فصل: تفسير الآية رقم (37):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (37):

{خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آَيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ (37)}
{خُلِقَ الإنسان مِنْ عَجَلٍ} هو طلب الشيء وتحريه قبل أوانه، والمراد بالإنسان جنسه جعل لفرط استعجاله وقلة صبره كأنه مخلوق من نفس العجل تنزيلًا لما طبع عليه من الأخلاق منزلة ما طبع منه من الأركان إيذانًا بغاية لزومه له وعدم انفكاكه عنه، وقال أبو عمرو. وأبو عبيدة. وقطرب: في ذلك قلب والتقدير خلق العجل من الإنسان على معنى أنه جعل من طبائعه وأخلاقه للزومه له، وبقذلك قرأ عبد الله وهو قلب غير مقبول، وقد شاع في كلامهم في مثل ذلك عند أرادة المبالغة فيقولون لمن لازم اللعب أنت من لعب، ومنه قوله:
وإنا لمما يضرب الكبش ضربة ** على رأسه يلقى اللسان من الفم

وقيل بالمراد بالإنسان النضر بن الحرث لأن الآية نزلت فيه حين استعجل العذاب بقوله: {اللهم إِن كَانَ هذا هُوَ الحق مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ} [الأنفال: 32] إلخ، وقال مجاهد: وسعيد بن جبير. وعكرمة. والسدي. والضحاك. ومقاتل. والكلبي: المراد به آدم عليه السلام أراد أن يقوم قبل أن يتم نفخ الروح فيه وتصل إلى رجليه، وقيل خلقه الله تعالى في آخر النهار يوم الجمعة فلما أجرى الروح في عينيه ولسانه ولم يبلغ أسفله قال: يا رب استعجل بخلقي قبل غروب الشمس وروى ذلك عن مجاهد، وقيل: المراد أنه خلق بسرعة على غير ترتيب خلق بنيه حيث تدرج في خلقهم، وذكر لبيان أن خلقه كذلك من دواعي عجلته في الأمور، والأظهر إرادة الجنس وإن كان خلقه عليه السلام وما يقتضيه ساريًا إلى أولاده وما تقدم في سبب النزول لا يأباه كما لا يخفى، وقيل العجل الطين بلغة حمير، وأنشد أبو عبيدة لبعضهم:
النبع في الصخرة الصماء منبته ** والنخل منبته في الماء والعجل

واعترض بأنه لا تقريب لهذا المعنى هاهنا، وقال الطيبي: يكون القصد عليه تحقير شأن جنس الإنسان تتميمًا لمعنى التهديد في قوله تعالى: {سَأُوْرِيكُمْ ءاياتي *فَلاَ تَسْتَعْجِلُونِ} والمعول عليه المعنى الأول، والخطاب للكفرة المستعجلين، والمراد بآياته تعالى نقماته عز وجل، والمراد بإراءتهم إياها إصابته تعالى إياهم بها، وتلك الإراءة في الآخرة على ما يشير إليه ما بعد، وقيل فيها وفي الدنيا، والنهي عن استعجالهم إياه تعالى بالإتيان بها مع أن نفوسهم جبلت على العجلة ليمنعوها عما تريده وليس هذا من التكليف بما لا يطاق لأن الله تعالى أعطاهم من الأسباب ما يستطيعون به كف النفس عن مقتضاها ويرجع هذا النهي إلى الأمر بالصبر. وقرأ مجاهد. وحميد وابن مقسم {خَلَقَ الإنسان} ببناء {خُلِقَ} للفاعل ونصب {الإنسان}.

.تفسير الآية رقم (38):

{وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (38)}
{وَيَقُولُونَ متى هذا الوعد} أي وقت وقوع الساعة الموعود بها، وكانوا يقولون ذلك استعجالًا لمجيئه بطريق الاستهزاء والإنكار كما يرشد إليه الجواب لا طلبًا لتعيين وقته بطريق الإلزام كما في سورة الملك، و{متى} في موضع رفع على أنه خبر لهذا.
ونقل عن بعض الكوفيين أنه في موضع نصب على الظرفية والعامل فيه فعل مقدر أي متى يأتي هذا الوعد {إِن كُنتُمْ صادقين} بأنه يأتي؛ والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين الذين يتلون الآيات الكريمة المنبئة عن إتيان الساعة، وجواب الشرط محذوف ثقة بدلالة ما قبله عليه فإن قولهم: {متى هذا الوعد} حيث كان استبطاء منهم للموعود وطلبًا لإتيانه بطريق العجلة في قوة طلب إتيانه بالعجلة فكأنه قيل إن كنتم صادقين فليأتنا بسرعة وقوله تعالى:

.تفسير الآية رقم (39):

{لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لَا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلَا عَنْ ظُهُورِهِمْ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (39)}
{لَوْ يَعْلَمُ الذين كَفَرُواْ} استئناف مسوق لبيان شدة هول ما يستعجلونه وفظاعة ما فيه من العذاب وأنهم إنما يستعجلونه لجهلهم بشأنه، وإيثار صيغة المضارع في الشرط وإن كان المعنى على المضي لإفادة استمرار عدم العلم بحسب المقام وإلا فكثيرًا ما يفيد المضارع المنفي انتفاء الاستمرار، ووضع الموصول موضع الضمير للتنبيه بما في حيز الصلة على علة استعجالهم.
وقوله تعالى: {حِينَ لاَ يَكُفُّونَ عَن وُجُوهِهِمُ النار وَلاَ عَن ظُهُورِهِمْ} مفعول {يَعْلَمْ} على ما اختاره الزمخشري وهو عبارة عن الوقت الموعود الذي كانوا يستعجلونه، وإضافته إلى الجملة الجارية مجرى الصفة التي حقها أن تكون معلومة الانتساب إلى الموصوف عند المخاطب أيضًا مع إنكار الكفرة ذلك للإيذان بأنه من الظهور بحيث لا حاجة إلى الإخبار به وإنما حقه الانتظام في سلك المسلمات المفروغ عنها، وجواب {لَوْ} محذوف أي لو لم يستمر عدم علمهم بالوقت الذي يستعجلونه بقولهم: {متى هذا الوعد} [الأنبياء: 38] وهو الوقت الذي تحيط بهم النار فيه من كل جانب، وتخصيص الوجوه والظهور بالذكر عنى القدام والخلف لكونهما أشهر الجوانب واستلزام الإحاطة بهما للإحاطة بالكل بحيث لا يقدرون على رفعها بأنفسهم من جانب من جوانبهم {وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ} من جهة الغير في دفعها إلخ لما فعلوا ما فعلوا من الاستعجال، وقدر الحوفي لسارعوا إلى الإيمان وبعضهم لعلموا صحة البعث وكلاهما ليس بشيء، وقيل إن {لَوْ} للتمني لا جواب لها وهو كما ترى.
وجوز أن يكون {يَعْلَمْ} متروك المفعول منزلًا منزلة اللازم أي لو كان لهم علم لما فعلوا ذلك، وقوله تعالى: {حِينٍ} إلخ استئناف مقرر لجهلهم ومبين لاستمراره إلى ذلك الوقت كأنه قيل: حين يرون ما يرون يعلمون حقيقة الحال، وفي الكشف كأنه استئناف بياني وذلك أنه لما نفى العلم كان مظنة أن يسأل فأي وقت يعلمون؟ فأجيب حين لا ينفعهم، والظاهر كون {حِينٍ} إلخ مفعولًا به ليعلم.
وقال أبو حيان: الذي يظهر أن مفعوله محذوف لدلالة ما قبله عليه أي لو يعلم الذي كفروا مجيء الموعود الذي سألوا عنه واستبطؤوه و{حِينٍ} منصوب بذلك المفعول وليس عندي بظاهر.

.تفسير الآية رقم (40):

{بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ (40)}
{بَلْ تَأْتِيهِم بَغْتَةً} عطف على {لاَ يَكُفُّونَ} [الأنبياء: 39] وزعم ابن عطية أنه استدراك مقدر قبله نفي والتقدير إن الآيات لا تأتي بحسب اقتراحهم بل تأتيهم بغتة، وقيل: إنه استدراك عن قوله تعالى: {لَوْ يَعْلَمُ} [الأنبياء: 39] إلخ وهو منفي معنى كأنه قيل: لا يعلمون ذلك بل تأتيهم إلخ، وبينه وبين ما زعمه ابن عطية كما بين السماء والأرض. والمضمر في {تَأْتِيَهُمُ} عائد على {الوعد} [الأنبياء: 38] لتأويله بالعدة أو الموعدة أو الحين لتأويله بالساعة أو على {النار} [الأنبياء: 39] واستظهره في البحر، و{بَغْتَةً} أي فجأة مصدر في موضع الحال أو مفعول مطلق لتأتيهم وهو مصدر من غير لفظه {فَتَبْهَتُهُمْ} تدهشهم وتحيرهم أو تغلبهم على أنه معنى كنائي.
وقرأ الأعمش {بَلْ تَأْتِيهِم} بياء الغيبة {بَغْتَةً} بفتح الغين وهو لغة فيها، وقيل: إنه يجوز في كل ما عينه حرف حلق {فيبهتهم} بياء الغيبة أيضًا، فالضمير المستتر في كل من الفعلين للوعد أو للحين على ما قال الزمخشري.
وقال أبو الفضل الرازي: يحتمل أن يكون للنار بجعلها عنى العذاب {فَتَبْهَتُهُمْ فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا} الضمير المجرور عائد على ما عاد عليه ضمير المؤنث فيما قبله، وقيل: على البغتة أي لا يستطيعون ردها عنهم بالكلية {وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ} أي يمهلون ليستريحوا طرفة عين، وفيه تذكير بإمهالهم في الدنيا.

.تفسير الآية رقم (41):

{وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (41)}
{وَلَقَدِ استهزئ بِرُسُلٍ مّن قَبْلِكَ} إلخ تسلية لرسوله صلى الله عليه وسلم عن استهزائهم بعد أن قضى الوطر من ذكر الأجوبة الحكمية عن مطاعنهم في النبوة وما أدمج فيها من المعاني التي هي لباب المقاصد وفيه أنه عليه الصلاة والسلام قضى ما عليه من عهدة الإبلاغ وأنه المنصور في العاقبة ولهذا بدئ بذكر أجلة الأنبياء عليهم السلام للتأسي وختم بقوله تعالى: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزبور} [الأنبياء: 105] إلخ، وتصدير ذلك بالقصم لزيادة تحقيق مضمونه. وتنوين الرسل للتفخيم والتكثير. ومن متعلقة حذوف هو صفة له أي وبالله لقد استهزئ إليه مقامه {فَحَاقَ} أي أحاط عقيب ذلك أو نزل أو حل أو نحو ذلك فإن معناه يدور على الشمول واللزوم ولا يكاد يستعمل إلا في الشر. والحيق ما يشتمل على الإنسان من مكروه فعله. وقيل: أصل حاق حق كزال وزل وذام وذم. وقوله تعالى: {بالذين سَخِرُواْ مِنْهُمْ} أي من أولئك الرسل عليهم السلام متعلق بحاق. وتقديمه على فاعله الذي هو قوله تعالى: {مَا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءونَ} للمسارعة إلى بيان لحوق الشر بهم. و{مَا} إما موصولة مفيدة للتهويل والضمير المجرور عائد عليها والجار متعلق بالفعل بعده وتقديمه لرعاية الفواصل أي فأحاط بهم الذي كانوا يستهزئون به حيث أهلكوا لأجله. وإما مصدرية فالضمير راجع إلى جنس الرسول المدلول عليه بالجمع كما قالوا. ولعل إيثار الإفراد على الجمع للتنبيه على أنه يحيق بهم جزاء استهزائهم بكل واحد منهم عليهم السلام لأجزاء استهزائهم بكلهم من حيث هو فقط أي فنزل بهم جزاء استهزائهم على وضع السبب موضع المسبب إيذانًا بكمال الملابسة بينهما أو عين استهزائهم إن أريد بذلك العذاب الأخروي بناءً على ظهور الأعمال في النشأة الأخروية بصور مناسبة لها في الحسن والقبح.

.تفسير الآية رقم (42):

{قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ بَلْ هُمْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُعْرِضُونَ (42)}
{قُلْ} أمر له صلى الله عليه وسلم أن يسأل أولئك المستهزئين سؤال تقريع وتنبيه كيلا يغتروا بما غشيهم من نعم الله تعالى ويقول: {مَن يَكْلَؤُكُم} أي يحفظكم {قُلْ مَن يَكْلَؤُكُم باليل} أي من بأسه بقرينة الحفظ، وتقديم الليل لما أن الدواهي فيه أكثر وقوعًا وأشد وقعًا. وفي التعرض لعنوان الرحمانية تنبيه على أنه لا حفظ لهم إلا برحمته تعالى وتلقين للجواب كما قيل في قوله تعالى: {مَا غَرَّكَ بِرَبّكَ الكريم} [الانفطار: 6] وقيل إن ذلك إيماءً إلى أن بأسه تعالى إذا أراد شديد أليم ولذا يقال نعوذ بالله عز وجل من غضب الحليم وتنديم لهم حيث عذبهم من غلبت رحمته ودلالة على شدة خبثهم.
وقرأ أبو جعفر. والزهري. وشيبة {يكلوكم} بضمة خفيفة من غير همز، وحكى الكسائي. والفراء {يكلوكم} بفتح اللام وإسكان الواو، وقوله تعالى: {الرحمن بَلْ هُمْ عَن ذِكْرِ رَبّهِمْ مُّعْرِضُونَ} إضراب عن ذلك تسجيلًا عليهم بأنهم ليسوا من أهل السماع وأنهم قوم ألهتهم النعم عن المنعم فلا يذكرونه عز وجل حتى يخافوا بأسه أو يعدوا ما كانوا فيه من الأمن وال، عة حفظًا وكلاءة ليسألوا عن الكالئ على طريقة قوله:
عوجوا فحيوا لنعمي دمنة الدار ** ماذا تحيون من نوء وأحجار

وفيه أنهم مستمرون على الإعراض ذكروا ونبهوا أولًا، وفي تعليق الإعراض بذكره تعالى وإيراد اسم الرب المضاف إلى ضميره المنبئ عن كونهم تحت ملكوته وتدبيره وتربيته تعالى من الدلالة على كونهم في الغاية القاصية من الضلالة والغي ما لا يخفى، وقيل إنه إضراب عن مقدر أي أنهم غير غافلين عن الله تعالى حتى لا يجدي السؤال عنه سبحانه كيف وهم إنما اتخذوا الآلهة وعبدوها لتشفع لهم عنده تعالى وتقربهم إليه زلفى بل هم معرضون عن ذكره عز وجل فالتذكير يناسبهم، وهذا مع ظهوره من مساق الكلام ووضوح انطباقه على مقتضى المقام قد خفي عن الناظرين وغفلوا عنه أجمعين اه.
وتعقب بأن السياق لتجهيلهم والتسجيل عليهم بأنهم إذا ذكروا لا يذكرون ألا يرى قوله تعالى: {وَلاَ يَسْمَعُ الصم الدعاء} [الأنبياء: 45] وما ذكر يقتضي العكس لتضمنه وصفهم بإجداء الإنذار والدعاء مع أن قوله غير غافلين مناف لما يدل عليه النظم الكريم فالحق ما تقدم وقوله تعالى:

