فصل: تفسير الآية رقم (81):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (81):

{بَلْ قَالُوا مِثْلَ مَا قَالَ الْأَوَّلُونَ (81)}
{بَلْ قَالُواْ} عطف على مضمر يقتضيه المقام أي فلم يعقلوا بل قالوا: {مِثْلَ مَا قَالَ الاولون} أي آباؤهم ومن دان بدينهم من الكفرة المنكرين للبعث.

.تفسير الآية رقم (82):

{قَالُوا أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (82)}
{قَالُواْ أَءذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وعظاما أَءنَّا لَمَبْعُوثُونَ} تفسير لما قبله من المبهم وتفصيل لما فيه من الإجمال وقد مر الكلام فيه.

.تفسير الآية رقم (83):

{لَقَدْ وُعِدْنَا نَحْنُ وَآَبَاؤُنَا هَذَا مِنْ قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (83)}
{لَقَدْ وُعِدْنَا نَحْنُ وَءابَاؤُنَا هذا} البعث {مِن قَبْلُ} متعلق بالفعل من حيث إسناده إلى المعطوف عليه والمعطوف على ما هو الظاهر، وصح ذلك بالنسبة إليهم لأن الأنبياء المخبرين بالبعث كانوا يخبرون به بالنسبة إلى جميع من يموت، ويجوز أن يكون متعلقًا به من حيث إسناده إلى آبائهم لا إليهم أي ووعد آباؤنا من قبل أو حذوف وقع حالًا من آبائنا أي كائنين من قبل {إِنَّ هَذَا} أي ما هذا {إِلاَّ أساطير الاولين} أي أكاذيبهم التي سطروها جمع أسطورة كأحدوثة وأعجوبة وإلى هذا ذهب المبرد. وجماعة، وقيل: جمع أسطار جمع سطر كفرس وأفراس، والأول كما قال الزمخشري أوفق لأن جمع المفرد أولى وأقيس ولأن بنية أفعولة تجيء لما فيه التلهي فيكون حينئذ كأنه قيل مكتوبات لا طائل تحتها.

.تفسير الآية رقم (84):

{قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (84)}
{قُل لّمَنِ الأرض وَمَن فِيهَا} من المخلوقات تغليبًا للعقلاء على غيرهم {إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} جوابه محذوبه ثقة بدلالة الاستفهام عليه أي إن كنتم من أهل العلم ومن العقلاء أو عالمين بذلك فأخبروني به. وفي الآية من المبالغة في الاستهانة بهم وتقرير فرط جهالتهم ما لا يخفى.
ويقوى هذا أنه أخبر عن الجواب قبل أن يجيبوا.

.تفسير الآية رقم (85):

{سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (85)}
{سَيَقُولُونَ لِلَّهِ} فإن بداهة العقل تضطرهم إلى الاعتراف بأنه بسحانه خالقها فاللام للملك باعتبار الخلق {قُلْ} أي عند اعترافهم بذلك تبكيتًا لهم {أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ} أي أتعلمون أو أتقولون ذلك فلا تتذكرون أي من فطر الأرض ومن فيها ابتداء قادر على إعادتها ثانيًا فإن البدء ليس بأهون من الإعادة بل الأمر بالعكس في قياس المعقول. وقرئ {تَتَذَكَّرُونَ} على الأصل.

.تفسير الآية رقم (86):

{قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (86)}
{قُلْ مَن رَّبُّ السموات *السبع وَرَبُّ العرش العظيم} أعيد لفظ الرب تنويها بشأن العرش ورفعًا لمحله من أن يكون تبعًا للسموات وجودًا وذكرًا. وقرأ ابن محيصن {العظيم} بالرفع نعتًا للرب.

.تفسير الآية رقم (87):

{سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ (87)}
{سَيَقُولُونَ لِلَّهِ} قرأ أبو عمرو. ويعقوب بغير لام فيه وفيما بعده ولم يقرأ على ما قيل في السابق بترك اللام والقراءة بغير لام على الظاهر وباللام على المعنى وكلا الأمرين جائزان فلو قيل: من صاحب هذه الدار؟ فقيل: زيد كان جوابًا عن لفظ السؤال، ولو قيل: لزيد لكان جوابًا على المعنى لأن معنى من صاحب هذه الدار؟ لمن هذه الدار وكلا الأمرين وارد في كلامهم، أنشد صاحب المطلع:
إذا قيل من رب المزالف والقرى ** ورب الجياد الجرد قلت لخالد

وأنشد الزجاج:
وقال السائلون لمن حفرتم ** فقال المخبرون لهم وزير

{قُلْ} إفحامًا لهم وتوبيخًا {أَفَلاَ تَتَّقُونَ} أي أتعلمون ذلك ولا تتقون أنفسكم عقابه على ترك العمل وجب العلم حيث تكفرون به تعالى وتنكرون ما أخبر به من البعث وتثبتون له سبحانه شريكًا.

.تفسير الآية رقم (88):

{قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (88)}
{قُلْ مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلّ شَيْء} مما ذكر ومما لم يذكر؛ وصيغة الملكوت للمبالغة في الملك فالمراد به الملك الشامل الظاهر، وقيل: المالكية والمدبرية، وقيل: الخزائن {وَهُوَ يُجْيِرُ} أي يمنع من يشاء ممن يشاء {وَلاَ يُجَارُ عَلَيْهِ} ولا يمنع أحد منه جل وعلا أحدًا، وتعدية الفعل بعلى لتضمينه معنى النصرة أو الاستعلاء {إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} تكرير لاستهانتهم وتجهيلهم على ما مر.

.تفسير الآية رقم (89):

{سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ (89)}
{سَيَقُولُونَ لِلَّهِ} ملكوت كل شيء والوصف بأنه الذي يجير ولا يجار عليه {قُلْ} تهجينًا لهم وتقريعًا {فأنى تُسْحَرُونَ} كيف أو من أين تخدعون وتصرفون عن الرشد مع علمكم به إلى ما أنتم عليه من البغي فإن من لا يكون مسحورًا مختل العقل لا يكون كذلك، وهذه الآيات الثلاث أعني {قُل لّمَنِ} [المؤمنون: 84] إلى هنا على ما قرر في الكشف تقرير للسابق وتمهيد للاحق وقد روعي في السؤال فيها قضية الترقي فسئل عمن له الأرض ومن فيها، وقيل: {مِنْ} تغليبًا للعقلاء ولأنه يلزم أن يكون له غيرهم من طريق الأولى ثم سئل عمن له السموات والعرش العظيم والأرض بالنسبة إليه كلا شيء ثم سئل عمن بيده ملكوت كل شيء فأتى بأعم العام وكلمة الإحاطة وأوثر الملكوت وهو الملك الواسع، وقيل: {بِيَدِهِ} [المؤمنون: 88] تصويرًا وتخييلًا وكذلك روعي هذه النكتة في الفواصل فعيروا أولًا بعدم التذكر فإن أيسر النظر يكفي في انحلال عقدهم ثم بعدم الاتقاء وفيه وعيد ثم بالتعجب من خعد عقولهم فتخيل الباطل حقًا والحق باطلًا وأنى لها التذكر والخوف.

.تفسير الآية رقم (90):

{بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِالْحَقِّ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (90)}
{بَلْ أتيناهم بالحق} إضراب عن قولهم {إِنْ هذا إِلاَّ أساطير الاولين} [المؤمنون: 83] والمراد بالحق الوعد بالبعث وقيل: ما يعمه والتوحيد ويدل على ذلك السياق. وقرئ {بَلِ} بتاء المتكلم. وقرأ ابن أبي إسحق بتاء الخطاب {عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لكاذبون} في قولهم: {إِنْ هذا إِلاَّ أساطير الاولين} [المؤمنون: 83] أو في ذلك وقولهم بما ينافي التوحيد.

.تفسير الآية رقم (91):

{مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بما خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ (91)}
{مَا اتخذ الله مِن وَلَدٍ} لتنزهه عز وجل عن الاحتياج وتقدسه تعالى عن مماثلة أحد.
{وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ} يشاركه سبحانه في الألوهية {إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إله بما خَلَقَ} أي لاستبد بالذي خلقه واستقل به تصرفًا وامتاز ملكه عن ملك الآخر {وَلَعَلاَ بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ} ولوقع التحارب والتغالب بينهم كما هو الجاري فيما بين الملوك والتالي باطل لما يلزم من ذلك نفي ألوهية الجميع أو ألوهية ما عدا واحدًا منهم وهو خلاف المفروض أو لما أنه يلزم أن لا يكون بيده تعالى وحده ملكوت كل شيء وهو باطل في نفسه لما برهن عليه في الكلام وعند الخصم لأنه يقول باختصاص ملكوت كل شيء به تعالى كما يدل عليه السؤال والجواب السابقان آنفًا كذا قيل، ولا يخفى أن اللزوم في الشرطية المفهومة من الآية عادي لا عقلي ولذا قيل: إن الآية إشارة إلى دليل إقناعي للتوحيد لا قطعي.
وفي الكشف قد لاح لنا من لطف الله تعالى وتأييده أن الآية برهان نير على توحيده سبحانه، وتقريره أن مرجح الممكنات الواجب الوجود تعالى شأنه جل عن كل كثرة أما كثرة المقومات أو الأجزاء الكمية فبينة الانتفاء لإيذانها بالإمكان، وأما التعدد مع الاتحاد في الماهية فكذلك للافتقار إلى المميز ولا يكون مقتضى الماهية لاتحادهما فيه فيلزم الإمكان، ثم المميزان في الطرفين صفتا كمال لأن الاتصاف بما لا كمال فيه نقص فهما ممكنان مفتقران في الوجود إلى مكمل خارج هو الواجب بالحقيقة، وكذلك الافتقار في كمال ما للوجود يوجب الإمكان لإيجابه أن يكون فيه أمر بالفعل وأمر بالقوة واقتضائه التركيب والإمكان.
ومن هنا قال العلماء: إن واجب الوجود بذاته واجب بجميع صفاته ليس له أمر منتظر ومع الاختلاف في الماهية يلزم أن لا يكون المرجح مرجحًا أي لا يكون الإله إلهًا لأن كل واحد واحد من الممكنات إن استقلا بترجيحه لزم توارد العلتين التامتين على معلول شخصي وهو ظاهر الاستحالة فكونه مرجحًا إلهًا يوجب افتقار إليه وكون غيره مستقلًا بالترجيح يوجب الاستغناء عنه فيكون مرجحًا غير مرجح في حالة واحدة، وإن تعاونا فكمثل إذ ليس ولا واحد منهما رجح وفرضًا مرجحين مع ما فيه من العجز عن الإيجاد والافتقار إلى الآخر، وإن اختص كل منهما ببعض مع أن الافتقار إليهما على السواء لزم اختصاص ذلك المرجح خصص يخصصه بذلك البعض بالضرورة وليس الذات لأن الافتقار إليهما على السواء فلا أولوية للترجيح من حيث الذات ولا معلول الذات لأنه يكون ممكنًا والكلام فيه عائد فيلزم الحال من الوجهين الأولين أعني الافتقار إلى مميز غير الذات ومقتضاها ولزوم النقص لكل واحد لأن هذا المميز صفة كمال ثم مخصص كل بذلك التمييز هو الواجب الخارج لا هما، وإلى المحال الأول الإشارة بقوله تعالى: {إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إله بما خَلَقَ} وهو لازم على تقدير التخالف في الماهية واختصاص كل ببعض، وخص هذا القسم لأن ما سواه أظهر استحالة، وإلى الثاني الإشارة بقوله سبحانه: {وَلَعَلاَ بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ} أي إما مطلقًا وإما من وجه فيكون العالي هو الإله أو لا يكون ثم إله أصلًا وهذا لازم على تقديري التخالف والاتحاد والاختصاص وغيره فهو تكميل للبرهان من وجه وبرهان ثان من آخر، فقد تبين ولا كفرق الفجر أنه تعالى هو الواحد الأحد جعل وجده زائدًا على الماهية أولًا فاعلًا بالاختيار أولا، وليس برهان الوحدة مبنيًا على أنه تعالى فاعل بالاختيار كما ظنه الإمام الرازي قدس سره انتهى، وهو كلام يلوم عليه مخايل التحقيق، ورا يورد عليه بعض مناقشات تندفع بالتأمل الصادق.
وما أشرنا إليه من انفهام قضية شرطية من الآية ظاهر جدًا على ما ذهب إليه الفراء فقد قال: إن إذًا حيث جاءت بعدها اللام فقبلها لو مقدرة إن لم تكن ظاهرة نحو {إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إله بما خَلَقَ} فكأنه قيل: لو كان معه ءالهة كما تزعمون لذهب كل إلخ.
وقال أبو حيان: إذا حرف جواب وجزاء ويقدر قسم يكون {لَذَهَبَ} جوابًا له، والتقدير والله إذا أي إن كان معه من إله لذهب وهو في معنى ليذهبن كقوله تعالى: {وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحًا فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَّظَلُّواْ} [الروم: 51] أي ليظلن لأن إذًا تقتضي الاستقبال وهو كما ترى، وقد يقال: إن إذا هذه ليست الكلمة المعهودة وإنما هي إذًا الشرطية حذفت جملتها التي تضاف إليها وعوض عنها التنوين كما في يومئذ والأصل إذا كان معه من إله لذهب إلخ، والتعبير بإذا من قبيل مجاراة الخصم، وقيل: {كُلُّ إله} لما أن النفي عام يفيد استغراق الجنس و{مَا} في {ا خَلَقَ} موصولة حذف عائدها كما أشرنا إليه.
وجوز أن تكون مصدرية ويحتاج إلى نوع تكلف لا يخفى. ولم يستدل على انتفاء اتخاذ الولد إما لغاية ظهور فساده أو للاكتفاء بالدليل الذي أقيم على انتفاء أن يكون معه سبحانه إله بناء على ما قيل إن ابن الإله يلزم أن يكون إلهًا إذ الولد يكون من جنس الوالد وجوهره وفيه بحث {سبحان الله عَمَّا يَصِفُونَ} مبالغة في تنزيهه تعالى عن الولد والشريك، وما موصولة وجوز أن تكون مصدرية. وقرئ {تَصِفُونَ} بتاء الخطاب.