فصل: تفسير الآية رقم (41):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (41):

{قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ (41)}
{قَالَ} أي سليمان عليه السلام كررت الحكاية مع كون المحكي سابقًا ولاحقًا من كلامه عليه السلام تنبيهًا على ما بين السابق واللاحق من المخالفة لما أن الأول من باب الشكر لله عز وجل والثاني أمر لخدمه {نَكّرُواْ لَهَا عَرْشَهَا} أي اجعلوه بحيث لا يعرف ولا يكون ذلك إلا بتغييره عما كان عليه من الهيئة والشكل، ولعل المراد التغيير في الجملة. روي عن ابن عباس. ومجاهد. والضحاك إنه كان بالزيادة فيه والنقص منه، وقيل: بنزع ما عليه من الجواهر، وقيل: بجعل أسفله أعلاه ومقدمه مؤخره، ولام {لَهَا} للبيان كما في {هَيْتَ لَكَ} [يوسف: 23] فيدل على أنها المرادة خاصة بالتنكير {نَنظُرْ} بالجزم على أنه جواب الأمر.
وقرأ أبو حيوة بالرفع على الاستئناف {أَتَهْتَدِى} إلى معرفته أو إلى الجواب اللائق بالمقام. وقيل: إلى الإيمان بالله تعالى ورسوله عليه السلام إذا رأت تقدم عرشها وقد خلفته مغلقة عليه الأبواب موكلة عليه الحراس والحجاب وحكاه الطبرسي عن الجبائي، وفيه أنه لا يظهر مدخلية التنكير في الإيمان {أَمْ تَكُونُ} أي بالنسبة إلى علمنا {مِنَ الذين لاَ يَهْتَدُونَ} أي إلى ما ذكر من معرفة عرشها أو الجواب اللائق بالمقام فإن كونها في نفس الأمر منهم وإن كان أمرًا مستمرًا لكن كونها منهم عند سليمان عليه السلام وقومه أمر حادث يظهر بالاختبار.

.تفسير الآية رقم (42):

{فَلَمَّا جَاءَتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ (42)}
{فَلَمَّا جَاءتْ} شروع في حكاية التجربة التي قصدها سليمان عليه السلام أي فلما جاءت بلقيس سليمان وقد كان العرش منكرًا بين يديه {قِيلَ} أي من جهة سليمان بالذات أو بالوساطة {أَهَكَذَا عَرْشُكِ} أي أمثل هذا العرش الذي ترينه عرشك الذي تركتيه ببلادك، ولم يقل: أهذا عرشك لئلا يكون تلقينًا لها فيفوت ما هو المقصود من الأمر بالتنكير من إبراز العرش في معرض الإشكال والاشتباه حتى يتبين لديه عليه السلام حالها وقد ذكرت عنده عليه السلام بسخافة العقل.
وفي بعض الآثار أن الجن خافوا من أن يتزوجها فيرزق منها ولدًا يحوز فطنة الإنس وخفة الجن حيث كانت لها نسبة إليهم فيضبطهم ضبطًا قويًا فرموها عنده بالجنون وأن رجليها كحوافر البهائم فلذا اختبرها بهذا وا يكون سببًا للكشف عن ساقيها، ومن لم يقل بنسبتها إلى الجن: يقول لعلها رماها حاسد بذلك فأراد عليه السلام اختبارها ليقف على حقيقة الحال، ومنهم من يقول: ليس ذاك إلا ليقابلها ثل ما فعلت هي حيث نكرت الغلمان والجواري وامتحنته عليه السلام بالدرة العذراء والجزعة المعوجة الثقب وكون ذلك في عرشها الذي يبعد كل البعد إحضاره مع بعد المسافة وشدة محافظتها له أتم وأقوى ويتضمن أيضًا من إظهار المعجزة ما لا يخفى، وهذا عندي ألصق بالقلب من غيره {قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ} أجابت بما أنبأ عن كمال رجاحة عقلها حيث لم تجزم بأنه هو لاحتمال أن يكون مثله بل أتت بكأن الدالة كما قيل على غلبة الظن في اتحاده معه مع الشك في خلافه وليست كأن هنا للدلالة على التشبيه كما هو الغالب فيها.
وذكر ابن المنير في الانتصاف ما يدل على أنها تفيد قوة الشبه فقال: الحكمة في عدول بلقيس في الجواب عن هكذا هو المطابق للسؤال إلي {كَأَنَّهُ هُوَ} أن {كَأَنَّهُ هُوَ} عبارة من قوي عنده الشبه حتى شكك نفسه في التغاير بين الأمرين وكاد يقول هو هو وتلك حال بلقيس، وأما هكذا هو فعبارة جازم بتغاير الأمرين حاكم بوقوع الشبه بينهما لا غير فلا تطابق حالها فلذا عدلت عنها إلى ما في النظم الجليل.
{وَأُوتِينَا العلم مِن قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ} من تتمة كلامها على ما اختاره جمع من المفسرين كأنها استشعرت بما شاهدته اختبار عقلها وإظهار معجزة لها ولما كان الظاهر من السؤال هو الأول سارعت إلى الجواب بما أنبأ عن كمال رجاحة عقلها، ولما كان إظهار المعجزة دون ذلك في الظهور ذكرت ما يتعلق به آخرًا وهو قولها: {وَأُوتِينَا} إلخ وفيه دلالة على كمال عقلها أيضًا، ومعناه وأوتينا العلم بكمال قدرة الله تعالى وصحة نبوتك من قبل هذه المعجزة أو من قبل هذه الحالة بما شاهدناه من أمر الهدهد وما سمعناه من رسلنا إليك من الآيات الدالة على ذلك وكنا مؤمنين من ذلك الوقت فلا حاجة إلى إظهار هذه المعجزة، ولك أن تجعله من تتمة ما يتعلق بالاختبار وحاصله لا حاجة إلى الاختيار لأني آمنت قبل وهذا كاف في الدلالة على كمال عقلي.
وجوز أن يكون لبيان منشأ غلبة الظن بأنه عرشها والداعي إلى حسن الأدب في محاورته عليه السلام أي وأوتينا العلم بإتيانك بالعرش من قبل الرؤية أو من قبل هذه الحالة بالقرائن أو الإخبار وكنا من ذلك الوقت مؤمنين، والتعبير بنون العظمة جار على سنن تعبيرات الملوك وفيه تعظيم لأمر إسلامها وليس ذاك لإرادة نفسها ومن معها من قومها إذ يبعده قوله تعالى:

.تفسير الآية رقم (43):

{وَصَدَّهَا مَا كَانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِنْ قَوْمٍ كَافِرِينَ (43)}
{وَصَدَّهَا مَا كَانَت تَّعْبُدُ مِن دُونِ الله} وهو بيان من جهته عز وجل لما كان يمنعها من إظهار ما ادعت من الإسلام إلى الآن أي صدها عن إظهار ذلك يوم أوتيت العلم الذي يقتضيه عبادتها القديمة للشمس، فما مصدرية والمصدر فاعل صد، وجوز كونها موصولة واقعة على الشمس وهي فاعل أيضًا والإسناد مجازي على الوجهين.
وقوله تعالى: {إِنَّهَا كَانَتْ مِن قَوْمٍ كافرين} تعليل لسببية عبادتها المذكورة للصد أي إنها كانت من قوم راسخين في الكفر فلذلك لم تكن قادرة على إظهار إسلامها وهي بين ظهرانيهم إلى أن حضرت بين يدي سليمان عليه السلام. وقرأ سعيد بن جبير. وابن أبي عبلة {أَنَّهَا} بفتح الهمزة على تقدير لام التعليل أي لأنها أو جعل المصدر بدلًا من فاعل صد بدل اشتمال. وقيل: قوله تعالى: {وَأُوتِينَا} [النمل: 42] إلخ من كلام قوم سليمان عليه السلام كأنهم لما سمعوها أجابت السؤال بقولها: {كَأَنَّهُ هُوَ} [النمل: 42] قالوا. قد أصابت في جوابها فطبقت المفصل وهي عاقلة لبيبة وقد رزقت الإسلام وعلمت قدرة الله عز وجل وصحة النبوة بالآيات التي تقدمت وبهذه الآية العجيبة من أمر عرشها وعطفوا على ذلك قولهم: وأوتينا العلم بالله تعالى وبقدرته وبصحة ما جاء من عنده سبحانه قبل علمها ولم نزل على دين الإسلام، وكان هذا منهم شكرًا لله تعالى على فضلهم عليها وسبقهم إلى العلم بالله تعالى والإسلام قبلها، ويومئ إلى هذا المطوي جعل علمهم وإسلامهم قبلها، وقوله تعالى: {وَصَدَّهَا} إلخ على هذا يحتمل أن يكون من تتمة كلام القوم.
ويحتمل أن يكون ابتداء إخبار من جهته عز وجل. وعن مجاهد. وزهير بن محمد أن {وَأُوتِينَا} [النمل: 42] من كلام سليمان عليه السلام وفي {وَصَدَّهَا} إلخ عليه أيضًا احتمال، ولا يخفى ما في جعل {وَأُوتِينَا} إلخ من كلام القوم أو من سليمان سليمان عليه السلام من البعد والتكلف وليس في ذلك جهة حسن سوى اتساق الضمائر المؤنثة.
وقيل: إن {وَأُوتِينَا} إلخ من تتمة كلامها. وقوله تعالى: {وَصَدَّهَا} إلخ ابتداء إخبار من جهته تعالى لبيان حسن حالها وسلامة إسلامها عن شوب الشرك بجعل فاعل صدها ضميره عز وجل أو ضمير سليمان عليه السلام.
وما مصدرية أو موصولة قبلها حرف جر مقدر أي صدها الله تعالى أو سليمان عن عبادتها من دون الله أو عن الذي تعبده من دونه تعالى. ونقل ذلك أبو حيان عن الطبري وتعقبه بقوله: وهو ضعيف لا يجوز إلا في الشعر نحو قوله:
تمرون الديار ولم تعوجوا

وليس من مواضع حذف حرف الجر.
وأنت تعلم أن المعنى مع هذا مما لا ينشرح له الصدر، وأبعد بعضهم كل البعد فزعم أن قوله تعالى: {وَصَدَّهَا} إلخ متصل بقوله سبحانه: {أَتَهْتَدِى أَمْ تَكُونُ مِنَ الذين لاَ يَهْتَدُونَ} [النمل: 41] والواو فيه للحال وقد مضمرة. وفي البحر أنه قول مرغوب عنه لطول الفصل بينها ولأن التقديم والتأخير لا يذهب إليه إلا عند الضرورة. ولعمري من أنصف رأي أن ما ذكر مما لا ينبغي أن يخرج عليه كلام الله تعالى المجيد، وأنا أقول بعد القيل والقال: إن وجه ربط هذه الجمل مما يحتاج إلى تدقيق النظر فليتأمل والله تعالى الموفق.

.تفسير الآية رقم (44):

{قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (44)}
{قِيلَ لَهَا ادخلى الصرح} استئناف بياني كأنه قيل فماذا قيل لها بعد الامتحان المذكور؟ فقيل: {قِيلَ لَهَا ادخلى} إلخ ولم يعطف على قوله تعالى: {أَهَكَذَا عَرْشُكِ} [النمل: 42] لئلا يفوت هذا المعنى. وجيء بلها هنا دون ما مر لمكان أمرها، و{الصرح} القصر وكل بناء عال. ومنه {ابن لِى صَرْحًا} [غافر: 36] وهو من التصريح وهو الإعلان البالغ.
وقال مجاهد {الصرح} هنا البركة. وقال ابن عيسى الصحن وصرحة الدار ساحتها. وروي أن سليمان عليه السلام أمر الجن قبل قدومها فبنوا له على طريقها قصرًا من زجاج أبيض وأجري من تحته الماء وألقي فيه من دواب البحر السمك وغيره. وفي رواية أنهم بنوا له صرحًا وجعلوا له طوابيق من قوارير كأنها الماء وجعلوا في باطن الطوابيق كل ما يكون من الدواب في البحر ثم أطبقوه وهذا أوفق بظاهر الآية ووضع سريره في صدره فجلس عليه وعكفت عليه الطير. والجن. والإنس وفعل ذلك امتحانًا لها أيضًا على ما قيل، وقيل: ليزيدها استعظامًا لأمره وتحقيقًا لنبوته وثباتًا على الدين، وقيل لأن الجن قالوا له عليه السلام إنها شعراء السابقين ورجلها كحافر الحمار فأراد الكشف عن حقيقة الحال بذلك، وقال الشيخ الأكبر قدس سره ما حاصله إنه أراد أن ينبهها بالفعل على أنها صدقت في قولها في العرش {كَأَنَّهُ هُوَ} [النمل: 42] حيث أنه انعدم في سبأ ووجد مثله بين يديه فجعل لها صرحًا في غاية اللطف والصافي كأنه ماء صاف وليس به، وهذا غاية الإنصاف منه عليه السلام ولا أظن الأمر كما قال والله تعالى أعلم. واستدل بالآية على القول بأن أمرها بدخول الصرح ليتوصل به إلى كشف حقيقة الحال على إباحة النظر قبل الخطبة وفيه تفصيل مذكور في كتب الفقه.
{فَلَمَّا رَأَتْهُ} أي رأت صحته بناء على أن الصرح عنى القصر {حَسِبَتْهُ لُجَّةً} أي ظننته ماء كثيرًا {وَكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا} لئلا تبتل أذيالها كما هو عادة من يريد الخوض في الماء، وقرأ ابن كثير برواية قنبل {سَاقَيْهَا} بهمز ألف ساق حملًا له على جمعه سؤق وأسؤق فإنه يطرد في الواو المضمومة هي أو ما قبلها قلبها همزة فأنجر ذلك بالتبعية إلى المفرد الذي في ضمنه.
وفي البحر حكى أبو علي أن أباحية النميري كان يهمز كل واو قبلها ضمة وأنشد:
أحب المؤقدين إلى مؤسى

وفي الكشف الظاهر أن الهمز لغة في ساق ويشهد له هذه القراءة الثابتة في السبعة. وتعقب بأنه يأباه الاستقاق. وأيًا ما كان فقول من قال: إن هذه القراءة لا تصح لا يصح {قَالَ} أي سليمان عليه السلام حين رأى ما اعتراها من الدهشة والرعب، وقيل: القائل هو الذي أمرها بدخول الصرح وهو خلاف الظاهر {أَنَّهُ} أي ما حسبته لجة {صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ} أي مملس ومنه الأمر للشاب الذي لا شعر في وجهه وشجرة مرداء لا ورق عليها ورملة مرداء لا تنبت شيئًا والمارد المتعرى من الخير {مّن قَوارِيرَ} من الزجاج وهو جمع قارورة.
{قَالَتْ} حين عاينت هذا الأمر العظيم {رَبّ إِنّى ظَلَمْتُ نَفْسِى} أي بما كنت عليه من عبادة الشمس، وقيل: بظني السوء بسليمان عليه السلام حيث ظنت أنه يريد اغراقها في اللجة وهو بيعد. ومثله ما قيل أرادت ظلمت نفسي بامتحاني سليمان حتى امتحنني لذلك بما أوجب كشف ساقي رأى منه {وَأَسْلَمْتُ مَعَ سليمان} تابعة له مقيدة به، وما في قوله تعالى: {للَّهِ رَبّ العالمين} من الالتفات إلى الاسم الجليل لاظهار معرفتها بالوهيته تعالى وتفرده باستحقاق العبادة وربوبيته لجميع الموجودات التي من جملتها ما كانت تعبده قبل ذلك من الشمس، وكأن هذا القول تجديد لإسلامها على أتم وجه وقد أخرجته مخرجًا لا أنانية فيه ولا كبر أصلًا كما لا يخفى. واختلف في أمرها بعد الإسلام فقيل إنه عليه السلام تزوجها وأحبها وأقرها على ملكها وأمر الجن فبنوا لها سيلحين وغمدان وكان يزورها في الشهر مرة فيقيم عندها ثلاثة أيام وولدت له.
وأخرج ابن عساكر عن سلمة بن عبد الله بن ربعي أنه عليه السلام أمهرها بعلبك، وذكر غير واحد أنها حين كشفت عن ساقيها أبصر عليهما شعرًا كثيرًا فكره أن يتزوجها كذلك فدعا الأنس فقال: ما يذهب بهذا؟ فقالوا: يا رسول الله المواسي فقال: الماوسي تقطع ساقي المرأة، وفي رواية أنه قيل لها ذلك فقالت لم يمسسني الحديد قط فكره سليمان المواسي وقال: إنها تقطع ساقيها ثم دعا الجن فقالوا مثل ذلك ثم دعا الشياطين فوضعوا له النورة، قال ابن عباس وكان ذلك اليوم أول يوم رؤيت فيه النورة، وعن عكرمة أن أول من وضع النورة شياطين الإنس وضعوها لبلقيس وهو خلاف المشهور، ويروى أن الحمام وضع يومئذ.
وفي تاريخ الخباري عن أبي موسى الأشعري قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أول من صنعت له الحمامات سليمان» وأخرج الطبراني. وابن عدي في الكامل. والبيهقي في شعب الإيمان عنه أيضًا قال: قال رسول الله عليه الصلاة والسلام: «أول من دخل الحمام سليمان فلما وجد حره قال أوه من عذاب الله تعالى» وروي عن وهب أنه قال: زعموا أن بلقيس لما أسلمت قال لها سليمان: اختاري رجلًا من قومك أزوجكه فقالت: أمثلي يا نبي الله تنكح الرجال وقد كان في قومي من الملك والسلطان ما كان؟ قال: نعم إنه لا يكون في الإسلام إلا ذلك وما ينبغي لك أن تحرمي ما أحل الله تعالى لك فقالت: زوجني إن كان لابد من ذلك ذا تبع ملك همدان فزوجها إياه ثم ردها إلى اليمن وسلط زوجها ذا تبع على اليمن ودعا زوبعة أمير جن اليمن فقال اعمل لذي تبع ما استعملك فيه فلم يزل بها ملكًا يعمل له فيها حتى مات سليمان فلما أن حال الحول وتبين الجن موته عليه السلام أقبل رجل منهم فسلك تهامة حتى إذا كان في جوف اليمن صرخ بأعلى صوته با معشر الجن إن الملك سليمان قد مات فارفعوا أيديكم فرفعوا أيديهم وتفرقوا وانقضى ملك ذي تبع وملك بلقيس مع ملك سليمان عليه السلام.
وقال عون بن عبد الله: سأل رجل عبد الله بن عتبة هل تزوج سليمان بلقيس فقال انتهى أمرها إلى قولها: {أَسْلَمْتُ مَعَ سليمان لِلَّهِ رَبّ العالمين} قيل: يعني لا علم لنا وراء ذلك.
والمشهور أنه عليه السلام تزوجها وإليه ذهب جماعة من أهل الأخبار. وأخرج البيهقي في الزهد عن الأوزاعي قال: كسر برج من أبراج تدمر فأصابوا فيه امرأة حسناء دعجاء مدمجة كأن أعطافها طي الطوامير عليها عمامة طولها ثمانون ذراعًا مكتوب على طرف العمامة بالذهب {بسم الله الرحمن الرحيم أنا بلقيس ملكة سبأ زوجة سليمان بن داود عليهما السلام ملكت من الدنيا كافرة ومؤمنة ما لم يملكه أحد قبلي ولا يملكه أحد بعدي صار مصيري إلى الموت فاقصروا يا طالبي الدنيا والله تعالى أعلم بصحة الخبر، وكم في هذه القصة من أخبار الله تعالى أعلم بالصحيح منها، والقصة في نفسها عجيبة وقد اشتملت على أشياء خارقة للعادة بل يكاد العقل يحيلها في أول وهلة، ومما يستغرب والله تعالى فيه سر خفي خفاء أمر بلقيس على سليمان عدة سنين كما قاله غير واحد مع أن المسافة بينه وبينها لم تكن في غاية العبد وقد سخر الله تعالى له من الجن. والشياطين. والطير. والريح ما سخر وهذا أغرب من خفاء أمر يوسف على يعقوب عليهام السلام راتب، وسبحان من لا يعزب عن علمه مثقال درة في السموات وفي الأرض، وهذا وللصوفية في تطبيق ما في هذه هذه القصة على ما في الأنفس كلام طويل، ولعل الأمر سهل على من له أدنى ذوق بعد الوقوف على بعض ما مر من تطبيقاتهم ما في بعض القصص على ذلك والله تعالى الهادي إلى سواء السبيل.