فصل: تفسير الآية رقم (105):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (105):

{أَلَمْ تَكُنْ آَيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ (105)}
{أَلَمْ تَكُنْ ءاياتي تتلى عَلَيْكُمْ} على إضمار القول أي يقال لهم تعنيفًا وتوبيخًا وتذكيرًا لما به استحقوا ما ابتلوا به من العذاب ألم تكن آياتي تتلى عليكم في الدنيا {فَكُنْتُمْ بِهَا تُكَذّبُونَ} حينئذٍ.

.تفسير الآية رقم (106):

{قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ (106)}
{قَالُواْ رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا} أي استولت علينا وملكتنا شقاوتنا التي اقتضاها سوء استعدادنا كما يومئ إلى ذلك إضافتها إلى أنفسهم. وقرأ شبل في اختياره {شِقْوَتُنَا} بفتح الشين. وقرأ عبد الله. والحسن. وقتادة. وحمزة. والكسائي. والمفضل عن عاصم. وأبان. والزعفراني وابن مقسم {شقاوتنا} بفتح الشين وألف بعد القاف. وقرأ قتادة أيضًا. والحسن في رواية خالد بن حوشب عنه {شقاوتنا} بالألف وكسر الشين وهي في جميع ذلك مصدر ومعناها ضد السعادة، وفسرها جماعة بسوء العاقبة التي علم الله تعالى أنهم يستحقونها بسوء أعمالهم ونسب ذلك لجمهور المعتزلة، وعن الأشاعرة أن المراد بها ما كتبه الله تعالى عليهم في الأزل من الكفر والمعاصي، وقال الجبائي: المراد بها الهوى وقضاء اللذات مجازًا من باب إطلاق المسبب على السبب، وأيًا ما كان فنسبة الغلب إليها لاعتبار تشبيهها بمن يتحقق منه ذلك ففي الكلام استعارة مكنية تخييلية؛ ولعل الأولى أن يخرج الكلام مخرج التمثيل ومرادهم بذلك على جميع الأقوال في الشقوة الاعتراف بقيام حجة الله تعالى عليهم لأن منشأها على جميع الأقوال عند التحقيق ما هم عليه في أنفسهم فكأنهم قالوا: ربنا غلب علينا أمر منشؤه ذواتنا {فِيهَا وَكُنَّا} بسبب ذلك {قَوْمًا ضَالّينَ} عن الحق مكذبين بما يتلى من الآيات فما تنسب إلى حيف في تعذيبنا، ولا يجوز أن يكون اعتذارًا بما علمه الله تعالى فيهم وكتبه عليهم من الكفر أي غلب علينا ما كتبته علينا من الشقاوة وكنا في علمك قومًا ضالين أو غلب علينا ما علمته وكتبته وكنا بسبب ذلك قومًا ضالين فما وقع منا من التكذيب بآياتك لا قدرة لنا على رفعه وإلا لزم انقلاب العلم جهلًا وهو محال لأن ذلك باطل في نفسه لا يصلح للاعتذار فإنه سبحانه ما كتب إلا ما علم وما علم إلا ما هم عليه في نفس الأمر من سوء الاستعداد المؤدي إلى سوء الاختيار فءن العلم على ما حقق في موضعه تابع للمعلوم، ويؤيد دعوى الاعتراف قوله تعالى حكاية عنهم.

.تفسير الآية رقم (107):

{رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ (107)}
{رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظالمون} أي ربنا أخرجنا من النار وارجعنا إلى الدنيا فإن عدنا بعد ذلك إلى ما كنا عليه فيها من الكفر والمعاصي فإنا متجاوزون الحد في الظلم لأن اجتراءهم على هذا الطلب أوفق بكون ما قبله اعترافًا فإنه كثيرًا ما يهون به المذنب غضب من أذنب إليه، والاعتذار وإن كان كذلك بل أعظم إلا أن هذا الاعتذار أشبه شيء بالاعتراض الموجب لشدة الغضب الذي لا يحسن معه الإقدام على مثل هذا الطلب، هذا مع أنهم لو لم يعتقدوا أن ذلك عذر مقبول والاعتذار به نافع لم يقدموا عليه؛ ومع هذا الاعتقاد لا حاجة بهم إلى طلب الإخراج والإرجاع، ولا يقال مثل هذا على تقدير كونه اعترافًا لأنهم إنما قالوه تمهيدًا للطلب المذكور لما أنه مظنة تسكين لهب نار الغضب على ما سمعت، ثم إن القول لعلهم ظنوا تغير ما هم عليه من سوء الاستعداد لو عادوا لما شاهدوا من حالهم في ذلك اليوم ولذلك طلبوا ما طلبوا.
وفي قولهم: {عُدْنَا} إشارة إلى أنهم حين الطلب على الإيمان والطاعة فيكون الموعود على تقدير الرجعة إلى الدنيا الثبات عليهما لينتفعوا بهما بعد أن يموتوا ويحشروا فتأمل.

.تفسير الآية رقم (108):

{قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ (108)}
{قَالَ} الله سبحانه إقناطًا لهم أشد إقناط {اخسئوا فِيهَا} أي ذلوا وانزجروا انزجار الكلاب إذا زجرت من خسأت الكلب إذا زجرته فخسأ أي انزجر أو اسكتوا سكوت هوان ففيه استعارة مكنية قرينتها تصريحية {وَلاَ تُكَلّمُونِ} باستدعاء الإخراج من النار والرجع إلى الدنيا، وقيل: لا تكلمون في رفع العذاب، ولعل الأول أوفق بما قبله وبالتعليل الآتي، وقيل: لا تكلمون أبدًا وهو آخر كلام يتكلمون به.
أخرج ابن أبي الدنيا في صفة النار عن حذيفة «أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله تعالى إذا قال لأهل النار اخسئوا فيها ولا تكلمون عادت وجوههم قطعة لحم ليس فيها أفواه ولا مناخر يتردد النفس في أجوافهم» وأخرج الطبراني. والبيهقي في البعث. وعبد الله بن أحمد في زوائد الزهد. والحاكم وصححه وجماعة عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: إن أهل جهنم ينادون مالكًا ليقض علينا ربك فيذرهم أربعين عامًا لا يجيبهم ثم يجيبهم {إنكم ماثكون} [الزخرف: 77] ثم ينادون ربهم {ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون} [المؤمنون: 107] فيذرهم مثلي الدنيا لا يجيبهم ثم يجيبهم اخسؤوا فيها ولا تكلمون قال: فما نبس القوم بعدها بكلمة وما هو إلا الزفير والشهيق.
وأخرج سعيد بن منصور. وابن المنذر. وغيرهما عن محمد بن كعب قال: لأهل النار خمس دعوات يجيبهم الله تعالى في أربعة فإذا كانت الخامسة لم يتكلموا بعدها أبدًا يقولون: {رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثنتين وَأَحْيَيْتَنَا اثنتين فاعترفنا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إلى خُرُوجٍ مّن سَبِيلٍ} [غافر: 11] فجيبهم الله تعالى: {ذَلِكُم بِأَنَّهُ إِذَا دُعِىَ الله وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِن يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُواْ فالحكم للَّهِ العلى الكبير} [غافر: 12] ثم يقولون: {رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فارجعنا نَعْمَلْ صالحا إِنَّا مُوقِنُونَ} [السجدة: 12] ثم يقولون: {رَبَّنَا أَخّرْنَا إلى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُّجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرسل} فيجيبهم الله تعالى: {أَوَلَمْ تَكُونُواْ أَقْسَمْتُمْ مّن قَبْلُ مَا لَكُمْ مّن زَوَالٍ} [إبراهيم: 44] ثم يقولون: {رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صالحا غَيْرَ الذي كُنَّا نَعْمَلُ} [فاطر: 37] فيجيبهم الله تعالى: {أَوَلَمْ نُعَمّرْكُمْ مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَاءكُمُ النذير فَذُوقُواْ فَمَا للظالمين مِن نَّصِيرٍ} [فاطر: 37] ثم يقولون: {رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالّينَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظالمون} [المؤمنون: 106، 107] فيجيبهم الله تعالى: {اخسئوا فِيهَا وَلاَ تُكَلّمُونِ} [المؤمنون: 108] فلا يتكلمون بعدها أبدًا، وفي بعض الآثار أنهم يلهجون بكل دعاء ألف سنة، ويشكل على هذه الأخبار ظواهر الخطابات الآتية كما لا يخفى ولعلها لا يصح منها شيء وتصحيح الحاكم محكوم عليه بعدم الاعتبار والله تعالى أعلم.

.تفسير الآية رقم (109):

{إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آَمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (109)}
{أَنَّهُ} تعليل لما قبله من الزجر عن الدعاء أي إن الشأن، وقرأ أبي. وهارون العتكي {أَنَّهُ} بفتح الهمزة أي لأن الشأن {كَانَ} في الدنيا التي تريدون الرجعة إليها {فَرِيقٌ مّنْ عِبَادِى} وهم المؤمنون، وقيل: هم الصحابة، وقيل: أهل الصفة رضي الله تعالى عنهم أجمعين.
{يَقُولُونَ رَبَّنَا ءامَنَّا فاغفر لَنَا وارحمنا وَأَنتَ خَيْرُ الرحمين}.

.تفسير الآية رقم (110):

{فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ (110)}
{فاتخذتموهم سِخْرِيًّا} أي هزؤًا أي اسكتوا عن الدعاء بقولكم {رَبَّنَا} [المؤمنون: 109] إلخ لأنكم كنتم تستهزئون بالداعين خوفًا من هذا اليوم بقولهم: {رَبَّنَا ءامَنَّا} [المؤمنون: 109] إلخ {حتى أَنسَوْكُمْ} بتشاغلكم بالاستهزاء بهم {ذِكْرِى} أي خوف عقابي في هذا اليوم.
{وَكُنْتُمْ مّنْهُمْ تَضْحَكُونَ} وذلك غاية الاستهزاء، وقيل: التعليل على معنى إنما خسألناكم كالكلب ولم نحتفلكم إذ دعوتم لأنكم استهزأتم غاية الاستهزاء بأوليائي حين دعوا واستمر ذلك منكم حتى نسيتم ذكرى بالكلية ولم تخافوا عقابي فهذا جزاؤكم، وقيل: خلاصة معنى الآية إنه كان فريق من عبادي يدعون فتشاغلتم بهم ساخرين واستمر تشاغلكم باستهزائهم إلى أن جركم ذلك إلى تلك ذكرى في أوليائي فلم تخافوني في الاستهزاء بهم، ثم قيل: وهذا التذنيب لازم ليصح قوله تعالى: {إِنَّهُ كَانَ} [المؤمنون: 109] إلخ تعليلًا ويرتبط الكلام ويتلاءم مع قوله سبحانه: {وَكُنْتُمْ مّنْهُمْ تَضْحَكُونَ} ولو لم يرد به ذلك يكون إنساء الذكر كالأجنبي في هذا المقام، وفيه تسخط عظيم لفعلهم ذلك ودلالة على اختصاص بالغ لأولئك العباد المسخور منهم كما نبه عليه أولًا في قوله تعالى: {مّنْ عِبَادِىَ} [المؤمنون: 109] وختمه بقوله سبحانه: {إِنِى جَزَيْتُهُمُ} إلى قوله تعالى: {هُمُ الفائزون} [المؤمنون: 111] وزاد في خسئهم بإعزاز أضدادهم انتهى ولا يخلو عن بحث.
وقرأ نافع. وحمزة. والكسائي {سِخْرِيًّا} بضم السين وباقي السبعة بكسرها، والمعنى عليهما واحد وهو الهزؤ عند الخليل. وأبي زيد الأنصاري. وسيبويه. وقال أبو عبيدة. والكسائي. والفراء: مضموم السين عنى الاستخدام من غير أجرة ومكسورها عنى الاستهزاء، وقال يونس: إذا أريد الاستخدام ضم السين لا غير وإذا أريد الهزؤ جاز الضم والكسر، وهو في الحالين مصدر زيدت فيه ياء النسبة للمبالغة كما في أحمري. وقوله تعالى:

.تفسير الآية رقم (111):

{إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بما صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ (111)}
{إِنِى جَزَيْتُهُمُ اليوم بما صَبَرُواْ} أي بسبب صبرهم على أذيتكم استئناف لبيان حسن حالهم وأنهم انتفعوا بما آذوهم، وفيه إغاظة لهم، وقوله سبحانه: {أَنَّهُمْ هُمُ الفائزون} إما في موضع المفعول الثاني للجزاء وهو يتعدى له بنفسه وبالباء كما قال الراغب أي جزيتهم فوزهم جامع مراداتهم كما يؤذن به معمول الوصف حال كونهم مخصوصين بذلك كما يؤذن به توسيط ضمير الفصل وأما في موضع جر بلام تعليل مقدرة أي لفوزهم بالتوحيد المؤدي إلى كل سعادة، ولا يمنع من ذلك تعليل الجزاء بالصبر لأن الأسباب لكونها ليست عللًا تامّة يجوز تعددها.
وقرأ زيد بن علي. وحمزة. والكسائي. وخارجة عن نافع {أَنَّهُمْ} بالكسر على أن الجملة استئناف معلل للجزاء، وقيل: مبين لكيفيته فتدبر.

.تفسير الآية رقم (112):

{قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ (112)}
{قَالَ} الله تعالى شأنه أو الملك المأمور بذلك لا بعض رؤساء أهل النار كما قيل تذكرًا لما لبثوا فيما سألوا الرجعة إليه من الدنيا بعد التنبيه على استحالته وفيه توبيخ على إنكارهم الآخرة، وقرأ حمزة. والكسائي. وابن كثير {قُلْ} على الأمر للملك لا لبعض الرؤساء كما قيل ولا لجميع الكفار على إقامة الواحد مقام الجماعة كما زعمه الثعالبي {كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الأرض} التي تدعون أن ترجعوا إليها أي كم أقمتم فيها أحياء {عَدَدَ سِنِينَ} تمييز لكم وهي ظرف زمان للبثتم، وقال: أبو البقاء {عَدَدًا} بدل من {كَمْ}، وقرأ الأعمش والمفضل عن عاصم {عَدَدًا} بالتنوين فقال أبو الفضل الرازي {سِنِينَ} نصب على الظرف {وعددًا} مصدر أقيم مقام الاسم فهو نعت مقدم على المنعوت، وتجويز أن يكون معنى {إِن لَّبِثْتُمْ} عددتم بعيد، وقال أبو البقاء: {سِنِينَ} على هذه القراءة بدل من {عَدَدًا}.

.تفسير الآية رقم (113):

{قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ (113)}
{قَالُواْ لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ} استقصارًا لمدة لبثهم بالنسبة إلى ما تحققوه من طول زمان خلودهم في النار، وقيل: استقصروها لأنها كانت أيام سرورهم بالنسبة إلى ما هم فيه وأيام السرور قصار، وقيل: لأنها كانت منقضية والمنقضى لا يعتني بشأنه فلا يدري مقداره طولًا وقصرًا فيظن أنه كان قصيرًا {فَاسْأَلِ العادين} أي المتمكنين من العد فإنا بما دهمنا من العذاب عزل من ذلك أو الملائكة العادين لأعمار العباد وأعمالهم على ما رواه جماعة عن مجاهد.
وقرأ الحسن. والكسائي في رواية {العادين} بتخفيف الدال أي الظلمة فإنهم يقولون كما نقول كان الأتباع يسمون الرؤساء بذلك لظلمهم إياهم بإضلالهم. وقرئ {العاديين} بتشديد الياء جمع عادي نسبة إلى قوم عاد والمراد بهم المعمرون لأن قوم عاد كانوا يعمرون كثيرًا أي فاسئل القدماء المعمرين فإنهم أيضًا يستقصرون مدة ليثهم.