فصل: تفسير الآية رقم (135):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (135):

{قُلْ كُلٌّ مُتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحَابُ الصِّرَاطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدَى (135)}
{اثنين قُلْ} لأولئك الكفرة المتمردين {كُلٌّ} أي كل واحد منا ومنكم {مُّتَرَبّصٌ} أي منتظر لما يؤل إليه أمرنا وأمركم وهو خبر {كُلٌّ} وإفراده حملًا له على لفظه {فَتَرَبَّصُواْ} وقرئ {فَتَمَتَّعُواْ} {فَسَتَعْلَمُونَ} عن قريب {مَنْ أصحاب الصراط السوي} أي المستقيم. وقرأ أبو مجلز. وعمران بن حدير {السواء} أي الوسط، والمراد به الجيد.
وقرأ الجحدري. وابن يعمر {السوأى} بالضم والقصر على وزن فعلى وهو تأنيث الأسوأ وأنث لتأنيث الصراط وهو مما يذكر ويؤنث. وقرأ ابن عباس رضي الله تعالى عنهما {مَطَرَ السوء} بفتح وسكون وهمزة آخره عنى الشر. وقرئ {السوي} بضم السين وفتح الواو وتشديد الياء وهو تصغير سوء بالفتح، وقيل: تصغير سوء بالضم، وقال أبو حيان: الأجود أن يكون تصغير سواء كما قالوا في عطا عطى لأنه لو كان تصغير ذلك لثبتت همزته، وقيل: سوئى. وتعقب بأن إبدال مثل هذه الهمزة ياء جائز، وعن الجحدري. وابن يعمر أنهما قرآ {السوي} بالضم والقصر وتشديد الواو، واختير في تخريجه أن يكون أصله السوآى كما في الرواية الأولى فخففت الهمزة بإبدالها واوًا وأدغمت الواو في الواو، وقد روعيت المقابلة على أكثر هذه القراءات بين ما تقدم وقوله تعالى: {وَمَنِ اهتدى} أي من الضلالة ولم تراع على قراءة الجمهور والأولى من الشواذ.
ومن في الموضعين استفهامية في محل رفع على الابتداء والخبر ما بعد والعطف من عطف الجمل ومجموع الجملتين المتعاطفتين ساد مسد مفعولي العلم أو مفعوله إن كان عنى المعرفة، وجوز كون من الثانية موصولة فتكون معطوفة على محل الجملة الأولى الاستفهامية المعلق عنها الفعل على أن العلم عنى المعرفة المتعدية لواحد إذ لولاه لكان الموصول بواسطة العطف أحد المفعولين وكان المفعول الآخر محذوفًا اقتصارًا وهو غير جائز.
وجوز أن تكون معطوفة على {أصحاب} فتكون في حيز من الاستفهامية أي ومن الذي اهتدى أو على {الصراط} فتكون في حيز أصحاب أي ومن {أصحاب} فتكون في حيز من الاستفهامية أي ومن الذي اهتدى أو على {الصراط} فتكون في حيز أصحاب أي ومن {أصحاب} الذي اهتدى يعني النبي صلى الله عليه وسلم، وإذا عنى بالصراط السوي النبي عليه الصلاة والسلام أيضًا كان العطف من باب عطف الصفات على الصفات مع اتحاد الذات.
وأجاز الفراء أن تكون من الأولى موصولة أيضًا عنى الذين وهي في محل النصب على أنها مفعول للعلم عنى المعرفة و{أصحاب} خبر مبتدأ محذوف وهو العائد أي الذين هم أصحاب الصراط وهذا جائز على مذهب الكوفيين فإنهم يجوزون حذف مثل هذا العائد سواء كان في الصلة طول أو لم يكن وسواء كان الموصول أيًا أو غيره بخلاف البصريين، وما أشد مناسب هذه الخاتمة للفاتحة، وقد ذكر الطيبي أنها خاتمة شريفة ناظرة إلى الفاتحة وأنه إذا لاح أن القرآن أنزل لتحمل تعب الإبلاغ ولا تنهك نفسك فحيث بلغت وبلغت جهدك فلا عليك وعليك بالإقبال على طاعتك قدر طاقتك وأمر أهلك وهم أمتك المتبعون بذلك ودع الذين لا ينجع فيهم الإنذار فإنه تذكرة لمن يخشى وسيندم المخالف حين لا ينفعه الندم انتهى.
ومن باب الإشارة في الآيات: {فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً موسى} [طه: 67] قيل: إنه عليه السلام رأى أن الله تعالى ألبس سحر السحرة لباس القهر فخاف من القهر لأنه لا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون.
وسئل ابن عطاء عن ذلك فقال: ما خاف عليه السلام على نفسه وإنما خاف على قومه أن يفوتهم حظهم من الله تعالى: {قُلْنَا لاَ تُخفُ *إِنَّكَ أَنتَ الاعلى} [طه: 68] أي إنك المحفوظ بعيون الرعاية وحرس اللطف أو أنت الرفيع القدر الغالب عليه غلبة تامة بحيث يكونون بسببها من أتباعك فلا يفوتهم حظهم من الله تعالى: {فَأُلْقِىَ السحرة سُجَّدًا} [طه: 70] إلى آخر ما كان منهم فيه إشارة إلى أن الله تعالى يمن على من يشاء بالتوفيق والوصول إليه سبحانه في أقصر وقت فلا يستبعد حصول الكمال لمن تاب وسلك على يد كامل مكمل في مدة يسيرة. وكثير من الجهلة ينكرون على السالكين التائبين إذا كانوا قريبي العهد قارفة الذنوب ومفارقة العيوب حصول الكمال لهم وفيضان الخير عليهم ويقولون كيف يحصل لهم ذلك وقد كانوا بالأمس كيت وكيت، وقولهم: {لَن نُّؤْثِرَكَ} [طه: 72] إلخ كلام صادر من عظم الهمة الحاصل للنفس بقوة اليقين فإنه متى حصل ذلك للنفس لم تبال بالسعادة الدنيوية والشقاوة البدنية واللذات العاجلة الفانية والآلام الحسية في جنب السعادة الأخروية واللذة الباقية الروحانية {وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إلى موسى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِى} [طه: 77] إلخ فيه إشارة إلى استحباب مفارقة الأغيار وترك صحبة الأشرار {وَلاَ تَطْغَوْاْ فِيهِ} [طه: 81] عد من الطغيان فيه استعماله مع الغفلة عن الله تعالى وعدم نية التقوى به على تقواه عز وجل: {وَمَا أَعْجَلَكَ عَن قَومِكَ ياموسى موسى} [طه: 83] الإشارة فيه أنه ينبغي للرئيس رعاية الأصلح في حق المرؤس وللشيخ عدم فعل ما يخشى منه سوء ظن المريد لاسيما إذا لم يكن له رسوخ أصلًا {قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِن بَعْدِكَ}.
قال ابن عطاء: إن الله تعالى قال لموسى عليه السلام بعد أن أخبره بذلك: أتدري من أين أتيت؟ قال: لا يا رب قال سبحانه: من قولك لهارون: {اخلفني في قومي} [الأعراف: 142] وعدم تفويض الأمر إلي والاعتماد في الخلافة علي.
وذكر بعضهم أن سر إخبار الله تعالى إياه بما ذكر مباسطته عليه السلام وشغله بصحبته عن صحبة الأضداد وهو كما ترى: {وَأَضَلَّهُمُ السامرى} [طه: 85] صار سبب ضلالهم بما صنع قال بعض أهل التأويل: إنما ابتلاهم الله تعالى بما ابتلاهم ليتميز منهم المستعد القابل للكمال بالتجريد من القاصر الاستعداد المنغمس في المواد الذي لا يدرك إلا المحسوس ولا يتنبه للمجرد المعقول. ولهذا قالوا: {مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ لْكِنَا} [طه: 87] أي برأينا فإنهم عبيد بالطبع لا رأي لهم ولا ملكة وليسوا مختارين لا طريق لهم إلا التقليد والعمل لا التحقيق والعلم وإنما استعبدهم السامري بالطلسم المفرغ من الحلي لرسوخ محبة الذهب في نفوسهم لأنها سفلية منجذبة إلى الطبيعة الجسمانية وتزين الطبيعة الذهبية وتحلى تلك الصورة النوعية فيها للتناسب الطبيعي وكان ذلك من باب مزج القوى السماوية التي هي أثر النفس الحيوانية الكلية السماوية المشار إليها بحيزوم وفرس الحياة وهي مركب جبريل عليه السلام المشار به إلى العقل الفعال بالقوى الأرضية ولذلك قال: {بَصُرْتُ بما لَمْ يَبْصُرُواْ بِهِ} [طه: 96] أي من العلم الطبيعي والرياضي اللذين يبتني عليهما علم الطلسمات والسيمياء {قَالَ فاذهب فَإِنَّ لَكَ فِي الحياة أَن تَقُولَ لاَ مِسَاسَ} [طه: 97] قال ذلك عليه السلام غضبًا على السامري وطردًا له وكل من غضب عليه الأنبياء وكذا الأولياء لكونهم مظاهر صفات الحق تعالى وقع في قهره عز وجل وشقي في الدنيا والآخرة وكانت صورة عذاب هذا الطريد في التحرز عن المماسة نتيجة بعده عن الحق في الدعوة إلى الباطل وأثر لعن موسى عليه السلام إياه عند إبطال كيده وإزالة مكره {وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الجبال فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبّى نَسْفًا} [طه: 105] قال أهل الوحدة: أي يسألونك عن وجودات الأشياء فقل ينسفها ربي برياح النفحات الإلهية الناشئة من معدن الأحدية فيذرها في القيامة الكبرى {قاعًا صفصفًا} [طه: 106] وجودًا أحديًا {لاَّ ترى فِيهَا عِوَجًا وَلا أَمْتًا} [طه: 107] اثنينية ولا غيرية {يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الداعى} الذي هو الحق سبحانه لا عوج له إذ هو تعالى آخذ بنواصيهم وهو على صراط مستقيم {وَخَشَعَتِ الاصوات للرحمن} إذ لا فعل لغيره عز وجل: {فَلاَ تَسْمَعُ إِلاَّ هَمْسًا} [طه: 108] أمرًا خفيًا باعتبار الإضافة إلى المظاهر انتهى.
ولكم لهم مثل هذه التأويلات والله تعالى العاصم {يَوْمَئِذٍ لاَّ تَنفَعُ الشفاعة إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرحمن وَرَضِىَ لَهُ قَوْلًا} [طه: 109] قيل: هو من صحح فعله وعقده ولم ينسب لنفسه شيئًا ولا رأى لها عملًا {وَلاَ يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا} [طه: 110] لكمال تقدسه وتنزهه وجلاله سبحانه عز وجل فهيهات أن تحلق بعوضة الفكر في جو سماء الجبروت. ومن أين لنحلة النفس الناطقة أن ترعى أزهار رياض بيداء اللاهوت، نعم يتفاوت الخلق في العلم بصفاته عز وجل على قدر تفاوت استعداداتهم وهو العلم المشار إليه بقوله تعالى: {وَقُل رَّبّ زِدْنِى عِلْمًا} [طه: 114] وقيل: هذا إشارة إلى العلم اللدني، والإشارة في قصة آدم عليه السلام إلى أنه ينبغي للإنسان مزيد التحفظ عن الوقوع في العصيان، ولله تعالى در من قال:
يا ناظرًا يرنو بعيني راقد ** ومشاهدًا للأمر غير مشاهد

منيت نفسك ضلة وأبحتها ** طرق الرجاء وهن غير قواصد

تصل الذنوب إلى الذنوب وترتجي ** درج الجنان بها وفوز العابد

ونسيت أن الله أخرج آدما ** منها إلى الدنيا بذنب واحد

وروى الضحاك عن ابن عباس قال: بينا آدم عليه السلام يبكي جاءه جبريل عليه السلام فبكى آدم وبكى جبريل لبكائه عليهما السلام وقال: يا آدم ما هذا البكاء؟ قال: يا جبريل وكيف لا أبكي وقد حولني ربي من السماء إلى الأرض ومن دار النعمة إلى دار البؤس فانطلق جبريل عليه السلام قالة آدم فقال الله تعالى: يا جبريل انطلق إليه فقل له: يا آدم يقول لك ربك ألم أخلقك بيدي ألم أنفخ فيك من روحي ألم أسجد لك ملائكتي ألم أسكنك جنتي ألم آمرك فعصيتني فوعزتي وجلالي لو أن ملء الأرض رجالًا مثلك ثم عصوني لأنزلتهم منازل العاصين غير أنه يا آدم قد سبقت رحمتي غضبي وقد سمعت تضرعك ورحمت بكاءك وأقلت عثرتك.
{وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِى} أي بالتوجه إلى العالم السفلي {فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا} [طه: 124] لغلبة شحه وشدة بخله فإن المعرض عن جناب الحق سبحانه انجذبت نفسه إلى الزخارف الدنيوية والمقتنيات المادية لمناسبتها إياه واشتد حرصه وكلبه عليها وشغفه بها للجنسية والاشتراك في الظلمة والميل إلى الجهة السفلية فيشح بها عن نفسه وغيره وكلما استكثر منها ازداد حرصه عليها وشحه بها وتلك المعيشة الضنك.
ولهذا قال بعضهم: لا يعرض أحد عن ذكر ربه سبحانه إلا أظلم عليه وقته وتشوش عليه رزقه بخلاف الذاكر المتوجه إليه تعالى فإنه ذو يقين منه عز وجل وتوكل عليه تعالى في سعة من عيشه ورغد ينفق ما يجد ويستغني بربه سبحانه عما يفقد {والعاقبة للتقوى} [طه: 132] أي العاقبة التي تعتبر وتستأهل أن تسمى عاقبة لأهل التقوى المتخلين عن الرذائل النفسانية المتحلين بالفضائل الروحانية، نسأل الله تعالى أن يمن علينا بحسن العاقبة وصفاء العمر عن المشاغبة ونحمده سبحانه على آلائه ونسلم على خير أنبيائه وعلى آله خير آل ما طلع نجم ولمع آل.

.سورة الأنبياء:

نزلت بمكة كما أخرج ابن مردويه عن ابن عباس وابن الزبير رضي الله تعالى عنهم وفي البحر أنها مكية بلا خلاف وأطلق ذلك فيها واستثني منها في الاتفاق قوله تعالى: {أفلا ترون أنا نأتي الأرض} الآية.
وهي مائة واثنتا عشرة آية في عد الكوفي وإحدى عشرة في عد الباقين كما قاله الطبرسي والداني.
ووجه اتصالهما بما قبلهما غني عن البيان.
وهي سورة عظيمة فيها موعظة فخيمة فقد أخرج ابن مردويه وأبو نعيم في الحلية وابن عساكر عن عامر ابن ربيعة أنه نزل به رجل من العرب فأكرم عامر مثواه وكلم فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءه الرجل فقال: إني استقطعت رسول الله صلى الله عليه وسلم واديا ما في العرب واد أفضل منه وقد أردت أن أقطع لك منه قطعة تكون لك ولعقبك من بعدك فقال عامر: لا حاجة لي في قطيعتك نزلت اليوم سورة أذهلتنا عن الدنيا اقترب للناس إلى آخره.
بسم الله الرحمن الرحيم

.تفسير الآية رقم (1):

{اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ (1)}
{اقترب لِلنَّاسِ حسابهم} روي عن ابن عباس كما قال الإمام. والقرطبي. والزمخشري أن المراد بالناس المشركون ويدل عليه ما ستسمعه بعد إن شاء الله تعالى من الآيات فإنها ظاهرة في وصف المشركين، وقال بعض الأجلة: إن ما فيها من قبيل نسبة ما للبعض إلى الكل فلا ينافي كون تعريفه للجنس، ووجه حسنه هاهنا كون أولئك البعض هم الأكثرون وللأكثر حكم الكل شرعًا وعرفًا. ومن الناس من جوز إرادة الجنس والضمائر فيما بعد لمشركي أهل مكة وإن لم يتقدم ذكرهم في هذه السورة وليس بأبعد مما سبق، وقال بعضهم: إن دلالة ما ذكر على التخصيص ليست الأعلى تقدير تفسير الأوصاف بما فسروها به، ويمكن أن يحمل كل منها على معنى يشترك فيه عصاة الموحدين ولا يخفى أن في ذلك ارتكاب خلاف الظاهر جدًا، واللام صلة لاقترب كما هو الظاهر وهي عنى إلى أو عنى من فإن {اقترب} افتعل من القرب ضد البعد وهو يتعدى بإلى ون، واقتصر بعضهم على القول بأنها عنى إلى فقيل فيه تحكم لحديث تعدى القرب بهما، وأجيب بأنه يمكن أن يكون ذلك لأن كلًا من من وإلى اللتين هما صلتا القرب عنى انتهاء الغاية إلا أن إلى عريقة في هذا المعنى ومن عريقة في ابتداء الغاية فلذا أوثر التعبير عن كون اللام المذكورة عنى انتهاء الغاية كالتي في قوله تعالى: {بِأَنَّ رَبَّكَ أوحى لَهَا} [الزلزلة: 5] القول بأنها عنى إلى واقتصر عليه، وفي الكشف المعنى على تقدير كونه صلة لاقترب اقترب من الناس لأن معنى الاختصاص وابتداء الغاية كلاهما مستقيم يحصل به الغرض انتهى، وفيه بحث فإن المفهوم منه أن يكون كلمة من التي يتعدى بها فعل الاقتراب عنى ابتداء الغاية وليس كذلك لعدم ملاءمة ذلك المعنى مواقع استعمال تلك الكلمة فالحق أنها عنى انتهاء الغاية فإنهم ذكروا أن من يجيء لذلك، قال الشمني: وفي الجني الداني مثل ابن مالك لانتهاء الغاية بقولهم تقربت منه فإنه مساو لتقربت إليه، ومما يشهد لذلك أن فعل الاقتراب كما يستعمل بمن يستعمل بإلى، وقد ذكر في معاني من انتهاء الغاية كما سمعت ولم يذكر أحد في معاني إلى ابتداء الغاية والأصل أن تكون الصلتان عنى فتحمل من على إلى في كون المراد بها الانتهاء، وغاية ما يقال في توجيه ذلك أن صاحب الكشف حملها على ابتداء الغاية لأنه أشهر معانيها حتى ذهب بعض النحاة إلى إرجاع سائرها إليه وجعل تعديته بها حملًا على ضده المتعدي بها وهو فعل البعد كما أن فعل البيع يعدي بمن حملا له على فعل الشراء المتعدي بها على ما ذكره نجم الأئمة الرضي في بحث الحروف الجارة؛ والمشهور أن {اقترب} عنى قرب كارتقب عنى رقب، وحكى في البحر أنه أبلغ منه لزيادة مبناه والمراد من اقتراب الحساب اقتراب زمانه وهو الساعة، ووجه إيثار بيان اقترابه مع أن الكلام مع المشركين المنكرين لأصل بعث الأموات ونفس إحياء العظام الرفات فكان ظاهر ما يقتضيه المقام أي يؤتى بما يفيد أصل الوقوع بدل الاقتراب وأن يسند ذلك إلى نفس الساعة لا إلى الحساب للإشارة إلى أن وقوع القيام وحصول بعث الأجساد والأجسام أمر ظاهر بلا تمويه وشيء واضح لا ريب فيه وأنه وصل في الظهور والجلاء إلى حيث لا يكاد يخفى على العقلاء وأن الذي يرخي في بيانه أعنة المقال بعض ما يستتبعه من الأحوال والأهوال كالحساب الموجب للاضطراب بل نفس وقوع الحساب أيضًا غني عن البيان لا ينبغي أن ترتاب فيه العقول والأذهان وأن الذي قصد بيانه هاهنا أنه دنا أوانه واقترب زمانه فيكون الكلام مفصحًا عن تحقق القيام الذي هو مقتضى المقام على وجه وجيه أكيد ونهج بديع سديد لا يخفى لطفه على من ألقى السمع وهو شهيد.
وجوز أن يكون الكلام مع المشركين السائلين عن زمان الساعة المستعجلين لها استهزاء كما في قوله تعالى: {فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُوسَهُمْ وَيَقُولُونَ متى هُوَ قُلْ عسى أَن يَكُونَ قَرِيبًا} [الإسراء: 51] فحينئذٍ يكون الإخبار عن الاقتراب على مقتضى الظاهر، وإيثار بيان اقتراب الحساب على بيان اقتراب سائر وقوع مستتبعات البعث كفنون العذاب وشجون العقاب للإشعار بأن مجرد اقتراب الحساب الذي هو من مبادئ العذاب ومقدماته كاف في التحذير عما هم عليه من الإنكار وواف بالردع عما هم عليه من العلو والاستكبار فكيف الحال في نفس العذاب والنكال.
وذكر شيخ الإسلام مولانا أبو السعود عليه الرحمة إن إسناد ذلك إلى الحساب لا إلى الساعة لانسياق الكلام إلى بيان غفلتهم عنه وإعراضهم عما يذكرهم إياه وفيه ما فيه، ثم الوجه اللائح في النظر الجليل لإسناد الاقتراب إلى الحساب دون الناس مع جواز العكس هو أن الاقتراب إذا حصل بين شيئين يسند إلى ما هو مقبل على الآخر متحرك ومتوجه إلى جهته حقيقة أو حكمًا حتى أنه لو كان كل منهما متوجهًا إلى الآخر يصح إلى كل منهما، وقد سمعت أن المراد من اقتراب الحساب اقتراب زمانه، وقد صرح به أجلة المفسرين، وأنت خبير بأن الشائع المستفيض اعتبار التوجكه والإتيان من الزمان إلى ذي الزمان لا بالعكس فلذلك يوصف الزمان بالمضي والاستقبال فكان الجدير أن يسند الاقتراب إلى زمان الحساب ويجعل الناس مدنوًا إليهم.
وذكر شيخ الإسلام أن في هذا الإسناد من تفخيم شأن المسند إليه وتهويل أمره ما لا يخفى لما فيه من تصوير ذلك بصورة شيء مقبل عليهم لا يزال يطلبهم فيصيبهم لا محالة انتهى، وهو معنى زائد على ما ذكرنا لا يخفى لطفه على الناقد البصير واليلمعي الخبير، والمراد من اقتراب ذلك من الناس على ما اختاره الشيخ قدس سره دنوه منهم بعد بعده عنهم فإنه في كل ساعة يكون أقرب إليهم منه في الساعة السابقة، واعترض قول الزمخشري المراد من ذلك كون الباقي من مدة الدنيا أقل وأقصر مما مضى منها فإنه كصبابة الإناء ودردى الوعاء بأنه لا تعلق له بما نحن فيه من الاقتراب المستفاد من صيغة الماضي ولا حاجة إليه في تحقيق أصل معناه.
نعم قد يفهم منه عرفًا كونه قريبًا في نفسه أيضًا فيصار حينئذٍ إلى هذا التوجيه. وتعقبه بعض الأفاضل بأن القول بعدم التعلق بالاقتراب المستفاد من صيغة الماضي خارج عن دائرة الإنصاف فإنه إن أراد أنه لا تعلق له بالحدوث المستفاد منها فلا وجه له أيضًا إذ الدلائل دلت على حصول هذا الاقتراب حين مبعث النبي صلى الله عليه وسلم الموعود في آخر الزمان المتقدم على نزول الآية.
ثم قال: فليت شعري ما معنى عدم عدم تعلقه بما نحن فيه بل را يمكن أن يدعي عدم المناسبة في المعنى الذي اختاره نفسه فإن الاقتراب بذلك المعنى مستمر من أول بدء الدنيا إلى يوم نزول الآية بل إلى ما بعد فالذي يناسبه هو الصيغة المنبئة عن الاستمرار والدوام، ثم لا يخفى على أصحاب الأفهام أن هذا المعنى الذي اعترضه أنسب بما هو مقتضى المقام من إخافة الكفرة اللئام المرتابين في أمر القيام لما فيه من بيان قربه الواقع في نفس الأمر اه فتدبر، وقيل المراد اقتراب ذلك عند الله تعالى، وتعقب بأنه لا عند لله عز وجل إذ لا نسبة للكائنات إليه عز وجل بالقرب والبعد.
ورد بأنه غفلة أو تغافل عن المراد فإن المراد من عند الله في علمه الأزلي أو في حكمه وتقديره لا الدنو والاقتراب المعروف، وعلى هذا يكون المراد من القرب تحققه في علمه تعالى أو تقديره.
وقال بعض الأفاضل: ليس المراد من كون القرب عند الله تعالى نسبته إليه سبحانه بأن يجعل هو عز وجل مدنوًا منه ومقربًا إليه تعالى عن ذلك علوًا كبيرًا بل المراد قرب الحساب للناس عند الله تعالى، وحاصله أنه تعالى شأنه لبلوغ تأنيه إلى حد الكمال يستقصر المدد الطوال فيكون الحساب قريبًا من الناس عند جنابه المتعال وإن كان بينه وبينهم أعوام وأحوال، وعلى هذا يحمل قوله تعالى: {يَرَوْنَهُ بَعِيدًا يَكُونَ قَرِيبًا} [المعارج: 6، 7] وهذا المعنى يفيد وراء إفادته تحقق الثبوت لا محالة أن المدة الباقية بينهم وبين الحساب شيء قليل في الحقيقة وما عليه الناس من استطالته واستكثاره فمن التسويلات الشيطانية وأن اللائق بأصحاب البصيرة أن يعدوا تلك المدة قصيرة فيشمروا الذيل ليوم يكشف فيه عن ساق ويكون إلى الله تعالى شأنه المساق، وقول شيخ الإسلام في الاعتراض على ما قيل أنه لا سبيل إلى اعتباره هاهنا لأن قربه بالنسبة إليه تعالى مما لا يتصور فيه التجدد والتفاوت حتمًا وإنما اعتباره في قوله تعالى: {لَعَلَّ الساعة قَرِيبٌ} [الشورى: 17] ونظائره مما لا دلالة فيه على الحدوث مبني على حمل القرب عنده تعالى على القرب إليه تعالى عنى حضور ذلك في علمه الأزلي فإنه الذي لا يجري فيه التفاوت حتمًا وأما قرب الأشياء بعضها إلى بعض زمانًا أو مكانًا فلا ريب أنه يتجدد تعلقات علمه سبحانه بذلك فيعلمه على ما هو عليه مع كون صفة العلم نفسها قديمة على ما تقرر في موضعه اه. واختار بعضهم أن المراد بالعندية ما سمعته أولًا وهو معنى شائع في الاستعمال وجعل التجدد باعتبار التعلق كما قيل بذلك في قوله تعالى: {وكذلك بعثناهم لَنَعْلَمُ} [الكهف: 12] الآية، وقيل المراد من اقترابه تحقق وقوعه لا محالة فإن كل آت قريب والبعيد ما وقع ومضى ولذا قيل:
فلا زال ما تهواه أقرب من غد ** ولا زال ما تخشاه أبعد من أمس

ولا بد أن يراد من تحقق وقوعه تحققه في نفسه لا تحققه في العلم الأزلي ليغاير القول السابق. وبعض الأفاضل قال: إنه على هذا الوجه عدم تعلقه بالاقتراب المستفاد من صيغة الماضي إلا أن يصار إلى القول بتجرد الصيغة عن الدلالة على الحدوث كما في قولهم: سبحان من تقدس عن الأنداد وتنزه عن الأضداد فتأمل ولا تغفل.
وتقديم الجار والمجرور على الفاعل كما صرح به شيخ الإسلام للمسارعة إلى إدخال الروعة فإن نسبة الاقتراب المشركين من أول الأمر يسوؤهم ويورثهم رهبة وانزعاجًا من المقترب، واعترض بأن هؤلاء المشركين لا يحصل لهم الترويع والانزعاج لما ستسمع من غفلتهم وإعراضهم وعدم اعتدادهم بالآيات النازلة عليهم فكيف يتأتى تعجيل المساءة. وأجيب بأن ذلك لا يقتضي أن لا يزعجهم الإنذار والتذكير ولا يروعهم التخويف والتحذير لجواز أن يختلج في ذهنهم احتمال الصدق ولو مرجوحًا فيحصل لهم الخوف والإشفاق.
وأيد بما ذكره بعض المفسرين من أنه لما نزلت: {اقتربت الساعة} [القمر: 1] قال الكفار فيما بينهم: إن هذا يزعم أن القيامة قد قربت فأمسكوا عن بعض ما تعملون حتى ننظر ما هو كائن فلما تأخرت قالوا: ما نرى شيئًا فنزلت {اقترب لِلنَّاسِ حسابهم} فأشفقوا فانتظروا قربها فلما امتدت الأيام قالوا: يا محمد ما نرى شيئًا مما تخوفنا به انتهى.
وقال بعضهم في بيان ذلك: إن الاقتراب منبئ عن التوجه والإقبال نحو شيء فإذا قيل اقترب أشعران هناك أمرًا مقبلًا على شيء طالبًا له من غير دلالة على خصوصية المقترب منه فإذا قيل بعد ذلك {لِلنَّاسِ} دل على أن ذلك الأمر طالب لهم مقبل عليهم وهم هاربون منه فأفاد أن المقترب مما يسوؤهم فيحصل لهم الخوف والاضطراب قبل ذكر الحساب بخلاف ما إذا قيل اقترب الحساب للناس فإن كون إقبال الحساب نحوهم لا يفهم على ذلك التقدير إلا بعد ذكر للناس فتحقق فائدة التعجيل في التقديم مما لا شبهة فيه بل فيه فائدة زائدة وهي ذهاب الوهم في تعيين ذلك الأمر الهائل إلى كل مذهب إلى أن يذكر الفاعل، ويمكن أيضًا أن يقال في وجه تعجيل التهويل: إن جرين عادته الكريمة صلى الله عليه وسلم على إنذار المشركين وتحذيرهم وبيان ما يزعجهم يدل على أن ما بين اقترابه منهم شيء سيء هائل فإذا قدم الجار يحصل التخويف حيث يعلم من أول الأمر أن الكلام في حق المشركين الجاري عادته الكريمة عليه الصلاة والسلام على تحذيرهم بخلاف ما إذا قدم الفاعل حيث لا يعلم المقترب منه إلى أن يذكر الجار والمجرور والقرينة المذكورة لا تدل على تعيين المقترب كما تدل على تعيين المقترب إذ من المعلوم من عادته الكريمة صلى الله عليه وسلم أنه إذا تكلم في شأنهم يتكلم غالبًا بما يسوؤهم لا أنه عليه الصلاة والسلام يتكلم في غالب أحواله بما يسوؤهم وفرق بين العادتين، ولا يقدح في تمامية المرام توقف تحقق نكتة التقديم على ضم ضميمة العادة إذ يتم المراد بأن يكون للتقديم مدخل في حصول تلك النكتة بحيث لو فات التقديم لفاتت النكتة، وقد عرفت أن الأمر كذلك وليس في كلام الشيخ قدس سره ما يدل على أن المسارعة المذكورة حاصلة في من التقديم وحده كذا قيل.
ولك أن تقول: التقديم لتعجيل التخويف ولا ينافي ذلك عدم حصوله كما لا ينافي عدم حصول التخويف كون إنزال الآيات للتخويف فافهم، وجوز الزمخشري كون اللام تأكيدًا لإضافة الحساب إليهم قال في الكشف: فالأصل اقترب حساب الناس لأن المقترب منه معلوم ثم اقترب للناس الحساب على أنه ظرف مستقر مقدم لا أنه يحتاج إلى مضاف مقدر حذف لأن المتأخر مفسر أي اقترب الحساب للناس الحساب كما زعم الطيبي وفي التقديم والتصريح باللام وتعريف الحساب مبالغات ليست في الأصل ثم اقترب للناس حسابهم فصارت اللام مؤكدة لمعنى الاختصاص الإضافي لا لمجرد التأكيد كما في لا أبا له وما ثنى فيه الظرف من نحو فيك زيد راغب فيك انتهى.
وادعى الزمخشري أن هذا الوجه أغرب بناءً على أن فيه مبالغات وكتًا ليست في الوجه الأول وادعى شيخ الإسلام أنه مع كونه تعسفًا تامًا عزل عما يقتضيه المقام، وبحث فيه أيضًا أبو حيان وغيره ومن الناس من انتصر له وذب عنه، وبالجملة للعلماء في ذلك مناظرة عظمى ومعركة كبرى، والأولى بعد كل حساب جعل اللام صلة الاقتراب هذا.
واستدل بالآية على ثبوت الحساب، وذكر البيضاوي في تفسير قوله تعالى: {إِن تُبْدُواْ مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ الله} [البقرة؛ 284] أن المعتزلة والخوارج ينكرونه ويعضده ما ذكره الإمام النسفي في بعض مؤلفاته حيث قال: قالت المعتزلة لا ميزان ولا حساب ولا صراط ولا حوض ولا شفاعة وكل موضع ذكر الله تعالى فيه الميزان أو الحساب أراد سبحانه به العدل انتهى. لكن المذكور في عامة المعتبرات الكلامية أن أكثرهم ينفي الصراط وجميعهم ينفي الميزان ولم يتعرض فيها لنفيهم الحساب، والحق أن الحساب عنى المجازاة مما لا ينكره إلا المشركون {وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ} أي في غفلة عظيمة وجهالة فخيمة عنه، وقيل الأولى التعميم أي في غفلة تامة وجهالة عامة من توحيده تعالى والإيمان بكتبه ورسله عليهم السلام ووقوع الحساب ووجود الثواب والعقاب وسائر ما جاء به النبي الكريم عليه الصلاة والتسليم، وذكر غفلتهم عن ذلك عقيب بيان اقتراب الحساب لا يقتضي قصر الغفلة عليه فإن وقوع تأسفهم وندامتهم وظهور أثر جهلهم وحماقتهم لما كان مما يقع في يوم الحساب كان سببًا للتعقيب المذكور انتهى.
وقد يقال: إن ظاهر التعقيب يقتضي ذلك، ومن غفل عن مجازاة الله تعالى له المراد من الحساب صدر منه كل ضلالة وركب متن كل جهالة، والجار والمجرور متعلق حذوف وقع خبرًا لهم وقوله سبحانه: {مُّعْرِضُونَ} أي عن الآيات والنذر الناطقة بذلك الداعية إلى الإيمان به المنجي من المهالك خبر بعد خبر، واجتماع الغفلة والإعراض على معنى أنهم غافلون عن حسابهم ساهون لا يتفكرون في عاقبتهم ولا يتفطنون لما ترجع إليه خاتمة أمرهم مع اقتضاء عقولهم أنه لابد من جزاء للمحسن والمسيء ولذا إذا قرعت لهم العصا ونبهوا عن سنة الغفلة وفطنوا لذلك بما يتلى عليهم من الآيات والنذر أعرضوا وسدوا أسماعهم ونفروا إلى آخر ما قال.
وحاصله يتضمن دفع التنافي بين الغفلة التي هي عدم التنبه والإعراض الذي يكون من المتنبه بأن الغفلة عن الحساب في أول أمرهم والإعراض بعد قرع عصا الإنذار أو بأن الغفلة عن الحساب والإعراض عن التفكر في عاقبتهم وأمر خاتمتهم، وفي الكشف أراد أن حالهم المستمرة الغفلة عن مقتضى الأدلة العقلية ثم إذا عاضدتها الأدلة السمعية وأرشدوا لطريق النظر أعرضوا، وفيه بيان فائدة إيراد الأول جملة ظرفية لما في حرف الظرف من الدلالة على التمكن وإيراد الثاني وصفًا منتقلًا دالًا على نوع تجدد، ومنه يظهر ضعف الحمل على أن الظرفية حال من الضمير المستكن في {مُّعْرِضُونَ} قدمت عليه انتهى.
ولا يخفى أن القول باقتضاء العقول أنه لابد من الجزاء لا يتسنى إلا على القول بالحسن والقبح العقليين والأشاعرة ينكرون ذلك أشد الإنكار، وقال بعض الأفاضل: يمكن أن يحمل الإعراض على الاتساع كما في قوله:
عطاء فتى تمكن في المعالي ** وأعرض في المعالي واستطالا

وذكره بعض المفسرين في قوله تعالى: {فَلَمَّا نجاكم إِلَى البر أَعْرَضْتُمْ} [الإسراء: 67] فيكون المعنى وهم متسعون في الغفلة مفرطون فيها.
ويمكن أيضًا أن يراد بالغفلة معنى الإهمال كما في قوله تعالى: {وَمَا كُنَّا عَنِ الخلق غافلين} [المؤمنون: 17] فلا تنافي بين الوصفين.