فصل: تفسير الآية رقم (73):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (73):

{وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (73)}
{وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إلى صراط مُّسْتَقِيمٍ} تشهد العقول السليمة باستقامته ليس فيه شائبة اعوجاج توجب الاتهام، قال الزمخشري: ولقد ألزمهم عز وجل الحجة وأزاح عللهم في هذه الآيات بأن الذي أرسل إليهم رجل معروف أمره وحاله مخبور سره وعلنه خليق بأن يجتبى مثله للرسالة من بين ظهر أنيهم وأنه لم يعرض له حتى يدعي مثل هذه الدعوى العظيمة بباطل ولم يجعل ذلك سلمًا إلى النيل من دنياهم واستعطاء أموالهم ولم يدعهم إلا إلى دين الإسلام الذي هو الصراط المستقيم مع إبراز المكنون من أدوائهم وهو إخلالهم بالتدبر والتأمل واستهتارهم بدين الآباء الضلال من غير برهان وتعللهم بأنه مجنون بعد ظهور الحق وثبات التصديق من الله تعالى بالمعجزات والآيات النيرة وكراهتهم للحق وإعراضهم عما فيه حفظهم من الذكر اه. وهو من الحسن كان.

.تفسير الآية رقم (74):

{وَإِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ (74)}
{وأَنَّ الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالاخرة} هم كفرة قريش المحدث عنهم فيما مر وصفوا بذلك تشنيعًا لهم مما هم عليه من الانهماك في الدنيا وزعمهم أن لا حياة بعدها وإشعار بعلة الحكم فإن الإيمان بالآخرة وخوف ما فيها من الدواهي من أقوى الدواعي إلى طلب الحق وسلوك سبيله، وجوز أن يكون المراد بهم ما يعمهم وغيرهم من الكفرة المنكرين للحشر ويدخلون في ذلك دخولًا أوليًا {عَنِ الصراط} المستقيم الذي تدعو إليه {لناكبون} أي لعادلون وقيل: المراد بالصراط جنسه أي أنهم عن جنس الصراط فضلًا عن الصراط المستقيم الذي تدعوهم إليه لناكبون، ورجح بأنه أدل على كمال ضلالهم وغاية غوايتهم لما أنه ينبئ عن كون ما ذهبوا إليه مما لا يطلق عليه اسم الصراط ولو كان معوجًا، وفيه أن التعليل ضمون الصلة لا يساعد إلا على إرادة الصراط المستقيم، وأظن أنه قد نكب عن الصراط من زعم أن المراد به هنا الصراط الممدود على متن جهنم وهو طريق الجنة أي أنهم يوم القيامة عن طريق الجنة لمائلون يمنة ويسرة إلى النار.

.تفسير الآية رقم (75):

{وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ لَلَجُّوا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (75)}
{وَلَوْ رحمناهم وَكَشَفْنَا مَا بِهِمْ مّن ضُرّ} أي من سوء حال، قيل: هو ما عراهم بسبب أخذ مترفيهم بالعذاب يوم بدر أعني الجزع عليهم وذلك بإحيائهم وإعادتهم إلى الدنيا بعد القتل أي ولو رحمناهم وكشفنا ضرهم بارجاع مترفيهم إليهم {لَّلَجُّواْ} لتمادوا {فِي طغيانهم} افراطهم في الكفر والاستكبار وعداوة الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين {يَعْمَهُونَ} عامهين مترددين في الضلال يقال عمه كمنع وفرح عمها وعموها وعموهة وعمهانا، وقيل: هو ما هم فيه من شدة الخوف من القتل والسبي ومزيد الاضطراب من ذلك لما رأوا ما حل ترفيهم يوم بدر وكشفه بأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالكف عن قتالهم وسبيهم بعد أو بنحو ذلك وهو وجه ليس بالبعيد وقيل: المراد بالضر عذاب الآخرة أي أنهم في الرداءة والتمرد إلى أنهم لو رحموا وكشف عنهم عذاب النار وردوا إلى الدنيا لعادوا لشدة لجاجهم فيما هم عليه وفيه من البعد ما فيه.
واستظهر أبو حيان أن المراد به القحط والجوع الذي أصابهم بدعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر أنه مروى عن ابن عباس. وابن جريج، وقد دعا عليهم صلى الله عليه وسلم بذلك في مكة يوم ألقى عليه المشركون وهو قائم يصلي عند البيت سلى جزور فقال: «اللهم اشدد وطأتك على مضر اللهم اجعلها عليهم سنين كسني يوسف» ودعا بذلك أيضًا بالمدينة، فقد روي أنه عليه الصلاة والسلام مكث شهرًا إذا رفع رأسه من الركعة الثانية من صلاة الفجر بعد قوله «سمع الله لمن حمده» يقول: «اللهم انج الوليد بن الوليد. وسلمة بن هشام. وعياش بن أبي ربيعة والمستضعفين من المؤمنين كة اللهم أشدد وطأتك» إلخ، ورا فعل ذلك بعد رفعه من الركعة الأخيرة من صلاة العشاء، وكلتا الروايتين ذكرهما برهان الدين الحلبي في سيرته، والكثير على أنه الجوع الذي أصابهم من منع ثمامة الميرة عنهم، وذلك أن ثمامة بن أثال الحنفي جاءت به إلى المدينة سرية محمد بن مسلمة حين بعثها صلى الله عليه وسلم إلى بني بكر ابن كلاب فاسلم بعد أن امتنع من الإسلام ثلاثة أيام ثم خرج معتمرًا فلما قدم بطن مكة لبى وهو أول من دخلها ملبيًا ومن هنا قال الحنفي:
ومنا الذي لبى بمكة معلنا ** برغم أبي سفيان في الأشهر الحرم

فاحذته قريش فقالوا: لقد اجترأت علينا وقد صبوت يا ثمامة قال: أسلمت واتبعت خير دين دين محمد صلى الله عليه وسلم والله لا يصل إليكم حبة من اليمامة وكانت ريفا لأهل مكة حتى يأذن فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم خرج ثمامة إلى اليمامة فمنعهم أن يحملوا إلى مكة شيئًا حتى أضر بهم الجوع وأكلت قريش العلهز فكتبت قريش إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ألست تزعم أنك بعثت رحمة للعالمين فقد قتلت الآباء بالسيف والأبناء بالجوع إنك تأمر بصلة الرحم وأنت قد قطعت أرحامنا فكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ثمامة رضي الله تعالى عنه خل بين قومي وبين ميرتهم ففعل، وفي رواية أن أبا سفيان جاءه صلى الله عليه وسلم فقال: ألست إلخ، ووجه الجمع ظاهر وكان هذا قبل الفتح بقليل. وعندي أن {لَوْ} تبعد هذا القول كما لا يخفى، نعم أخرج ابن جرير. وجماعة عن ابن عباس ما هو نص في أن قصة ثمامة سبب لنزول قوله تعالى:

.تفسير الآية رقم (76):

{وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ (76)}
{وَلَقَدْ أخذناهم بالعذاب} إلى آخره فيكون الجوع مرادًا من العذاب المذكور فيه على ذلك، ولا يرد على من قال به قوله تعالى: {فَمَا استكانوا} فما خضعوا بذلك {لِرَبّهِمُ} لأن له أن يقول: المراد بالخضوع له عز وجل الانقياد لأمره سبحانه والإيمان به جل وعلا وما كان منهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس منه في شيء، والمشهور أن المراد بالعذاب ما نالهم يوم بدر من القتل والأسر، ولا يرد على من فسر العذاب في قوله سبحانه: {حتى إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ بالعذاب} [المؤمنون: 64] به أيضًا لزوم المنافاة بين ما هناك من قوله تعالى: {إذا هم يجأرون} [المؤمنون: 64] وما هنا من نفي الاستكانة لربهم ونفي التضرع المستفاد من قوله سبحانه: {وَمَا يَتَضَرَّعُونَ} إذ له أن يقول: الجؤار مطلق الصراخ وهو غير الاستكانة لله عز وجل وغير التضرع إليه سبحانه وهو ظاهر، وكذا إذا أريد بالجؤار الصراخ باستغاثة بناء على أن المراد بالاستكانة له تعالى ما علمت آنفًا من الانقياد لأمره عز وجل وأن التضرع ما كان عن صميم الفؤاد والجؤار ما لم يكن كذلك، وكأن التعبير هناك بالجؤار للإشارة إلى أن استغاثتهم كانت أشبه شيء بأصوات الحيوانات، وقيل: ما تقدم لبيان حال المقتولين وما هنا لبيان حال الباقين، وعبر في التضرع بالمضارع ليفيد الدوام إلا أن المراد دوام النفي لا نفي الدوام أي وليس من عادتهم التضرع إليه تعالى أصلًا، ولو حمل ذلك على نفي الدوام كما هو الظاهر لا يرد ما يتوهم من المنافاة بين قوله تعالى: {إذا هم يجأرون} [المؤمنون: 64] وقوله سبحانه: {وَمَا يَتَضَرَّعُونَ} أيضًا، واستكان استفعل من الكون، وأصل معناه انتقل من كون إلى كون كاستحجر ثم غلب العرف على استعماله في الانتقال من كون الكبر إلى كون الخضوع فلا إجمال فيه عرفا، وقال أبو العباس أحمد بن فارس: سئلت عن ذلك في بغداد لما دخلتها زمن الإمام الناصر وجمع لي علماءها فقلت واستحسن مني: هو مشتق من قول العرب: كنت لك إذا خضعت وهي لغة هذيلية وقد نقلها أبو عبيدة في الغريبين وعليه يكون من باب قر واستقر، ولا يجعل من استفعل المبني للمبالغة مثل استعصم واستحسر إلا أن يراد في الآية حينئذ المبالغة في النفي لا نفي المبالغة، وقيل هو من الكين اللحمة المستبطنة في الفرج لذلة المستكين، وجوز الزمخشري أن يكون افتعل من السكون والألف إشباع كما في قوله:
وأنت من الغوائل حين ترمي ** ومن ذم الرجال بمنتزاح

وقوله:
أعوذ بالله من العقراب ** الشائلات عقد الأذناب

واعترض بأن الأشباع المذكور مخصوص بضرورة الشعر وبأنه لم يعهد كونه في جميع تصاريف الكلمة واستكان جميع تصاريفه كذلك فهو يدل على أنه ليس مما فيه اشباع.

.تفسير الآية رقم (77):

{حَتَّى إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ إِذَا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ (77)}
{حتى إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ} من عذاب الآخرة كما ينبئ عنه التهويل بفتح الباب والوصف بالشدة وإلى هذا ذهب الجبائي، و{حتى} مع كونها غاية للنفي السابق مبتدأ لما بعدها من مضمون الشرطية كأنه قيل: هم مستمرون على هذه الحال حتى إذا فتحنا عليهم يوم القيامة بابا ذا عذاب شديد {إِذَا هُمْ فِيهِ} أي في ذلك الباب أو في ذلك العذاب أو بسبب الفتح أقوال {مُّبْلِسُونَ} متحيرون آيسون من كل خير أو ذوو حزن من شدة البأس وهذا كقوله تعالى: {وَيَوْمَ تَقُومُ الساعة كَرِهَ المجرمون} [الروم: 12] {لاَ يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ} [الزخرف: 75] وقيل: هذا الباب استيلاء النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين عليهم يوم الفتح وقد أيسوا في ذلك اليوم من كل ما كانوا يتوهمونه من الخير. وأخرج ابن جرير أنه الجوع الذي أكلوا فيه العلهز. وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه القتل يوم بدر. وروت الإمامية وهم بيت الكذب عن أبي جعفر رضي الله تعالى عنه أن ذلك عذاب يعذبون به في الرجعة، ولعمري لقد افتروا على الله تعالى الكذب وضلوا ضلالًا بعيدًا، والوجه في الآية عندي ما تقدم، والظهار أن هذه الآيات مدنية وبعض من قال كيتها ادعى أن فيها اخبارًا عن المستقبل بالماضي للدلالة على تحقق الوقوع.

.تفسير الآية رقم (78):

{وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ (78)}
{وَهُوَ الَّذي أَنْشَأَلَكُمُ السَّمْعَ والأبصار} لتحسوا بها الآيات التنزيلية والتكوينية {والافئدة} لتتكفروا بها في الآيات وتستدلوا بها إلى غير ذلك من المنافع، وقدم السمع لكثرة منافعه، وأفرد لأنه مصدر في الأصل ولم يجمعه الفصحاء في الأكثر، وقيل: أفرد لأنه يدرك به نوع واحد من المدركات وهو الأصوات بخلاف البصر فإنه يدرك به الأضواء والألوان والأكوان والأشكال وبخلاف الفؤاد فإنه يدرك به أنواع شتى من التصورات والتصديقات. وفي الآية إشارة إلى الدليل الحسي والعقلي، وتقديم ما يشير إلى الأول قد تقدم فتذكر فما في العهد من قدم {قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ} أي شكرًا قليلًا تشكرون تلك النعم الجليلة لأن العمدة في الشكر صرف تلك القوى التي هي في أنفسها نعم باهرة إلى ما خلقت هي له فنصب {قَلِيلًا} على أنه صفة مصدر محذوف، والقلة على ظاهره بناء على أن الخطاب للناس بتغليب المؤمنين، وجوز أن تكون عنى النفي بناء على أن الخطاب للمشركين على سبيل الالتفات، وقيل: هو للمؤمنين خاصة وليس بشيء، والأولى عندي كونه للمشركين خاصة مع جواز كون القلة على ظاهرها كما لا يخفى على المتدبر؛ و{مَا} علا سائر الأقوال مزيدة للتأكيدة.

.تفسير الآية رقم (79):

{وَهُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (79)}
{وَهُوَ الذي ذَرَأَكُمْ فِي الأرض} أي خلقكم وبثكم فيها {وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} أي تجمعون يوم القيامة بعد تفرقكم لا إلى غيره تعالى فما لكم لا تؤمنون به سبحانه وتشكرونه عز وجل.

.تفسير الآية رقم (80):

{وَهُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ وَلَهُ اخْتِلَافُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (80)}
{وَهُوَ الذي يُحْيىِ وَيُمِيتُ} من غير أن يشاركه في ذلك شيء من الأشياء {وَلَهُ} تعالى شأنه خاصة {اختلاف اليل والنهار} أي هو سبحانه وتعالى المؤثر في اختلافهما أي تعاقبهما من قولهم: فلان يختلف إلى فلان أي يتردد عليه بالمجيء والذهاب أو تخالفهما زيادة ونقصًا، وقيل: المعنى لأمره تعالى وقضائه سبحانه اختلافهما ففي الكلام مضاف مقدر، واللام عليه يجوز أن تكون للتعليل {أَفَلاَ تَعْقِلُونَ} أي ألا تتفكرون فلا تعقلون أو أتتفكرون فلا تعقلون بالنظر والتأمل أن الكل صار منا وأن قدرتنا تعم جميع الممكنات التي من جملتها البعث. وقرأ أبو عمرو في رواية {يَعْقِلُونَ} على أن الالتفات إلى الغيبة لحكاية سوء حال المخاطبين، وقيل: على أن الخطاب الأول لتغليب المؤمنين وليس بذاك.