فصل: تفسير الآية رقم (56):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (56):

{نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَلْ لَا يَشْعُرُونَ (56)}
{نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الخيرات} خبر {أن} [المؤمنون: 55] والراجع إلى الاسم محذوف أي أيحسبون أن الذي نمدهم به من المال والبنين نسارع به لهم فيما فيه خيرهم وإكرامهم على أن الهمزة لإنكار الواقع واستقباحه وحذف هذا العائد لطول الكلام مع تقدم نظيره في الصلة إلا أن حذف مثله قليل، وقال هشام بن معاوية: الرابط هو الاسم الظاهر وهو {الخَيْرَاتِ} وكأن المعنى نسارع لهم فيه ثم أظهر فقيل في الخيرات، وهذا يتمشى على مذهب الأخفش في إجازته نحو زيد قام أبو عبد الله إذا كان أبو عبد الله كنية لزيد، قيل: ولا يجوز أن يكون الخبر {مِن مَّالٍ وَبَنِينَ} [المؤمنون: 55] لأن الله تعالى أمدهم بذلك فلا يعاب ولا ينكر عليهم اعتقاد المدد به كما يفيده الاستفهام الإنكاري. وتعقب بأنه لا يبعد أن يكون المراد ما نجعله مددًا نافعًا لهم في الآخرة ليس المال والبنين بل الاعتقاد والعمل الصالح كقوله تعالى: {يَوْمَ لاَ يَنفَعُ مَالٌ وَلاَ بَنُونَ إِلاَّ مَنْ أَتَى الله بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء: 88، 89] وفيه ما فيه. وما ذكرنا من كون {ما} [المؤمنون: 55] موصولة هو الظاهر، ومن جوز كونها مصدرية وجعل المصدر الحاصل بعد السبك اسم {أن} [المؤمنون: 55] وخبرها {نُسَارِعُ} على تقدير مسارعة بناءً على أن الأصل أن نسارع فحذفت أن وارتفع الفعل لم يوف القرآن الكريم حقه، وكذا من جعلها كافة كالكسائي ونقل ذلك عنه أبو حيان، وجوز عليه الوقف على {بنيان} [المؤمنون: 55] معللًا بأن ما بعد بحسب قد انتظم مسندًا ومسندًا إليه من حيث المعنى وإن كان في تأويل مفرد وهو كما ترى، وقرأ ابن وثاب {أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ} [المؤمنون: 55] بكسر همزة إن. وقرأ ابن كثير في رواية {يمدهم} بالياء.
وقرأ السلمي. وعبد الرحمن بن أبي بكرة {يسارع} بالياء وكسر الراء فإن كان فاعله ضميره تعالى فالكلام في الرابط على ما سمعت، وإن كان ضمير الموصول فهو الرابط. وعن ابن أبي بكرة المذكور أنه قرأ {يسارع} بالياء وفتح الراء مبنيًا للمفعول. وقرأ الحر النحوي {نسرع} بالنون مضارع أسرع. وقرئ على ما في الكشاف {يسرع} بالياء مضارع أسرع أيضًا وفي فاعله الاحتمالان المشار إليهما آنفًا {الخيرات بَل لاَّ يَشْعُرُونَ} عطف على مقدر ينسحب عليه الكلام أي كلا لا نفعل ذلك بل لا يشعرون أي ليس من شأنهم الشعور أن هم إلا كالأنعام بل هم أضل حتى يتأملوا ويتفكروا في ذلك هو استدراج أم مسارعة ومبادرة في الخيرات. ومن هنا قيل: من يعص الله تعالى ولم ير نقصانًا فيما أعطاه سبحانه من الدنيا فليعلم أنه مستدرج قد مكر به، وقال قتادة: لا تعتبروا الناس بأموالهم وأولادهم ولكن اعتبروهم بالإيمان والعمل الصالح.

.تفسير الآية رقم (57):

{إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (57)}
{إِنَّ الذين هُم مّنْ خَشْيةِ رَبّهِمْ مُّشْفِقُونَ} الكلام فيه نظير ما مر في نظيره في سورة الأنبياء بيد أن في استمرار الإشفاق هنا في الدنيا والآخرة للمؤمنين ترددًا.

.تفسير الآية رقم (58):

{وَالَّذِينَ هُمْ بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (58)}
{يُؤْمِنُونَ} أي يصدقون، والمراد التصديق دلولها إذ لا مدح في التصديق بوجودها، والتعبير بالمضارع دون الاسم للإشارة إلى أنه كلما وقفوا على آية آمنوا بها وصدقوا دلولها.

.تفسير الآية رقم (59):

{وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ (59)}
{والذين هُم بِرَبّهِمْ لاَ يُشْرِكُونَ} فيخلصون العبادة له عز وجل فالمراد نفي الشرك الخفي كالرياء بالعبادة كذا قيل، وقد اختار بعض المحققين التعميم أي لا يشركون به تعالى شركًا جليًا ولا خفيًا ولعله الأولى، ولا يغني عن ذلك وصفهم بالإيمان بآيات الله تعالى.
وجوز أن يراد مما سبق وصفهم بتوحيد الربوبية ومما هنا وصفهم بتوحيد الألوهية، ولم يقتصر على الأول لأن أكثر الكفار متصفون بتوحيد الربوبية {وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ السموات والأرض لَيَقُولُنَّ الله} [لقمان: 25] ولا يأباه التعرض لعنوان الربوبية فإنه في المواضع الثلاثة للإشعار بالعلية وذلك العنوان يصلح لأن يكون علة لتوحيد الألوهية كما لا يخفى.

.تفسير الآية رقم (60):

{وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آَتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ (60)}
{والذين يُؤْتُونَ مَا ءاتَواْ} أي يعطون ما أعطوا من الصدقات {وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ} خائفة من أن لا يقبل منهم وأن لا يقع على الوجه اللائق فيؤاخذوا به. وقرأت عائشة. وابن عباس. وقتادة. والأعمش. والحسن والنخعي {يَأْتُونَ مَا ءاتَواْ} من الإتيان لا الإيتاء فيهما. وأخرج ابن مردويه. وسعيد بن منصور عن عائشة أنه صلى الله عليه وسلم قرأ كذلك وأطلق عليها المفسرون قراءة رسول الله عليه الصلاة والسلام يعنون أن المحدثين نقلوها عنه صلى الله عليه وسلم ولم يروها القراء من طرقهم. والمعنى عليها يفعلون من العبادات ما فعلوه وقلوبهم وجلة، وروي نحو هذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقد أخرج أحمد. والترمذي. وابن ماجه. والحاكم وصححه. وابن المنذر. وابن جرير. وجماعة عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: قلت يا رسول الله قول الله {والذين يَأْتُونَ مَا ءاتَواْ وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ} أهو الرجل يسرق ويزني ويشرب الخمر وهو مع ذلك يخاف الله تعالى؟ قال: لا ولكنه الرجل يصوم ويتصدق ويصلي وهو مع ذلك يخاف الله تعالى أن لا يتقبل منه، وجملة {قُلُوبِهِمْ وَجِلَةٌ} في القراءتين في موضع الحال من ضمير الجمع في الصلة الأولى، والتعبير بالمضارع فيها للدلالة على الاستمرار وفي الثانية للدلالة على التحقق، وقوله تعالى: {أَنَّهُمْ إلى رَبّهِمْ راجعون} بتقدير اللام التعليلية وهي متعلقة بوجلة أي خائفة من عدم القبول وعدم الوقوع على الوجه اللائق لأنهم راجعون إليه تعالى ومبعوثون يوم القيامة وحينئذٍ تنكشف الحقائق ويحتاج العبد إلى عمل مقبول لائق {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة: 87].
وجوز أن يكون بتقدير من الابتدائية التي يتعدى بها الوجل أي وجلة من أن رجوعهم إليه عز وجل على أن مناط الوجل أن لا يقبل ذلك منهم وأن لا يقع على الوجه اللائق فيؤاخذوا به حينئذٍ لا مجرد رجوعهم إليه عز وجل، وقد يؤيد الوجه الأول بقراءة الأعمش {أَنَّهُمْ} بكسر الهمزة، ولعل التعبير بالجملة الإسمية المخبر فيها بالوصف دون الفعل المضارع للمبالغة في تحقق الرجوع حتى كأنه من الأمور الثابتة المستمرة كذا قيل.
وجوز على بعد أن يكون المراد من الرجوع المذكور الرجوع إليه عز وجل بالعبودية، فوجه التعبير بالجملة الاسمية عليه أظهر من أن يخفى، ووجه تعليل الخوف من عدم القبول وعدم وقوع فعلهم كائنًا ما كان على الوجه اللائق بأنهم راجعون إليه تعالى بالعبودية عدم وجوب قبول عملهم عليه تعالى حينئذٍ لأنه سبحانه مالك وللمالك أن يفعل لكه ما يشاء وظهور نقصهم كيف كانوا عن كماله جل جلاله والناقص مظنة أن لا يأتي بما يليق بالكامل لاسيما إذا كان ذلك الكامل هو الله عز وجل الذي لا يتناهى كماله ولا أراك ترى في هذا الوجه كلفًا سوى كلف البعد فتأمل، ثم إن الموصولات الأربع على ما قاله شيخ الإسلام.
وغيره عبارة عن طائفة واحدة متصفة بما ذكر في حيز صلاتها من الأوصاف الأربعة لا عن طوائف كل واحدة منها متصفة بواحد من الأوصاف المذكورة كأنه قيل: إن الذين هم من خشية ربهم مشفقون وبآيات ربهم يؤمنون إلخ، وإنما كرر الموصول إيذانًا باستقلال كل واحدة من تلك الصفات بفضيلة باهرة على حيالها وتنزيلًا لاستقلالها منزلة استقلال الموصوف بها، وهذا جار على كلتا القراءتين في قوله تعالى: {والذين يُؤْتُونَ مَا ءاتَواْ} وللعلامة الطيبي في هذا المقام كلام لا أظنك تستطيبه كيف وفيه القول بأن الذين هم بربهم لا يشركون والذين يأتون ما أتوا وقلوبهم وجلة هم العاصون من أمة محمد صلى الله عليه وسلم وهو في غاية البعد.
وقد ذكر الإمام أن الصفة الرابعة نهاية مقامات الصديقين.

.تفسير الآية رقم (61):

{أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ (61)}
{أولئك} إشارة إلى من ذكر باعتبار اتصافهم بتلك الصفات، وما فيه من معنى البعد للإشعار ببعد رتبتهم في الفضل وهو مبتدأ خبره قوله تعالى: {يسارعون فِي الخيرات} والجملة من المبتدأ وخبره خبر إن، والكلام استئناف مسوق لبيان من له المسارعة في الخيرات إثر إقناط الكفار عنها وإبطال حسبانهم الكاذب أي أولئك المنعوتون بما فصل من النعوت الجليلة خاصة دون أولئك الكفرة يسارعون في نيل الخيرات التي من جملتها الخيرات العاجلة الموعودة على الأعمال الصالحة كما في قوله تعالى: {فاتاهم الله ثَوَابَ الدنيا وَحُسْنَ ثَوَابِ الاخرة} [آل عمران: 148] وقوله سبحانه: {وَوَهَبْنَا لَهُ إسحاق وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرّيَّتِهِ النبوة والكتاب} [العنكبوت: 27] فقد أثبت لهم ما نفي عن أضدادهم خلا أنه غير الأسلوب حيث لم يقل أولئك يسارع لهم في الخيرات بل أسند المسارعة إليهم إيماءً إلى استحقاقهم لنيل الخيرات حاسن أعمالهم، وإيثار كلمة في على كلمة إلى للإيذان بأنهم متقلبون في فنون الخيرات لا أنهم خارجون عنها متوجهون إليها بطريق المسارعة كما في قوله تعالى: {وَسَارِعُواْ إلى مَغْفِرَةٍ مّن رَّبّكُمْ وَجَنَّةٍ} [آل عمران: 133] الآية {وَهُمْ لَهَا} أي للخيرات التي من جملتها ما سمعت، والجار والمجرور متعلق بقوله تعالى: {سابقون} وهو إما منزل منزلة اللازم أي فاعلون السبق أو مفعوله محذوف أي سابقون الناس أو الكفار، وهو يتعدى باللام وبإلى فيقال: سبقت إلى كذا ولكذا، والمراد بسبقهم إلى الخيرات ظفرهم بها ونيلهم إياها.
وجعل أبو حيان هذه الجملة تأكيدًا للجملة الأولى، وقيل سابقون متعد للضمير بنفسه واللام مزيدة، وحسن زيادتها كون العامل فرعيًا وتقدم المعمول المضمر أي وهم سابقون إياها، والمراد بسبقهم إياها لازم معناه أيضًا وهو النيل أي وهم ينالونها قبل الآخرة حيث عجلت لهم في الدنيا فلا يد ما قيل: إن سبق الشيء الشيء يدل على تقدم السابق على المسبوق فكيف يقال: هم يسبقون الخيرات والاحتياج إلى إرادة اللازم على هذا الوجه أشد منه على الوجه السابق ولهذا مع التزام الزيادة فيه قيل إنه وجه متكلف.
وجوز أن يكون المراد بالخيرات الطاعات وضمير {لَهَا} لها أيضًا واللام للتعليل وهو متعلق بما بعده، والمعنى يرغبون في الطاعات والعبادات أشد الرغبة وهم لأجلها فاعلون السبق أو لأجلها سابقون الناس إلى الثوب أو إلى الجنة، وجوز على تقدير أن يراد بالخيرات الطاعات أن يكون {لَهَا} خبر المبتدأ و{سابقون} خبرًا بعد خبر، ومعنى {هُمْ لَهَا} أنهم معدون لفعل مثلها من الأمور العظيمة، وهذا كقولك: لمن يطلب منه حاجة لا ترجى من غيره: أنت لها وهو من بليغ كلامهم، وعلى ذلك قوله:
مشكلات أعضلت ودهت ** يا رسول الله أنت لها

ورجح هذا الوجه الطبري بأن اللام متمكنة في هذا المعنى. وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ما هو ظاهر في جعل {لَهَا} خبرًا وإن لم يكن ظاهرًا في جعل الضمير للخيرات عنى الطاعات، ففي البحر نقلًا عنه أن المعنى سبقت لهم السعادة في الأزل فهم لها، وأنت تعلم أن أكثر هذه الأوجه خلاف الظاهر وأن التفسير الأول للخيرات أحسن طباقًا للآية المتقدمة. ومن الناس من زعم أن ضمير {لَهَا} للجنة. ومنهم من زعم أنه للأمم وهو كما ترى. وقرأ الحر النحوي {يسارعون} مضارع أسرع يقال: أسرعت إلى الشيء وسرعت إليه عنى واحد و{يسارعون} كما قال الزجاج أبلغ من يسرعون، ووجه بأن المفاعلة تكون من اثنين فتقتضي حث النفس على السبق لأن من عارضك في شيء تشتهي أن تغلبه فيه.

.تفسير الآية رقم (62):

{وَلَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (62)}
{وَلاَ نُكَلّفُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} جملة مستأنفة سيقت للتحريض على ما وصف به أولئك المشار إليهم من فعل الطاعات ببيان سهولته وكونه غير خارج عن حد الوسع والطاعة أي عادتنا جارية على أن لا نكلف نفسًا من النفوس إلا ما في وسعها وقدر طاقتها على أن المراد استمرار النفي عونة المقام لا نفي الاستمرار أو للترخيص فيما هو قاصر عن درجة أعمال أولئك ببيان أنه تعالى لا يكلف عباده إلا ما في وسعهم فإن لم يبلغوا في فعل الطاعات مراتب السابقين فلا عليهم بعد أن يبذلوا طاقتهم ويستفرغوا وسعهم. قال مقاتل: من لم يستطع القيام فليصل قاعدًا ومن لم يستطع القعود فليوم إيماء.
وقوله سبحانه: {وَلَدَيْنَا كتاب *يَنطِقُ بالحق} تتمة لما قبله ببيان أحوال ما كلفوه من الأعمال وأحكامها المترتبة عليها من الحساب والثواب والعقاب، والمراد بالكتاب صحائف الأعمال التي يقرؤونها عند الحساب حسا يؤذن به الوصف فهو كما في قوله تعالى: {هذا كتابنا يَنطِقُ عَلَيْكُم بالحق إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [الجاثية: 29] و{الحق} المطابق للواقع والنطق به مجاز عن إظهاره أي عندنا كتاب يظهر الحق المطابق للواقع على ما هو عليه ذاتًا ووصفًا ويبينه للناظر كما يبينه النطق ويظهره للسامع فيظهر هناك جلائل الأعمال ودقائقها ويترتب عليها أجزيتها إن خيرًا فخير وإن شرًا فشر. وقيل: المراد بالكتاب صحائف يقرؤونها فيها ما ثبت لهم في اللوح المحفوظ من الجزاء وهو دون القول الأول، وأدون منه ما قيل: إن المراد به القرآن الكريم، وقوله تعالى: {وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ} لبيان فضله عز وجل وعدله في الجزاء على أتم وجه إثر بيان لطفه سبحانه في التكليف وكتب الأعمال على ما هي عليه أي لا يظلمون في الجزاء بنقص ثواب أو زيادة عذاب بل يجزون بقدر أعمالهم التي كلفوها ونطقت بها صحائفها بالحق، وجوز أن يكون تقريرًا لما قبل من التكليف وكتب الأعمال أي لا يظلمون بتكليف ما ليس في وسعهم ولا بكتب بعض أعمالهم التي من جملتها أعمال غير السابقين بناءً على قصورها عن درجة أعمال السابقين بل يكتب كل منها على مقاديرها وطبقاتها.
وقوله عز وجل: