فصل: تفسير الآية رقم (12):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (12):

{وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آَيَاتٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (12)}
{وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ} أي جيب قميصك وهو مدخل الرأس منه المفتوح إلى الصدر لا ما يوضع فيه الدراهم ونحوها كما هو معروف الآن لأنه مولد، ولم يقل سبحانه: في كمك لأنه عليه السلام كان لابسًا إذ ذاك مدرعة من صوف لا كم لها، وقيل: الجيب القميص نفسه لأنه يجاب أي يقطع فهو فعل عنى مفعول، وقال السدي: {فِى جَيْبِكَ} أي تحت إبطك.
ولعل مراده أن المعنى أدخلها في جيبك وضعها تحت إبطك، وكانت مدرعته عليه السلام على ما روى عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما لا أزرار لها، وقد ورد في بعض الآثار أن نبينا صلى الله عليه وسلم كان مطلق القميص في بعض الأوقات، ففي سنن أبي داود باب في حل الأزرار ثم أخرج فيه من طريق معاوية بن قرة قال: حدثني أبي قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في رهط من مزينة فبايعناه وإن قميصه لمطلق، وفي رواية البغوي في معجم الصحابة لمطلق الأزرار قال: فبايعته. ثم أدخلت يدي في جيب قميصه فمسست الخاتم، قال عروة فما رأيت معاوية ولا أباه قط إلا مطلقي أزرارهما، ولا يزرانها أبدًا وجاء أيضًا أنه عليه الصلاة والسلام أمر بزر الأزرار.
فقد أخرج الطبراني عن زيد بن أبي أوفى «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نظر إلى عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه فإذا أزراره محلولة فزرها رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده وقال: اجمع عطفي ردائك على نحرك» وفي هذين الأثرين ما هو ظاهر في أن جيب القميص كان إذا ذاك على الصدر كما هو اليوم عند العرب. وهو يبطل القول بأنه خلاف السنة وأنه من شعائر اليهود، وأمره تعالى إياه عليه السلام بإدخال يده في جيبه مع أنه سبحانه قادر على أن يجعلها بيضاء من غير إدخال للامتحان وله سبحانه أن يمتحن عباده بما شاء، والظاهر أن قوله تعالى: {تُخْرِجُ} جواب الأمر لأن خروجها مترتب على إدخالها، وقيل: في الكلام حذف تقديره وأدخل يدك في جيبك تدخل وأخرجها تخرج فحذف من الأول ما أثبت مقابلة في الثاني ومن الثاني ما أثبت مقابله في الأول فيكون في الكلام صنعة الاحتباك وهو تكلف لا حاجة إليه، وقوله تعالى: {بَيْضَاء} حال وكذا قوله تعالى: {مِنْ غَيْرِ سُوء} وهو احتراس وقد تقدم الكلام فيه. وكذا قوله سبحانه: {فِى تِسْعِ ءايات} أي آية معدودة من جملة تسع آيات أو معجزة لك معها على أن التسع هي الفلق. والطوفان. والجراد. والقمل. والضفادع.
والدم. والطمسة وهي جعل أسبابهم حجارة. والجدب. في بواديهم. والنقصان في مزارعهم. ولمن عد العصا واليد من التسع أن يعد الجدب والنقصان في المزارع واحدًا ولا يعد الفلق منها لأنه عليه السلام لم يبعث به إلى فرعون وأن تقدمه بيسير؛ ومن عده يقول: يكفي معاينته له في البعث به أو هو بعث به لمن آمن من قومه ولمن تخلف من القبط ولم يؤمن، وفي «التقريب» أن الطمسة. والجدب. والنقصان يرجع إلى شيء واحد فالتسع هذا الواحد. والعصا. واليد. وما بقي من المذكورات.
وذهب «صاحب الفرائد» إلى أن الجراد. القمل واحد، والجدب. والنقصان واحد، وجوز أن يكون في تسع منقطعًا عما قبله متعلقًا حذوف أي اذهب في تسع آيات. ويدل على ذلك قوله تعالى: {فَلَمَّا جَاءتْهُمْ ءاياتنا} [النمل: 13] وفي عنى مع، ونظير هذا الحذف ما في قوله:
أوا ناري فقلت منون أنتم ** فقالوا الجن قلت عموا ظلامًا

وقلت إلى الطعام فقال منهم ** فريق يحسد الإنس الطعاما

فإن التقدير هلموا إلى العطام. ويتعلق بهاذ المحذوف قوله تعالى: {إلى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ} وعلى ما تقدم يتعلق حذوف وقع حالًا أي مبعوثًا أو مرسلًا إلى فرعون، وأيًا ما كان فقوله تعالى: {إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْمًا فاسقين} مستأنف استئنافًا بيانيًا كأنه قيل لم أرسلت إليهم بما ذكر؟ فقيل: إنهم إلخ، والمراد بالفسق إما الخروج عما ألزمهم الشرع إياه إن قلنا بأنهم قد أرسل قبل موسى عليه السلام من يلزمهم اتباعه وهو يوسف عليه السلام، وإما الخروج عما ألزمه العقل واقتضاء الفطرة إن قلنا بأنه لم يرسل إليهم أحد قبله عليه السلام.

.تفسير الآية رقم (13):

{فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آَيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ (13)}
{فَلَمَّا جَاءتْهُمْ ءاياتنا} أي ظهرت لهم على يد موسى عليه السلام، فالمجيء مجاز عن الظهور وإسناده إلى الآيات حقيقي، وقال بعض الأجلة: المجيء حقيقة وإسناده إلى الآيات مجازي وهو حقيقة لموسى عليه السلام ولما بينهما من الملابسة لكونها معجزة له عليه السلام ساغ ذلك.
ولعل النكتة في العدول عن فلما جاءهم موسى بآياتنا إلى ما في النظم الجليل الإشارة إلى أن تلك الآيات خارجة عن طوقه عليه السلام كسائر المعجزات وأنه لم يكن له عليه السلام تصرف في بعها وكونه معجة له لأهباره به ووقوعه بدعائه ونحوه، ولا ينافي هذا الإسناد إليه لكونها جارية على يده للإعجاز في قوله سبحانه: {فَلَمَّا جَاءهُم موسى بئاياتنا} [القصص: 36] في محل آخر، وقد بين بعضهم وجهًا لاختصاص كل منهما حله بأن ثمة ذكر مقاولته عليه السلام ومجادلتهم معه فناسب الإسناد إليه، وهنا لما لم يكن كذلك ناسب الإسناد إليها لأ المقصود بيان جحودهم بها، وإضافة الآيات للعهد، وفي إضافتها إلى ضمير العظمة ما لا يخفى من تعظيم شأنها {مُبْصِرَةً} حال من الآيات أي بينة واضحة، وجعل الأبصار لها وهو حقيقة لمتأمليها للملابسة بينها وبينهم لأنهم إنما يبصرون بسبب تأملهم فيها فالإسناد مجازي من باب الإسناد إلى السبب، ويجوز أن يراد مبصرة كل من نظر إليها من العقلاء أو من فرعون وقومه لقوله تعالى: {واستيقنتها أَنفُسُهُمْ} [النمل: 14] أي جاعلته بصيرًا من أبصره المتعدي بهمزة النقل من بصر والإسناد أيضًا مجازي.
ويجوز أن تجعل الآيات كأنها تبصر فتهدي لأن العمى لا تقدر على الاهتداء فضلًا أن تهدي غيرها فيكون في الكلام استعارة مكنية تخييلية مرشحة، قال في الكشف وهذا الوجه أبلغ، وقيل: إن فاعلًا أطلق للمفعول فالمجاز إما في الطرف أو في الإسناد فتأمل.
وقرأ قتادة. وعلي بن الحسين رضي الله تعالى عنهما {مُبْصِرَةً} بفتح الميم والصاد على وزن مسبغة، وأصل هذه الصيغة أن تصاغ في الأكثر لمكان كثر فيه مبدأ الاشتقاق فلا يقال: مسبعة مثلًا إلا لمكان يكثر فيه السباع لا لما فيه سبع واحد ثم تجوز بها عما هو سبب لكثرة الشيء وغلبته كقولهم: الولد مجبنة ومبخلة أي سبب لكثرة جبن الوالد وكثرة بخله وهو المراد هنا أي سببًا لكثرة تبصر الناظرين فيها، وقال أبو حيان: هو مصدر أقيم مقام الاسم وانتصب على الحال أيضًا {قَالُواْ هذا} أي الذي نراه أو نحوه {سِحْرٌ مُّبِينٌ} أي واضح سحريته على أن {مُّبِينٌ} من أبان اللازم.

.تفسير الآية رقم (14):

{وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (14)}
{وَجَحَدُواْ بِهَا} أي وكذبوا بها {واستيقنتها أَنفُسُهُمْ} أي علمت علمًا يقينيًا أنها آيات من عند الله تعالى، والاستيقان أبلغ من الإيقان.
وفي البحر أن استفعل هنا عنى تفعل كاستكبر عنى تكبر، والأبلغ أن تكون الواو للحال والجملة بعدها حالية إما بتقدير قد أو بدونها {ظُلْمًا} أي للآيات كقوله تعالى: {ا كَانُواْ بآياتنا يَظْلِمُونَ} [الأعراف: 9] وقد ظلموا بها أي ظلم حيث حطوها عن رتبتها العالية وسموها سحرًا، وقيل: ظلمًا لأنفسهم وليس بذاك {وَعُلُوًّا} أي ترفعًا واستكبارًا عن الإيمان بها كقوله تعالى: {والذين كَذَّبُواْ بئاياتنا واستكبروا عَنْهَا} [الأعراف: 36] وانتصابهما إما على العلية من {جَحَدُواْ} وهي على ما قيل باعتبار العاقبة والادعاء كما في قوله:
لدوا للموت وابنوا للخراب

وأما على الحال من فاعله أي جحدوا بها ظالمين عالين، ورجح الأول بأنه أبلغ وأنسب بقوله تعالى: {فانظر كَيْفَ كَانَ عاقبة المفسدين} أي ما آل إليه فرعون وقومه من الإغراق على الوجه الهائل الذي هو عبرة للظالمين، وإنما لم يذكر تنبيهًا على أنه عرضة لكل ناظر مشهور لدى كل باد وحاضر. وأدخل بعضهم في العاقبة حالهم في الآخرة من الإحراق والعذاب الأليم. وفي إقامة الظاهر مقام الضمير ذم لهم وتحذير لأمثالهم.
وقرأ عبد الله. وابن وثاب. والأعمش. وطلحة. وأبان بن تغلب {وعليًا} بقلب الواو ياء وكسر العين واللام، وأصله فعول لكنهم كسروا العين اتباعًا، وروي ضمها عن ابن وثاب. والأعمش. وطلحة.

.تفسير الآية رقم (15):

{وَلَقَدْ آَتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ (15)}
{المفسدين وَلَقَدْ ءاتَيْنَا دَاوُودَ وسليمان عِلْمًا} كلام مستأنف مسوق لتقرير ما سبق من أنه عليه السلام تلقى القرآن من لدون حكيم عليم كقصة موسى عليه السلام، وتصديره بالقسم لإظهار كمال الاعتناء ضمونه أي آتينا كل واحد منهما طائفة من العلم لائقة به من علم الشرائع والأحكام وغير ذلك مما يختص بكل منهما كصنعة لبوس ومنطق الطير، وخصها مقاتل بعلم القضاء، وابن عطاء بالعلم بالله عز وجل، ولعل الأولى ما ذكر أو علمًا سنيًا غزيرًا فالتنوين على الأول للتقليل وهو أوفق بكون القائل هو الله عز وجل فإن كل علم عنده سبحانه قليل وعلى الثاني للتعظيم والتكثير؛ وهو أوفق بامتنانه جل جلاله فإنه سبحانه الملك العظيم فاللائق بشأنه الامتنان بالعظيم الكثير فلكل وجهة، ورا يرجح الثاني، ومما ينبغي أن لا يلتفت إليه كون التنوين للنوعية أي نوعًا من العلم والمراد به علم الكيمياء {وَقَالاَ} أي قال كل منهما شكرًا لما أوتيه من العلم {الحمد لِلَّهِ الذي فَضَّلَنَا} بما آتانا من العلم {على كَثِيرٍ مّنْ عِبَادِهِ المؤمنين} على أن عبارة كل منهما فضلني إلا أنه عبر عنهما عند الحكاية بصيغة المتكلم مع الغير إيجازًا، وحكاية الأقوال المتعددة سواء كانت صادرة عن المتكلم أو عن غيره بعبارة جامعة للكل مما ليس بعزيز، ومن ذلك قوله تعالى: {يأَيُّهَا الرسل كُلُواْ مِنَ الطيبات} [المؤمنون: 51] قيل وبهذا ظهر حسن موقع العطف بالواو دون الفاء إذ المتبادر من العطف بالفاء ترتب حمل كل منهما على إيتاء ما أوتي كل منهما لا على إيتاء ما أوتي نفسه فقط.
وتعقب بأنه إذا سلم ما ذكر فالعطف بالواو أيضًا يتبادر معه كون حمد كل منهما على إيتاء ما أوتي كل منهما فما يمنع من ذلك مع الواو يمنع نحوه مع الفاء، وقال العلامة الزمخشري: عطف بالواو دون الفاء مع أن الظاهر العكس كما في قولك: أعطيته فشكر إشعارًا بأن ما قالاه بعض ما أحدث فيهما إيتاء العلم وشيء من مواجبه فأضمر ذلك ثم عطف عليه التحميد كأنه قال سبحانه: ولقد آتيناهما علمًا فعملا فيه وعلماه وعرفا حق النعمة فيه والفضيلة، وقالا: الحمد لله الذي فضلنا، وحاصله أن إيتاء العلم من جلائل النعم وفواضل المنح يستدعي إحداث الشكر أكثر مما ذكر فجيء بالواو لأنها تستدعي إضمارًا فيضمر ما يقتضيه موجب الشكر من قوله: فعملا به وعلماه فإنه شكر فعلي، وقوله: وعرفا حق النعمة فيه والفضيلة فإنه شكر قلبي، وبقوله تعالى: {وَقَالاَ} إلخ تتم أنواع الشكر لأنه شكر لساني، وفي الطي إيماء بأن المطوي جاوز حد الإحصاء، ويعلم مما ذكر أن هذا الوجه لاختيار العطف بالواو أولى مما ذهب إليه السكاكي من تفويض الترتب إلى العقل لأن المقام يستدعي الشكر البالغ وهو ما يستوعب الأنواع وعلى ما ذهب إليه يكون بنوع القولي منها وحده، وهو أولى مما قيل أيضًا: إنه لم يعطف بالفاء لأن الحمد على نعم عظيمة من جملتها العلم ولو عطف بالفاء لكان الحمد عليه فقط لأن السياق ظاهر في أن الحمد عليه لا على ما يدخل هو في جملته، وهل هناك على ما ذكره العلامة تقدير حقيقة أم لا قولان، وممن ذهب إلى الأول من يسمي هذه الواو الواو القصيحة، والظاهر أن المراد من الكثير المفضل عليه من لم يؤت مثل علمهما عليهما السلام، وقيل: ذاك ومن لم يؤت علمًا أصلًا.
وتعقب بأنه يأباه تبيين الكثير بعباده تعالى المؤمنين فإن خلوهم عن العلم بالمرة مما لا يمكن، وفي تخصيصهما الكثير بالذكر إشارة إلى أن البعض مفضلون عليهما كذا قيل، والمتبادر من البعض القليل، وفي الكشاف أن في قوله تعالى: {على كَثِيرٍ} أنهما فضلا على كثير وفضل عليهما كثير. وتعقب بأن فيه نظرًا إذ يدل بالمفهوم على أنهما لم يفضلا على القليل فإما أن يفضل القليل عليهما أو يساوياه فلا بل يحتمل الأمرين.
ورده صاحب الكشف بأن الكثير لا يقابله القليل في مثل هذا المقام بل يدل على أن حكم الأكثر بخلافه، ولما بعد تساوى الأكثر من حيث العادة لاسيما والأصل التفاوت حكم صاحب الكشاف بأنه يدل على أنه فضل عليهما أيضًا كثير على أن العرف طرح التساوي في مثله عن الاعتبار وجعل التقابل بين المفضل والمفضل عليه، ألا ترى أنهم إذا قالوا: لا أفضل من زيد فهم أنه أفضل من الكل انتهى.
وفي الآية أوضح دليل على فضل العلم وشرف أهله حيث شكرا على العلم وجعلاه أساس الفضل ولم يعتبرا دونه مما أوتياه من الملك العظيم وتحريض للعلماء على أن يحمدوا الله تعالى على ما آتاهم من فضله وأن يتواضعوا ويعتقدوا أن في عباد الله تعالى من يفضلهم في العلم، ونعم ما قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه حين نهى على المنبر عن التغالي في المهور فاعترضت عليه عجوز بقوله تعالى: {وآتيتم إحداهن قنطارًا} [النساء: 20] الآية: كل الناس أفقه من عمر، وفيه من جبر قلب العجوز وفتح باب الاجتهاد ما فيه، وجعل الشيعة له من المثالب من أعظم المثالب وأعجب العجائب. ولعل في الآية إشارة إلى جواز أن يقول العالم: أنا عالم. وقد قال ذلك جملة من الصحابة رضي الله تعالى عنهم منهم أمير المؤمنين علي كرم الله تعالى وجهه. وعبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما، وما شاع من حديث: «من قال أنا عالم فهو جاهل» إنما يعرف من كلا يحيى بن أبي كثير موقوفًا عليه على ضعف في إسناده، ويحيى هذا من صغار التابعين فإنه رأى أنس بن مالك وحده، وقدوهم بعض الرواة فرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وتحقيقه في أعذب المناهل للجلال السيوطي.