.تفسير الآية رقم (43):

{أَمْ لَهُمْ آَلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنَا لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ وَلَا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ (43)}
{أَمْ لَهُمْ ءالِهَةً تَمْنَعُهُمْ مّن دُونِنَا} إعراض عن وصفهم بالإعراض إلى توبيخهم باعتمادهم على آلهتهم وإسنادهم الحفظ إليها، فأم منقطعة مقدرة ببل والهمزة و{لَهُمْ} خبر مقدم و{ءالِهَةً} مبتدأ وجلمة {تَمْنَعُهُمْ} صفته و{مّن دُونِنَا} قيل صفة بعد صفة أي بل ألهم آلهة مانعة لهم متجاوزة منعنا أو حفظنا فهم معولون عليها واثقون بحفظها، وروي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن في الكلام تقديمًا وتأخيرًا والأصل أم لهم آلهة من دوننا تمنعهم، وعليه يكون {مّن دُونِنَا} صفة أيضًا، وقال الحوفي: أنه متعلق بتمنعهم أي بل ألهم آلهة تمنعهم من عذاب من عندنا، والاستفهام لإنكار أن يكون لهم آلهة كذلك، وفي توجيه الإنكار والنفي إلى وجود الآلهة الموصوفة بما ذكر لا إلى نفس الصفة بأن يقال أم تمنعهم آلهتهم إلخ من الدلالة على سقوطها عن مرتبة الوجود فضلًا عن رتبة المنع ما لا يخفى.
وقال بعض الأجلة: إن الإضراب الذي تضمنته {أَمْ} عائد على الأمر بالسؤال كالإضراب السابق لكنه أبلغ منه من حيث أن سؤال الغافل عن الشيء بعيد وسؤال المعتقد لنقيضه أبعد، وفهم منه بعضهم أن الهمزة عليه للتقرير بما في زعم الكفرة تهكمًا.
وتعقب أنه ليس تعين فيجوز أن يكون للإنكار لا عنى أنه لم يكن منهم زعم ذلك بل عنى أنه لم كان مثله مما لا حقيقة له، والأظهر عندي جعله عائدًا على الوصف بالإعراض كما سمعت أولًا. وفي الكشف ضمن الإعراض عن وصفهم بالإعراض إنكاره أبلغ الإنكار بأنهم في إعراضهم عن ذكره تعالى كمن له كالئ يمنعه عن بأسنا معرضًا فيه بجانب آلهتهم وأنهم أعرضوا عنه تعالى واشتغلوا بهم ولهذا رشح بما بعد كأنه قيل دع حديث الإعراض وانظر إلى من أعرضوا عن ربهم سبحانه إليه فإن هذا أطم وأطم فتأمله فإنه دقيق.
وقوله تعالى: {لاَ يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ وَلاَ هُمْ مّنَّا يُصْحَبُونَ} استئناف مقرر لما قبله من الإنكار أي لا يستطيعون أن ينصروا أنفسهم ويدفعوا عنها ما ينزل بها ولا هم منا يصحبون بنصر أو بمن يدفع عنهم ذلك من جهتنا فهم في غاية العجز وغير معتنى بهم فكيف يتوهم فيهم ما يتوهم، فالضمائر للآلهة بتنزيلهم منزلة العقلاء وروي عن قتادة، وروي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنها للكفرة على معنى لا يستطيع الكفار نصر أنفسهم بآلهتهم ولا يصحبهم نصر من جهتنا، والأول أولى بالمقام وإن كان هذا أبعد عن التفكيك، و{مِنَّا} على القولين يحتمل أن يتعلق بالفعل بعده وأن يتعلق قدر وقع صفة لمحذوف. وقوله تعالى: