فصل: تفسير الآية رقم (36):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (36):

{هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ (36)}
{هَيْهَاتَ} اسم لبعد وهو في الأصل اسم صوت وفاعله مستتر فيه يرجع للتصديق أو الصحة أو الوقوع أو نحو ذلك مما يفهمه السياق فكأنه قيل بعد التصديق أو الصحة أو الوقوع، وقوله تعالى: {هَيْهَاتَ} تكرير لتأكيد البعد، والغالب في هذه الكلمة مجيئها مكررة وجاءت غير مكررة في قول جرير:
وهيهات خل بالعقيق نواصله

وقوله سبحانه: {لِمَا تُوعَدُونَ} بيان لمرجع ذلك الضمير فاللام متعلقة قدر كما في سقيا له أي التصديق أو الوقوع المتصف بالبعد كائن لما توعدون، ولا ينبغي أن يقال: إنه متعلق بالضمير الراجع إلى المصدر كما في قوله:
وما الحرب إلا ما علمتم وذقتم ** وما هو عنها بالحديث المرجم

فإن إعمال ضمير المصدر وإن ذهب إليه الكوفيون نادر جدًا لا ينبغي أن يخرج عليه كلام الله تعالى، وقيل: لم يثبت والبيت قابل للتأويل وهذا كله مع كون الضمير بارزًا فما ظنك إذا كان مستترًا، والقول بأن الفاعل محذوف وليس بضمير مستتر وهو مصدر كالوقوع والتصديق والجار متعلق به مما لا ينبغي أن يلتفت إليه أصلًا لاسيما إذا كان ذلك المصدر المحذوف معرفًا كما لا يخفى، ويجوز أن يكون الفاعل ضمير البعد واللام للبيان كأنه قيل، فعل البعد ووقع ثم قيل لماذا؟ فقيل: لما توعدون، وقيل: فاعل {هَيْهَاتَ} ما توعدون واللام سيف خطيب، وأيد بقراءة ابن أبي عبلة {هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ مَا} بغير لام. ورد بأنها لم تعهد زيادتها في الفاعل، وقيل: هيهات عنى البعد وهو مبتدأ مبني اعتبارًا لأصله خبره {هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ} أي البعد كائن لما توعدون ونسب هذا التفسير للزجاج.
وتعقبه في البحر بأنه ينبغي أن يكون تفسير معنى لا تفسير إعراب لأنه لم تثبت مصدرية {هَيْهَاتَ}.
وقرأ هارون عن أبي عمرو {هيهاتا هيهاتا} بفتحهما منونتين للتنكير كما في سائر أسماء الأفعال إذا نونت فهو اسم فعل نكرة، وقيل: هو على هذه القراءة اسم متمكن منصوب على المصدرية. وقرأ أبو حيوة. والأحمر بالضم والتنوين، قال صاحب اللوامح: يحتمل على هذا أن تكون {أَنَّكُمْ مُّخْرَجُونَ هَيْهَاتَ} اسمًا متمكنًا مرتفعًا بالابتداء و{لِمَا تُوعَدُونَ} خبره والتكرار للتأكيد، ويحتمل أن يكون اسمًا للفعل والضم للبناء مثل حوب في زجر الإبل لكنه نون لكونه نكرة اه، وقيل: هو اسم متمكن مرفوع على الفاعلية أي وقع بعد، وعن سيبويه أنها جمع كبيضات، وأخذ بعضهم منه تساوى مفرديهما في الزنة فقال مفردها هيهة كبيضة. وفي رواية عن أبي حيوة أنه ضمهما من غير تنوين تشبيهًا لهما بقبل وبعد في ذلك.
وقرأ أبو جعفر. وشيبة بالكسر فيهما من غير تنوين، وروي هذا عن عيسى وهو لغة في تميم. وأسد. وعنه أيضًا عن خالد بن الياس أنهما قرآ بكسرهما والتنوين.
وقرأ خارجة بن مصعب عن أبي عمرو. والأعرج. وعيسى أيضًا بالإسكان فيهما، فمنهم من يبقى التاء ويقف عليها كما في مسلمات، ومنهم من يبدلها هاء تشبيهًا بتاء التأنيث ويقف على الهاء، وقيل: الوقف على الهاء لاتباع الرسم، والذي يفهم من مجمع البيان أن {هَيْهَاتَ} بالفتح تكتب بالهاء كأرطاة وأصلها هيهية كزلزلة قلبت الياء الثانية ألفًا لتحركها وانفتاح ما قبلها وكذا هيهات بالرفع والتنوين، وهي على هذا اسم معرب مفرد، ومتى اعتبرت جمعًا كتبت بالتاء وذلك إذا كانت مكسورة منونة أو غير منونة ونقل ذلك عن ابن جني.
وقرأ {أيهاه} بإبدال الهمزة من الهاء الأولى والوقف بالسكون على الهاء، والذي أميل إليه أن جميع هذه القراءات لغات والمعنى واحد، وفي هذه الكلمة ما يزيد على أربعين لغة وقد ذكر ذلك في التكميل لشرح التسهيل وغيره.

