فصل: تفسير الآية رقم (56):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (56):

{الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (56)}
{الملك} أي السلطان القاهر والاستيلاء التام والتصرف على الإطلاق {يَوْمَئِذٍ} أي يوم إذا تأتيهم الساعة أو عذابها؛ وقيل أي يوم إذ تزول مريتهم وليس بذلك، ومثله ما قيل أي يوم إذ يؤمنون {لِلَّهِ} وحده بلا شريك أصلًا بحيث لا يكون فيه لأحد تصرف من التصرفات في أمر من الأمور لا حقيقة ولا مجاز أو لا صورة ولا معنى كما في الدنيا فإن للبعض فيها تصرفًا صوريًا في الجملة والتنوين في إذ عوض عن المضاف إليه، وإضافة يوم إليه من إضافة العام إلى الخاص وهو متعلق بالاستقرار الواقع خبرًا، وقوله سبحانه: {يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ} جملة مستأنفة وقعت جواب سؤال نشأ من الاخبار بكون الملك يومئذ لله، وضمير الجمع للفريقين المؤمنين ولكافرين لذكرهما أولًا واشتمال التفصيل عليهما آخرًا، نعم ذكر الكافرين قبيلة را يوهم تخصيصه بهم كأنه قيل: فماذا يصنع سبحانه بالفريقين حينئذ؟ فقيل: يحكم بينهم بالمجازاة، وجوز أن تكون حالًا من الاسم الجليل {فالذين ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات} وهم الذين لا مرية لهم فيما أشير إليه سابقًا كيفما كان متعلق الايمان {فِي جنات النعيم} أي مستقرون في جنات مشتملة على النعم الكثيرة.

.تفسير الآية رقم (57):

{وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا فَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (57)}
{والذين كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بآياتنا} وهم الذين لا يزالون في مرية من ذلك، وفي متعلق الكفر احتمالات كاحتمالات متعلق الايمان وزيادة وهي احتمال أن يكون متعلقه الآيات، والظاهر أن المراد بها الآيات التنزيلية، وجوز أن يراد بها الأدلة وأن يراد بها الأعم ويتحصل مما ذكر خمسة عشر احتمالًا في الآية، ولعل أولاها ما قرب به العطف إلى التأسيس فتأمل، والموصول مبتدأ أول وقوله تعالى: {فَأُوْلَئِكَ} مبتدأ ثان وهو إشارة إلى الموصول باعتبا راتصافه بما في حيز الصلة، وما فيه من معنى البعد للإيذان ببعد المنزلة في الشر والفساد.
وقوله سبحانه: {لَهُمْ عَذَابَ} جملة اسمية من مبتدأ وخبر مقدم عليه وقعت خبرًا للمبتدأ الثاني أو {لَهُمْ} خبر له و{عَذَابِ} مرتفع على الفاعلية بالاستقرار في الجار والمجرور لاعتماد على المبتدا وجملة المبتدا الثاني وخبره خبر للمبتدا الأول، وتصديره بالفاء قيل للدلالة على أن تعذيب الكفار بسبب قبائحهم ولذا جيء بأولئك.
وقيل لهم عذاب بلام الاستحقاق وكان الظاهر في عذاب كما قيل {فِي جنات} [الحج: 56] وجعل تجريد خبر الموصول الأول عنها للإيذان بأن إثابة المؤمنين بطريق التفضل لا لإيجاب محاسنهم إياها، ولا ينافي ذلك قوله تعالى: {فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ} [التين: 6] ونحوه لأنها قتضى وعده تعالى على الإثابة عليها قد تجعل سببًا، وقيل جيء بالفاء لأن الكلام لخروجه مخرج التفصيل بتقدير أما فكأنه قيل: فأما الذين كفروا وكذبوا بآياتنا فأولئك إلخ وليس بشيء لأن ذلك يقتضي تقدير أما في قوله تعالى: {فالذين ءامَنُواْ} [الحج: 56] إلخ ولا يتسنى فيه لعدم الفاء في الخبر وقوله تعالى: {مُّهِينٌ} صفة لعذاب مؤكدة لما أفاده التنوين من الفخامة، ولم يتعرض لوصف هؤلاء الكفرة بعمل السيئات كما تعرض لوصف المؤمنين بعمل الصالحات قيل لظهور عدم اتصافهم بغيره أعني العمل الصالح الذي شرعه الله تعالى على لسان الرسول عليه الصلاة والسلام بعد كفرهم وتكذيبهم بالآيات، وقيل مبالغة في تهويل أمر الكفر حيث أخبر سبحانه أنه للمتصف به دون عمل السيئات عذابًا مهينًا ولو تعرض لذلك لأفاد أن ذلك العذاب للمتصف بالمجموع فيضعف التهويل، والقول بأن المراد من التكذيب بالآيات عمل السيئات أو في الكلام صنعة الاحتباك والأصل فالذين آمنوا وصدقوا بآياتنا وعملوا الصالحات في جنات النعيم والذين كفروا وكذبوا بآياتنا وعملوا السيئات فأولئك لهم عذاب مهين خلاف الظاهر كما لا يخفى.

.تفسير الآية رقم (58):

{وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقًا حَسَنًا وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (58)}
{والذين هَاجَرُواْ فِي سَبِيلِ الله} أي في الجهاد حسا يلوح به قوله تعالى: {ثُمَّ قُتِلُواْ أَوْ مَاتُواْ} أي في تضاعيف المهاجرة. وقرأ ابن عامر {قاتلوا} بالتشديد، ومحل الموصول الرفع على الابتداء، وقوله تعالى: {لَيَرْزُقَنَّهُمُ الله} جواب لقسم محذوف والجملة خبره على الأصح من جواز وقوع القسم وجوابه خبرًا، ومن منع أضمر قولًا هو الخبر والجملة محكية به، وقوله سبحانه: {رِزْقًا حَسَنًا} أما مفعول ثان ليرزق على أنه من باب النقض والذبح أي مرزوقًا حسنًا أو مصدر مبين للنوع، والمراد به عند بعض ما يكون للشهداء في البرزخ من الرزق، ويؤيده ما أخرجه ابن أبي حاتم. وابن مردويه عن سلمان الفارسي رضي الله تعالى عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من مات مرابطًا أجرى عليه الرزق وأمن من الفتانين» واقرؤا إن شئتم {والذين هاجروا في سبيل الله ثم قتلوا أو ماتوا} إلى قوله تعالى: {حليم} [الحج: 58-59] وقد نص سبحانه في آية أخرى على أن الذين يقتلون في سبيل الله تعالى أحيا عند ربهم يرزقون وليس ذلك في تلك الآية إلا في البرزخ وقال آخرون: المراد به ما لا ينقطع أبدًا من نعيم الجنة. ورد بأن ذلك لا اختصاص له بمن هاجر في سبيل الله ثم قتل أو مات بل يكون للمؤمنين كلهم.
وتعقب بأن عدم الاختصاص ممنوع فإن تنكير {رِزْقًا} يجوز أن يكون للتنويع ويختص ذلك النوع بأولئك المهاجرين، وقيل المراد تشريفهم وتبشيرهم بهذا الوعد الصادر ممن لا يخلف الميعاد المقترن بالتأكيد القسمي ويكفي ذلك في تفضيلهم على سائر المؤمنين كما في المبشرين من الصحابة رضي الله تعالى عنهم وفيه نظر.
وقال الكلبي: هو الغنيمة، وقال الأصم: هو العلم والفهم كقول شعيب عليه السلام: {وَرَزَقَنِى مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا} [هود: 88] ويرد عليهما أنه تعالى جعل هذا الرزق جزاء على قتلهم أو وتهم في تضاعيف المهاجرة في سبيل الله تعالى فلا يصح أن يكون في الدنيا ولعل قائل ذلك يقول: إنه في الآخرة وفيها تتفاوت مراتب العلم أيضًا.
وظاهر الآية على ما قيل: استواء من قتل ومن مات مهاجرًا في سبيل الله تعالى في الرتبة وبه أخذ بعضهم.
وذكر أنه لما مات عثمان بن مظعون. وأبو سلمة بن عبد الأسد قال بعض الناس: من قتل من المهاجرين أفضل ممن مات حتف أنفه فنزلت الآية مسوية بينهم.
وأخرج ابن جرير. وابن المنذر. وابن أبي حاتم عن فضالة بن عبيد الأنصاري الصحابي أنه كان وضع فمروا بجنازتين إحداهما قتيل والأخرى متوفى فمال الناس على القتيل في سبيل الله تعالى فقال: والله ما أبالي من أي حفرتيهما بعثت اسمعوا كتاب الله تعالى فقال: {والذين هَاجَرُواْ فِي سَبِيلِ الله ثُمَّ قُتِلُواْ أَوْ مَاتُواْ} الآية.
ويؤذ ذلك بما روى عن أنس قال: قال صلى الله عليه وسلم: «المقتول في سبيل الله تعالى والمتوفى في سبيل الله تعالى بغير قتل هما في الأجر شريكان» فإن ظاهر الشركة يشعر بالتسوية، وظاهر القول بالتسوية أن المتوفى مهاجرًا في سبيل الله تعالى شهيدًا كالقتيل وبه صرح بعضهم، وفي البحر أن التسوية في الوعد بالرزق الحسن لا تدل على تفضيل في المعطى ولا تسوية فإن يكن تفضيل فمن دليل آخر، وظاهر الشريعة أن المقتول أفضل انتهى، وما تقدم في سبيل النزول غير مجمع عليه، فقد روى أن طوائف من الصحابة رضي الله تعالى عنهم قالوا: يا نبي الله هؤلاء الذين قتلوا قد علمنا ما أعطاهم الله تعالى من الخير ونحن نجاهد معك كما جاهدوا فما لنا إن متنا معك فنزلت، واستدل بعضهم بهذا أيضًا على التسوية، وقال مجاهد: نزلت في طوائف خرجوا من مكة إلى المدينة لهجرة فتبعهم المشركون وقاتلوهم، وعلى هذا القول ليس المراد من المهاجرة في سبيله تعالى المهاجرة في الجهاد، وأيًا ما كان فهذا ابتداء كلام غير داخل في حيز التفصيل. ويوهم ظاهر كلام بعضهم الدخول وأنه تعالى أفراد المهاجرين بالذكر مع دخولهم دخولًا أوليًا في {الذين آمنوا وعملوا الصالحات} [الحج: 56] تفخيمًا لشأنهم وهو كما ترى، {وَإِنَّ الله لَهُوَ خَيْرُ الرزقين} فإنه جل وعلا يرزق بغير حساب مع أن ما يرزقه قد لا يقدر عليه أحد غيره سبحانه وأن غيره تعالى إنما يرزق مما رزقه هو جل شأنه.
واستدل بذلك على أنه قد يقال لغيره تعالى رازق والمراد به معطى، والأولى عندي أن لا يطلق رازق على غيره تعالى وأن لا يتجاوز عما ورد.
وأما إسناد الفعل إلى غيره تعالى كرزق الأمير الجندي وأرزق فلانًا من كذا فهو أهون من إطلاق رازق ولعله مما لا بأس به، وصرح الراغب بأن الرزاق لا يقال إلا لله تعالى، والجملة اعتراض تذييلي مقرر لما قبله. وقوله تعالى:

.تفسير الآيات (59- 60):

{لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلًا يَرْضَوْنَهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ (59) ذَلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ ثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (60)}
{لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُّدْخَلًا يَرْضَوْنَهُ} استئناف مقرر لمضمون قوله سبحانه: {لَيَرْزُقَنَّهُمُ الله} [الحج: 58] أو بدل منه مقصود منه تأكيده. و{مُّدْخَلًا} إما اسم مكان أريد به الجنة كما قال السدي وغيره أو درجات فيها مخصوصة بأولئك المهاجرين كما قيل، وقيل هو خيمة من درة بيضاء لا فصم فيها ولا وصم لها سبعون ألف مصراع، أو مصدر ميمي، وهو على الاحتمال الأول مفعول ثان للإدخال وعلى الثاني مفعول مطلق، ووصفه بيرضونه على الاحتمالين لما أنهم يرون إذا أدخلوا ما لا عين رأيت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بسر، وقيل على الثاني: إن رضاهم لما أن إدخالهم من غير مشقة تنالهم بل براحة واحترام.
وقرأ أهل المدينة {مُّدْخَلًا} بالفتح والباقون بالضم {وَإِنَّ الله لَعَلِيمٌ} بالذي يرضيهم فيعطيهم إياه أو لعليم بأحوالهم وأحوال أعدائهم الذين هاجروا لجهادهم {حَلِيمٌ} فلا يعاجل أعداءهم بالعقوبة، وبهذا يظهر مناسبة هذا الوصف لما قبله وفيه أيضًا مناسبة لما بعد {ذلك} قد حقق أمره {وَمَنْ عَاقَبَ ثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ} أي من جازى الجاني ثل ماجنى به عليه، وتسمية ما وقع ابتداء عقابًا مع أن العقاب كما قال غير واحد جزاء الجناية لأنه يأتي عقبها وهو في الأصل شيء يأتي عقب شيء للمشاكلة أو لأن الابتداء لما كان سببًا للجزاء أطلق عليه مجازًا مرسلًا بعلاقة السببية، وقال بعض المحققين: يجوز أن يقال: لا مشاكلة ولا مجاز بناء على أن العرف جار على إطلاقه على ما يعذب به وإن لم يكن جزاء جناية، و{مِنْ} موصولة وجوز أن تكون شرطية سد جواب القسم الآتي مسد جوابها، والجملة مستأنفة، والباء في الموضعين قيل للسبب لا للآلة وإليه ذهب أبو البقاء، وقال الخفاجي: باء {ثَلٍ} آلية لا سببية لئلا يتكرر مع قوله تعالى: {بِهِ} والمنساق إلى ذهني القاصر كونها في الموضعين للآلة وفيما ذكره الخفاجي نظر فتأمل.
{ثُمَّ بُغِىَ عَلَيْهِ} بالمعاودة إلى العقاب {لَيَنصُرَنَّهُ الله} على من بغى عليه لا محالة عند كره للانتقام منه {إِنَّ الله لَعَفُوٌّ غَفُورٌ} تعليل للنصرة حيث كانت لمن ارتكب خلاف الأولى من العفو عن الجاني المندوب إليه والمستوجب للمدح عنده تعالى ولم ينظر في قوله تعالى: {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى الله} [الشورى: 40]. {وَأَن تَعْفُواْ أَقْرَبُ للتقوى} [البقرة: 237]. {وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الامور} [الشورى: 43] بأن ذلك لأنه لا يلوم على ترك الأولى إذا روعى الشريطة وهي عدم العدوان. وفيه تعريض كان أولية العفو لأن ذكر الصفتين يدل على أن هناك شبه جناية، وإظهار الاسم الجليل في مقام الإضمار للإشارة إلى أن ذلك من مقتضى الألوهية.
وحمل الجملة على ما ذكر أحد أوجه ثلاثة ذكرها الزمخشري في بيان مطابقة ذكر العفو الغفور هذا الموضع. وثانيها: أنه دل بذلك على أنه تعالى قادر على العقوبة لأنه لا يوصف بالعفو إلا القادر على ضده.
قال في الكشف: فهو أي {إِنَّ الله} إلخ على هذا أيضًا تعليل للنصرة وأن المعاقب يستحق فوق ذلك وإنما الاكتفاء بالمثل لمكان عفو الله تعالى وغفرانه سبحانه، وفيه إدماج أيضًا للحث على العفو وهذا وجه وجيه اه، وثالثها: أنه دل بذلك على نفي اللوم على ترك الأولى حسا قرر أولًا إلا أن الجملة عليه خبر ثان لقوله تعالى: {مِنْ عَاقَبَ ثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ} والخبر الآخر قوله تعالى: {لَيَنصُرَنَّهُ الله} فيكون قد أخبر عنه بأنه لا يلومه على ترك العفو وأنه ضامن لنصره في إخلاله ثانيًا بذلك.
وجعل ذلك بعضهم من التقديم والتأخير ولا ضرورة إليه، وقيل: إن العفو ليس لارتكاب المعاقب خلاف الأولى بل لأن المماثلة من كل الوجوه متعسرة فيحتاج للعفو عما وقع فيها وليس بذاك. ونقل الطيبي عن الإمام أن الآية نزلت في قوم مشركين لقوا قومًا من المسلمين لليلتين بقيتا من المحرم فقالوا: إن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يكرهون القتال في الشهر الحرام فاحملوا عليهم فناشدهم المسلمون بأن يكفوا عن القتال فأبوا فقاتلوهم فنصر الملسمون ووقع في أنفسهم شيء من القتال في الشهر الحرام فأنزل الله تعالى الآية، ثم قال: فعلى هذا أمر المطابقة ظاهر ويكون أوفق لتأليف النظم، وذلك أن لفظة {ذلك} فصل للخطاب وقوله تعالى: {وَمَنْ عَاقَبَ} شروع في قصة أخرى لأولئك السادة بعد قوله سبحانه: {والذين هاجروا} الآيتين اه.
وتعقب بأن الآية تقتضي ابتداء ثم جزاء ثم بغيًا ثم جزاء والقصة لم تدل عليه إلا أن يجعل ما بينهم من التعادي معاقبة بالمثل ويجعل البغي مناواتهم لقتال المسلمين في الشهر الحرام وهو خلاف الظاهر، وأما الموافقة لتأليف النظم فعلى ما ذكره غيره أبين لأنه لما ذكر حال المقتولين منهم والميتين منهم قيل الأمر ذلك فيما يرجع إلى حال الآخرة وفيما يرجع إلى حال الدنيا إنهم لهم المنصورون لأنهم بين معاقب وعاف وكلاهما منصوران أما الأول فنصًا وأما الثاني فمن فحوى الخطاب أعني مفهوم الموافقة، وفيه وعيد شديد للباغي وأنه مخذول في الدارين مسلوك في قرن من كان في مرية حتى أتته الساعة أو العذاب اه، وهو كلام رصين، ولا يعكر عليه قولهم: إنه أتى بذلك للاقتضاب فتأمل. وعن الضحاك أن الآية مدنية وهي في القصاص والجراحات.
واستدل بها الشافعي على وجوب رعاية المماثلة في القصاص، وعندنا لا قود إلا بالسيف كما جاء في «الخبر» والمراد به السلاح وخبر {مِنْ} لم يصح وبتسليم صحته محمول على السياسة، وينبغي أن يعلم أن المعاقبة بالمثل على الإطلاق غير مشروعة فإن الرجل قد يعاقب بنحو يا زاني وقد قالوا: إنه إذا قيل له ذلك فقال لا بل أنت زان حد هو والقائل الأول فليحفظ.