فصل: تفسير الآية رقم (83):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (83):

{وَمَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَا مُوسَى (83)}
{وَمَا أَعْجَلَكَ عَن قَومِكَ ياموسى موسى}.
حكاية لما جرى بينه تعالى وبين موسى عليه السلام من الكلام عند ابتداء موافاته الميقات وجب المواعدة المذكورة سابقًا أي وقلنا له أي شيء عجل بك عن قومك فتقدمت عليهم. والمراد بهم هنا عند كثير ومنهم الزمخشري النقباء السبعون. والمراد بالتعجيل تقدمه عليهم لا الإتيان قبل تمام الميعاد المضروب خلافًا لبعضهم والاستفهام للإنكار ويتضمن كما في الكشف إنكار السبب الحامل لوجود مانع في البين وهو إيهام اغفال القوم وعدم الاعتداد بهم مع كونه عليه السلام مأمورًا باستصحابهم واحضارهم معه وإنكار أصل الفعل لأن العجلة نقيصة في نفسها فكيف من أولي العزم اللائق بهم مزيد الحزم، وقوله تعالى:

.تفسير الآية رقم (84):

{قَالَ هُمْ أُولَاءِ عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى (84)}
{قَالَ هُمْ أُوْلاء على أَثَرِى وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبّ لترضى} متضمن لبيان اعتذاره عليه السلام، وحاصله عرض الخطأ في الاجتهاد كأنه عليه السلام قال: إنهم لم يبعدوا عني وإن تقدمي عليهم بخطا يسيرة وظني أن مثل ذلك لا ينكر وقد حملني عليه استدامة رضاك أو حصول زيادته وظني أن مثل هذا الحامل يصلح للحمل على مثل ما ذكر ولم يخطر أن هناك مانعًا لينكر على. ونحو هذا الإسراع المزيل للخشوع إلى إدراك الإمام في الركوع طلبًا لأن يكون أداء هذا الركن مع الجماعة التي فيها رضا الرب تعالى فإنهم قالوا: إن ذلك غير مشروع، وقدم عليه السلام الاعتذار عن إنكار أصل الفعل لأنه أهم، وقال بعضهم: إن الاستفهام سؤال عن سبب العجلة يتضمن إنكارها لأنها في نفسها نقيصة انضم إليها الاغفال وإيهام التعظيم فأجاب عليه السلام عن السبب بأنه استدامة الرضا أو حصول زيادته وعن الإنكار بما محصله انهم لم يبعدوا عني وظننت أن التقدم اليسير لكونه معتادًا بين الناس لا ينكر ولا يعد نقيصة وعلل تقديم هذا الجواب بما مر. واعترض بأن مساق كلامه بظاهره يدل على أن السؤال عن السبب على حقيقته وأنت خبير بأن حقيقة الاستفهام محال على الله تعالى فلا وجه لبناء الكلام عليه، وأجيب بأن السؤال من علام الغيوم محال إن كان لاستدعاء المعرفة أما إذا كان لتعريف غيره أو لتبكيته أو تنبيهه فليس محالًا، وتعقب بأنه لا يحسن هنا أن يكون السؤال لأحد المذكورات والمتبادر أن يكون للإنكار، وفي الانتصاف أن المراد من سؤال موسى عليه السلام عن سبب العجلة وهو سبحانه أعلم أن يعلمه أدب السفر وهو أنه ينبغي تأخر رئيس القوم عنهم ليكون