فصل: تفسير الآية رقم (22):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (22):

{وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ (22)}
{وَعَلَيْهَا وَعَلَى الفلك تُحْمَلُونَ} في البر والبحر بأنفسكم وأثقالكم. وضمير {عَلَيْهَا} للانعام باعتبار نسبة ما للبعض إلى الكل أيضًا. ويجوز أن يكون لها باعتبار أن المراد بها الإبل على سبيل الاستخدام لأنها هي المحمول عليها عندهم والمناسبة للفلك فإنها سفائن البر قال ذو الرمة في صيدحه:
سفينة بر تحت خدي زمامها

وهذا مما لا بأس به. وأما حمل الأنعام من أول الأمر على الابل فلا يناسب مقام الامتنان ولا سياق الكلام، وفي الجمع بينهما وبين الفلك في إيقاع الحمل عليها مبالغة في تحملها للحمل، قيل: وهذا هو الداعي إلى تأخير هذه المنفعة مع كونها من المنافع الحاصلة منها عن ذكر منفعة الأكل المتعلقة بعينها.

.تفسير الآية رقم (23):

{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ (23)}
{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إلى قَوْمِهِ} شروع في بيان إهمال الناس وتركهم النظر والاعتبار فيما عدد سبحانه من النعم وما حاقهم من زوالها وفي ذلك تخويف لقريش.
وتقديم قصة نوح عليه السلام على سائر القصص مما لا يخفى وجهه، وفي إيرادها إثر قوله تعالى: {وَعَلَيْهَا وَعَلَى الفلك تُحْمَلُونَ} [المؤمنون: 22] من حسن الموقع ما لا يوصف، وتصديرها بالقسم لإظهار كمال الاعتناء ضمونها، والكلام في نسب نوح عليه السلام وكمية لبثه في قومه ونحو ذلك قد مر، والأصح أنه عليه السلام لم تكن رسالته عامة بل أرسل إلى قوم مخصوصين {فَقَالَ} متعطفًا عليهم ومستميلًا لهم إلى الحق {يَابَنِى إسراءيل اعبدوا الله} أي اعبدوه وحده كما يفصح عنه قوله تعالى في سورة [هود: 2] {أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ الله} وترك التقييد به للإيذان بأنها هي العبادة فقط وأما العبادة مع الإشراك فليست من العبادة في شيء رأسًا، وقوله تعالى: {مَا لَكُم مّنْ إله غَيْرُهُ} استئناف مسوق لتعليل العبادة المأمور بها أو تعليل الأمر بها، و{غَيْرُهُ} بالرفع صفة لإله باعتبار محله الذي هو الرفع على أنه فاعل بلكم أو مبتدأ خبره {لَكُمْ} أو محذوف و{لكم} للتخصيص والتبيين أي ما لكم في الوجود إله غيره تعالى. وقرئ {غَيْرُهُ} بالجر اعتبارًا للفظ {إِلَهٍ} {أَفَلاَ تَتَّقُونَ} الهمزة لإنكار الواقع واستقباحه والفاء للعطف على مقدر يقتضيه المقام أي أتعرفون ذلك أي مضمون قوله تعالى: {مَا لَكُم مّنْ إله غَيْرُهُ} فلا تتقون عذابه تعالى الذي يستوجبه ما أنتم عليه من ترك عبادته سبحانه وحده وإشراككم به عز وجل في العبادة ما لا يستحق الوجود لولا إيجاد الله تعالى إياه فضلًا عن استحقاق العبادة فالمنكر عدم الإتقاء مع تحقق ما يوجه، ويجوز أن يكون التقدير ألا تلاحظون فلا تتقون فالمنكر كلا الأمرين فالمبالغة حينئذٍ في الكمية وفي الأول في الكيفية، وتقدير مفعول {تَتَّقُونَ} حسا أشرنا إليه أولى من تقدير بعضهم إياه زوال النعم ولا نسلم أن المقام يقتضيه كما لا يخفى.

