فصل: تفسير الآية رقم (11):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (11):

{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (11)}
{وَمِنَ الناس مَن يَعْبُدُ الله على حَرْفٍ} شروع في حال المذبذبين أي ومنهم من يعبده تعالى كائنًا على طرف من الدين لا ثبات له فيه كالذي يكون في طرف الجيش فإن أحس بظفر قر وإلا فر ففي الكلام استعارة تمثيلية، وقوله تعالى: {فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ} إلخ تفسير لذلك وبيان لوجه الشبه، والمراد من الخير الخير الدنيوي كالرخاء والعافية والولد أي إن أصابه ما يشتهي {اطمأن بِهِ} أي ثبت على ما كان عليه ظاهرًا لا أنه اطمأن به اطمئنان المؤمنين الذين لا يزحزحهم عاصف ولا يثنيهم عاطف {وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ} أي شيء يفتن به من مكروه يعتريه في نفسه أو أهله أو ماله {انقلب على وَجْهِهِ} أي مستوليًا على الجهة التي يواجهها غير ملتفت يمينًا وشمالًا ولا مبال بما يستقبله من حرار وجبال، وهو معنى قوله في الكشاف: طار على وجهه وجعله في الكشف كناية عن الهزيمة، وقيل هو هاهنا عبارة عن القلق لأنه في مقابلة اطمأن، وأيًا ما كان فالمراد ارتد ورجع عن دينه إلى الكفر.
أخرج البخاري. وابن أبي حاتم. وابن مردويه عن ابن عباس أنه قال في هذه الآية: كان الرجل يقدم المدينة فإذا ولدت امرأته غلامًا ونتجت خيله قال: هذا دين صالح وإن لم تلد امرأته ولم تنتج خيله قال: هذا دين سوء، وأخرج ابن مردويه عن أبي سعيد قال: أسلم رجل من اليهود فذهب بصره وماله وولده فتشاءم من الإسلام فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أقلني فقال عليه الصلاة والسلام: إن الإسلام لا يقال فقال: لم أصب من ديني هذا خيرًا ذهب بصري ومالي ومات ولدي فقال صلى الله عليه وسلم: يا يهودي الإسلام يسبك الرجال كما تسبك النار خبث الحديد والذهب والفضة فنزلت هذه الآية، وضعف هذا ابن حجر، وقيل: نزلت في شيبة بن ربيعة أسلم قبل ظهوره عليه الصلاة والسلام وارتد بعد ظهوره وروى ذلك عن ابن عباس، وعن الحسن أنها نزلت في المنافقين {خَسِرَ الدنيا والاخرة} جملة مستأنفة أو بدل من {انقلب} كما قال أبو الفضل الرازي أو حال من فاعله بتقدير قد أو بدونها كما هو رأي أبي حيان، والمعنى فقد الدنيا والآخرة وضيعهما حيث فاته ما يسره فيهما.
وقرأ مجاهد: وحميد. والأعرج. وابن محيصن من طريق الزعفراني. وقعنب. والجحدري. وابن مقسم {خاسر} بزنة فاعل منصوبًا على الحال لأن إضافته لفظية، وقرئ {خاسر} بالرفع على أنه فاعل {فِتْنَةٌ انقلب} وفيه وضع الظاهر موضع المضمر ليفيد تعليل انقلابه بخسرانه، وقيل: إنه من التجريد ففيه مبالغة، وجوز أن يكون خبر مبتدأ محذوف أي هو خاسر، والجملة واردة على الذم والشتم {ذلك} أي ما ذكر من الخسران، وما فيه من معنى البعد للإيذان بكونه في غاية ما يكون، وقيل أن أداة البعد لكون المشار إليه غير مذكور صريحًا {هُوَ الخسران المبين} أي الواضح كونه خسرانًا لا غير.