بصره بهم ومهيمنًا عليهم وهذا المعنى لا يصحل مع التقدم ألا ترى كيف علم الله تعالى هذا الأدب لوطًا فقال سبحانه: {واتبع أدبارهم} فأمره عز وجل أن يكون آخرهم وموسى عليه السلام إنما أغفل هذا الأمر مبادرة إلى رضا الله تعالى ومسارعة إلى الميعاد وذلك شأن الموعود بما يسره يود لو ركب أجنحة الطير ولا أسر من مواعد الله تعالى له عليه الصلاة والسلام انتهى.
وأنت تعلم أن السؤال عن السبب ما لم يكن المراد منه انكار المسبب لا يتسنى هذا التعليم، وقال بعضهم: الذي يلوح بالبال أن يكون المعنى أي شيء أعجلك منفردًا عن قومك، والإنكار بالذات للإنفراد عنهم فهو منصب على القيد كما عرف في أمثاله، وإنكار العجلة ليس إلا لكونها وسيلة فاعتذر موسى عليه السلام عنه بأني أخطأت في الاجتهاد وحسبت أن القدر اليسير من التقدم لا يخل بالمعية ولا يعد انفرادًا ولا يقدح بالاستصحاب والحامل عليه طلب استدامة مرضاتك بالمبادرة إلى امتثال أمرك فالجواب هو قوله: {هُمْ أُوْلاء على أَثَرِى}، وقوله: {وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبّ لترضى} كالتتميم له اه وهو عندي لا يخلو عن حسن.
وقيل: إن السؤال عن السبب والجواب إنما هو قوله: {وَعَجِلْتُ} إلخ وما قبله تمهيد له وفيه نظر، وعلى هذا وما قبله لم يكن جواب موسى عليه السلام عن أمرين ليجيء سؤال الترتيب فيجاب بما مر أو بما ذكره الزمخشري من أنه عليه السلام حار لما ورد عليه من التهيب لعتاب الله عز وجل فأذهله ذلك عن الجواب المنطبق المترتب على حدود الكلام لكن قال في البحر: إن في هذا الجواب إساءة الأدب مع الأنبياء عليهم السلام، وذلك شأن الزمخشري معهم صلى الله عليه وسلم عليهم، والمراد من {إِلَيْكَ} إلى مكان وعدك فلا يصلح دليلًا للمجسمة على إثبات مكان له عز وجل. ونداؤه تعالى بعنوان الربوبية لمزيد الضراعة والابتهال رغبة في قبول العذر و{أُوْلاء} اسم إشارة كما هو المشهور مرفوع المحل على الخبرية لهم و{على أَثَرِى} خبر بعد خبر أو حال كما قال أبو حيان؛ وجوز الطبرسي كون {أُوْلاء} بدل من {هُمْ} و{على أَثَرِى} هو الخبر، وقال أبو البقاء: {أُوْلاء} اسم موصول و{على أَثَرِى} صلته وهو مذهب كوفي.
وقرأ الحسن. وابن معاذ عن أبيه «أولاي» بياء مكسورة. وابن وثاب. وعيسى في رواية {أُوْلِى} بالقصر، وقرأت فرقة «أولاي» بياء مفتوحة. وقرأ عيسى. ويعقوب. وعبد الوارث عن أبي عمرو. وزيد بن علي رضي الله تعالى عنهما «على إثرى» بكسر الهمزة وسكون الثاء، وحكى الكسائي «أثرى» بضم الهمزة وسكون الثاء وتورى عن عيسى، وفي الكشاف إن «الأثر» بفتحتين أفصح من «الأثر» بكسر فسكون، وأما الأثر فمسموع في فرند السيف مدون في الأصوال يقال؛ أثر السيف وأثره وهو عنى الأثر غريب.

.تفسير الآية رقم (85):

{قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ (85)}
{قَالَ} استئناف مبني على سؤال نشأ من حكاية اعتذاره عليه السلام وهو السر في وروده على صيغة الغائب لا أنه التفات من التكلم إلى الغيبة لما أن المقدر فيما سبق على صيغة التكلم كأنه قيل من جهة السامعين: فماذا قال له ربه تعالى حينذئذ؟ فقيل: قال سبحانه: {فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ} أي اختبرناهم بما فعل السامري أو أوقعناهم في فتنة أي ميل مع الشهوات ووقوع في اختلاف {مِن بَعْدِكَ} من بعد فراقك لهم وذهابك من بينهم {وَأَضَلَّهُمُ السامرى} حيث أخرج لهم عجلًا جسدًا له خوار ودعاهم إلى عبادته. وقيل: قال لهم بعد أن غاب موسى عليه السلام عنهم عشرين ليلة: إنه قد كملت الأربعون فجعل العشرين مع أيامها أربعين ليلة. وليس من موسى عين ولا أثر وليس اخلافه ميعادكم إلا لما معكم من حلى القوم وهو حرام عليكم فجمعوه وكان من أمر العجل ما كان. والمراد بقومك هنا الذين خلفهم مع هارون عليه السلام، وكانوا على ما قيل ستمائة ألف ما نجا منهم من عبادة العجل إلا اثنا عشر ألفًا فالمراد بهم غير المراد بقومك فيما تقدم، ولذا لم يؤت بضميرهم، وقيل: المراد بالقوم في الموضعين المتخلفتين لتعين إرادتهم هنا، والمعرفة المعادة عين الأولى. ومعنى {هم أولاء على أثرى} [طه: 84] هم بالقرب مني ينتظرونني.
وتعقبه في الكشف بأنه غبر ملائم للفظ الأثر ولا هو مطابق لتمهيد عذر العجلة ومن أين لصاحب هذا التأويل النقل بأنهم كانوا على القرب من الطور وحديث المعرفة المعادة إنما هو إذا لم يقم دليل التغاير وقد قام. على أن لنا أن تقول: هي عين الأولى لأن المراد بالقوم الجنس في الموضعين لكن المقصود منه أولا النقباء وثانيًا المتخلفون ومثله كثير في القرآن انتهى. وما ذكره من نفي النقل الدال على القرب فيه مقال، وسيأتي إن شاء الله تعالى قريبًا من الأخبار ما يدل بظاهره على القرب إلا أنا لم نقف على تحصيحه أو تضعيفه.
وما ذكر من تفسير {هُمْ أُوْلاء على أَثَرِى} [طه: 84] على إرادة المتخلفين في الأول أيضًا نقله الطبرسي عن الحسن، ونقل عنه أيضًا تفسيره بأنهم على ديني ومنهاجي والأمر عليه أهون. والفاء لتعليل ما يفهمه الكلام السابق كأنه قيل: لا ينبغي عجلتك عن قومك وتقدمك عليهم وإهمال أمرهم لوجه من الوجوه فانهم لحداثة عهدهم باتباعك ومزيد بلاهتهم وحماقتهم كان يحيق فيه مكر الشيطان ويتمكن من إضلالهم فإن القوم الذين خلفتهم مع أخيك قد فتنوا وأضلهم السامري بخروجك من بينهم فكيف تأمن على هؤلاء الذي أغفلتهم وأهملت أمرهم.
وفي إرشاد العقل السليم إنها لترتيب الأخبار بما ذكر من الابتلاء على أخبار موسى عليه السلام بعجلته لكن لا لأن الأخبار بها سبب موجب للأخبار به بل لما بينهما من المناسبة المصححة للانتقال من أحدهما إلى الآخر من حيث أن مدار الابتلاء المذكور عجلة القوم وليس بذاك.
وأما قول الخفاجي: إنها للتعقيب من غير تعليل أي أقول لك عقب ما ذكر إنا قد فتنا إلى آخره ففيه سهو ظاهر لأن هذا المعنى إنما يتسنى لو كانت الفاء داخلة على القول لكنها داخلة على ما بعده وظاهر الآية يدل على أن الفتن وإضلال السامري إياهم قد تحققا ووقعا قبل الاخبار بهما إذ صيغة الماضي ظاهرة في ذلك، والظاهر أيضًا على ما قررنا أن الأخبار كان عند مجيئه عليه السلام للطور لم يتقدمه إلا العتاب والأعتذار. وفي الآثار ما يدل على أن وقوع ما ذكرنا كان بعد عشرين ليلة من ذهابه عليه السلام لجناب الطور، وقيل: بعد ست وثلاثين يومًا وحينئذ يكون التعبير عن ذلك بصيغة الماضي لاعتبار تحققه في علم الله تعالى ومشيئته أو لأنه قريب الوقوع مترقبه أو لأن السامري كان قد عزم على إيقاع الفتنة عند ذهاب موسى عليه السلام وتصدى لترتيب مباديها وتمهيد مبانيها فنزل مباشرة الأسباب منزلة الوقوع. والسامري عند الأكثر كما قال الزجاج: كان عظيمًا من عظماء بني إسرائيل من قبيلة تعرف بالسامرة وهم إلى هذه الغاية في الشام يعرفون بالسامريين، وقيل: هو ابن خالة موسى عليه السلام، وقيل: ابن عمه، وقيل: كان علجًا من كرمان، وقيل: كان من أهل باجرما قرية قريبة من مصر أو قرية من قرى موصل، وقيل: كان من القبط وخرج مع موسى عليه السلام مظهرًا الإيمان وكان جاره.
وقيل: كان من عباد البقر وقع في مصر فدخل في بني إسرائيل بظاهره وفي قلبه عبادة البقر. واسمه قيل موسى بن ظفر، وقيل: منجا، والأول أشهر، وأخرج ابن جرير عن ابن عباس أن أمه حين خافت أن يذبح خلفته في غار وأطبقت عليه فكان جبريل عليه السلام يأتيه فيغدوه باصابعه في واحدة لبنا وفي الأخرى عسلا، وفي الأخرى سمنًا ولم يزل يغذوه حتى نشأ وعلى ذلك قوله من قال:
إذا المرء لم يخلق سعيدًا تحيرت ** عقول مربيه وخاب المؤمل

فموسى الذي رباه جبريل كافر ** وموسى الذي رباه فرعون مرسل

وبالجملة كان عند الجمهور منافقًا يظهر الإيمان ويبطن الكفر، وقرأ معاذ {أضلهم} على أنه أفعل تفضيل أي أشدهم ضلالًا لأنه ضال ومضل.

.تفسير الآية رقم (86):

{فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْدًا حَسَنًا أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي (86)}
{السامرى فَرَجَعَ موسى إلى قَوْمِهِ} عند رجوعه المعهود أي بعد ما استوفى الأربعين ذا القعدة وعشر ذي الحجة وأخذ التوراة لا عقيب الأخبار المذكور فسببية ما قبل الفاء لما بعدها إنما هي باعتبار قيد الرجوع المستفاد من قوله تعالى: {الحديث أَسَفًا} لا باعتبار نفسه وإن كانت داخلة عليه حقيقة فإن كون الجروع بعد تمام الأربعين أمر مقرر مشهور لا يذهب الوهم إلى كونه عند الأخبار المذكور كما إذا قلت: شايعت الحجاج ودعوت لهم بالسلامة فرجعوا سالمين فإن أحدًا لا يرتاب في أن المراد رجوعهم المعتاد لا رجوعهم أثر الدعاء وإن سببية الدعاء باعتبار وصف السلامة لا باعتبار نفسه الرجوع كذا في ارشاد العقل السليم وهو مما لا ينتطح فيه كبشان. والأسف الحزين كما روي عن ابن عباس وكأن حزنه عليه السلاممن حيث أن ما وقع فيه قومه مما يترتب عليه العقوبة ولا يد له بدفعها.
وقال غير واحد: هو شديد الغضب، وقال الجبائي متلهفًا على ما فاته متحيرًا في أمر قومه يخشى أن لا يمكنه تداركه وهذا معنى للأسف غير مشهور {قَالَ} استئناف بياني كأنه قيل: فماذا فعل بهم لما رجع إليهم؟ فقيل قال: {قَالَ ياقوم أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ} الهمزة لإنكار عدم الوعد ونفيه وتقرير وجوده على أبلغ وجه وآكده أي وعدكم {وَعْدًا حَسَنًا} لا سبيل لكم إلى إنكاره. والمراد بذلك إعطاء التوراة التي فيها هدى ونور، وقيل: هو ما وعدهم سبحانه من الوصول إلى جانب الطور الأيمن وما بعد ذلك من الفتوح في الأرض والمغفرة لمن تاب وآمن وغير ذلك مما وعد الله تعالى أهل طاعته.
وعن الحسن أن الوعد الحسن الجنة التي وعدها من تمسك بدينه، وقيل: هو أن يسمعهم جل وعلا كلامه عز شأنه ولعل الأول أولى، ونصب {وَعْدًا} يحتمل أن يكون على أنه مفعول ثان وهو عنى الموعود ويحتمل أن يكون على المصدرية والمفعول الثاني محذوف، والفاء في قوله تعالى: {أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ لَكُم مّنَ الأرض وَلاَ تَيَمَّمُواْ الخبيث مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِأَخِذِيهِ إِلا أَن تُغْمِضُواْ فِيهِ واعلموا أَنَّ الله غَنِيٌّ حَمِيدٌ الشيطان يَعِدُكُمُ} لأنه عنى قد وعدكم، واختار جمع الأول وأل في العهد له، والمراد زمان الإنجاز، وقيل: زمان المفارقة أي أوعدكم سبحانه ذلك فطال زمان الإنجاز أو زمان المفارقة للإتيان به {أَمْ أَرَدتُّمْ أَن يَحِلَّ} أي يجب {عَلَيْكُمْ غَضَبٌ} شديد لا يقادر قدره كائن {مّن رَّبّكُمْ} أي من مالك أمركم على الإطلاق. والمراد من إرادة ذلك فعل ما يكون مقتضيًا له.
والفاء في قوله تعالى: {فَأَخْلَفْتُمْ مَّوْعِدِى} لترتيب ما بعدها على كل من الشقين، والموعد مصدر مضاف إلى مفعوله للقصد إلى زيادة تقبيح حالهم فإن اخلافهم الموعد الجاري فيما بينهم وبينه عليه السلام من حيث إضافته إليه عليه السلام أشنع منه من حيث إضافته إليهم، والمعنى أفطال عليكم الزمان فنسيتم بسبب ذلك فاخلفتم وعدكم إياي بالثبات على ديني إلى أن أرجع من الميقات نسيانًا أو تعمدتم فعل ما يكون سببًا لحلول غضب ربكم عليكم فاخلفتم وعدكم إياي بذلك عمدًا، وحاصله أنسيتم فاخلفتم أو تعمدتم فاخلفتهم، ومنه يعلم التقابل بين الشقين.
وجوز المفضل أن يكون الموعد مصدرًا مضافًا إلى الفاعل واخلافه عنى وجدان الخلف فيه يقال: أخلف وعد زيد عنى وجد الخلف فيه، ونظيره أحمدت زيدًا أي فوجدتم الخلف في موعدي إياكم بعد الأربعين، وفيه أنه لا يساعده السياق ولا السباق أصلًا، وقيل. المصدر مضاف إلى المفعول إلا أن المراد منه وعدهم إياه عليه السلام باللحاق به والمجيء للطور على أثره وفيه ما فيه، واستدلت المعتزلة بالآية على أن الله عز وجل ليس خالقًا للكفر وإلا لما قال سبحانه: {وَأَضَلَّهُمُ السامرى} [طه: 85] ولما كان لغضب موسى عليه السلام واسفه وجه ولا يخفى ما فيه.