.تفسير الآية رقم (24):

{فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَنْزَلَ مَلَائِكَةً مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آَبَائِنَا الْأَوَّلِينَ (24)}
{فَقَالَ الملؤا} أي الأشراف {الذين كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ} وصف الملأ بالكفر مع اشتراك الكل فيه للإيذان بكمال عراقتهم وشدة شكيمتهم فيه، وليس المراد من ذلك إلا ذمهم دون التمييز عن أشراف آخرين آمنوا به عليه السلام إذ لم يؤمن به أحد من أشرافهم كما يفصح عنه قول: {مَا نَرَاكَ اتبعك إِلاَّ الذين هُمْ أَرَاذِلُنَا} [هود: 27] وقال الخفاجي: يصح أن يكون الوصف بذلك للتمييز وإن لم يؤمن بعض أشرافهم وقت التكلم بهذا الكلام لأن من أهله عليه السلام المتبعين له أشرافًا؛ وأما قول: {مَا نَرَاكَ} [هود: 27] إلخ فعلى زعمهم أو لقلة المتبعين له من الأشراف، وأيًا ما كان فالمعنى فقال الملأ لعوامهم {مَا هذا إِلاَّ بَشَرٌ مّثْلُكُمْ} أي في الجنس والوصوف من غير فرق بينكم وبينه وصفوه عليه السلام بذلك مبالغة في وضع رتبته العالية وحطها عن منصب النبوة، ووصفوه بقوله سبحانه: {يُرِيدُ أَن يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ} إغضابًا للمخاطبين عليه عليه السلام وإغراءً لهم على معاداته، والتفضل طلب الفضل وهو كناية عن السيادة كأنه قيل: يريد أن يسودكم ويتقدمكم بادعاء الرسالة مع كونه مثلكم، وقيل: صيغة التفعل مستعارة للكمال فإنه ما يتكلف له يكون على أكمل وجه فكأنه قيل: يريد كمال الفضل عليكم {وَلَوْ شَاء الله لاَنزَلَ ملائكة} بيان لعدم رسالة البشر على الإطلاق على زعمهم الفاسد بعد تحقيق بشريته عليه السلام أي ولو شاء الله تعالى إرسال الرسول لأرسل رسلًا من الملائكة، وإنما قيل {لاَنزَلَ} لأن إرسال الملائكة لا يكون إلا بطريق الإنزال فمفعول المشيئة مطلق الإرسال المفهوم من الجواب لا نفس مضمونه كما في قوله تعالى: {وَلَوْ شَآء لَهَدَاكُمْ} [النحل: 9] ولا بأس في ذلك، وأما القول بأن مفعول المشيئة إنما يحذف إذا لم يكن أمرًا غريبًا وكان مضمون الجزاء فهو ضابطة للحذف المطرد فيه لا مطلقًا فإنه كسائر المفاعيل يحذف ويقدر بحسب القرائن، وعلى هذا يجوز أن يقال: التقدير ولو شاء الله تعالى عبادته وحده لأنزل ملائكة يبلغوننا ذلك عنه عز وجل وكان هذا منهم طعن في قوله عليه السلام لهم: {اعبدوا الله} [هود: 50] وكذا قوله تعالى: {مَا هذا إِلاَّ بَشَرٌ مّثْلُكُمْ يُرِيدُ} بل هو طعن فيما ذكر على التقدير الأول أيضًا وذلك بناءً على أن {هذا} إشارة إلى الكلام المتضمن الأمر بعبادة الله عز وجل خاصة والكلام على تقدير مضاف أي ما سمعنا ثل هذا الكلام في آبائنا الماضين قبل بعثته عليه السلام، وقدر المضاف لأن عدم السماع بكلام نوح المذكور لا يصلح للرد فإن السماع ثله كاف للقبول، وقيل: الإشارة إلى نفس هذا الكلام مع قطع النظر عن المشخصات فلا حاجة إلى تقدير المضاف وهو كلام وجيه؛ ثم إن قولهم هذا إما لكونهم وآبائهم في فترة وإما لفرط غلوهم في التكذيب والعناد وانهماكهم في الغي والفساد، وأيًا ما كان ينبغي أن يكون هو الصادر عنهم في مبادئ دعوته عليه السلام كما ينبئ عنه الفاء الظاهرة في التعقيب في قوله تعالى: {فَقَالَ الملا} إلخ.
وقيل: {هذا} إشارة إلى نوح عليه السلام على معنى ما سمعنا بخبر نبوته، وقيل: إلى اسمه وهو لفظ نوح والمعنى لو كان نبيًا لكان له ذكر في آبائنا الأولين، وعلى هذين القولين يكون قولهم المذكور من متأخري قومه المولودين بعد بعثته دة طويلة فيكون المراد من آبائهم الأولين من مضى قبلهم في زمنه عليه الصلاة والسلام، وصدور ذلك عنهم في أواخر أمره عليه السلام وقيل: بعد مضي آبائهم ولا يلزم أن يكون في الأواخر، وعليهما أيضًا يكون قولهم:

