فصل: تفسير الآية رقم (109):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (109):

{يَوْمَئِذٍ لَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا (109)}
{يَوْمَئِذٍ} أي يوم إذ يقع ما ذكر من الأمور الهائلة وهو ظرف لقوله تعالى: {لاَّ تَنفَعُ الشفاعة} وجوز أن يكون بدلًا من {يوم القيامة} [طه: 101] أو من {يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ} [طه: 108] والمراد لا تنفع الشفاعة من الشفعاء أحدًا {إِلاَّ مَنْ أَذِنَ} في الشفاعة.
{لَهُ الرحمن} فالاستثناء من أعم المفاعيل و{مِنْ} مفعول {تَنفَعُ} وهي عبارة عن المشفوع له و{لَهُ} متعلق قدر متعلق بإذن، وفي البحر أن اللام للتعليل وكذا في قوله تعالى: {وَرَضِىَ لَهُ قَوْلًا} أي ورضي لأجله قول الشافع وفي شأنه أو رضي قول الشافع لأجله وفي شأنه فالمراد بالقول على التقديرين قول الشافع، وجوز فيه أيضًا أن لا يكون للتعليل، والمعنى ورضي قولًا كائنًا له فالمراد بالقول قول المشفوع وهو على ما روي عن ابن عباس لا إله إلا الله، وحاصل المعنى عليه لا تنفع الشفاعة أحدًا إلا من أذن الرحمن في أن يشفع له وكان مؤمنًا، والمراد على كل تقدير أنه لا تنفع الشفاعة أحدًا إلا من ذكر وأما من عداه فلا تكاد تنفعه وإن فرض صدورها عن الشفعاء المتصدين للشفاعة للناس كقوله تعالى: {فَمَا تَنفَعُهُمْ شفاعة الشافعين} [المدثر: 48].
وجوز في البحر والدر المصون أن لا يقدر مفعول لتنفع تنزيلًا له منزلة اللازم والاستثناء من شفاعة ومن في محل رفع على البدلية منها بتقدير مضاف أو في محل نصب على الاستثناء بتقديره أيضًا أي إلا شفاعة من أذن إلخ، ومن عبارة عن الشافع والاستثناء متصل ويجوز أن يكون منقطعًا إذا لم يقدر شيء ومحل {مِنْ} حينئذٍ نصب على لغة الحجاز ورفع على لغة تميم، واعترض كون الاستثناء من الشفاعة على تقدير المضاف بأن حكم الشفاعة ممن لم يؤذن له أن يملكها ولا تصدر عنه أصلًا ومعنى {لا يُقْبَلُ مِنْهَا شفاعة} [البقرة: 48] لا يؤذن لها فيها لا أنها لا تقبل بعد وقوعها فالإخبار عنها جرد عدم نفعها للمشفوع له را يوهم إمكان صدورها حين لم يأذن له مع إخلاله قتضى مقام تهويل اليوم.

.تفسير الآية رقم (110):

{يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا (110)}
{يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ} الظاهر أن ضمير الجمع عائد على الخلق المحشورين وهم متبعو الداعي، وقيل: على الناس لا بقيد الحشر والاتباع، وقيل: على الملائكة عليهم السلام وهو خلاف الظاهر جدًا، والمراد من الموصولين على ما قيل ما تقدمهم من الأحوال وما بعدهم مما يستقبلونه أو بالعكس أو أمور الدنيا وأمور الآخرة أو بالعكس أو ما يدركونه وما لا يدر كونه وقد مر الكلام في ذلك.
{وَلاَ يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا} أي لا يحيط علمهم علوماته تعالى فعلما تمييز محول عن الفاعل وضمير {بِهِ} لله تعالى والكلام على تقدير مضاف. وقيل: المراد لا يحيط علمهم بذاته سبحانه أي من حيث اتصافه بصفات الكمال التي من جملتها العلم الشامل. ويقتضي صحة أن يقال: علمت الله تعالى إذ المنفى العلم على طريق الإحاطة.
وقال الجبائي: الضمير لمجموع الموصولين فإنهم لا يعلمون جميع ما ذكر ولا تفصيل ما علموا منه، وجوز أن يكون لأحد الموصولين لا على التعيين.

.تفسير الآية رقم (111):

{وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا (111)}
{وَعَنَتِ الوجوه لِلْحَىّ القيوم} أي ذلت وخضعت خضوع العناة أي الأسارى، والمراد بالوجوه إما الذوات وإما الأعضاء المعلومة وتخصيصها بالذكر لأنها أشرف الأعضاء الظاهرة وآثار الذل أول ما تظهر فيها، وأل فيها للعهد أو عوض عن المضاف إليه أي وجوه المجرمين فتكون الآية نظير قوله تعالى: {سِيئَتْ وُجُوهُ الذين كَفَرُواْ} [الملك: 27] واختار ذلك الزمخشري وجعل قوله تعالى: {وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا} اعتراضًا ووضع الموصول موضع ضميرهم ليكون أبلغ، وقيل: الوجوه الإشراف أي عظماء الكفرة لأن المقام مقام الهيبة ولصوق الذلة بهم أولى والظلم الشرك وجملة {وَقَدْ خَابَ} إلخ حال والرابط الواو لا معترضة لأنها في مقابلة {وهو مؤمن} [طه: 112] فيما بعد انتهى. قال صاحب الكشف: الظاهر مع الزمخشري والتقابل المعنوي كاف فإن الاعتراض لا يتقاعد عن الحال انتهى.
وأنت تعلم أن تفسير الظلم بالشرك مما لا يختص بتفسير الوجوه بالإشراف وجعل الجملة حالًا بل يكون على الوجه الأول أيضًا بناءً على أن المراد بالمجرمين الكفار، وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنه أنه قال في قوله تعالى: {وَقَدْ خَابَ} إلخ خسر من أشرك بالله تعالى ولم يتب، وقال غير واحد: الظاهر أن أل للاستغراق أي خضعت واستسلمت جميع الوجوه. وقوله تعالى: {وَقَدْ خَابَ} إلخ يحتمل الاستئناف والحالية، والمراد بالموصول إما المشركون وإما ما يعمهم وغيرهم من العصاة وخيبة كل حامل بقدر ما حمل من الظلم فخيبة المشرك دائمة وخيبة المؤمن العاصي مقيدة بوقت العقوبة إن عوقب. وقد تقدم لك معنى الحي القيوم في آية الكرسي. والظاهر أن قوله تعالى:

.تفسير الآية رقم (112):

{وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا (112)}
{وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصالحات} قسيم لقوله سبحانه: {وَعَنَتِ الوجوه} [طه: 111] إلى آخر ما تقدم ولقوله عز وجل: {وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا} [طه: 111] على هذا كما صرح به ابن عطية. وغيره أي ومن يعمل بعض الصالحات أو بعضًا من الصالحات {وَهُوَ مُؤْمِنٌ} أي بما يجب الإيمان به. والجملة في موضع الحال والتقييد بذلك لأن الإيمان شرط في صحة الطاعات وقبول الحسنات {فَلاَ يَخَافُ ظُلْمًا} أي منع ثواب مستحق وجب الوعد {وَلاَ هَضْمًا} ولا منع بعض منه تقول العرب هضمت حقي أي نقصت منه ومنه هضيم الكشحين أي ضامرهما وهضم الطعام تلاشى في المعدة. روي عن ابن عباس. ومجاهد. وقتادة أن المعنى فلا يخاف أن يظلم فيزاد في سيآته ولا أن يهضم فينقص من حسناته. والأول مروى عن ابن زيد، وقيل الكلام على حذف مضاف أي فلا يخاف جزاء ظلم وهضم إذ لم يصدر عنه ظلم، ولا هضم حق أحد حتى يخاف ذلك أو أنه أريد من الظلم والهضم جزاؤهما مجازًا، ولعل المراد على ما قيل نفي الخوف عنه من ذلك من حيث إيمانه وعمله بعض الصالحات ويتضمن ذلك نفى أن يكون العمل الصالح مع الإيمان ظلمًا أو هضمًا.
وقيل: المراد أن من يعمل ذلك وهو مؤمن هذا شأنه لصون الله تعالى إياه عن الظلم أو الهضم ولأنه لا يعتد بالعمل الصالح معه. فلا يرد ما قيل أنه لا يلزم من الإيمان وبعض العمل أن لا يظلم غيره ويهضم حقه ولا يخفى عليك أن القول بحذف المضاف والتجوز في هذه الآية في غاية البعد وما قيل من الاعتراض قوي وما أجيب به كما ترى. ثم إن ظاهر كلام الجوهري أنه لا فرق بين الظلم والهضم، وظاهر الآية قاض بالفرق وكذا قول المتوكل الليثي:
إن الأذلة واللئام لمعشر ** مولاهم المتهضم المظلوم

وممن صرح به الماوردي حيث قال الفرق بينهما أن الظلم منع الحق كله والهضم منع بعضه. وقرأ ابن كثير. وابن محيصن. وحميد {فَلاَ يُخَفَّفُ} على النهي. قال الطيبي قراءة الجمهور توافق قوله تعالى: {وَقَدْ خَابَ} [طه: 111] إلخ من حيث الأخبار وأبلغ من القراءة الأخرى من حيث الاستمرار والأخرى أبلغ من حيث أنها لا تقبل التردد في الإخبار.

.تفسير الآية رقم (113):

{وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا (113)}
{وكذلك} عطف على {كذلك نَقُصُّ} [طه: 99] والإشارة إلى إنزال ما سبق من الآيات المتضمنة للوعيد المنبئة عما سيقع من أحوال القيامة وأهوالها أي مثل ذلك الإنزال {أنزلناه} أي القرآن كله وهو تشبيه لإنزال الكل بإنزال الجزء والمراد أنه على نمط واحد، وإضماره من غير سبق ذكره للإيذان بنباهة شأنه وكونه مركوزًا في العقول حاضرًا في الأذهان {قُرْءانًا عَرَبِيًّا} ليفهمه العرب ويقفوا على ما فيه من النظم المعجز الدال على كونه خارجًا عن طوق الآدميين نازلًا من رب العالمين {وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الوعيد} أي كرر نافيه بعض الوعيد أو بعضًا من الوعيد، والجملة عطف على جملة {أنزلناه} وجعلها حالًا قيد للإنزال خلاف الظاهر جدًا.
{لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} المفعول محذوف وتقدم الكلام في لعل، والمراد لعلهم يتقون الكفر والمعاصي بالفعل {أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا} أي عظة واعتبارًا مؤديًا في الآخرة إلى الاتقاء، وكأنه لما كانت التقوى هي المطلوبة بالذات منهم أسند فعلها إليهم ولما لم يكن الذكر كذلك غير الأسلوب إلى ما سمعت كذا قيل، وقيل: المراد بالتقوى ملكتها، وأسندت إليهم لأنها ملكة نفسانية تناسب الإسناد لمن قامت به، وبالذكر العظة الحاصلة من استماع القرآن المثبطة عن المعاصي، ولما كانت أمرًا يتجدد بسبب استماعه ناسب الإسناد إليه، ووصفه بالحدوث المناسب لتجدد الألفاظ المسموعة، ولا يخفى بعد تفسير التقوى لكتها على أن في القلب من التعليل شيئًا.
وفي البحر أسند ترجي التقوى إليهم لأن التقوى عبارة عن انتفاء فعل القبيح وذلك استمرار على العدم الأصلي، وأسند ترجي أحداث الذكر للقرآن لأن ذلك أمر حدث بعد أن لم يكن انتهى، وهو مأخوذ من كلام الإمام وفي قوله: لأن التقوى إلى آخره على إطلاقه منع ظاهر، وفسر بعضهم التقوى بترك المعاصي والذكر بفعل الطاعات فإنه يطلق عليه مجاز لما بينهما من السببية والمسببية فكلمة أو على ما قيل للتنويع، وفي الكلام إشارة إلى أن مدار الأمر التخلية والتحلية. والإمام ذكر في الآية وجهين، الأول: أن المعنى إنما أنزلنا القرآن ليصيروا محترزين عن فعل ما لا ينبغي أو يحدث لهم ذكرًا يدعوهم إلى فعل ما ينبغي فالكلام مشير أيضًا إلى التخلية والتحلية إلا أنه ليس فيه ارتكاب المجار، والثاني: أن المعنى أنزلنا القرآن ليتقوا فإن لم يحصل ذلك فلا أقل من أن يحدث لهم ذكرًا وشرفًا وصيتًا حسنًا، ولا يخفى أن هذا ليس بشيء، وقال الطيبي: إن المعنى وكذلك أنزلناه قرآنًا عربيًا أي فصيحًا ناطقًا بالحق ساطعًا بيناته لعلهم يحدث لهم التأمل والتفكر في آياته وبيناته الوافية الشافية فيذعنون ويطيعون وصرفنا فيه من الوعيد لعلهم يتقون العذاب، ففي الآية لف من غير ترتيب وهي على وزان قوله تعالى: {لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يخشى} [طه: 44] وعندي كون الآية متضمنة للتخلية والتحلية لا يخلو عن حسن فتأمل.
وقرأ الحسن {أَوْ يُحْدِثُ} بسكون الثاء، وقرأ عبد الله. ومجاهد. وأبو حيوة. والحسن في رواية. والجحدري. وسلام {أَوْ} بالنون وسكون الثاء وذلك حمل وصل على وقف أو تسكين حرف الإعراب استثالًا لحركته كما قال ابن جني نحو قول امرئ القيس:
اليوم أشرب غير مستحقب ** إثمًا من الله ولا واغل

وقول جرير:
سيروا بني العم فالأهواز منزلكم ** ونهر تيري ولا يعرفكم العرب

.تفسير الآية رقم (114):

{فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآَنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا (114)}
{تُرْجَعُونَ فتعالى الله} استعظام له تعالى ولما صرف في القرآن من الوعد والوعيد والأوامر والنواهي وغير ذلك وتنزيه لذاته المتعالية أن لا يكون إنزال قرآنه الكريم منتهيًا إلى غاية الكمالية من تسببه لترك من أنزل عليهم المعاصي، ولفعلهم الطاعات وفيه تعجيب واستدعاء للإقبال عليه وعلى تعظيمه، وفي وصفه تعالى بقوله سبحانه: {الملك} أي المتصرف بالأمر والنهي الحقيق بأن يرجى وعده ويخشى وعيده ما يدل على أن قوارع القرآن سياسات إلهية يتضمن صلاح الدارين لا يحيد عنها إلا مخذول هالك، وقوله تعالى: {الحق} صفة بعد صفة لله تعالى أي الثابت في ذاته وصفاته عز وجل، وفسره الراغب وجد الشيء على ما تقتضيه الحكمة.
وجوز غير واحد كونه صفة للملك ومعناه خلاف الباطل أي الحق في ملكيته يستحقها سبحانه لذاته، وفيه إيماء إلى أن القرآن وما تضمنه من الوعد والوعيد حق كله لا يحوم حول حماه الباطل بوجه وأن المحق من أقبل عليه بشراشره وأن المبطل من أعرض عن تدبر زواجره، وفيه تمهيد لوصل النهي عن العجلة به في قوله سبحانه: {وَلاَ تَعْجَلْ بالقرءان مِن قَبْلِ إَن يقضى إِلَيْكَ} أي يتم {وَحْيُهُ} أي تبليغ جبريل عليه السلام إياه فإن من حق الإقبال ذلك وكذلك من حق تعظيمه.
وذكر الطيبي أن هذه الجملة عطف على قوله تعالى: {فتعالى الله الملك الحق} لما فيه من إنشاء التعجب فكأنه قيل حيث نبهت على عظمة جلالة المنزل وأرشدت إلى فخامة المنزل فعظم جنابه الملك الحق المتصرف في الملك والملكوت، وأقبل بكلك على تحفظ كتابه وتحقق مبانيه ولا تعجل به، وكان صلى الله عليه وسلم إذا ألقى عليه جبريل عليه السلام القرآن يتبعه عند تلفظ كل حرف وكل كلمة خوفًا أن يصعد عليه السلام ولم يحفظه صلى الله عليه وسلم فنهى عليه الصلاة والسلام عن ذلك إذ را يشغل التلفظ بكلمة عن سماع ما بعدها، ونزل عليه أيضًا: {لاَ تُحَرّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ} [القيامة: 16] الآية، وأمر صلى الله عليه وسلم باستفاضة العلم واستزادته منه سبحانه فقيل: {وَقُلْ} أي في نفسك {رَّبّ زِدْنِى عِلْمًا} أي سل الله عز وجل بدل الاستعجال زيادة العلم مطلقًا أو في القرآن فإن تحت كل كلمة بل كل حرف منه أسرارًا ورموزًا وعلومًا جمة وذلك هو الأنفع لك، وقيل: وجملة {وَلاَ تَعْجَلْ} مستأنفة ذكرت بعد الإنزال على سبيل الاستطراد، وقيل: إن ذلك نهي عن تبليغ ما كان مجملًا قبل أن يأتي بيانه وليس بذاك، فإن تبليغ المجمل وتلاوته قبل البيان مما لا ريب في صحته ومشروعيته.
ومثله ما قيل: إنه نهى عن الأمر بكتابته قبل أن تفسر له المعاني وتتقرر عنده عليه الصلاة والسلام بل هو دونه بكثير، وقيل: إنه نهى عن الحكم بما من شأنه أن ينزل فيه قرآن بناءً على ما أخرج جماعة عن الحسن أن امرأة شكت إلى النبي صلى الله عليه وسلم أن زوجها لطمها فقال لها: بينكما القصاص فنزلت هذه الآية فوقف صلى الله عليه وسلم حتى نزل: {الرجال قَوَّامُونَ عَلَى النساء} [النساء: 34]، وقال الماوردي: إنه نهى عن العجلة بطلب نزوله. وذلك أن أهل مكة وأسقف نجران قالوا: يا محمد أخبرنا عن كذا وقد ضربنا لك أجلًا ثلاثة أيام فأبطأ الوحي عليه وفشت المقالة بين اليهود وزعموا أنه عليه الصلاة والسلام قد غلب فشق ذلك عليه صلى الله عليه وسلم واستعجل الوحي فنزلت: {وَلاَ تَعْجَلْ} إلخ وفي كلا القولين ما لا يخفى.
وقرأ عبد الله. والجحدري. والحسن. وأبو حيوة. وسلام. ويعقوب. والزعفراني. وابن مقسم {نقضي} بنون العظمة مفتوح الياء {إِلَيْكَ وَحْيُهُ} بالنصب. وقرأ الأعمش كذلك إلا أنه سكن الياء من {نقضي}، قال صاحب اللوامح: وذلك على لغة من لا يرى فتح الياء بحال إذا انكسر ما قبلها وحلت طرفًا، واستدل بالآية على فضل العلم حيث أمر صلى الله عليه وسلم بطلب زيادته، وذكر بعضهم أنه ما أمر عليه الصلاة والسلام بطلب الزيادة في شيء إلا العلم. وأخرج الترمذي: وابن ماجه عن أبي هريرة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «اللهم انفعني بما علمتني وعلمني ما ينفعني وزدني علمًا والحمد لله على كل حال». وأخرج سعيد بن منصور. وعبد بن حميد عن ابن مسعود أنه كان يدعو {اللهم زِدْنِى إيمانا شَيْء رَّحْمَةً وَعِلْمًا} وما هذا إلا لزيادة فضل العلم وفضله أظهر من أن يذكر، نسأل الله تعالى أن يرزقنا الزيادة فيه ويوفقنا للعمل بما يقتضيه.