فصل: تفسير الآية رقم (11):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (11):

{بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنَا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيرًا (11)}
{بَلْ كَذَّبُواْ بالساعة} انتقال إلى حكاية نوع آخر من أباطيلهم متعلق بأمر المعاد وما قبل كان متعلقًا بأمر التوحيد وأمر النبوة ولا يضر في ذلك العود إلى ما يتعلق بالكلام السابق، واختلاف أساليب الحكاية لاختلاف المحكي، وما ألطف تصدير حكاية ما يتعلق بالآخرة ببل الانتقالية.
وقوله تعالى: {وَأَعْتَدْنَا لِمَن كَذَّبَ بالساعة سَعِيرًا} إلخ لبيان ما لهم مفي الآخرة بسبب أي هيأنا لهم نارًا عظيمة شديدة الاشتعال شأنها كيت وكيت بسبب تكذيبهم بها على ما يشعر به وضع الموصول موضع ضميرهم أو لكل من كذب بها كائنًا من كان وهم داخلون في ذلك دخولًا أوليًا، ووضع الساعة موضع ضميرها للمبالغة في التشنيع، وهذا الارعتداد وإن كان ليس بسبب تكذيبهم بها خاصة بل يشاركه في السببية له ارتكابهم الاباطيل في أمر التوحيد وأمر النبوة إلا أنه لما كانت الساعة نفسها هي العلة القريبة لدخولهم السعير أشير بما ذكر إلى سببية التكذيب بها لدخولها ولم يتعرض للإشارة إلى سببية شيء آخر؛ وقيل إن من كذب بالساعة صار كالإسم لأولئك المشركين والمكذبين برسول الله صلى الله عليه وسلم والمكذبين بالساعة أي الجامعين للأوصاف الثلاثة لأن التكذيب بها أخص صفاتهم القبيحة وأكثر دورانًا على ألسنتهم إذ من الكفار من يشرك ويكذب برسول الله عليه الصلاة والسلام ولا يكذب بالساعة. فالمراد من يكذب بالساعة أولئك الصنف من الكفرة وهو كما ترى.
وقيل: إن قوله تعالى: {بَلْ كَذَّبُواْ بالساعة} عطف على قوله تعالى: {قَالُواْ مَا لهذا الرسول} [الفرقان: 7] إلخ واضراب عنه إلى ما هو أعجب منه على معنى أن ذلك تكذيب للرسول صلى الله عليه وسلم وهذا تكذيب لله سبحانه. وتعالى ففي صحيح البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «قال الله تعالى كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك إلى قوله تعالى فأما تكذيبه إياي فزعم أني لا أقدر أن أعيده كما كان» وظاهره أن أعجبية التكذيب بالساعة لأنه تكذيب لله عز وجل، وقال بعضهم: إن الأعجبية لأنهم أنكروا قدرة الله تعالى على الإعادة مع ما شاهدوه ففي الأنفس والآفاق وما ارتكز في أوهامهم من أن الإعادة أهون من الابداء وليس ذلك لأنه تكذيب الله عز وجل فإنهم لم يسمعوا أمر الساعة إلا من النبي صلى الله عليه وسلم فهو تكذيب له عليه الصلاة والسلام فيه، وأنت تعلم أن في لحديث إشارة إلى ما ارتضاه.
وقيل: اضراب عن ذاك على معنى أتوا بأعجب منه حيث كذبوا بالساعة وأنكروها والحال أنا قد اعتدنا لمن كذب بها سعيرًا فإن جراءتهم على التكذيب بها وعدم خوفهم مما أعد لمن كذب بها من أنواع العذاب أعجب من القول السابق.
وتعقب بأنه لا نسلم كون الجراءة على التكذيب بالساعة أعجب من الجراءة على القول السابق بعد ظهور المعجزة ولا نسلم أن انضمام عدم الخوف مما يترتب عليه إذا كان ذلك الترتب في الساعة المكذب بها يفيد شيئًا وفيه تأمل، وقيل: هو إضراب عن ذلك على معنى أتوا باعجب منه حيث كذبوا بالساعة التي أخبر بها جميع الأنبياء عليهم السلام فالجراءة على التكذيب بها جراءة على التكذيب بهم والجراءة على التكذيب بهم أعجب من الجراءة على القول الساقق. وتعقب بأن مرادهم من القول السابق نفي نبوته عليه الصلاة والسلام وتكذيبه وحاشاه ثم حاشاه من الكذب في دعواه إياها لعدم مخالفة حاله صلى الله عليه وسلم حالهم واتصافه بما زعموا منافاته للرسالة وذلك موجود ومتحقق في جميع الأنبياء عليهم السلام، فتكذيبه صلى الله عليه وسلم لذلك تكذيب لهم أيضًا فلا يكون التكذيب بالساعة على ما ذكر أعجب من تكذيب النبي صلى الله عليه وسلم لاشتراك التكذيبين في كونهما في حكم تكذيب الكل، وقيل: هو متصل بقوله تعالى: {تَبَارَكَ الذي إِن شَاء} [الفرقان: 10] إلخ الواقع جوابًا لهم والمنبئ عن الوعد بالجنات والقصور في الآخرة مسوق لبيان أن ذلك لا يجدي نفعًا على طريقة قول من قال:
عوجوا لنعم فحيوا دمنة الدار ** ماذا تحيون من نؤى وأحجار

والمعنى أنهم لا يؤمنون بالساعة فكيف يقتنعون بهذا الجواب وكيف يصدقون بتعجيل مثل ما وعدك في الآخرة، وقيل: إضراب عن الجواب إلى بيان العلة الداعية لهم إلى التكذيب، والمعنى بل كذبوا بالساعة فقصرت أنظارهم على الحظوظ الدنيوية وظنوا أن الكرامة ليست إلا بالمال وجعلوا خلو يدك عنه ذريعة إلى تكذيبك وقوله تعالى:

.تفسير الآية رقم (12):

{إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا (12)}
{إِذَا رَأَتْهُمْ} إِلى آخره صفة للسعير والتأنيث باعتبار النار، وقيل لأنه علم لجهنم كما روي عن الحسن. وفيه أنه لو كان كذلك لامتنع دخول أل عليه ولمنع من الصرف للتأنيث والعلمية.
وأجيب بأن دخول أل للمح الصفة وهي تدخل الاعلام لذلك كالحسن. والعباس وبأنه صرف للتناسب ورعاية الفاصلة. أو لتأويله بالمكان وتأنيثه هنا للتفنن، وإسناد الرؤية إليها حقيقة على ما هو الظاهر وكذا نسبة التغيظ والزفير فيما بعد إذ لا امتناع في أن يخلق الله تعالى النار حية مغتاظة زافرة على الكفار فلا حاجة إلى تأويل الظواهر الدالة على أن لها إدراكًا كهذه الآية، وقوله تعالى: {يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امتلات وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ} [ق: 30] وقوله صلى الله عليه وسلم كما في صحيح البخاري: «شكت النار إلى ربها فقالت: رب أكل بعضي بعضًا فأذن لها بنفسين نفس في الشتاء ونفس في الصيف» إلى غير ذلك، وإذا صح ما أخرجه الطبراني. وابن مردويه من طريق مكحول عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من كذب علي متعمدًا فليتبوأ مقعده من بين عيني جهنم قالوا: يا رسول الله هل لجهنم من عين؟ قال: نعم أم مسعتم الله تعالى يقول: {إِذَا رَأَتْهُمْ مّن مَّكَانٍ بَعِيدٍ} فهل تراهم إلا بعينين» كان ما قلناه هو الصحيح. وإسنادها إليها لا إليهم للإيذان بأن التغيظ والزفير منها لهيجان غضبها عليهم عند رؤيتها إياهم {مِن مَّكَانِ بَعِيدٍ} هو أقصى ما يمكن أن يرى منه، وروي أنه هنا مسيرة خمسمائة عام. وأخرج آدم بن أبي إياس في تفسيره عن ابن عباس أنه مسيرة مائة عام وحكى ذلك عن السدى. والكلبي. وروي أيضًا عن كعب، وقيل: مسيرة سنة وحكاه الطبرسي عن الإمام أبي عبد الله رضي الله تعالى عنه، ونسبه في إرشاد العقل السليم إلى السدى. والكلبي {سَمِعُواْ لَهَا تَغَيُّظًا} أي صوت تغيظ ليصح تعلق السماع به. وفي مفردات الراغب الغيظ أشد الغضب والتغيظ هو إظهار الغيظ وقد يكون ذلك مع صوت مسموع كما في هذه الآية، وقيل: أريد بالسماع مطلق الإدراك كأنه قيل: أدركوا لها تغيظًا {وَزَفِيرًا} هو إِخراج النفس بعد مدة على ما في القاموس، وقال الراغب: هو ترديد النفس حتى تنتفخ الضلوع منه وشاع استعماله في نس صوت ذلك النس، ولا شبهة في أنه مما يتعلق به السماء ولذا استشكلوا تعلق السماع بالتغيظ دون الزفير فأولوا لذلك بما سمعت، وقال بعضهم: إن ما ذكر من قبيل قوله:
ورأيت زوجك قد غدا ** متقلدًا سيفًا ورمحًا

وهو بتقدير سمعوا لها وأدركوا تغيظًا وزفيرًا ويعاد كل إلى ما يناسبه. ومن الناس من قال: الكلام خارج مخرج المبالغة بجعل التغيظ مع أنه ليس من المسموعات مسموعًا، والتنوين فيه وفي {زفيرًا} للتفخيم.
وقد جاء في الآثار ما يدل على شدة زفيرها أعاذنا الله تعالى منها، ففي خبر أخرجه ابن جرير. وابن أبي حاتم بسند صحيح عن ابن عباس أنها تزفر زفرة لا يبقى أحد إلا خاف. وأخرج ابن المنذر. وابن جرير. وغيرهما عن عبيد بن عمير أنه قال في قوله تعالى: {بَعِيدٍ سَمِعُواْ لَهَا} إلخ: إن جهنم لتزفر زفرة لا يبقى ملك مقرب ولا نبي مرسل إلا ترعد فرائصه حتى إن إبراهيم عليه السلام ليجثو على ركبتيه ويقول: يا رب لا أسألك اليوم إلا نفسي. وأخرج أبو نعيم عن كعب قال: إذا كان يوم القيامة جمع الله تعالى الأولين والآخرين في صعيد واحد فنزلت الملائكة صفوفًا فيقول الله تعالى لجبريل عليه السلام: ائت بجهنم فيأتي بها تقاد بسبعين ألف زمام حتى إذا كانت من الخلائق على قدر مائة عام زفرت زفرة طارت لها أفئدة الخلائق ثم زفرت ثانية فلا يبقى ملك مقرب ولا نبي مرسل إلا جثا لركبتيه ثم تزفر الثالثة فتبلغ القلوب الحناجر وتذهل العقول فيفزع كل امرئ إلى عمله حتى إن إبراهيم عليه السلام يقول: بخلتي لا أسألك إلا نفسي ويقول موسى عليه السلام: ناجاتي لا أسألك إلا نفسي ويقول عيسى عليه السلام: بما أكرمتني لا أسألك إلا نفسي لا أسألك مريم التي ولدتني ومحمد صلى الله عليه وسلم يقول: أمتى أمتى لا أسألك اليوم نفسي فيجيبه الجليل جل جلاله إن أوليائي من أمتك لا خوف عليهم ولا هم هم يحزنون فوعزتي لأقرن عينك ثم تقف الملائكة عليهم السلام بين يدي الله تعالى ينتظرون ما يؤمرون وهذه الأخبار ظاهرة في أن النار هي التي تزفر وأن الزفير على حقيقته.
وزعم بعضهم أن زفيرها صوت لهيبها واشتعالها، وقيل: إن كلا من الرؤية والتغيظ والزفير لزبانيتها ونسبته إليها على حذف المضاف ونقل ذلك عن الجبائي، وقيل: إن قوله تعالى: {رَأَتْهُمْ} من قوله صلى الله عليه وسلم «إن المؤمن والكافر لا تتراءى نارهما» وقولهم: دورهم تتراءى وتتناظر كان بعضها يرى بعضًا على سبيل الاستعارة بالكناية والمجاز المرسل، وجوز أن يكون من باب التمثيل، وأيًا ما كان فالمراد إذا كانت رأى منهم، وقوله سبحانه: {سَمِعُواْ لَهَا تَغَيُّظًا} على تشبيه صوت غليانها بصوت المغتاظ وزفيره وفيه استعارة تصريحية أو مكنية وجوز أن تكون تمثيلية، وقد دكر هذا التأويل الزمخشري مقدمًا له؛ وذكر بعض الأئمة أن هذا مذهب المعتزلة لأنهم جعلوا البينة شرطًا في الحياة.
وفي الكشف الأشبه أن ذلك ليس لأن البينة شرط ومن أين العلم بأن بنية نار الآخرة بحيث لا تستعد للحياة بل لأنه لابد من ارتكاب خلاف الظاهر من جعل الشيء المعروف جماديته حيا ناطقا فكان خبرًا على خلاف المعتاد أو الحمل على المجاز التمثيلي الشائع في كلامهم لاسيما في كلام الله تعالى ورسله عليهم السلام وإذ لاح الوجه فكن الحاكم في ترك الظاهر إلى هذا أو ذاك، وفتح هذا الباب لا يجر إلى مذهب الفلاسفة كما توهم صاحب الانتصاف ولا يخالف تعبدنا بالظواهر فإن ما يدعونه أيضًا ليس بظاهر انتهى، وأنت تعلم بعد الاغماض عن المناقشة فيما ذكر أن الحمل على الحقيقة هنا أبلغ في التهويل ولعله يهون أمر الخبر على خلاف المعتاد؛ وهذا إن لم يصح الخبر السابق أما إذا صح فلا ينبغي العدول عما يقتضيه وليس لأحد قول مع قوله صلى الله عليه وسلم فإنه الأعلم بظاهر الكتاب وخافيه.

.تفسير الآية رقم (13):

{وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا (13)}
{وَإَذَا أُلْقُواْ مِنْهَا مَكَانًا} أي في مكان فهو منصوب على الظرفية و{مِنْهَا} حال منه لأنه في الأصل صفة، وجوز تعلقه بألقوا.
وقوله تعالى: {ضَيّقًا} صفة لمكانا مقيدة لزيادة شدة الكرب مع الضيق كما أن الروح مع السعة وهو السر في وصف الجنة بأن عرضها السموات والأرض. وأخرج ابن أبي حاتم عن يحيى بن أسيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن قوله تعالى: {وَإَذَا أُلْقُواْ} إلخ فقال: والذي نفسي بيده إنهم ليستكرهون في النار كما يستكره الوتد في الحائط، وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنها تضيق عليهم كما يضيق الزج في الرمح.
وقرأ الكلبي: الأسفلون يرفعهم اللهب والأعلون يحطهم الداخلون فيزدحمون، وقرأ ابن كثير {ضَيّقًا} بسكون الياء.
{مُقْرِنِينَ} حال من ضمير {أَلْقَوْاْ} أي إذا ألقوا منها مكانًا ضيقًا حال كونهم مقرنين قد قرنت أيديهم إلى أعناقهم بالجوامع، وقيل: مقرنين مع الشياطين في السلاسل كل كافر مع شيطانه وفي أرجلهم الأصفاد، وحكى عن الجبائي، وقرأ أبو شيبة صاحب معاذ بن جبل {مقرنون} بالرفع ونسبها ابن خالويه إلى معاذ، ووجهها على ما في البحر كونه بدلًا من ضمير {قَالَ أَلْقَوْاْ} بدل نكرة من معرفة {دَعَوْاْ هُنَالِكَ} أي في ذلك المكان الهائل {ثُبُورًا} أي هلاكًا كما قال الضحاك. وقتادة وهو مفعول {دَّعَوَا} أي نادوا ذلك فقالوا: يا ثبوراه على معنى أحضر فهذا وقتك، وجعل غير واحد النداء عنى التمني فيتمنون الهلاك ليسلموا مما هو أشد منه كما قيل أشد من الموت ما يتمنى معه الموت.
وجوز أبو البقاء نصب {ثُبُورًا} على المصدرية لدعوا على معنى دعوا دعاء، وقيل: على المصدرية لفعل محذوف ومفعول {دَّعَوَا} مقدر أي دعوا من لا يجيبهم قائلين ثبرنا ثبورًا وكلا القولين كما ترى، ولا اختصاص لدعاء الثبور بكفرة الإنس فإنه يكون للشيطان أيضًا. أخرج أحمد. وابن أبي شيبة. وعبد بن حميد. والبزار: وابن املنذر. وابن أبي حاتم. وابن مردويه. والبيهقي في البعث بسند صحيح عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن أول من يكسي حلة من النار إبليس فيضعها على حاجبيه ويسحبها من خلفه وذريته من بعده وهو ينادي يا ثبوراه ويقولون يا ثبورهم حتى يقف على النار: فيقول يا ثبوراه ويقولون يا ثبورهم» الحديث، وفي بعض الروايات أن أول من يقول ذلك إبليس ثم يتبعه أتباعه، وظاهره شمول الاتباع كفرة الأنس والجن، ولا يتوهم اختصاص ذلك ببعض كفرة الإنس بناء على ما قيل: إن الآية نزلت في أبي جهل.
وأصحابه لما لا يخفى وقوله تعالى: