وثلاثين ألفًا، ولا يخفى حال الإخبار في ذلك والقلب لا يميل إلى المبالغة والله تعالى أعلم، ولعل الموعد كان مكانًا متسعًا خاطبهم موسى عليه السلام بما ذكر في قطر من أقطاره وتنازعوا أمرهم في قطر آخر منه ثم أمروا أن يأتوا وسطه على الحال المذكورة، وقد فسر أبو عبيدة الصف بالمكان الذي يجتمعون فيه لعيدهم وصلواتهم وفيه بعد، وكأنه علم لموضع معين من مكان يوم الزينة، وعلى هذا التفسير يكون {صَفَّا} مفعولًا به.
وقرأ شبل بن عباد. وابن كثير في رواية شبل عنه {ثُمَّ} بكسر الميم وإبدال الهمزة ياء. قال أبو علي: وهذا غلط ولا وجه لكسر الميم من ثم، وقال صاحب اللوامح: إن ذلك لالتقاء الساكنين كما كانت الفتحة في قراءة العامة كذلك {صَفًّا وَقَدْ أَفْلَحَ اليوم مَنِ استعلى} اعتراض تذييلي من قبلهم مؤكد لما قبله من الأمرين أي قد فاز بالمطلوب من غلب.
فاستفعل عنى فعل كما في الصحاح أو من طلب العلو والغلب وسعى سعيه على ما في البحر. فاستفعل على بابه، ولعله أبلغ في التحريض حيث جعلوا الفوز لمن طلب الغلب فضلًا عمن غلب بالفعل وأرادوا بالمطلوب ما وعدهم فرعون من الأجر والتقريب حسا نطق به قوله تعالى: {وَإِنَّكُمْ لَمِنَ المقربين} [الأعراف: 114] ون استعلى أنفسهم جميعًا على طريقة قولهم {بعزة فرعون إنا لَنَحْنُ الغالبون} [الشعراء: 44] أو من استعلى منهم حثًا على بذل المجهود في المغالبة.
وقال الراغب: الاستعلاء قد يكون لطلب العلو المذوم وقد يكون لغيره وهو هاهنا يحتملهما فلهذا جاز أن يكون هذا الكلام محكيًا عن هؤلاء القائلين للتحريض على إجماعهم واهتمامهم وأن يكون من كلام الله عز وجل فالمستعلى موسى. وهارون عليهما السلام ولا تحريض فيه.
وأنت تعلم أن الظاهر هو الأول.

.تفسير الآية رقم (65):

{قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى (65)}
{قَالُواْ} استئناف بياني كأنه قيل: فماذا فعلوا بعد ما قالوا ذلك؟ فقيل قالوا: {حَدِيثُ موسى} وإنما لم يتعرض لإجماعهم وإتيانهم مصطفين إشعارًا بظهور أمرهما وغنائهما عن البيان {إِمَّا أَن تُلْقِىَ} أي ما تلقيه أولًا على أن المفعول محذوف لظهوره أو تفعل الإلقاء أولًا على أن الفعل منزل منزلة اللازم {وَإِمَّا أَن نَّكُونَ أَوَّلَ مَنْ ألقى} ما يلقيه أو أول من يفعل الإلقاء خيروه عليه السلام وقدموه على أنفسهم إظهارًا للثقة بأمرهم، وقيل: مراعاة للأدب معه عليه السلام. وأن مع ما في حيزها منصوب بفعل مضمر أي إما تختار القاءك أو تختار كوننا أول من ألقى أو مرفوع على أنه خبر لمبتدأ محذوف أي الأمر إما القاؤك أو كوننا أول من القى. واختار أبو حيان كونه مبتدأ محذوف الخبر أي القاؤك أول بقرينة {أَوْ نَّكُونَ أَوَّلَ مَنْ ألقى} وبه تتم المقابلة لكنها معنوية.

.تفسير الآية رقم (66):

{قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى (66)}
{قَالَ} استئناف كما مر كأنه قيل: فماذا قال عليه السلام؟ فقيل قال: {بَلْ أَلْقُواْ} أنتم أولًا إظهارًا لعدم المبالاة بسحرهم وإسعافًا لما أوهموا من الميل إلى البدء في شقهم حيث غيروا النظم إلى وجه أبلغ إذ كان الظاهر أن يقولوا: وإما أن نلقى وليبرزوا ما معهم ويستفرغوا جهدهم ويستنفذوا قصارى وسعهم ثم يظهر الله تعالى شأنه سلطانه فيقذف بالحق على الباطل فيدمغه.
قيل وفي ذلك أيضًا مقابلة أدب بأدب، واستشكل بعضهم هذا الأمر ظنًا منه أنه يستلزم تجويز السحر فحمله دفعًا لذلك على الوعيد على السحر كما يقال للعبد العاصي: إفعل ما أردت، وقال أبو حيان: هو مقرون بشرط مقدر أي ألقوا إن كنتم محقين. وفيه أنه عليه السلام يعلم عدم إحقاقهم فلا يجدي التقدير يريدون ملاحظة غيره.
وأنت تعلم أنه لا حاجة إلى ذلك ولا إشكال فإن هذا كالأمر بذكر الشبهة لتنكشف. والقول بأن تقديم سماع الشبهة على الحجة غير جائز لجواز أن لا يتفرغ لإدراك الحجة بعد ذلك فتبقى مما لا يلتفت إليه.
{فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تسعى} الفاء فصيحة معربة عن مسارعتهم إلى الإلقاء كما في قوله تعالى: {فَقُلْنَا اضرب بّعَصَاكَ الحجر فانفلق} [البقرة: 60] أي فالقوا فإذا حبالهم إلخ. وهي في الحقيقة عاطفة لجملة المفاجأة على الجملة المحذوفة. وإذا فجائية وهي عند الكوفيين حرف وهو مذهب مرجوح عند أبي حيان وظرف زمان عند الرياشي وهو كذلك عنده أيضًا وظرف مكان عند المبرد وهو ظاهر كلام سيبويه ومختار أبي حيان والعامل فيها هنا {أَلْقَوْاْ} عند أبي البقاء. ورد بأن الفاء تمنع من العمل، وفي البحر إنما هي معمولة لخبر المبتدأ الذي هو {حبالهم وَعِصِيَّهُمْ} إن لم يجعلها هي في موضع الخبر بل جعلنا الخبر جملة {يُخَيَّلُ} وإذا جعلناها في موضع الخبر وجعلنا الجملة في موضع الحال فالأمر واضح. وهذا نظير خرجت فإذا الأسد رابض ورابضًا. ولصحة وقوعها خبرًا يكتفي بها وبالمرفوع بعدها كلامًا فيقال: خرجت فإذا الأسد. ونص الأخفش في الأوسط على أنها قد يليها جملة فعلية مصحوبة بقد فيقال: خرجت فإذا قد ضرب زيد عمرًا، وفي الكشاف التحقيق فيها أنها إذا الكائنة عنى الوقت الطالبة ناصبًا لها وجملة تضاف إليها خصت في بعض المواضع بأن يكون ناصبها فعلًا مخصوصًا وهو فعل المفاجأة، والجملة ابتدائية لا غير فتقدير الآية ففاجأ موسى وقت تخيل سعى حبالهم وعصيهم وهذا تمثيل، والمعنى على مفاجأة حبالهم وعصيهم مخيلة إليه السعي انتهى، وفيه من المخالفة لما قدمنا ما فيه لكن أمر العطف عليه أوفق كما لا يخفى، وعنى بقوله: هذا تمثيل أنه تصوير للإعراب وأن إذا وقتية أوقع عليها فعل المفاجأة توسعًا لأنها سدت مسد الفعل والمفعول ولأن مفاجأة الوقت يتضمن مفاجأة ما فيه بوجه أبلغ، وما قيل: إنه أراد الاستعارة التمثيلية فيحتاج إلى تكلف لتحصيلها.
وضمير {إِلَيْهِ} الظاهر أنه لموسى عليه السلام بل هو كالمتعين، وقيل: لفرعون وليس بشيء، وأن وما في حيزها نائب فاعل {يُخَيَّلُ} أي يخيل إليه بسبب سحرهم سعيها وكأن ذلك من باب السيمياء وهي علم يقتدر به على إراء الصورة الذهنية لكن يشترط غالبًا أن يكون لها مادة في الخارج في الجملة ويكون ذلك على ما ذكره الشيخ محمد عمر البغدادي في حاشيته على رسالة الشيخ عبد الغني النابلسي في وحدة الوجود بواسطة أسماء وغيرها.
وذكر العلامة البيضاوي في بعض رسائله أن علم السيمياء حاصله إحداث مثالات خيالية لا وجود لها في الحس ويطلق على إيجاد تلك المثالات بصورها في الحس وتكون صورًا في جوهر الهواء وهي سريعة الزوال بسبب سرعة تغير جوهره ولفظ سيمياء معرب شيم يه ومعناه اسم الله تعالى انتهى. وما ذكره من سرعة الزوال لا يسلم كليًا وهو عندي بعض من علم السحر. وعرفه البيضاوي بأنه علم يستفاد منه حصول ملكة نفسانية يقتدر بها على أفعال غريبة بأسباب خفية ثم قال: والسحر منه حقيقي. ومنه غير حقيقي؛ ويقال له: الأخذ بالعيون وسحرة فرعون أتوا جموع الأمرين انتهى، والمشهور أن هؤلاء السحرة جعلوا في الحبال والعصي زئبقًا فلما أصابتها حرارة الشمس اضطربت واهتزت فخيل إليه عليه السلام أنها تتحرك وتمشي كشيء فيه حياة.
ويروى أنه عليه السلام رآها كأنها حيات وقد أخذت ميلًا في ميل؛ وقيل: حفروا الأرض وجعلوا فيها نارًا ووضعوا فوقها تلك الحبال والعصي فلما أصابتها حرارة النار تحركت ومشت. وفي القلب من صحة كلا القولين شيء.
والظاهر أن التخيل من موسى عليه السلام قد حصل حقيقة بواسطة سحرهم، وروي ذلك عن وهب.
وقيل: لم يحصل. والمراد من الآية أنه عليه السلام شاهد شيئًا لولا علمه بأنه لا حقيقة له لظن فيها أنها تسعى فيكون تمثيلًا وهو خلاف الظاهر جدًا، وقرأ الحسن وعيسى {عصيهم} بضم العين وإسكان الصاد وتخفيف الياء مع الرفع وهو جمع كما في القراءة المشهور وقرأ الزهري. والحسن. وعيسى. وأبو حيوة. وقتادة. والجحدري. وروح. وابن ذكوان. وغيرهم {تخيل} بالتاء الفوقانية مبنيًا للمفعول وفيه ضمير الحبال والعصي. و{سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تسعى} بدل اشتمال من ذلك الضمير ولا يضر الإبدال منه في كونه رابطًا لكونه ليس ساقطًا من كل الوجوه.
وقرأ أبو السمال {تخيل} بفتح التاء أي تتخيل وفيه أيضًا ضمير ما ذكر و{سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تسعى} بدل منه أيضًا، وقال ابن عطية: هو مفعول من أجله، وقال أبو القاسم بن حبارة الهذلي الأندلسي في كتاب الكامل: عن أبي السمال أنه قرئ {تخيل} بالتاء من فوق المضمومة وكسر الياء والضمير فيه فاعل و{سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تسعى} نصب على المفعول به. ونسب ابن عطية هذه القراءة إلى الحسن. وعيسى الثقفي ومن بني {تخيل} للمفعول فالمخيل لهم ذلك هو الله تعالى للمحنة والابتلاء.
وروي الحسن بن يمن عن أبي حيوة {مّن نَّخِيلٍ} بالنون وكسر الياء فالفاعل ضميره تعالى و{أَنَّهَا تسعى} مفعول به.

.تفسير الآية رقم (67):

{فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى (67)}
{فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً موسى} الإيجاس الإخفاء. والخيفة الخوف وأصله خوفة قلبت الواو ياء لكسرة ما قبلها، وقال ابن عطية: يحتمل أن يكون خوفة بفتح الخاء قلبت الواو ياء ثم كسرت الخاء للتناسب والأول أولى. والتنوين للتحقير أي أخفى فيها بعض خوف من مفاجأة ذلك قتضى طبع الجبلة البشرية عند رؤية الأمر المهول وهو قول الحسن، وقال مقاتل: خاف عليه السلام من أن يعرض للناس ويختلج في خواطرهم شك وشبهة في معجزة العصا لما رأوا من عصيهم. وإضمار خوفه عليه السلام من ذلك لئلا تقوى نفوسهم إذا ظهر لهم فيؤدي إلى عدم اتباعهم، وقيل: التنوين للتعظيم أي أخفى فيها خوفًا عظيمًا، وقال بعضهم: إن الصيغة لكونها فعلة وهي دالة على الهيئة والحالة اللازمة تشعر بذلك ولذا اختيرت على الخوف في قوله تعالى: {وَيُسَبّحُ الرعد بِحَمْدِهِ والملائكة مِنْ خِيفَتِهِ} [الرغد: 13] ولا يأباه الإيجاس، وقيل: يأباه والأول هو الأنسب بحال موسى عليه السلام إن كان خوفه مما قاله الحسن والثاني هو الأنسب بحاله عليه السلام إن كان خوفه مما قاله مقاتل، وقيل: إنه أنسب أيضًا بوصف السحر بالعظم في قوله تعالى: {وَجَاءو بِسِحْرٍ عَظِيمٍ} [الأعراف: 116] وأيد بعضهم كون التنوين لذلك بإظهار موسى وعدم إضماره فتأمل، وقيل: إنه عليه السلام سمع لما قالوا {إما أن تلقى} [طه: 65] إلخ القوا يا أولياء الله تعالى فخاف لذلك حيث يعلم أن أولياء الله تعالى لا يغلبون ولا يكاد يصح والنظم الكريم يأباه. وتأخير الفاعل لمراعاة الفواصل.