.تفسير الآية رقم (12):

{يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُ وَمَا لَا يَنْفَعُهُ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ (12)}
{يَدْعُواْ مِن دُونِ الله} قيل استئناف ناع عليه بعض قبائحه، وقيل استئناف مبين لعظم الخسران، ويجوز أن يكون حالًا من فاعل {انقلب} وما تقدمه اعتراض، وأيًا كان فهو يبعد كون الآية في أحد من اليهود لأنهم لا يدعون الأصنام وإن اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابًا من دون الله.
والظاهر أن المدعو الأصنام لمكان ما في قوله تعالى: {مَا لاَ يَضُرُّهُ وَمَا لاَ يَنفَعُهُ} والمراد بالدعاء العبادة أي يعبد متجاوزًا عبادة الله تعالى ما لا يضره إن لم يعبده وما لا ينفعه إذا عبده، وجوز أن يراد بالدعاء النداء أي ينادي لأجل تخليصه مما أصابه من الفتنة جمادًا ليس من شأنه الضر والنفع، ويلوح بكون المراد جمادًا كذلك كما في إرشاد العقل السليم تكرير كلمة ما {ذلك} أي الدعاء {هُوَ الضلال البعيد} عن الحق والهدى مستعار من ضلال من أبعد في التيه ضالًا عن الطريق.

.تفسير الآية رقم (13):

{يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ لَبِئْسَ الْمَوْلَى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ (13)}
{يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِن نَّفْعِهِ} استئناف يبين مآل دعائه وعبادته غير الله تعالى ويقرر كون ذلك ضلالًا بعيدًا من إزاحة ما عسى أن يتوهم من نفي الضرر عن معبوده بطريق المباشرة نفيه عنه بطريق التسبب أيضًا فالدعاء هنا عنى القول كما في قول عنترة:
يدعون عنترة الرماح كأنها ** أشطان بئر في لبان الأدهم

واللام داخلة في الجملة الواقعة مقولًا له وهي لام الابتداء ومن مبتدأ و{ضَرُّهُ أَقْرَبُ} مبتدأ وخبر والجملة صلة له، وقوله تعالى: {لَبِئْسَ المولى وَلَبِئْسَ العشير} جواب قسم مقدر واللام فيه جوابية وجملة القسم وجوابه خبر {مِنْ} أي يقول الكافر يوم القيامة يرفع صوت وصراخ حين يرى تضرره عبوده ودخوله النار بسببه ولا يرى منه أثرًا مما كان يتوقعه منه من النفع لمن ضره أقرب تحققًا من نفعه: والله لبئس الذي يتخذ ناصرًا ولبئس الذي يعاشر ويخالط فكيف بما هو ضرر محض عار عن النفع بالكلية، وفي هذا من المبالغة في تقبيح حال الصنم والإمعان في ذمه ما لا يخفى، وهو سر إيثار من على ما وإيراد صيغة التفضيل، وهذ الوجه من الإعراب اختاره السجاوندي والمعنى عليه مما لا إشكال فيه.
وقد ذهب إليه أيضًا جار الله، وجوز أن يكون {يَدْعُو} هنا إعادة ليدعو السابق تأكيد له وتمهيدًا لما بعد من بيان سوء حال معبوده إثر معبوده إثر بيان سوء حال عبادته بقوله تعالى: {ذلك هُوَ الضلال البعيد} [الحج: 12] كأنه قيل من جهته سبحانه بعد ذكر عبادة الكافر ما لا يضره ولا ينفعه يدعو ذلك ثم قيل لمن ضره بكونه معبودًا أقرب من نفعه بكونه شفعيًا والله لبئس المولى إلخ، ولا تناقض عليه أيضًا إذ الضر المنفي ما يكون بطريق المباشرة والمثبت ما يكون بطريق التسبب، وكذا النفع المنفي هو الواقعي والمثبت هو التوقعي، قيل ولهذا الإثبات عبر بمن فإن الضر والنفع من شأنهما أن يصدرا عن العقلاء، وفي إرشاد العقل السليم أن يراد كلمة من وصيغة التفضيل على تقدير أن يكون ذلك إخبارًا من جهته سبحانه عن سوء حال معبود الكفرة للتهكم به. ولا مانع عندي أن يكون ذلك كما في التقدير الأول للمبالغة في قبيح حال الصنم والإمعان في ذمه.
واعترض ابن هشام على هذا الوجه بأن فيه دعوى خلاف الأصل مرتين إذ الأصل عدم التوكيد والأصل أن لا يفصل المؤكد عن توكيده ولاسيما في التوكيد اللفظي، وقال الأخفش: إن {يَدْعُو} عنى يقول واللام للابتداء ومن موصول مبتدأ صلته الجملة بعده وخبره محذوف تقديره إله أو إلهي، والجملة محية بالقول.
واعترض بأنه فاسد المعنى لأن هذا القول من الكافر إنما يكون في الدنيا وهو لا يعتقد فيها أن الأوثان ضرها أقرب من نفعها.
وأجيب بأن المراد إنكار قولهم بألوهية الأوثان إلا أن الله تعالى عبر عنها بما ذكر للتهكم. نعم الأولى أن يقدر الخبر مولى لأن قوله تعالى: {لَبِئْسَ المولى وَلَبِئْسَ العشير} أدل عليه، ومع هذا لا يخفى بعد هذا الوجه، وقيل: {يَدْعُو} مضمن معنى يزعم وهي ملحقة بأفعال القلوب لكون الزعم قولًا مع اعتقاد. واللام ابتدائية معلقة للفعل ومن مبتدأ وخبرها محذوف كما في الوجه السابق، والجملة في محل نصب بيدعو، وإلى هذا الوجه أشار الفارسي ولا يخفى عليك ما فيه.
وقال الفراء: إن الالم دخلت في غير موضعها والتقدير يدعو من لضره أقرب من نفعه فمن في محل نصب بيدعو. وتعقبه أبو حيان وغيره بأنه بعيد لأن ما في صلة الموصول لا يتقدم على الموصول، وقال ابن الحاجب: قيل اللام زائدة للتوكيد ومن مفعول يدعو وليس بشيء لأن اللام المفتوحة لا تزاد بين الفعل ومفعوله لكن قوي القول بالزيادة هنا بقراءة عبد الله {يَدْعُو} من ضره بإسقاط اللام، وقيل: {يَدْعُو} عنى يسمى {وَمِنْ} مفعوله الأول ومفعوله الثاني محذوف أي إلهًا، ولا يخف عليك ما فيه، وقيل: إن يدعو ليست عاملة فيما بعدها وإنما هي عاملة في ذلك قبلها وهو موصول عنى الذي، ونقل هذا عن الفارسي أيضًا، وهو على بعده لا يصح إلا على قول الكوفيين إذ يجيزون في اسم الإشارة مطلقًا أن يكون موصولًا، وأما البصريون فلا يجيزون إلا في ذا بشرط أن يتقدمها الاستفهام بما أومن، وقيل هي عاملة في ضمير محذوف راجع إلى ذلك أي يدعوه، والجملة في موضع الحال والتقدير {ذلك هُوَ الضلال البعيد} مدعوًا وفيه مع بعده أن {يَدْعُو} لا يقدر دعوا وإنما يقدر بداعيًا والذي يقدر دعوا إنما هو يدعى المبني للمفعول، وقيل: {يَدْعُو} عطف على {يدعو} [الحج: 12] الأول وأسقط حرف العطف لقصد تعداد أحوال ذلك المذبذب واللام زائدة و{مِنْ} مفعول {يَدْعُو} وهي واقعة على العاقل والدعاء في الموضعين إما عنى العبادة وإما عنى النداء، والمراد إما بيان حال طائفة منهم على معنى أنهم تارة يدعون ما لا يضر ولا ينفع وتارة يدعون من ضره أقرب من نفعه، وأما بيان حال الجنس باعتبار ما تحته على معنى أن منهم من يدعو ما لا يضر ولا ينفع ومنهم من يدعو من ضره أقرب من نفعه وهو كما ترى، وبالجملة أحسن الوجوه أولها.

.تفسير الآية رقم (14):

{إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ (14)}
{إِنَّ الله يُدْخِلُ الذين ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات جنات تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الانهار} استئناف لبيان كمال حسن حال المؤمنين العابدين له تعالى وإنه تعالى يتفضل عليهم بالنعيم الدائم إثر بيان غاية سوء حال الكفرة.
وجملة {تَجْرِى} إلخ صفة لجنات فإن أريد بها الأشجار المتكاثفة الساترة لما تحتها فجريان الأنهار من تحتها ظاهرة، وإن أريد بها الأرض فلابد من تقدير مضاف أي من تحت أشجارها وإن جعلت عبارة عن مجموع الأرض والأشجار فاعتبار التحتية بالنظر إلى الجزء الظاهر المصحح لإطلاق اسم الجنة على الكل كما في إرشاد العقل السليم.
وقوله تعالى: {إِنَّ الله يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ} تعليل لما قبله وتقرير بطريق التحقيق أي هو تعالى يفعله البتة كل ما يريده من الأفعال المتقنة اللاثقة المبنية على الحكم الرائقة التي من جملتها إثابة من آمن به وصدق برسوله صلى الله عليه وسلم وعقاب من كفر به وكذب برسوله عليه الصلاة والسلام.

.تفسير الآية رقم (15):

{مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لِيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ (15)}
{مَن كَانَ يَظُنُّ أَن لَّن يَنصُرَهُ الله فِي الدنيا والاخرة} الضمير في {يَنصُرَهُ} لرسول الله صلى الله عليه وسلم على ما روى عن ابن عباس. والكلبي. ومقاتل. والضحاك. وقتادة. وابن زيد. والسدي. واختاره الفراء. والزجاج كأنه لما ذكر المجادل بالباطل وخذلانه في الدنيا لأنه يدلى بحجة ما ضرورية أو نظرية ضرورية أو نظرية أو سمعية ولما يؤل إليه أمره من النكال، وفي الآخرة بما هو أطم وأطم ثم ذكر سبحانه مشايعيه وعمم خسارهم في الدارين ذكر في مقابلهم المؤمنين وأتبعه ذكر المجادل عنهم وعن دين الله تعالى بالتي هي أحسن وهو رسوله عليه الصلاة والسلام، وبالغ في كونه منصورًا بما لا مزيد عليه، واختصر الكلام دلالة على أنه صلى الله عليه وسلم العلم الذي لا يشتبه وأن الكلام فيه وله ومعه وأن ذكر غيره بتبعية ذكره، فالمعنى أنه تعالى ناصر لرسوله صلى الله عليه وسلم في الدنيا بإعلاء كلمته وإظهار دينه وفي الآخرة بإعلاء دجرته وإدخال من صدقه جنات تجري من تحتها الأنهار والانتقام ممن كذبه وإذاقته عذاب الحريق لا يصرفه سبحانه عن ذلك صارف ولا يعطفه عنه عاطف فمن كان يغيظه ذلك من أعاديه وحساده ويظن أن لن يفعله تعالى بسبب مدافعته ببعض الأمور ومباشرة ما يرده من المكايد فليبالغ في استفراغ المجهود وليتجاوز في الجهد كل حد معهود فقصارى أمره خيبة مساعيه وعقم مقدماته ومباديه وبقاء ما يغيظ على حاله ودوام شجوه وبلباله، وقد وضع مقام هذا الجزاء.
قوله سبحانه: {فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ} إلخ أي فليمدد حبلًا {إِلَى السماء} أي إلى سقف بيته كما أخرج عبد بن حميد. وابن المنذر عن الضحاك {ثُمَّ لْيَقْطَعْ} أي ليختنق كما فسره بذلك ابن عباس رضي الله تعالى عنهما من قطع إذا اختنق كان أصله قطع نفسه بفتحتين أو أجله ثم ترك المفعول نسيًا منسيًا فصار عنى اختنق لازم خنق، وذكروا أن قطع النفس كناية عن الاختناق، وقيل المعنى ليقطع الحبل بعد الاختناق على أن المراد به فرض القطع وتقديره كما أن المراد بالنظر في قوله تعالى: {فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ} تقدير النظر وتصويره والا فبعد الاختناق لا يتأتى منه ذلك أي فليقدر في نفسه النظر هل يذهبن كيده غيظه أو الذي يغيظه من النصر، ويجوز أن يراد فلينظر الآن أنه إن فعل ذلك هل يذهب ما يغيظه، وجوز أن يكون المأمور بالنظر غير المأمور الأول ممن يصح منه النظر، وأن يكون الكلام خارجًا مخرج التهكم كما قيل إن تسمية فعله ذلك كيدًا خارجة هذا المخرج، وقال جمع: إن إطلاق الكيد على ذلك لشبهه به فإن الكائد إذا كاد أتى بغاية ما يقدر عليه وذلك الفعل غاية ما يقدر عليه ذلك العدو الحسود، ونقل عن ابن زيد أن المعنى فليمدد حبلًا إلى السماء المظلة وليصعد عليه ثم ليقطع الوحي عنه صلى الله عليه وسلم، وقيل: ليقطع المسافة حتى يبلغ عنان السماء فيجهد في دفع نصره عليه الصلاة والسلام النازل من جهتها.
وتعقبه المولى أبو السعود بأنه يأباه مساق النظم الكريم بيان أن الأمور المفروضة على تقدير وقوعها وتحققها عزل من إذهاب ما يغيظ، ومن البين أن لا معنى لفرض وقوع الأمور الممتنعة وترتيب الأمر بالنظر عليه لاسيما قطع الوحي فإن فرض وقوعه مخل بالمرام قطعًا، ونوقش في ذلك بما لا يخفى على الناظر نعم المعنى السابق هو الأولى، وأيًا كان فمن يظن ذلك هم الكفرة الحاسدون له صلى الله عليه وسلم، وقيل: أعراب من أسلم. وغطفان تباطؤ عن الإسلام وقالوا: نخاف أن لا ينصر محمد عليه الصلاة والسلام فينقطع ما بيننا وبين حلفائنا من يهود فلا يقرونا ولا يؤونا، وقيل: قوم من المسلمين كانوا لشدة غيظهم من المشركين يستبطئون ما وعد الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم من النصر؛ والمعنى عليه وكذا على سابقه إن قيل إن أولئك الأعراب كانوا يستبطئون النصر أيضًا من استبطا نصر الله تعالى وطلبه عاجلًا فليقتل نفسه لأن له وقتًا اقتضت الحكمة وقوعه فيه فلا يقع في غيره، وأنت تعلم بعد هذين القولين وإن ثانيهما أبعد.
واستظهر أبوحيان كون ضمير ينصره عائدًا على من لأنه المذكور وحق الضمير أن يعود على مذكور، وهو قول مجاهد وإليه ذهب بعضهم وفسر النصر بالرزق، قال أبو عبيدة: وقف علينا سائل من بني بكر فقال: من ينصرني نصره الله تعالى وقالوا: أرض منصورة أي ممطورة، وقال الفقعسي:
وإنك لا تعطي امرأ فوق حقه ** ولا تملك الشيء الذي أنت ناصره

أي معطيه وكأنه مستعار من النصر عنى العون. فالمعنى أن الارزاق بيد الله تعالى لا تنال إلا شيئته فلابد للعبد من الرضا بقسمته فمن ظن أن الله تعالى غير رازقه ولم يصبر ولم يستسلم فليبلغ غاية الجزع وهو الاختناق فإن ذلك لا يقلب القسمة ولا يرده مرزوقًا. والغرض الحث على الرضا بما قسم الله تعالى لا كمن يعبده على حرف وكأنه سبحانه لما ذكر المؤمنين عقيبهم على ما مر حذرهم عن مثل حالهم لطفًا في شأنهم. ولا يخلو عن بعد وإن كان ربط الآية بما قبلها عليه قريبًا، وقيل: الضمير لمن والنصر على المتبادر منه والمعنى من كان يظن أن لن ينصره الله تعالى فيغتاظ لانتفاء نصره فليحتل بأعظم حيلة في نصر الله تعالى إياه وليستفرغ جهده في إيصال النصر إليه فلينظر هل يذهبن ذلك ما يغيظه من انتفاء النصر. ولا يخفى ما في وجه الربط على هذا من الخفاء.
ومن كما أشرنا إليه شرطية، وجوز أن تكون موصولة والفاء في خبرها لتضمنها معنى الشرط وهل يذهبن في محل نصب بينظر، وذكر أنه على إسقاط الخافض، وقرأ البصريون. وابن عامر وورش ثم ليقطع بكسر لام الأمر والباقون بسكونها على تشبيه ثم بالواو والفاء لأن الجميع عواطف.