.تفسير الآية رقم (25):

{إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتَّى حِينٍ (25)}
{إِنْ هُوَ} أي ما هو {إِلاَّ رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ} أي جنون أو جن يخبلونه ولذلك يقول ما يقول: {فَتَرَبَّصُواْ بِهِ} فاحتملوه واصبروا عليه وانتظروا {حتى حِينٍ} لعله يفيق مما هو فيه محمولًا على ترامي أحوالهم في المكابرة والعناد وإضرابهم عما وصفوه عليه السلام به من البشرية وإرادة التفضل إلى وصفه بما ترى وهم يعرفون أنه عليه السلام أرجح الناس عقلًا وأرزنهم قولًا، وهو على ما تقدم محمول على تناقض مقالاتهم الفاسدة قاتلهم الله تعالى أنى يؤفكون.

.تفسير الآية رقم (26):

{قَالَ رَبِّ انْصُرْنِي بما كَذَّبُونِ (26)}
{قَالَ} استئناف بياني كأنه قيل: فماذا قال عليه السلام بعد ما سمع منهم هذه الأباطيل؟ فقيل: قال لما رآهم قد أصروا على ما هم فيه وتمادوا على الضلال حتى يئس من إيمانهم بالكلية وقد أوحى إليه {وَأُوحِىَ إلى نُوحٍ أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلاَّ} [هود: 36] {رَبّ انصرنى} بإهلاكهم بالمرة بناءً على أنه حكاية إجمالية لقوله عليه السلام: {رَّبّ لاَ تَذَرْ عَلَى الأرض مِنَ الكافرين دَيَّارًا} [نوح: 26] إلخ، والباء في قوله تعالى: {ا كَذَّبُونِ} للسببية أو للبدل وما مصدرية أي بسبب تكذيبهم إياي أو بدل تكذيبهم، وجوز أن تكون الباء آلية وما موصولة أي انصرني بالذي كذبوني به وهو العذاب الذي وعدتهم إياه ضمن قولي: {إِنّى أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} [الأعراف: 59] وحاصله انصرني بإنجاز ذلك، ولا يخفى ما في حذف مثل هذا العائد من الكلام. وقرأ أبو جعفر. وابن محيصن {رَبّ} بضم الباء ولا يخفى وجهه.

.تفسير الآية رقم (27):

{فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا فَإِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ فَاسْلُكْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ (27)}
{فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ} عقيب ذلك، وقيل: بسبب ذلك {أَنِ اصنع الفلك} {ءانٍ} مفسرة لما في الوحي من معنى القول: {بِأَعْيُنِنَا} ملتبسًا زيد حفظنا ورعايتنا لك من التعدي أو من الزيغ في الصنع {وَوَحْيِنَا} وأمرنا وتعليمنا لكيفية صنعها، والفاء في قوله تعالى: {فَإِذَا جَاء أَمْرُنَا} لترتيب مضمون ما بعدها على إتمام صنع الفلك، والمراد بالأمر العذاب كما في قوله تعالى: {لاَ عَاصِمَ اليوم مِنْ أَمْرِ الله} [هود: 43] فهو واحد الأمور لا الأمر بالركوب فهو واحد الأوامر كما قيل، والمراد جيئه كمال اقترابه أو ابتداء ظهوره أي إذا جاء أثر تمام الفلك عذابنا، وقوله سبحانه: {وَفَارَ التنور} بيان وتفسير لمجيء الأمر. روي أنه قيل له عليه السلام إذا فار التنور اركب أنت ومن معكم وكان تنور آدم عليه السلام فصار إلى نوح عليه السلام فلما نبع منه الماء أخبرته امرأته فركبوا. واختلفوا في مكانه فقيل كان في مسجد الكوفة أي في موضعه عن يمين الداخل من باب كندة اليوم، وقيل: كان في عين وردة من الشام، وقيل: بالجزيرة قريبًا من الموصل، وقيل: التنور وجه الأرض، وقيل: فار التنور مثل كحمى الوطيس، وعن علي كرم الله تعالى وجهه أنه فسر {وَفَارَ التنور} بطلع الفجر فقيل: معناه إن فوران التنور كان عند طلوع الفجر وفيه بعد، وتمام الكلام في ذلك قد تقدم لك.
{فاسلك فِيهَا} أي أدخل فيها يقال سلك فيه أي دخل فيه وسلكه فيه أي أدخله فيه، ومنه قوله تعالى: {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ} [المدثر: 42] {مِن كُلّ} أي من كل أمة {زَوْجَيْنِ} أي فردين مزدوجين كما يعرب عنه قوله تعالى: {اثنين} فإنه ظاهر في الفردين دون الجمعين.
وقرأ أكثر القراء من {كُلّ زَوْجَيْنِ} بالإضافة على أن المفعول {اثنين} أي لسلك من كل أمتي الذكر والأنثى واحدين مزدوجين كجمل وناقة وحصان ورمكة. روي أنه عليه السلام لم يحمل في الفلك من ذلك إلا ما يلد ويبيض وأما ما يتولد من العفونات كالبق والذباب والدود فلم يحمل شيئًا منه، ولعل نحو البغال ملحقة في عدم الحمل بهذا الجنس لأنه يحصل بالتوالد من نوعين فالحمل منهما مغن عن الحمل منه إذا كان الحمل لئلا ينقطع النوع كما هو الظاهر فيحتاج إلى خلق جديد كما خلق في ابتداء الأمر. والآية صريحة في أن الأمر بالإدخال كان قبل صنعه الفلك، وفي سورة [هود: 40] {حتى إِذَا جَاء أَمْرُنَا وَفَارَ التنور قُلْنَا احمل فِيهَا مِن كُلّ زَوْجَيْنِ} فالوجه أن يحمل على أنه حكاية لأمر آخر تنجيزي ورد عند فوران التنور الذي نيط به الأمر التعليقي اعتناءً بشأن المأمور به أو على أن ذلك هو الأمر السابق بعينه لكن لما كان الأمر التعليقي قبل تحقق المعلق به في حق إيجاب المأمور به نزلة العدم جعل كأنه إنما حدث عند تحققه فحكى على صورة التنجيز {وَأَهْلَكَ} قيل عطف على {اثنين} على قراءة الإضافة وعلى {زَوْجَيْنِ} على قراءة التنوين، ولا يخفى اختلال المعنى عليه فهو منصوب بفعل معطوف على {فاسلك} أي واسلك أهلك، والمراد بهم أمة الإجابة الذين آمنوا به عليه الصلاة والسلام سواء كانوا من ذوي قرابته أم لا وجاء إطلاق الأهل على ذلك، وإنما حمل عليه هنا دون المعنى المشهور ليشمل من آمن ممن ليس ذا قرابة فإنهم قد ذكروا في سورة هود والقرآن يفسر بعضه بعضًا، وعلى هذا يكون قوله تعالى: {إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ القول مِنْهُمْ} استثناء منقطعًا، واختار بعضهم حمل الأهل على المشهور وإرادة امرأته وبنيه منه كما في سورة هود وحينئذٍ يكون الاستثناء متصلًا كما كان هناك، وعدم ذكر من آمن للاكتفاء بالتصريح به ثمت مع دلالة ما في الاستثناء وكذا ما بعده على أنه ينبغي إدخاله، وتأخير الأمر بإدخال الأهل على التقديرين عما ذكر من إدخال الأزواج لأن إدخال الأزواج يحتاج إلى مزاولة الأعمال منه عليه السلام وإلى معاونة أهله إياه وأما هم فإنما يدخلون باختيارهم، ولأن في المؤخر ضرب تفصيل بذكر الاستثناء وغيره فتقديمه يخل بتجاوب النظم الكريم، والمراد بالقول القول بالإهلاك، والمراد بسبق ذلك تحققه في الأزل أو كتابة ما يدل عليه في اللوح المحفوظ قبل أن تخلق الدنيا، وجيء بعلى لكون السابق ضارًا كما جيء باللام في قوله تعالى: {إِنَّ الذين سَبَقَتْ لَهُمْ مّنَّا الحسنى} [الأنبياء: 101] لكون السابق نافعًا {وَلاَ تخاطبنى فِي الذين ظَلَمُواْ} أي لا تكلمني فيهم بشفاعة وإنجاء لهم من الغرق ونحوه، وإذا كان المراد بهم من سبق عليه القول فالإظهار في مقام الإضمار لا يخفى وجهه {إِنَّهُمْ مُّغْرَقُونَ} تعليل للنهي أو لما ينبئ عنه من عدم قبول الشفاعة لهم أي أنهم مقضي عليهم بالإغراق لا محالة لظلمهم بالإشراك وسائر المعاصي ومن هذا شأنه لا ينبغي أن يشفع له أو يشفع فيه وكيف ينبغي ذلك وهلاكه من النعم التي يؤمر بالحمد عليها كما يؤذن به قوله تعالى: