فصل: تفسير الآية رقم (49):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (49):

{وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ (49)}
{مُّعْرِضُونَ وَإِن يَكُنْ لَّهُمُ الحق} أي لا عليهم كما يؤذن به تقديم الخبر {يَأْتُواْ إِلَيْهِ} أي إلى الرسول صلى الله عليه وسلم {مُذْعِنِينَ} منقادين لعلمهم بأنه عليه الصلاة والسلام يحكم لهم، والظاهر تعلق إلى بيأتوا.
وجوز تعلقها ذعنين على أنها عنى اللام أو على تضمين الإذعان معنى الإسراع وفسره الزجاج بالإسراع مع الطاعة، وتقديم المعمول للاختصاص أو للفاصلة أولهما، وعبر بإذا فيما مر إشارة إلى تحقق الشرط وبأن هنا إشارة إلى عدم تحققه وفي ذلك أيضًا ذم لهم. وقوله تعالى:

.تفسير الآية رقم (50):

{أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (50)}
{أَفِى قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ أَمِ ارتابوا أَمْ يَخَافُونَ أَن يَحِيفَ الله عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ} ترديد لسبب الإعراض المذكور فمدار الاستفهام ما يفهم من الكلام كأنه قيل: أسبب أعراضهم عن المحاكمة إليه صلى الله عليه وسلم أنهم مرضى القلوب لكفرهم ونفاقهم أم سببه أنهم ارتابوا وشكوا في أمر نبوته عليه الصلاة والسلام مع ظهور حقيتها أم سببه أنهم يخافون أن يحيف ويجور الله تعالى شأنه عليهم ورسوله صلى الله عليه وسلم.
وهذا نظير قولك أفيه مرض أم غاب عن البلد أم يخاف من الواشي بعد قول: هجر الحبيب مثلًا فإن كون المعنى أسبب هجره أن فيه مرضًا أم سببه أنه غاب عن البلد أم سببه أنه يخاف من الواشي ظاهر جدًا وهو كثير في المحاورات إلا أن الاستفهام في الآية إنكاري وهو لإنكار السببية، وقوله تعالى: {بَلْ أُوْلَئِكَ هُمُ الظالمون} تعيين للسبب بعد إبطال سببية جميع ما تقدم ففيه تأكيد لما يفيده الاستفهام كأنه قيل: ليس شيء ما ذكر سببًا لذلك الإعراض، أما الأولان فلأنه لو كان شيء منهما سببًا له لأعرضوا عن المحاكمة إليه صلى الله عليه وسلم عند كون الحق لهم ولما أتوا إليه عليه الصلاة والسلام مذعنين لحكمه لتحقق نفاقهم وارتيابهم حينئذ أيضًا، وأما الثالث فلانتفائه رأسًا حيث كانوا لا يخافون الحيف أصلًا لمعرفتهم بتفاصيل أحواله عليه الصلاة والسلام في الأمانة والثبات على الحق بل سبب ذلك أنهم هم الظالمون يريدون أن يظلموا من الحق له عليهم ولا يتأتى مرامهم مع الانقياد إلى المحاكمة إليه عليه الصلاة والسلام فيعرضون عنها لأنه صلى الله عليه وسلم يقضي بالحق عليهم، فمناط النفي المستفاد من الاستفهام الإنكاري والإضراب الإبطالي في الأولين هو وصف سببيتهما للإعراض فقط مع تحققهما في نفسهما، وفي الثالث هو الأصل والوصل جميعًا، وإذا خص الارتياب بما له جهة مصححة لعروضه لهم في الجملة كما فعل البعض حيث جعل المعنى أم ارتابوا بأن رأوا منه صلى الله عليه وسلم تهمة فزالت ثقتهم ويقينهم به عليه الصلاة والسلام كان مناط النفي في الثاني كما في الثالث كذا قرره بعض الأجلة، و{أَمْ} عليه متصلة وقد ذهب إلى أنها كذلك الزمخشري. والبيضاري حيث جعلا ما تقدم تقسيمًا لسبب الإعراض إلا أن الأول جعل الإضراب عن الأخير من الأمور الثلاثة ووجه بأنه أدل على ما كانوا عليه وأدخل في الإنكار من حيث أنه يناقض تسرعهم إليه صلى الله عليه وسلم إذا كان الحق لهم على غير، والثاني جعله إضرابًا عن الأخيرين منها لتحقيق القسم الأول، وقال: وجه التقسيم أن امتناعهم عن المحاكمة إليه صلى الله عليه وسلم إما أن يكون لخلل فيهم أو في الحاكم، والثاني إما أن يكون محققًا أو متوقعًا وفسر الارتياب برؤية مثل تهمة تزيل يقينهم ثم قال: وكلاهما باطلان فتعين الأول.
أما الأول فظاهر. وأما الثاني فلأن منصب النبوة وفرط أمانته عليه الصلاة والسلام يمنعه وظلمهم يعم خلل عقيدتهم وميل نفوسهم إلى الحيف.
وقال العلامة الطيبي الحق أن بل إضراب عن نفس التقسيم وهو إضراب انتقالي كأنه قيل: دع التقسيم فإنهم هم الكاملون في الظلم الجامعون لتلك الأوصاف فلذلك صدوا عن حكومتك يدل عليه الإتيان باسم الإشارة والخطاب وتعريف الخبر بلام الجنس وتوسيط ضمير الفصل، ونقل عن الإمام ما يدل على أن أم منقطعة قال: أثبتهم على كل واحد من هذه الأوصاف فكان في قلوبهم مرض وهو النفاق فكان فيها ارتياب فكانوا يخافون الحيف، ووجه الإضراب أن كلًا مسبب عن الآخر علم على وجوده وزيادة، واعترض بأنه لا يجب التسبب إلا أن يدعي في هذه المادة خصوصًا، وصرح أبو حيان بأنها منقطعة وبأن الاستفهام للتوقيف والتوبيخ ليقروا بأحد هذه الأوجه التي عليها في الإقرار بها عليهم ويستعمل في الذم والمدح كما في قوله:
ألست من القوم الذين تعاهدوا ** على اللؤم والفحشاء في سالف الدهر

وقوله:
ألستم خير من ركب المطايا ** وأندى العالمين بطون راح

ولا يخفى أن الأظهر أنها متصلة والتلازم بين الأمور الثلاثة ممنوع على أنه لا يضر وأن معنى الآية ما ذكرناه أولًا، وتقديم {عَلَيْهِمْ} على الرسول لتأكيد أن حكمه عليه الصلاة والسلام هو حكم الله تعالى، ووجه اختلاف أساليب الجمل يظهر بأدنى تأمل. وقوله سبحانه:

.تفسير الآية رقم (51):

{إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (51)}
{إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ المؤمنين إِذَا دُعُواْ إِلَى الله وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا} جار على عادته تعالى في اتباع ذكر المحق المبطل والتنبيه على ما ينبغي بعد إنكاره لما لا ينبغي، ونصب {قَوْلَ} على أنه خبر كان وأن مع ما في حيزها في تأويل مصدر اسمها، ونص سيبويه في مثل ذلك على جواز العكس فيرفع {قَوْلَ} على الاسمية وينصب المصدر الحاصل من السبك على الخبرية.
وقد قرأ علي كرم الله تعالى وجهه. وابن أبي إسحق: والحسن برفع {قَوْلَ} على ذلك قال الزمخشري: والنصب أقوى لأن الأولى للاسمية ما هو أوغل في التعريف وذلك هو المصدر الذي أول به أن يقولوا لأنه لا سبيل عليه لتلنكير بخلاف {قَوْلَ المؤمنين} فإنه يحتمله كما إذا اختزلت عنه الإضافة، وقيل في وجه أعرفيته أنه لا يوصف كالضمير، ولا يخفى أنه لا دخل له في الأعرفية، ثم أنت تعلم أن المصدر الحاصل من سبك أن والفعل لا يجب كونه مضافًا في كل موضع ألا ترى أنهم قالوا في قوله تعالى: {مَا كَانَ هذا القرءان أَن يَفْتَرِى} [يونس: 37] إنه عنى ما كان هذا القرآن افتراء.
وذكر أن جواز تنكيره مذهب الفارسي وهو متعين في نحو أن يقوم رجل إذ هومؤول قطعًا بقيام رجل وهو نكرة بلا ريب. وفي إرشاد العقل السليم أن النصب أقوى صناعة لكن الرفع أقعد معنى وأوفى لمقتضى المقام لما أن مصب الفائدة وموقع البيان في الجمل هو الخبر فالأحق بالخبرية ما هو أكثر إفادة وأظهر دلالة على الحدوث وأوفر اشتمالًا على نسب خاصة بعيدة من الوقوع في الخارج وفي ذهن السامع ولا ريب في أن ذلك هاهنا في أن مع ما في حيزها أتم وأكمل فإذن هو أحق بالخبرية، وأما ما تفيده الإضافة من النسب المطلقة الإجمالية فحيث كانت قليلة الجدوى سهلة الحصول خارجًا وذهنًا كان حقها أن تلاحظ ملاحظة مجملة وتجعل عنوانًا للموضوع فالمعنى إنما كان مطلق القول الصادر عن المئمنين إذا دعوا إلى الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم ليحكم بينهم وبين خصومهم أن يقولوا سمعنا إلخ أي خصوصية هذا القول المحكي عنهم لا قولًا آخر أصلًا، وأما النصب فالمعنى عليه إنما كان قولًا للمؤمنين خصوصية قولهم {سَمِعْنَا} إلخ ففيه من جهل أخص النسبتين وأبعدهما وقوعًا وحضورًا في الأذهان وأحقهما بالبيان مفروغًا عنها عنوانًا للموضوع وإبراز ما هو بخلافها في معرض القصد الأصلي ما لا يخفى انتهى، وبحث فيه بعضهم بأن مساق الآية يقتضي أن يكون قول المؤمنين سمعنا وأطعنا في مقابلة إعراض المنافقين فحيث ذم ذلك على أتم وجه ناسب أن يمدح هذا، ولا شك أن الأنسب في مدحه الأخبار عنه لا الاخبار به فينبغي أن يجعل {أَن يَقُولُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا} اسم كان و{قَوْلَ المؤمنين} خبرها وفي ذلك مدح لقولهم سمعنا وأطعنا إذ معنى كونه قول المؤمنين أنه قول لائق بهم ومن شأنهم على أن الأهم بالإفادة كون ذلك القول الخاص هو قولهم: {إِذَا دُعُواْ إِلَى الله وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ} أي قولهم المقيد بما ذكر ليظهر أتم ظهور مخالفة حال قولهم سمعنا وأطعنا وحال قول المنافقين:{آمنا بالله وبالرسول وأطعنا} [النور: 47] فتدبر فإنه لا يخلو عن دغدغة، والظاهر أن المراد منه فيما سبق فكأنهم أرادوا سمعنا كلامكم وأطعنا أمركم بالذهاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليحكم بينكم وبيننا، وقيل المعنى قبلنا قولكم وانقدنا له وأجبنا إلى حكم الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، وعن ابن عباس. ومقاتل أن المعنى سمعنا قول النبي صلى الله عليه وسلم وأطعنا أمره، وقيل المراد من الطاعة الثبوت أو الإخلاص لتغالير ما مر وهو كما ترى.
وقرأ الجحدري. وخالد بن إلياس {لِيَحْكُمَ} بالبناء للمفعول مجاوبًا لدعوا، وكذلك قرأ أبو جعفر هنا وفيما مر ونائب الفاعل ضمير المصدر أي ليحكم هو أي الحكم، والمعنى ليفعل الحكم كما في قوله تعالى: {وَحِيلَ بَيْنَهُمْ.} [سبأ: 54] {وَأُوْلئِكَ} إشارة إلى المؤمنين باعتبار صدور القول المذكور عنهم، ومافيه من معنى البعد للإيذان بعلو رتبتهم وبعد منزلتهم في الفضل أي وأولئك المنعوتون بما ذكر من النعت الجليل {هُمُ المفلحون} أي هم الفائزون بكل مطلوب والناجون عن كل محذور.

.تفسير الآية رقم (52):

{وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ (52)}
{وَمَن يُطِعِ الله وَرَسُولَهُ} استئناف جيء به لتقرير مضمون ما قبله من حسن حال المؤمنين وترغيب من عداهم في الانتظام في سلكهم أي ومن يطع الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم كائنًا من كان فيما أمر به من الأحكام اللازمة والمتعدية، وعن ابن عباس أنه قال: ومن يطع الله ورسوله في الفرائض والسنن وهو يحتمل اللف والنشر وعلى ذلك جرى في البحر {وَيَخْشَ الله} على ما مضى من ذنوبه {وَيَتَّقْهِ} فيما يستقبل {فَأُوْلَئِكَ} الموصوفون بما ذكر من الطاعة والخشية والاتقاء {هُمُ الفائزون} بالنعيم المقيم لا من عدهم.
وقرأ أبو جعفر. وقالون عن نافع. ويعقوب {وَيَتَّقْهِ} بكسر القاف وكسر الهاء من غير إشباع. وقرأ أبو عمرو. وحمزة في رواية العجلي. وخلاد. وأبو بكر في رواية حماد. ويحيى بكسر القاف وسكون الهاء. وقرأ أبو عمرو. وحمزة في رواية العجلي. وخلاد. وأبو بكر في رواية حماد. ويحيى بكسر القاف وسكون الهاء. وقرأ حفص بسكون القاف وكسر الهاء غير مشبعة والباقون بكسر القاف وكسر الهاء مشبعة بحيث يتولد ياء، ووجه ذلك أبو علي بأن الأصل في الهاء غير مشبعة والباقون بكسر القاف وكسر الهاء مشبعة بحيث يتولد ياء، ووجه ذلك أبو علي بأن الأصل في هاء الضمير إذا كان ما قبلها متحركًا أن تشبع حركتها كما في يؤته ويؤده، ووجه عدم الإشباع أن ما قبل الضمير ساكن تقديرًا ولا إشباع بحركته فيما إذا سكن ما قبله كفيه ومنه، ووجه إسكان الهاء إنها هاء السكت وهي تسكن في كلامهم، وقيل: هي هاء الضمير لكن أجريت مجرى هاء السكت فسكنت وكثيرًا ما يجري الوصل مجرى الوقف، وقد حكى عن سيبويه أنه سمع من يقول: هذه أمة الله في الوصل والوقف، ووجه قراءة حفص أنه أعطى {يتقه} حكم كتف لكونه على وزنه فخفف بسكون وسطه لجعله ككلمة واحدة كما خفف يلدا في قوله:
وذي ولد لم يلده أبوان

وعن ابن الأنباري أنه لغة لبعض العرب في كل معتل حذف آخره فيقولون لم أر زيدًا يسقطون الحرف للجزم ثم يسكنون ما قبل، وعلى ذلك قوله:
ومن يتق فإن الله معه ** ورزق الله مؤتاب وغاد

وقوله:
قالت سليمى اشتر لنا سويقا ** وهات خبز البر أو دقيقًا

والهاء إما للسكت وحركت لالتقاء الساكنين أو ضمير، وكان القياس ضمها حينئذ كما في منه لكن السكون لعروضه لم يعتد به ولئلا ينتقل من كسر لضم تقديرًا، وضعف الأول لتحريك هاء السكت وإثباتها في الوصل كذا قيل فلا تغفل.