فصل: تفسير الآية رقم (120):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (120):

{فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آَدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى (120)}
{فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشيطان} أنهى الوسوسة إليه، وهي كما قال الراغب: الخطرة الرديئة؛ وأصلها من الوسواس وهو صوت الحلى والهمس الخفي، وقال الليث: الوسوسة حديث النفس والفعل وسوس بالبناء للفاعل، ويقال: رجل موسوس بالكسر والفتح لحن.
وذكر غير واحد أن وسوس فعل لازم مأخوذ من الوسوسة وهي حكاية صوت كولولة الثكلى ووعوعة الذئب ووقوقة الدجاجة وإذا عدى بإلى ضمن معنى الإنهاء وإذا جيء باللام بعده نحو وسوس له فهي للبيان كما في {هَيْتَ لَكَ} [يوسف: 23] وقال الزمخشري: للأجل أي وسوس لأجله، وكذا إذا كانت بعد نظائر هذا الفعل نحو قوله:
اجرس لها يا ابن أبي كباش ** فما لها الليلة من انفاش

وذكر في الأساس وسوس إليه في قسم الحقيقة، وظاهره عدم اعتبار التضمين والكثير على اتعتاره.
{قَالَ} إما بدل من {وسوس} أو استئناف وقع جوابًا عن سؤال نشأ منه كأنه قيل: فما قال له في وسوسته: فقيل: قال: {قَالَ يئَادَمُ هَلْ أَدُلُّكَ على شَجَرَةِ الخلد} ناداه باسمه ليكون أقبل عليه وأمكن للاستماع ثم عرض عليه ما عرض على سبيل الاستفهام الذي يشعر بالنصح، ومعنى شجرة الخلد شجرة من أكل منها خلد ولم يمت أصلا سواء كان على حاله أو بأن يكون ملكًا لقوله تعالى: {إِلا أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الخالدين} [الأعراف: 20].
وفي البحر أن ما حكى هنا مقدم على ما حكى في الأعراف من قوله تعالى: {مَا نهاكما كَمَا *رَبُّكُمَا عَنْ هذه الشجرة} [الأعراف: 20] إلخ كما اللعين لما رأى منه عليه السلام نوع إصغاء إلى ما عرض عليه انتقل إلى الأخبار والحصر انتهى، والحق أنه لا جزم بما ذكر {وَمُلْكٍ لاَّ يبلى} أي لا يفنى أولا يصير باليا خلقا قيل: إن هذا من لوازم الخلود فذكره للتأكيد وزيادة الترغيب.

.تفسير الآيات (121- 122):

{فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآَتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آَدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى (121) ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى (122)}
{فَأَكَلاَ} أي هو وزوجته {مِنْهَا} أي من الشجرة التي سماها اللعين شجرة الخلد {فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْءتُهُمَا} قال ابن عباس رضي الله عنهما: عريا عن النور الذي كان الله تعالى ألبسهما حتى بدت فروجهما، وفي رواية أخرى عنه أنه كان لباسهما الظفر أصابا الخطيئة نزع عنهما وتركت هذه البقايا في أطراف الأصابع والله تعالى أعلم بصحة ذلك، ثم إن ما ذكر يحتمل أن يكون عقوبة للأكل ويحتمل أن يكون مرتبًا عليه لمصلحة أخرى {وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الجنة} قد مر تفسيره.
{وعصى ءادَمُ رَبَّهُ} بما ذكر من أكل الشجرة {فغوى} ضل عن مطلوبه الذي هو الخلود أو عن المطلوب منه وهو ترك الأكل من الشجرة أو عن الرشد حيث اغتر بقول العدو، وقيل: غوى أي فسد عليه عيشه. ومنه يقال: الغواء لسوء الرضاع. وقرئ {فغوى} بفتح الغين وكسر الواو وفتح الياء أي فبشم من كثرة الأكل من غوى الفصيل إذا اتخم من اللبن وبه فسرت القراءة الأخرى، وتعقب ذلك الزمخشري: فقال وهذا وان صح على لغة من يقلب الياء المكسوء ما قبلها ألفا فيقول في فنى وبقى فنا وبقا بالألف وهم بنو طيء تفسير خبيث، وظاهر الآية يدل على أن ما وقع من الكبائر وهو المفهوم من كلام الإمام فإن كان صدوره بعد البعثة تعمدًا من غير نسيان ولا تأويل أشكل على ما اتفق عليه المحققون والأئمة المتقنون من وجوب عصمة الأنبياء عليهم السلام بعد البعثة عن صدور مثل ذلك منهم على ذلك الوجه، ولا يكاد يقول بذلك إلا الأزارقة من الخوارج فإنهم عليهم ما يستحقون جوزوا الكفر عليهم وحاشاهم فما دونه أولى بالتجويز، وإن كان صدوره قبل البعثة كام قال به جمع وقال الإمام: إنه مذهبنا فإن كان تعمدًا أشكل على قول أكثر المعتزلة والشيعة بعصمتهم عليهم السلام عن صدور مثل ذلك تعمدًا قبل البعثة أيضًا.
نعم لا اشكال فيه على ما قاله القاضي أبو بكر من أنه لا يمتنع عقلًا ولا سمعًا أن يصدر من النبي عليه السلام قبل نبوته معصية مطلقًا بل لا يمتنع عقلًا إرسال من أسلم بعد كفره، ووافقه على ذلك كما قال الآمدي في أباكر الأفكار أكثر الأصحاب وكثير من المعتزلة وإن كان سهوًا كما يدل عليه قوله تعالى: {فَنَسِىَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا} [طه: 115] بناء على أحد القولين فيه اشكل على ما نقل عن الشيعة من منع صدور الكبيرة سهوًا قبل البعثة أيضًا، ولا إشكال فيه على ما سمعت عن القاضي أبي بكر، وإن كان بعد البعثة سهوًا أشكل أيضًا عند بعض دون بعض، فقد قال عضد الملة في المواقف ان الأكثرين جوزوا صدور الكبيرة يعني ما عدا الكفر والكذب فيما دلت المعجزة على صدقهم عليهم السلام فيه سهوًا وعلى سبيل الخطأ منهم، وقال العلامة الشريف المختار: خلافه، وذهب كثير إلى أن ما وقع صغيرة والأمر عليه هين فإن الصغائر الغير المشعرة بالخسة يجوز على ما ذكره العلامة الثاني في شرح العقائد صدورها منهم عليهم السلام عمدًا بعد البعثة عند الجمهور خلافًا للجبائي وأتباعه ويجوز صدورها سهوًا بالاتفاق لكن المحققون اشترطوا أن ينبهوا على ذلك فينتهوا عنه.
نعم ذكر في شرح المقاصد عصمتهم عن صدور ذلك عمدًا. والأحوط نظرًا إلى مقام عليهم السلام أن يقال: إن صدور ما ذكر منه كان قبل النبوة وكان سهوًا أو عن تأويل إلا أنه عظم الأمر عليه وعظم لديه نظرًا إلى علو شأنه ومزيد فضل الله تعالى عليه، وإحسانه وقد شاع حسنات الأبرار سيآت المقربين، ومما يدل على استعظام ذلك منه لعلو شأنه عليه السلام ما أخرجه البيهقي في شعب الإيمان عن أبي عبد الله المغربي قال: تفكر إبراهيم في شأن آدم عليهما السلام فقال: يا رب خلقته بيدك ونفخت فيه من روحك وأسجدت له ملائكتك ثم بذنب واحد ملأت أفواه الناس من ذكر معصيته فأوحى الله تعالى إليه يا إبراهيم أما علمت أن مخالفة الحبيب على الحبيب شديدة.
وذكر بعضهم أن في استعظام ذلك منه عليه الملام زجرًا بليغًا لأولاده عن أمثاله، وعلى العلات لا ينبغي لأحد أن ينسب إليه العصيان اليوم وأن يخبر بذلك إلا أن يكون تاليًا لما تضمن ذلك أو راويًا له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأما أن يكون مبتدئًا من قبل نفسه فلا، وقد صرح القاضي أبو بكر بن العربي بعدم جواز نسبة العصيان للآباء الأدنين إلينا المماثلين لنا فكيف يجوز نسبته للأنبياء الاقدام والنبي المقدم الأكرم، وارتضى ذلك القرطبي وادعى أن ابتداء الأخبار بشيء من صفات الله تعالى المتشابهة كاليد والأصبع والنزول أولى بالمنع وعدم الجواز، ثم إن ما وقع كان في الحقيقة حض قضاء الله تعالى وقدره، وإلا فقد روي عن أبي إمامة الباهلي. والحسن أن عقله عليه السلام مثل عقل جميع ولده وعداوة إبليس عليه اللعنة له عليه السلام في غاية الظهور، وفي ذلك دليل على أنه لا ينفع عقل ولا يغني شيء في جنب تقدير الله تعالى وقضائه {ثُمَّ اجتباه رَبُّهُ} أي اصطفاه سبحانه وقربه إليه بالحمل على التوبة والتوفيق لها من اجتبى الشيء جباه لنفسه أي جمعه كقولك: اجتمعته أو من جبى إلى كذا فاجتبيته مثل جليت على العروس فاجتليتها، وأصل معنى الكلمة الجمع فالمجتبى كأنه في الأصل من جمعت فيه المحاسن حتى اختاره غيره وقربه، وفي التعرض لعنوان الربوبية مع الإضافة إلى ضميره عليه السلام مزيد تشريف له عليه السلام {فَتَابَ عَلَيْهِ} أي رجع عليه بالرحمة وقبل توبته حين تاب وذلك حين قال هو وزوجته: {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الخاسرين} [الأعراف: 23] {وهدى} أي إلى الثبات على التوبة والتمسك بما يرضى المولى سبحانه وتعالى، وقيل إلى كيفية التوبة بتعليم الكلمات والواو لمطلق الجمع فلا يضر كون ذلك قبل التوبة عليه، وقيل: إلى النبوة والقيام بما تقتقضيه، وقدم أبو حيان هذا على سائر الاحتمالات التي ذكرها، والنيسابوري فسر الاجتباء بالاختيار للرسالة وجعل الآية دليلًا على أن ما جري كان قبل البعثة ولم يصرح سبحانه بنسبة العصيان والغواية إلى حواء بأن يسندهما إلى ضمير التثنية الذي هو عبارة عنها، وعن آدم عليه السلام كما أسند الأكل وما بعده إلى ذلك إعراضًا عن مزيد النعي على الحرم وأن الأهم نظرًا إلى مساق القصة التصريح بما أسند إلى آدم عليه السلام ويتضمن ذلك رعاية الفواصل وحيث لم يصرح جل وعلا بعصيانها لم يتعرض لتوفيقها للتوبة وقبولها منها، وقال بعضهم: إنه تعالى اكتفى بذكر شأن آدم عليه السلام لما أن حواء تبع له في الحكم ولذا طوى ذكر النساء في أكثر مواقع الكتاب والسنة.

.تفسير الآية رقم (123):

{قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى (123)}
{قَالَ} استئناف مبني على سؤال نشأ من الأخبار بأنه تعالى عامله بما عامله كأنه قيل: فماذا أمره بعد ذلك؟ فقيل: قال له ولزوجته {اهبطا مِنْهَا جَمِيعًا} أي انزلا من الجنة إلى الأرض مجتمعين، وقيل: الخطاب له عليه السلام ولابليس عليه اللعنة فإنه دخل الجنة بعد ما قيل له: {أَخْرَجَ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ} [ص: 77] للوسوسة، وخطابهما على الأول بقوله تعالى: {بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ} لما أنهما أصل الذرية ومنشأ الأولاد فالتعادي في الحقيقة بين أولادهما. وهذا على عكس مخاطبة اليهود ونسبة ما فعل ءاباؤهم اليهم. والجملة في موضع الحال أي متعادين في أمر المعاش وشهوات الأنفس. وعلى الثاني ظاهر لظهور العداوة بين آدم عليه السلام وابليس عليه اللعنة وكذا بين ذرية آدم عليه السلام وذرية اللعين. ومن هنا قيل: الضمير لآدم وذريته وإبليس وذريته.
وعزم بعضهم أنه لآدم وإبليس والحية والمغول عليه الأول ويؤيد ذلك قوله تعالى: {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مّنّى هُدًى} إلخ أي بنبي أرسله اليكم وكتاب أنزله عليكم {فَمَنِ اتبع هُدَاىَ} وضع الظاهر موضع المضمر مع الإضافة إلى ضميره تعالى لتشريفه والمبالغة في إيجاب اتباعه.
وأخرج الطبراني. وغيره عن أبي الطفيل أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ {فَمَنِ اتبع هُدًى} {فَلاَ يَضِلُّ} في الدنيا {وَلاَ يشقى} في الآخرة، وفسر بعضهم الهدى بالقرآن لما أخرج ابن أبي شيبة. وعبد بن حميد. وابن أبي حاتم. والحاكم وصححه. والبيهقي في شعب الإيمان من طريق عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: أجار الله تعالى تابع القرآن من أن يضل في الدنيا أو يشقى في الآخرة ثم قرأ الآية، وأخرج جماعة عنه مرفوعًا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بلفظ «من اتبع كتاب الله هداه الله تعالى من الضلالة في الدنيا ووقاه سوء الحساب يوم القيامة»، ورجح على العموم بقيام القرينة عليه وهو قوله تعالى:

.تفسير الآية رقم (124):

{وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124)}
{وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِى} بناء على تفسير الذكر بالقرآن، وكذا قوله تعالى بعد و{كذلك أَتَتْكَ ءاياتنا فَنَسِيتَهَا} [طه: 126] ولمختار العموم أن يقول: الذكر يقع على القرآن وعلى سائر الكتب الإلهية، وكذا الآيات تكون عنى الأدلة مطلقًا، وقد فسر الذكر أيضًا هنا بالهدى لأنه سبب ذكره تعالى وعبادته سبحانه، فأطلق المسبب وأريد سببه لوقوعه في المقابلة، وما في الخبر من باب التنصيص على حكم أشرف الإفراد المدلول عليه بالعموم اعتناء بشأنه. ثم إن تقييد {لاَّ يَضِلُّ} بقولنا في الدنيا {وَلاَ يشقى} [طه: 123] بقولنا في الآخرة هو الذي يقتضيه الخبر.
وجوز بعضهم العكس أي فلا يضل طريق الجنة في الآخرة ولا يتعب في أمر المعيشة في الدنيا، وجعل الأول في مقابلة {وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ القيامة أعمى} والثاني في مقابلة {فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا} ثم قال: وتقديم حال الآخرة على حال الدنيا في المهتدين لأن مطمح نظرهم أمر ءاخرتهم بخلاف خلافهم فإن نظرهم مقصور على دنياهم، ولا يخفى أن الذي نطقت به الآثار هو الأول، وذكر بعضهم أنه المتبادر، نعم ما ذكر لا يخلو عن حسن وإن قيل: فيه تكلف، وجوز الإمام كون الأمرين في الآخرة وكونهما فبي الدنيا، وذكر أن المراد على الأخير لا يضل في الدين ولا يشقى بسبب الدين لا مطلقًا فإن لحق المنعم بالهدى شقاء في الدنيا فبسبب آخر وذلك لا يضر اه، والمعول عليه ما سمعت، والمراد من الاعراض عن الذكر عدم الاتباع فكأنه قيل: ومن لم يتبع {فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا} أي ضيقة شديدة وهو مصدر ضنك وكذا ضناكة؛ ولذا يوصف به المذكر والمؤنث والمفرد والمثنى والمجموع، وقد وصف به هنا المؤنث باعتبار الأصل. وقرأ الحسن {ضنكي} بألف التأنيث كسكرى وبالإمالة. وهذا التأنيث باعتبار تأويله بالوصف. وعن ابن عباس تفسيره بالشديد من كل وجه، وأنشد قول الشاعر:
والخيل قد لحقت بنا في مأزق ** ضنك نواحيه شديد المقدم

والمتبادر أن تلك المعيشة له في الدنيا. وروي ذلك عن عطاء. وابن جبير، ووجه ضيق معيشة الكافر المعرض في الدنيا أنه شديد الحرص على الدنيا متهالك على ازديادها خائف من انتقاصخا غالب عليه الشح بها حيث لا غرض له سواها بخلاف المؤمن الطالب للآخرة، وقيل: الضنك مجاز عما لا خير فيه، ووصف معيشة الكافر بذلك لأنها وبال عليه وزيادة في عذابه يوم القيامة كما دلت عليه الآيات، وهو مأخوذ مما أخرجه ابن أبي حاتم عن ابن عباس أنه قال في الآية: يقول كل مال أعطيته عبدا من عبادي قل أو كثر لا يتقيني فيه فلا خير فيه وهو الضنك في المعيشة، وقيل: المراد من كونها ضنكا إنها سبب للضنك يوم القيامة فيكون وصفها بالضنك للمبالغة كأنها نفس الضنك كما يقال في السلطان: الموت بين شفتيه يريدون بالموت ما يكون سببًا للموت كالأمر بالقتل ونحوه، وعن عكرمة.
ومالك بن دينار ما يشعر بذلك، وقال بعضهم: إن تلك المعيشة له في القبر بأن يعذب فيه. وقد روى ذلك جماعة عن ابن مسعود. وأبي سعيد الخدري. وأبي صالح. والربيع. والسدى. ومجاهد. وفي البحر عن ابن عباس أن الآية نزلت في الأسود بن عبد الأسد المخزومي، والمراد ضغطة القبر حتى تختلف فيه أضلاعه. وروي ذلك مرفوعًا أيضًا.
فقد أخرج ابن أبي الدنيا في ذكر الموت. والحكيم الترمذي. وأبو يعلى. وابن جرير. وابن المنذر. وابن أبي حاتم. وابن حبان. وابن مردويه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المؤمن في قبره في روضة خضراء ويرحب له قبره سبعين ذراعًا ويضيء حتى يكون كالقمر ليلة البدر هل تدرون فيم أنزلت {ذِكْرِى فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا} قالوا: الله ورسوله اعلم قال: عذاب الكافر في قبره يسلط عليه تسع وتسعون تنينا هل تدرون ما التنين؟ تسعة وتسعون حية لكل حية سبعة رؤوس يخدشونه ويلسعونه وينفخون في جسمه إلى يوم يبعثون».
وأخرج عبد الرزاق. وسعيد بن منصور. ومسدد في مسنده. وعبد بن حميد. والحاكم. وصححه. والبيهقي في كتاب عذاب القبر وجماعة عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: {مَعِيشَةً ضَنكًا} «عذاب القبر» ولفظ عبد الرزاق يضيق عليه قبره حتى تختلف أضلاعه، ولفظ ابن أبي حاتم ضمة القبر إلى غير ذلك ومن قال: الدنيا ما قبل القيامة الكبرى قال ما يكون بعد الموت واقع في الدنيا كالذي يكون قبل الموت.
وقال بعضهم: إنها تكون يوم القيامة في جهنم. وأخرج ذلك ابن أبي شيبة. وابن المنذر عن الحسن، وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد قال: المعيشة الضنك في النار شوك وزقوم وغسلين وضريع وليس في القبر ولا في الدنيا معيشة وما المعيشة والحياة إلا في الآخرة، ولعل الأخبار السابقة لم تبلغ هذا القائل أو لم تصح عنده، وأنت تعلم أنها إذا صحت فلا مساغ للعدول عما دلت عليه وإن لم تصح كان الأولى القول بأنها في الدنيا لا في الآخرة لظاهر ذكر قوله تعالى: {وَنَحْشُرُهُ} إلخ بعد الأخبار بأن له معيشة ضنكا وقرأت فرقة منهم أبان بن تغلب {وَنَحْشُرُهُ} بإسكان الراء وخرج على أنه تخفيف أو جزم بالعطف على محل {فَإِنَّ لَهُ} إلخ لأنه جواب الشرط كأنه قيل. ومن أعرض عن ذكر تكن له معيشة ضنك ونحشره إلخ. ونقل ابن خالويه عن أبان أنه قرأ {وَنَحْشُرُهُ} بسكون الهاء عى إجراء الوصل مجرى الوقف. وفي البحر الأحسن تخريج ذلك على لغة بني كلاب. وعقيل فإنهم يسكنون مثل هذه الهاء، وقد قرئ {لِرَبّهِ لَكَنُودٌ} [العاديات: 6] بإسكان الهاء، وقرأت فرقة {ويحشره} بالياء {وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ القيامة أعمى} الظاهر أن المراد فاقد البصر كما في قوله تعالى: {نَحْشُرُهُمْ يَوْمَ القيامة على وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمّا} [الإسراء: 97].