.تفسير الآية رقم (37):

{إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بْعُوثِينَ (37)}
{وَقَالُواْ إِنْ هي إِلاَّ حَيَاتُنَا الدنيا} أصله إن الحياة إلا حياتنا الدنيا ثم وضع الضمير موضع الحياة لأن الخبر يدل عليها ويبينها فالضمير عائد على متأخر وعوده كذلك جائز في صور، منها إذا فسر بالخبر كما هنا كذا قالوا. واعترض بأن الخبر موصوف فتلاحظ الصفة في ضميره كما هو المشهور في الضمير الراجع إلى موصوف وحينئذٍ يصير التقدير إن حياتنا الدنيا إلا حياتنا الدنيا.
وأجيب بأن الضمير قد يعود إلى الموصوف بدون صفته، وهذا في الآخرة يعود إلى القول بأن الضمير عائد على ما يفهم من جنس الحياة ليفيد الحمل ما قصدوه من نفي البعث فكأنهم قالوا: لا حياة إلا حياتنا الدنيا ومن ذلك يعلم خطأ من قال: إنه كشعري شعري، ومن هذا القبيل على رأي قولهم: هي العرب تقول ما شاءت، وقوله:
هي النفس ما حملتها تتحمل ** وللدهر أيام تجوز وتعدل

وفي الكشف ليس المعنى النفس النفس لأنه لا يصلح الثاني حينئذٍ تفسيرًا والجملة بعدها بيانًا بل الضمير راجع إلى معهود ذهني أشير إليه ثم أخبر بما بعده كما في هذا أخوك انتهى فتأمل ولا تغفل. وقوله تعالى: {نَمُوتُ وَنَحْيَا} جملة مفسرة لما ادعوه من أن الحياة هي الحياة الدنيا وأرادوا بذلك يموت بعضنا ويولد بعض وهكذا، وليس المراد بالحياة حياة أخرى بعد الموت إذ لا تصلح الجملة حينئذٍ للتفسير ولا يذم قائلها وناقضت قولهم: {وَمَا نَحْنُ بْعُوثِينَ} وقيل: أرادوا بالموت العدم السابق على الوجود أو أرادوا بالحياة بقاء أولادهم فإن بقاء الأولاد في حكم حياة الآباء ولا يخفى بعده، ومثله على ما قيل وأنا لا أراه كذلك أن القوم كانوا قائلين بالتناسخ فحياتهم بتعلق النفس التي فارقت أبدانهم بأبدان أخر عنصرية تنقلت في الأطوار حتى استعدت لأن تتعلق بها تلك النفس المفارقة فزيد مثلًا إذا مات تتعلق نفسه ببدن آخر قد استعد في الرحم للتعلق ثم يولد فإذا مات أيضًا تتعلق نفسه ببدن آخر كذلك وهكذا إلى ما لا يتناهى، وهذا مذهب لبعض التناسخية وهم مليون ونحليون، ويمكن أن يقال: إن هذا على حد قوله تعالى لعيسى عليه السلام: {إِنّي مُتَوَفّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَىَّ} [آل عمران: 55] على قول فإن العطف فيه بالواو وهي لا تقتضي الترتيب فيجوز أن تكون الحياة التي عنوها الحياة التي قبل الموت ويحتمل أنهم قالوا نحيا ونموت إلا أنه لما حكى عنهم قيل: {نَمُوتُ وَنَحْيَا} ليكون أوفق بقوله تعالى: {إِنْ هي إِلاَّ حَيَاتُنَا الدنيا} ثم المراد بقولهم {وَمَا نَحْنُ} إلخ استمرار النفي وتأكيده.

