فصل: تفسير الآية رقم (94):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (94):

{فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ (94)}
{فَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصالحات} تفصيل للجزاء أي فمن يعمل بعض الصالحا أو بعضًا من الصالحا {وَهُوَ مُؤْمِنٌ} بما يجب الإيمان به {فَلاَ كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ} أي لا حرمان لثواب عمله ذلك، عبر عنه بالكفران الذي هو سر النعمة وجحودها لبيان كمال نزاهته تعالى عنه بتصويره بصورة ما يستحيل صدوره عنه سبحانه من القبائح، وإبراز الإثابة في معرض الأمور الواجبة عليه تعالى ونفى نفي الجنس المفيد للعموم للمبالغة في التنزيه، والظاهر أن التركيب على طرز «لا مانع لما أعطيت» والكلام فيه مشهور بين علماء العربية؛ وعبر عن العمل بالسعي لإظهار الاعتداد به، وفي حرف عبد الله {فَلاَ كُفْرَانَ} والمعنى واحد {وَإِنَّا لَهُ} أي لسعيه، وقيل: الضمير لمن وليس بشيء {كاتبون} أي مثبتون في صحيفة عمله لا يضيع بوجه ما، واستدل بالآية على أن قبول العمل الصالح مطلقًا مشروط بالإيمان وهو قول لبعضهم، وقال آخرون: الإيمان شرط لقبول ما يحتاج إلى النية من الأعمال، وتحقيقه في موضعه.

.تفسير الآية رقم (95):

{وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ (95)}
{وَحَرَامٌ على قَرْيَةٍ} أي على أهل قرية فالكلام على تقدير مضاف أو القرية مجاز عن أهلها. والحرام مستعار للممتنع وجوده بجامع أن كل واحد منهما غير مرجو الحصول، وقال الراغب: الحرام الممنوع منه إما بتسخير إلهي وإما نع قهري وإما نع من جهة العقل أو من جهة الشرع أو من جهة من يرتسم أمره، وذكر أنه قد حمل في هذه الآية على التحريم بالتسخير كما في قوله تعالى: {وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ} [القصص: 12] وقرأ أبو حنيفة وحمزة والكسائي. وأبو بكر. وطلحة. والأعمش. وأبو عمرو في رواية {البيع وَحَرَّمَ} بكسر الحاء وسكون الراء.
وقرأ قتادة. ومطر الوراق. ومحبوب عن أبي عمرو بفتح الحاء وسكون الراء، وقرأ عكرمة {وَحَرَّمَ} الحاء وكسر الراء والتنوين. وقرأ ابن عباس. وعكرمة أيضًا. وابن المسيب. وقتادة أيضًا بكسر الراء وفتح الحياء والميم على المضي. وقرأ ابن عباس. وعكرمة بخلاف عنهما. وأبو العالية. وزيد بن علي بضم الراء وفتح الحاء والميم على المضي أيضًا، وفي رواية أخرى عن ابن عباس أنه قرأ بفتح الحاء والراء والميم على المضي أيضًا.
وقرأ اليماني {وَحَرَّمَ} بضم الحاء وكسر الراء مشددة وفتح الميم على أنه فعل ماض مبني لما لم يسم فاعله.
{أهلكناها} أي قدرنا هلاكها أو حكمنا به في الأزل لغاية طغيانهم وعتوهم فيما لا يزال.
وقرأ السلمي. وقتادة {أهلكتها} بتاء المتكلم، وقوله تعالى: {أهلكناها أَنَّهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ} في تأويل اسم مرفوع على الابتداء خبره {حَرَامٌ} قال ابن الحاجب في أماليه: ويجب حينئذٍ تقديمه لما تقرر في النحو من أن الخبر عن أن يجب تقديمه، وجوز أن يكون {حَرَامٌ} مبتدأ و{أَنَّهُمْ} فاعل له سد مسد خبره وإن لم يعتمد على نفي أو استفهام بناءً على مذهب الأخفش فإنه لا يشترط في ذلك الاعتماد خلافًا للجمهور كما هو المشهور.
وذهب ابن مالك أن رفع الوصف الواقع مبتدأ لمكتفى به عن الخبر من غير اعتماد جائز بلا خلاف وإنما الخلاف في الاستحسان وعدمه فسيبويه يقول: هو ليس بحسن والأخفش يقول: هو حسن وكذا الكوفيون كما في شرح التسهيل؛ والجملة لتقرير ما قبلها من قوله تعالى: {كُلٌّ إِلَيْنَا راجعون} [الأنبياء: 93] وما في أن من معنى التحقيق معتبر في النفي المستفاد في {حَرَامٌ} لا في المنفى أي ممتنع البتة عدم رجوعهم إلينا للجزاء لا أن عدم رجوعهم المحقق ممتنع، وتخصيص امتناع عدم رجوعهم بالذكر مع شمول الامتناع لعدم رجوع الكل حسا نطق به قوله تعالى: {كُلٌّ إِلَيْنَا راجعون} لأنهم المنكرون للبعث والرجوع دون غيرهم، وهذا المعنى محكي عن أبي مسلم بن بحر، ونقله أبو حيان عنه لكنه قال: إن الغرض من الجملة على ذلك إبطال قول من ينكر البعث، وتحقيق ما تقدم من أنه لا كفران لسعي أحد وأنه يجزى على ذلك يوم القيامة، ولا يخفى ما فيه.
وقال أبو عتبة: المعنى وممتنع على قرية قدرنا هلاكها أو حكمنا به رجوعهم إلينا أي توبتهم على أن {لا} سيف خطيب مثلها في قوله تعالى: {مَا مَنَعَكَ أَن لاَ تَسْجُدُ} [الأعراف: 12] في قول، وقيل {حَرَامٌ} عنى واجب كما في قول الخنساء:
وإن حرامًا لا أرى الدهر باكيا ** على شجوة إلا بكيت على ثخر

ومن ذلك قوله تعالى: {قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَن لا تُشْرِكُواْ} [الأنعام: 151] إلخ فإن ترك الشرك واجب، وعلى هذا قال مجاهد. والحسن {لاَ يَرْجِعُونَ} لا يتوبون عن الشرك.
وقال قتادة. ومقاتل: لا يرجعون إلى الدنيا، والظاهر على هذا أن المراد بأهلكناها أوجدنا إهلاكها بالفعل، والمراد بالهلاك الهلاك الحسي، ويجوز على القول بأن المراد بعدم الرجوع عدم التوبة أن يراد به الهلاك المعنوي بالكفر والمعاصي. وقرئ {أَنَّهُمْ} بكسر الهمزة على أن الجملة استئناف تعليلي لما قبلها؛ فحرام خبر مبتدأ محذوف أي حرام عليها ذلك وهو ما ذكر في الآية السابقة من العمل الصالح المشفوع بالإيمان والسعي المشكور ثم علل بقوله تعالى: {أَنَّهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ} عما هم عليه من الكفر فكيف لا يمتنع ذلك، ويجوز حمل الكلام على قراءة الجمهور بالفتح على هذا المعنى بحذف حرف التعليل أي لأنهم لا يرجعون. والزجتج قدر المبتدأ في ذلك أن يتقبل عملهم فقال: المعنى وحرام على قرية حكمنا بهلاكها أن يتقبل عملهم لأنهم لا يتوبون ودل على ذلك قوله تعالى قبل: {فَلاَ كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ} [الأنبياء: 94] حيث أن المراد منه يتقبل عمله و{حتى} في قوله تعالى:

.تفسير الآية رقم (96):

{حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ (96)}
{حتى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ} ابتدائية والكلام بعدها غاية لما يدل عليه ما قبلها كأنه قيل: يستمرون على ما هم عليه من الهلاك حتى إذا قامت القيامة يرجعون إلينا ويقولون يا ويلنا إلخ أو غاية للحرمة أي يستمر امتناع رجوعهم إلى التوبة حتى إذا قامت القيامة يرجعون إليها وذلك حين لا ينفعهم الرجوع أو غاية لعدم الرجوع عن الكفر أي لا يرجعون عنه حتى إذا قامت القيامة يرجعون عنه وهو حين لا ينفعهم ذلك، وهذا بحسب تعدد الأقوال في معنى الآية المتقدمة والتوزيع غير خفي، وقال ابن عطية: حتى متعلقة بقوله تعالى: {تقطعوا} [الأنبياء: 93] إلخ قال أبو حيان: وفيه بعد من كثرة الفصل لكنه من جهة المعنى جيد، وحاصله أنهم لا يزالون مختلفين غير مجتمعين على دين الحق إلى قرب مجيء الساعة فإذا جاءت الساعة انقطع ذلك الاختلاف وعلم الجميع أن مولاهم الحق وأن الدين المنجي كان دين التوحيد، ونسبة الفتح إلى يأجوج ومأجوج مجاز وهي حقيقة إلى السد أو الكلام على حذف المضاف وهو السد وإقامة المضاف إليه مقامه. وقرأ فرقة {جَاءوهَا فُتِحَتْ} بالتشديد، وتقدم الكلام في يأجوج ومأجوج {وَهُمْ} أي يأجوج ومأجوج، وقيل الناس وروي عن مجاهد {مّن كُلّ حَدَبٍ} أي مرتفع من الأرض كجبل وأكمة. وقرأ ابن عباس {جدث} بالجيم والثاء المثلثة وهو القبر، وهذه القراءة تؤيد رجوع الضمير إلى الناس، وقرئ بالجيم والفاء وهي بدل الثاء عند تميم ولا يختص إبدالها عندهم في آخر الكلمة فإنهم يقولون مغثور مكان مغفور {حَدَبٍ يَنسِلُونَ} أي يسرعون، وأصل النسلان بفتحتين مقاربة الخطو مع الإسراع، قيل ويختص وضعًا بالذئب وعليه يكون مجازًا هنا. وقرأ ابن إسحاق. وأبو السمال بضم السين.

.تفسير الآية رقم (97):

{وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ (97)}
{واقترب} أي قرب، وقيل هو أبلغ في القرب من قرب {الوعد الحق} وهو ما بعد النفخة الثانية من البعث والحساب والجزاء لا النفخة الأولى، والجملة عطف على {فُتِحَتْ يَأْجُوجُ} [الأنبياء: 96] ثم إن هذا الفتح في زمن نزول عيسى عليه السلام من السماء وبعد قتله الدجال عند باب لد الشرقي، فقد أخرج مسلم. وأبو داود. والترمذي. والنسائي. وابن ماجه من حديث طويل «إن الله تعالى يوحي إلى عيسى عليه السلام بعد أن يقتل الدجال أني قد أخرجت عبادًا من عبادي لا يدان لك بقتالهم فحرز عبادي إلى الطور فيبعث الله تعالى يأجوج ومأجوج وهم كما قال الله تعالى: {مّن كُلّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ} فيرغب عيسى عليه السلام وأصحابه إلى الله عز وجل فيرسل عليهم نغفًا في رقابهم فيصبحون موتي كموت نفس واحدة فيهبط عيسى عليه السلام وأصحابه فيرسل عليهم طيرًا كأعناق البخت فتحملهم فتطرحهم حيث شاء الله تعالى ويرسل الله عز وجل مطرًا لا يكن منه نبت مدر ولا وبر أربعين يومًا فيغسل الأرض حتى يتركها زلفة ويقال للأرض انبتي ثمرتك فيومئذٍ يأكل النفر من الرماية ويستظلون بقحفها ويبارك في الرسل حتى أن اللقحة من الإبل لتكفي الفئام من الناس واللقحة من البقر تكفي الفخذ والشاة من الغنم تكفي البيت فبينما هم على ذلك إذ بعث الله تعالى ريحًا طيبة تحت آباطهم فتقبض روح كل مسلم ويبقى شرار الناس يتهارجون تهارج الحمر وعليهم تقوم الساعة» وجاء من حديث رواه أحمد. وجماعة «أن الساعة بعد أن يهلك يأجوج ومأجوج كالحامل لا يدري أهلها حتى تفجؤهم بولادها ليلًا أو نهارًا» وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج قال: ذكر لنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لو نتجت فرس عند خروجهم ما ركب فلوها حتى تقوم الساعة» وهذا مبالغة في القرب كالخبر الذي قبله.
{فَإِذَا هي شاخصة أبصار الذين كَفَرُواْ} جواب الشرط، وإذا للمفاجأة وهي تسد مسد الفاء الجزائية في الربط وليست عوضًا عنها فمتى كانت الجملة الاسمية الواقعة جزاء مقترنة بها لم تحتج إلى الفاء نحو {إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ} [الروم: 36] وإذا جيء بهما معًا كما هنا يتقوى لربط، والضمير للقصة والشأن وهو مبتدأ و{شاخصة} خبر مقدم و{أبصار} مبتدأ مؤخر، والجملة خبر الضمير، ولا يجوز أن يكون {شاخصة} الخبر و{أبصار} مرفوعًا به لأن خبر الضمير الشأن لا يكون إلا جملة مصرحًا بجزءيها، وأجاز بعض الكوفيين كونه مفردًا فيجوز ما ذكر عنده.
وعن الفراء أن {هِىَ} ضمير الأبصار فهو ضمير مبهم يفسره ما في حيز خبره؛ وعود الضمير على متأخر لفظًا ورتبة في مثل ذلك جائز عند ابن مالك.
وغيره كما في ضمير الشأن، ومن ذلك قوله:
هو الجد حتى تفضل العين أختها

بل نقل عن الفراء أنه متى دل الكلام على المرجع وذكر بعده ما يفسره وإن لم يكن في حيز خبره لا يضر تقدمه، وأنشد قوله:
فلا وأبيها لا تقول خليلتي ** ألا فرعني مالك بن أبي كعب

ونقل عنه أيضًا أن {هِىَ} ضمير فصل وعماد يصلح موضعه هو وأنشد قوله:
بثوب ودينار وشاة ودرهم ** فهل هو مرفوع بما هاهنا رأس

وهذا لا يتمشى إلا على أحد قولي الكسائي من إجازته تقديم الفصل مع الخبر على المبتدأ وقول من أجاز دونه قبل خبر نكرة، وذكر الثعلبي أن الكلام قد تم عند قوله تعالى: {فَإِذَا هِىَ} أي فإذا هي أي الساعة حاصله أو بارزة أو واقعة ثم ابتدئ فقيل {شاخصة أبصار الذين كَفَرُواْ} وهو وجه متكلف متنافر التركيب، وقيل: جواب الشرط {اقترب} والواو سيف خطيب. ونقل ذلك في مجمع البيان عن الفراء.
ونقل عن الزجاج أن البصريين لا يجوزون زيادة الواو وأن الجواب عندهم قوله تعالى: {يَا وَيْلَنَا} أي القول المقدر قبله فإنه بتقدير قالوا يا ويلنا، ومن جعل الجواب ما تقدم قدر القول هاهنا أيضًا وجعله حالًا من الموصول يقولون أو قائلين {يا ويلنا} وجوز كون جملة يقولون يا ويلنا استئنافًا، وشخوص الأبصار رفع أجفانها إلى فوق من دون أن تطرف وذلك للكفرة يوم القيامة من شدة الهول، وأرادوا من نداء الويل التحسر وكأنهم قالوا: يا ويلنا تعال فهذا أوان حضورك {كَفَرُواْ ياويلنا قَدْ كُنَّا} في الدنيا {فِى غَفْلَةٍ} تامة {مّنْ هذا} الذي دهمنا من البعث والرجوع إليه عز وجل للجزاء، وقيل: من هذا اليوم ولم نعلم أنه حق {بَلْ كُنَّا ظالمين} أضراب عن وصف أنفسهم بالغفلة أي لم نكن في غفلة منه حيث نبهنا عليه بالآيات والنذر بل كنا ظالمين بترك الآيات والنذر مكذبين بها أو ظالمين لأنفسنا بتعريضها للعذاب الخالد بالتكذيب. وقوله تعالى: