فصل: تفسير الآية رقم (71):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (71):

{وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا (71)}
{وَمَن تَابَ} أي عن المعاصي التي فعلها بتركها بالكلية والندم عليها {وَعَمِلَ صالحا} يتلافى به ما فرط منه أو ومن خرج عن جنس المعاصي وإن لم يفعله ودخل في الطاعات {فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى الله} أي يرجع إليه سبحانه بذلك {مَتابًا} أي رجوعًا عظيم الشأن مرضيًا عنده تعالى ما حيا للعقاب محصلًا للثواب أو فإنه يتوب إلى الله تعالى ذي اللطف الواسع الذي يحب التائبين ويصطنع إليهم أو فإنه يرجع إلى الله تعالى أو إلى ثوابه سبحانه مرجعًا حسنًا، وأيًا ما كان فالشرط والجزاء متغايران، وهذا لبيان حال من تاب من جميع المعاصي وما تقدم لبيان من تاب من أمهاتها فهو تعميم بعد تخصيص.

.تفسير الآية رقم (72):

{وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا (72)}
{والذين لاَ يَشْهَدُونَ الزُّورَ} أي لا يقيمون الشهادة الكاذبة كما روي عن علي كرم الله تعالى وجهه. والباقر رضي الله تعالى عنه فهو من الشهادة، و{الزور} منصوب على المصدر أو بنزع الخافض أي شهادة الزور أو بالزور، ويفهم من كلام قتادة أن الشهادة هنا عنى يعم ما هو المعروف منها، أخرج عبد بن حميد. وابن أبي حاتم عنه أنه قال: أي لا يساعدون أهل الباطل على باطلهم ولا يؤملونهم فيه.
وأخرج جماعة عن مجاهد أن المراد بالزور الغناء، وروي نحوه عن محمد بن الحنفية رضي الله تعالى عنه، وضم الحسن إليه النياحة، وعن قتادة أنه الكذب، وعن عكرمة أنه لعب كان في الجاهلية، وعن ابن عباس أنه صنم كانوا يلعبون حوله سبعة أيام، وفي رواية أخرى عنه أنه عيد المشركين وروي ذلك عن الضحاك، وعن هذا أنه الشرك فيشهدون على هذه الأقوال من الشهود عنى الحضور، و{الزور} مفعول به بتقدير مضاف أي محال الزور؛ وجوز أن يراد بالزور ما يعم كل شيء باطل مائل عن جهة الحق من الشرك والكذب والغناء والنياحة ونحوها فكأنه قيل: لا يشهدون مجالس الباطل لما في ذلك من الإشعار بالرضا به، وأيضًا من حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه {وَإِذَا مَرُّواْ} على طريق الاتفاق {باللغو} بما ينبغي أن يلغى ويطرح مما لا خير فيه {مَرُّواْ كِرامًا} أي مكرمين أنفسهم عن الوقوف عليه والخوض فيه معرضين عنه.
وفسر الحسن اللغو كما أخرج عنه ابن أبي حاتم بالمعاصي، وأخرج هو. وابن عساكر عن إبراهيم بن ميسرة قال: بلغني أن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه مرَّ بلهو معرضًا ولم يقف فقال النبي صلى الله عليه وسلم لقد أصبح ابن مسعود وأمسى كريمًا ثم تلا إبراهيم {وَإِذَا مَرُّواْ بِاللَّغْوِ مَرُّواْ كِرامًا}.
وقيل: المراد باللغو الكلام الباطل المؤذي لهم أو ما يعمه والفعل المؤذي وبالكرم العفو والصفح عمن آذاهم، وإليه يشير ما أخرجه جماعة عن مجاهد أنه قال في الآية: إذا أوذوا صفحوا وجعل الكلام على هذا بتقدير مضاف أي إذا مروا بأهل اللغو أعرضوا عنهم كما قيل:
ولقد أمر على اللئيم يسبني ** فمضيت ثمت قلت لا يعنيني

ولا يخفى أنه ليس بلازم، وقيل: اللغو القول المستهجن، والمراد رورهم عليه إتيانهم على ذكره وبكرمهم الكف عنه والعدول إلى الكناية، وإليه يومئ ما أخرجه جماعة عن مجاهد أيضًا أنه قال: فيها كانوا إذا أتوا على ذكر النكاح كنوا عنه، وعمم بعضهم وجعل ما ذكر من باب التمثيل، وجوز أن يراد باللغو الزور بالمعنى العام أعني الأمر الباطل عبر عنه تارة بالزور لميله عن جهة الحق وتارة باللغو لأنه من شأنه أن يلغى ويطرح، ففي الكلام وضع المظهر موضع المضمر، والمعنى والذين لا يحضرون الباطل وإذا مروا به على طريق الاتفاق أعرضوا عنه.

.تفسير الآية رقم (73):

{وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا (73)}
{وَالَّذِينَ إِذَا ذُكّرُواْ بئايات رَبّهِمْ} القرآنية المنطوية على المواعظ والأحكام {لَمْ يَخِرُّواْ عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا} أي أكبوا عليها سامعين بآذان واعية مبصرين بعيون راعية فالنفي متوجه إلى القيد على ما هو الأكثر في «لسان العرب»، وفي التعبير بما ذكر دون أكبوا عليها سامعين مبصرين ونحوه تعريض لما عليه الكفرة والمنافقون إذا ذكروا بآيات ربهم، والخرور السقوط على غير نظام وترتيب، وفي التعبير به مبالغة في تأثير التذكير بهم، وقيل: ضمير عليها للمعاصي المدلول عليها باللغو، والمعنى إذا ذكروا بآيات ربهم المتضمنة للنهي عن المعاصي والتخويف لمرتكبها لم يفعلوها ولم يكونوا كمن لا يسمع ولا يبصر وهو كما ترى.

.تفسير الآية رقم (74):

{وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا (74)}
{والذين يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أزواجنا وذرياتنا قُرَّةَ أَعْيُنٍ} بتوفيقهم للطاعة كما روي عن ابن عباس. والحسن. وعكرمة. ومجاهد فإن المؤمن الصادق إذا رأى أهله قد شاركوه في الطاعة قرت بهم عينه وسر قلبه وتوقع نفعهم له في الدنيا حيًا وميتًا ولحوقهم به في الأخرى، وذكر أنه كان في أول الإسلام يهتدي الأب والابن كافر والزوج والزوجة كافرة فلا يطيب عيش ذلك المهتدي فكان يدعو بما ذكر، وعن ابن ابن عباس قرة عين الوالد بولده أن يراه يكتب الفقه، ومن ابتدائية متعلقة بهب أي هب لنا من جهتهم.
وجوز أن تكون بيانية كأنه قيل: هب لنا قرة أعين ثم بينت القرة وفسرت بقوله سبحانه: {مِنْ أزواجنا وذرياتنا} وهذا مبني على مجيء من للبيان وجواز تقدم المبين على المبين، وقرة العين كناية عن السرور والفرح وهو مأخوذ من القر وهو البرد لأن دمعة السرور باردة ولذا يقال في ضده: أسخن الله تعالى عينه، وعليه قول أبي تمام:
فأما عيون العاشقين فأسخنت ** وأما عيون الشامتين فقرت

وقيل: هو مأخوذ من القرار لأن ما يسر يقر النظر به ولا ينظر إلى غيره، وقيل: في الضد أسخن الله تعالى عينه على معنى جعله خائفًا مترقبًا ما يحزنه ينظر يمينًا وشمالًا وأمامًا ووراءً لا يدري من أين يأتيه ذلك بحيث تسخن عينه لمزيد الحركة التي تورث السخونة، وفيه تكلف، وقيل: {أَعْيُنِ} بالتنكير مع أن المراد بها أعين القائلين وهي معينة لقصد تنكير المضاف للتعظيم وهو لا يكون بدون تنكير المضاف إليه، وجمع القلة على ما قال الزمخشري لأن أعين المتقين قليلة بالإضافة إلى عيون غيرهم.
وتعقبه أبو حيان. وابن المنير بأن المتقين وإن كانوا قليلًا بالإضافة إلى غيرهم إلا أنهم في أنفسهم على كثرة من العدد والمعتبر في إطلاق جمع القلة أن يكون المجموع قليلًا في نفسه لا بالإضافة إلى غيره، وأجيب بأن المراد أنه استعمل الجمع المذكور في معنى القلة مجردًا عن العدد بقرينة كثرة القائلين وعيونهم، واستظهر ابن المنير أن ذلك لأن المحكي كلام كل واحد من المتقين فكأنه قيل: يقول كل واحد منهم هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين فتدبر وتأمل في وجه اختيار هذا الجمع في غير هذا الموضع مما لا يتأتى فيه ما ذكروه هاهنا.
وأنا أظن أنه اختير الأعين جمعًا للعين الباصرة والعيون جمعًا للعين الجارية في جميع القررن الكريم ويخطر لي في وجه ذلك شيء لا أظنه وجيهًا ولعلك تفوز بما يغنيك عن ذكره والله تعالى ولي التوفيق. وقرأ طلحة. وأبو عمرو. وأهل الكوفة غير حفص {وذرياتنا} على الافراد.
وقرأ عبد الله. وأبو الدرداء. وأبو هريرة {قَرَأْتَ} على الجمع {واجعلنا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} أي اجعلنا بحيث يقتدون بنا في إقامة مراسم الدين بإفاضة العلم والتوفيق للعمل، وإمام يستعمل مفردًا وجمعًا كهجان والمراد به هنا الجمع ليطابق المفعول الأول لجعل، واختير على أئمة لأنه أوفق بالفواصل السابقة واللاحقة، وقيل: هو مفرد وأفرد مع لزوم المطابقة لأنه اسم جنس فيجوز إطلاقه على معنى الجمع مجازًا بتجريده من قيد الوحدة أو لأنه في الأصل مصدر وهو لكونه موضوعًا للماهية شامل للقليل والكثير وضعًا فإذا نقل لغيره قد يراعى أصله أو لأن المراد واجعل كل واحد منا أو لأنهم كنفس واحدة لاتحاد طريقتهم واتفاق كلمتهم.
وفي إرشاد العقل السليم بعد نقل ما ذكر أن مدار التوجيه على أن هذا الدعاء صدر عن الكل على طريق المعية وهو غير واقع أو عن كل واحد وهو غير ثابت، فالظاهر أنه صدر عن كل واحد قول واجعلني للمتقين إمامًا فعبر عنهم للإيجاز بصيغة الجمع وأبقى {إِمَامًا} على حاله.
وتعقب بأن فيه تكلفًا وتعسفًا مع مخالفته للعربية وأنه ليس مداره على ذلك بل أنهم شركوا في الحكاية في لفظ واحد لاتحاد ما صدر عنهم مع أنه يجوز اختيار الثاني لأن التشريك في الدعاء أدعى للإجابة فاعرف ولا تغفل.
وروي عن مجاهد أن إمامًا جمع آم عنى قاصد كصيام جمع صائم، والمعنى اجعلنا قاصدين للمتقين مقتدين بهم، وما ذكر أولًا أقرب كما لا يخفى وليس في ذلك كما قال النخعي: طلب للرياسة بل مجرد كونهم قدوة في الدين وعلماء عاملين، وقيل: في الآية ما يدل على أن الرياسة في الدين مما ينبغي أن يطلب، وإعادة الموصول في المواقع السبعة مع كفاية ذكر الصلات بطريق العطف على صلة الموصول الأول للإيذان بأن كل واحد مما ذكر في حيز صلة الموصولات المذكورة وصف جليل على حياله له شأن خطير حقيق بأن يفرد له موصوف مستقل ولا يجعل شيء من ذلك تتمة لغيره، وتوسيط العاطف بين الموصولات لتنزيل الاختلاف العنواني منزلة الاختلاف الذاتي كما عرفته فيما سبق غير مرة.

.تفسير الآية رقم (75):

{أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بما صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا (75)}
{أولئك} إشارة إلى المتصفين بما فصل في حيز الصلات من حيث اتصافهم به؛ وفيه دلالة على أنهم متميزون منتظمون بسببه في سلك الأمور المشاهدة، وما فيه من معنى البعد للإيذان ببعد منزلتهم في الفضل، وهو مبتدأ خبره جملة قوله تعالى: {يُجْزَوْنَ الغرفة} والجملة على الأقرب استئناف لا محل لها من الإعراب مبينة لما لهم في الآخرة من السعادة الأبدية إثر بيان ما لهم في الدنيا من الأعمال السنية، و{الغرفة} الدرجة العالية من المنازل وكل بناء مرتفع عال، وقد فسرت هنا على ما روي عن ابن عباس ببيوت من زبرجد ودر وياقوت.
وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول عن سهل بن سعد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه: «قال فيها بيوت من ياقوتة حمراء أو زبرجدة خضراء أو درة بيضاء ليس فيها فصم ولا وصم»، وقيل: أعلى منازل الجنة، ولا يأباه الخبر لجواز أن تكون الغرف الموصوفة فيه هناك، وروي عن الضحاك أنها الجنة، وقيل: السماء السابعة، وعلى تفسيرها بجمع، ويؤيده قوله تعالى: {وَهُمْ فِي الغرفات ءامِنُونَ} [سبأ: 37] وقرئ فيه في الغرفة يكون المراد بها الجنس وهو يطلق على الجمع كما سمعت آنفًا، وإيثار الجمع هنالك على ما قال الطيبي لأنها رتبت على الإيمان والعمل الصالح ولا خفاء في تفاوت الناس فيهما وعلى ذلك تتفاوت الأجزية، وههنا رتب على مجموع الأوصاف الكاملة فلذا جيء بالواحد دلالة على أن الغرف لا تتفاوت {ا صَبَرُواْ} أي بسبب صبرهم على أن الباء للسببية وما مصدرية، وقيل: هي للبدل كما في قوله:
فليت لي بهم قومًا إذا ركبوا ** شنوا الاغارة فرسانًا وركبانا

أي بدل صبرهم ولم يذكر متعلق الصبر ليعم ما سلف من عبادتهم فعلًا وتركًا وغيره من أنواع العبادة والكل مدمج فيه فإنه إما عن المعاصي وإما على الطاعات وإما على الله تبارك وتعالى وهو أعلى منهما ويعلم من ذلك وجه إيثار {صَبَرُواْ} على فعلوا {وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وسلاما} أي تحييهم الملائكة عليهم السلام ويدعون لهم بطول الحياة والسلامة عن الآفات أو يحيي بعضهم بعضًا ويدعو له بذلك، والمراد من الدعاء به التكريم وإلقاء السرور والمؤانسة وإلا فهو متحقق لهم ويعطون التبقية والتخليد مع السلامة من كل آفة فليس هناك دعاء أصلاف.
وقرأ طلحة. ومحمد اليماني. وأهل الكوفة غير حفص {يُلْقُون} بفتح الياء وسكون اللام وتخفيف القاف.

.تفسير الآية رقم (76):

{خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا (76)}
{خالدين فِيهَا} لا يموتون ولا يخرجون، وهو حال من ضمير {يُجْزَوْنَ} [الفرقان: 75] أو من ضمير {يُلْقُون} [الفرقان: 75].
{حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا} مقابل {سَاءتْ مُسْتَقَرًّا} [الفرقان: 66] معنى ومثله إعرابًا فتذكر ولا تغفل.