.تفسير الآية رقم (38):

{إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا وَمَا نَحْنُ لَهُ ؤْمِنِينَ (38)}
{إِنْ هُوَ} أي ما هو {إِلاَّ رَجُلٌ افترى على الله كَذِبًا} فيما يدعيه من إرساله تعالى إياه وفيما يعدنا من أن الله تعالى يبعثنا {وَمَا نَحْنُ لَهُ ؤْمِنِينَ} صدقين فيما يقوله، والمراد أيضًا استمرار النفي وتأكيده.

.تفسير الآية رقم (39):

{قَالَ رَبِّ انْصُرْنِي بما كَذَّبُونِ (39)}
{قَالَ} أي رسولهم عند يأسه من إيمانهم بعدما سلك في دعوتهم كل مسلم متضرعًا إلى الله عز وجل: {رَبّ انصرنى} عليهم وانتقم لي منهم {ا كَذَّبُونِ} أي بسبب تكذيبهم إياي وإصرارهم عليه أو بدل تكذيبهم، ويجوز أن تكون الباء آلية وما موصولة كما مر في قصة نوح عليه السلام {قَالَ} تعالى إجابة لدعائه وعدة بما طلب.

.تفسير الآية رقم (40):

{قَالَ عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نَادِمِينَ (40)}
{عَمَّا قَلِيلٍ} أي عن زمان قليل فما صلة بين الجار والمجرور جيء بها لتأكيد معنى القلة و{قَلِيلٌ} صفة لزمان حذف واستغنى به عنه ومجيئه كذلك كثير، وجوز أن تكون {مَا} نكرة تامة و{قَلِيلٌ} بدلًا منها، وأن تكون نكرة موصوفة بقليل، و{عَنْ} عنى بعد هنا وهي متعلق بقوله تعالى: {لَّيُصْبِحُنَّ نادمين} وتعلقها بكل من الفعل والوصف محتمل، وجاز ذلك مع توسط لام القسم لأن الجار كالظرف يتوسع فيه ما لا يتوسع في غيره.
وقال أبو حيان: جمهور أصحابنا على أن لام القسم لا يتقدمها معمول ما بعدها سواء كان ظرفًا أم جارًا ومجرورًا أو غيرهما، وعليه يكون ذلك متعلقًا حذوف يدل عليه ما قبله والتقدير عما قليل تنصر أو ما بعده أي يصبحون عما قليل ليصبحن إلخ، ومذهب الفراء. وأبي عبيدة أنه يجوز تقديم معمول ما في حيز هذه اللام عليها مطلقًا، و{يُصْبِحَ} عنى يصير أي بالله تعالى ليصيرن نادمين على ما فعلوا من التكذيب بعد زمان قليل وذلك وقت نزول العذاب في الدنيا ومعاينتهم له، وقيل: بعد الموت، وفي اللوامح عن بعضهم {لتصبحن} بتاء على المخاطبة فلو ذهب ذاهب إلى أن القول من الرسول إلى الكفار بعدما أجيب دعاؤه لكان جائزًا.

.تفسير الآية رقم (41):

{فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ بِالْحَقِّ فَجَعَلْنَاهُمْ غُثَاءً فَبُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (41)}
{نادمين فَأَخَذَتْهُمُ الصيحة} أي صيحة جبريل عليه السلام صاح عليه السلام بهم فدمرهم، وهذا على القول بأن القرن قوم صالح عليه السلام ظاهر، ومن قال: إنهم قوم هود عليه السلام أشكل ظاهر هذا عليه بناءًا على أن المصرح به في غير هذه السورة أنهم أهلكوا بريح عاتية، وأجاب بأن جبريل عليه السلام صاح بهم من الريح كما روى في بعض الأحاديث، وفي ذكر كل على حدة إشارة إلى أن كلا لو انفرد لتدميرهم لكفى، ويجوز أن يراد بالصيحة العقوبة الهائلة والعذاب المصطلم كما في قوله:
صاح الزمان بآل برمك صيحة ** خروا لشدتها على الأذقان

{بالحق} متعلق بالأخذ أي بالأمر الثابت الذي لا مدفع له كما في قوله تعالى: {وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقّ} [ق: 19] أو بالعدل من الله عز وجل من قولك: فلان يقضي بالحق إذا كان عادلًا في قضاياه أو بالوعد الصدق الذي وعده الرسول في ضمن قوله تعالى: {عَمَّا قَلِيلٍ لَّيُصْبِحُنَّ نادمين} [المؤمنون: 40] {فجعلناهم غُثَاء} أي كغثاء السيل وهو ما يحمله من الورق والعيدان البالية ويجمع على أغثاء شذوذًا وقد تشدد ثاؤه كما في قول امرئ القيس:
كأن ذرى رأس المجيمر غدوة ** من السيل والغثاء فلكة مغزل

{فَبُعْدًا لّلْقَوْمِ الظالمين} يحتمل الاخبار والدعاء، والبعد ضد القرب والهلاك وفعلهما ككرم وفرح والمتعارف الأول في الأول والثاني في الثاني وهو منصوب قدر أي بعدوا بعدًا من رحمة الله تعالى أو من كل خير أو من النجاة أو هلكوا هلاكًا، ويجب حذف ناصب هذا المصدر عند سيبويه فيما إذا كان دعائيًا كما صرح به في الدر المصون، واللام لبيان من دعى عليه أو أخبر ببعده فهي متعلقة حذوف لا ببعدًا، ووضع الظاهر موضع الضمير إيذانًا بأن إبعادهم لظلمهم.

.تفسير الآية رقم (42):

{ثُمَّ أَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قُرُونًا آَخَرِينَ (42)}
{ثُمَّ أَنشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ} أي بعد هلاكهم {قُرُونًا ءاخَرِينَ} هم عند أكثر المفسرين قوم صالح. وقوم لوط. وقوم شعيب وغير ذلك.

.تفسير الآية رقم (43):

{مَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ (43)}
{مَّا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا} أي ما تتقدم أمة من الأمم المهلكة الوقت الذي عين لهلاكهم فمن سيف خطيب جيء بها لتأكيد الاستغراق المستفاد من النكرة الواقعة في سياق النفي، وحاصل المعنى ما تهلك أمة من الأمم قبل مجيء أجلها {وَمَا يَسْتَئَخِرُونَ} ذلك الأجل ساعة، وضمير الجمع عائد على {أُمَّةٍ} باعتبار المعنى.

.تفسير الآية رقم (44):

{ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَى كُلَّ مَا جَاءَ أُمَّةً رَسُولُهَا كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُمْ بَعْضًا وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ فَبُعْدًا لِقَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ (44)}
{ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا} عطف على {أَنشَأْنَا} [المؤمنون: 42] لكن لا على معنى أن إرسالهم متراخ عن إنشاء القرون المذكورة جميعًا بل على معنى أن إرسال كل رسول متأخر عن إرسال قرن مخصوص بذلك الرسول كأنه قيل: ثم أنشأنا من بعدهم قرونًا آخرين قد أرسلنا إلى كل قرن منهم رسولًا خاصًا به، والفصل بين المعطوفين بالجملة المعترضة للمسارعة إلى بيان هلاك أولئك القرون على وجه إجمالي، وتعليق الإرسال بالرسل نظير تعليق القتل بالقتيل في من قتل قتيلًا وللعلماء فيه توجيهات {تَتْرَا} من المواترة وهو التتابع مع فصل ومهلة على ما قاله الأصمعي. واختاره الحريري في الدرة.
وفي «الصحاح المواترة» المتابعة ولا تكون المواترة بين الأشياء إلا إذا وقعت بينها فترة وإلا فهي مداركة ومثله في القاموس، وعن أبي علي أنه قال: المواترة أن يتبع الخبر الخبر والكتاب الكتاب فلا يكون بينهما فصل كثير، ونقل في البحر عن بعض أن المواترة التتابع بغير مهلة، وقيل: هو التتابع مطلقًا، والتاء الأولى يدل من الواو كما في تراث وتجاه ويدل على ذلك الاشتقاق، وجمهور القراء. والعرب على عدم تنوينه فالفه للتأنيث كالف دعوى وذكرى وهو مصدر في موضع الحال والظاهر أنه حال من المفعول، والمراد كما قال أبو حيان. والراغب. وغيرهما ثم أرسلنا رسلنا متواترين، وقيل: حال من الفاعل والمراد أرسلنا متواترين.
وقيل هو صفة لمصدر مقدر أي إرسالًا متواترًا، وقيل مفعول مطلق لأرسلنا لأنه عنى واترنا. وقرأ ابن كثير. وأبو عمرو. وقتادة. وأبو جعفر. وشعبة. وابن محيصن. والإمام الشافعي عليه الرحمة {رُسُلَنَا تَتْرَى} بالتنوين وهو لغة كنانة، قال في البحر: وينبغي عند من ينون أن تكون الألف فيه للإلحاق كما في أرطى وعلقى لكن ألف الإلحاق في المصادر نادرة، وقيل: إنها لا توجد فيها.
وقال الفراء: يقال تتر في الرفع وتتر في الجر وتترًا في النصب فهو مثل صبر ونصر ووزنه فعل لا فعلي ومتى قيل تترى بالألف فألفه بدل التنوين كما في صبرت صبرًا عند الوقف. ورد بأنه لم يسمع فيه إجراء الحركات الثلاث على الراء وعلى مدعيه الإثبات. وأيضًا كتبه بالياء يأبى ذلك، وما ذكرنا من مصدرية {تَتْرَى} هو المشهور، وقيل: هو جمع، وقيل: اسم جمع وعلى القولين هو حال أيضًا.
وقوله تعالى: {كُلَّ مَا جَاء أُمَّةً رَّسُولُهَا كَذَّبُوهُ} استئناف مبين لمجيء كل رسول لأمته ولما صدر عنهم عند تبليغ الرسالة، والمراد بالمجيء إما التبليغ وإما حقيقة المجيء للإيذان بأنهم كذبوه في أول الملاقاة، وإضافة الرسول إلى الأمة مع إضافة كلهم فيما سبق إلى نون العظمة لتحقيق أن كل رسول جاء أمته الخاصة به لا أن كلهم جاؤا كل الأمم وللإشعار بكمال شناعة المكذبين وضلالهم حيث كذبوا الرسول المعين لهم، وقيل: أضاف سبحانه الرسول مع الإرسال إليه عز وجل ومع المجيء إلى المرسل إليهم لأن الإرسال الذي هو مبدأ الأمر منه تعالى والمجيء الذي هو منتهاه إليهم {فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُمْ بَعْضًا} في الهلاك حسا تبع بعضهم بعضًا في مباشرة سببه وهو تكذيب الرسول {وجعلناهم أَحَادِيثَ} جمع أحدوثه وهو ما يتحدث به تعجبًا وتلهيًا كأعاجيب جمع أعجوبة وهو ما يتعجب منه أي جعلناهم أحاديث يتحدث بها على سبيل التعجب والتلهي، ولا تقال الأحدوثة عند الأخفش إلا في الشر.
وجوز أن يكون جمع حديث وهو جمع شاذ مخالف للقياس كقطيع وأقاطيع ويسميه الزمخشري اسم جمع، والمراد إنا أهلكناهم ولم يبق إلا خبرهعم {فَبُعْدًا لّقَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ} اقتصر هاهنا على وصفهم بعدم الايمان حسا اقتصر على حكاية تكذيبهم إجمالًا، وأما القرون الأولون فحيث نقل عنهم ما مر من الغلو وتجاوز الحد في الكفر والعدوان وصفوا بالظلم.