فصل: تفسير الآية رقم (50):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (50):

{وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (50)}
{وَمَكَرُواْ مَكْرًا} بهذه المواضعة {وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ يَشْعُرُونَ} أي أهلكناهم إهلاكًا غير معهود أو جازينا مكرهم من حيث لا يحتسبون.

.تفسير الآية رقم (51):

{فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ (51)}
{فانظر كَيْفَ كَانَ عاقبة مَكْرِهِمْ} شروع في بيان ما ترتب على ما باشروه من المكر، والظاهر أن {كَيْفَ} خبر مقدم لكان و{عاقبة} الاسم أي كان عاقبة مكرهم واقعة على وجه عجيب يعتبر به، والجملة في محل نصب على أنها مفعول انظر وهي معلقة لمكان الاستفهام، والمراد تفكر في ذلك.
وقوله تعالى: {أَنَّا دمرناهم} في تأويل مصدر وقع بدلًا من {عاقبة مَكْرِهِمْ} أو خبر مبتدأ محذوف هو ضمير العاقبة، والجلمة مبينة لما في عاقبة مكرهم من الإبهام أي هو أو هي تدميرنا واهلاكنا إياهم {وَقَوْمَهُمْ} الذين لم يكونوا منهم في مباشرة التبييت {أَجْمَعِينَ} بحيث لم يشذ منهم شاذ أو هو على تقدير الجار أي لتدميرنا إياهم أو بتدميرنا إياهم ويكون ذلك تعليلًا لما ينبئ عنه الأمر بالنظر في كيفية عاقبة أمرهم من الهول والفظاعة. وجوز بعضهم كونه بدلًا من {كَيْفَ}، وقال آخرون: لا يجوز ذلك لأن البدل عن الاستفهام يلزم فيه ءعادة حرفه كقولك كيف زيد أصحيح أم مريض؟
وجوز أن يكون هو الخبر لكان وتكون {كَيْفَ} حينئذ حالا والعامل فيها كان أو ما يدل عليه الكسلام من معنى الفعل، ويجوز أن تكون كان تامة و{كَيْفَ} عليه حال لا غير والاحتمالات الجائزة في {أَنَّا دمرناهم} لا تخفى.
وقرأ الأكثر {أَنَاْ} بكسر الهمزة. فكيف خبر كان و{عاقبة} اسمها جملة {أَنَّا دمرناهم} استئناف لتفسير العاقبة، وجوز أن تكون خبر مبتدأ محذوف. قال الخفاجي: الظاهر أنه الشأن أو ضميره لا شيء آخر مما يحتاج للعائد ليعترض عليه بعدم العائد. ولا يرد عليه أن ضمير الشأن المرفوع منع كثير من النحويين حذفه فإنه غير مسلم، ويجوز أن تكون {كَانَ} تامة و{كَيْفَ} حال كما تقدم ولم يجوز الجمهور كونها ناقصة والخبر جملة {إِذَا دمرناهم} لعدم الرابط، وقيل: يجوز ويكفي للربط وجود ما يرجع إلى متعلق المبتدأ إذ رجوعه إليه نفسه غير لازم وهو تكلف وإنما يتمشى على مذهب الأخفش القائل إذا قام بعض الجملة مقام مضاف إلى العائد اكتفى به. وغيره من انلحاة يأباه، وجوز أبو حيان على كلتا القراءتين أن تكون «كان» زائدة و{عاقبة} مبتدأ و{كَيْفَ} خبر مقدم له.
وقرأ أبي «أن دمرناهم» بأن التي من شأنها أن تنصب المضارع ويجري في المصدر الاحتمالات السابقة فيه على قراءة {أَنَاْ} بفتح الهمزة. هذا وفي كيفية التدمير خلاف. فروي أنه كان لصالح عليه السلام مسجد في الحجر في شعب يصلي فيه فقالوا زعم صالح أنه يفرغ منا بعد ثلاث فنحن نفرغ منه ومن أهله قبل الثلاث فخرجوا إلى الشعب وقالوا إذا جاء يصلي قتلناه ثم رجعنا إلى أهله فقتلناهم فبعث الله تعالى صخرة من الهضب حيالهم فبادروا فطبقت عليهم فم الشعل فلم يدر قومهم أين هم ولم يدروا ما فعل بقومهم وعذب الله تعالى كلا منهم في مكانه ونجى صالحًا ومن معه، وقيل: جاؤوا بالليل شاهري سيوفهم، وقد أرسل الله تعالى ملائكة ملء دار صالح عليه السلام فرموهم بالحجارة يرونها ولا يرون راميًا وهلك سائر القوم بالصيحة وقيل: إنهم عزموا على تبييته عليه السلام وأهله فاخبر الله تعالى بذلك صالحًا فخرج عنهم ثم أهلكهم بالصيحة وكان ذلك يوم الأحد.

.تفسير الآية رقم (52):

{فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بما ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (52)}
{فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ} حملة مقررة لما قبلها. وقوله تعالى: {خَاوِيَةٍ} أي خالية أو ساقطة متهدمة أعاليها على أسافلها كما روي عن ابن عباس {ا ظَلَمُواْ} أي بسبب ظلمهم المذكور حال من «بيوتهم» والعامل فيها معنى الإشارة. وقرأ عيسى بن عمر {خَاوِيَةٍ} بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف أي هي خاوية أو خبر بعد خبر لتلك أو خبر لها و{بُيُوتَهُمْ} بدل وبيوتهم هذه هي التي قال فيها صلى الله عليه وسلم لأصحابه عام تبوك «لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين إلا أن تكونوا باكين» الحديث. وهي بوادي القرى بين المدينة والشام {إِنَّ فِي ذَلِكَ} أي فيما ذكر من التدمير العجيب بظلمهم {لآيَةً} لعبرة عظيمة {لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} أي ما من شأنه أن يعلم من الأشياء أو لقوم يتصفون بالعلم، وقيل: لقوم يعلمون هذه القصة وليس بشيء، وفي هذه الآية على ما قيل دلالة على الظلم يكون سببًا لخراب الدور.
وروي عن ابن عباس أنه قال أجد في كتاب الله تعالى أن الظلم يخرب البيوت وتلا هذه الآية، وفي التوراة ابن آدم لا تظلم يخرب بيتك، قيل وههو إشارة إلى هلاك الظالم إذ خراب بيته متعقب هلاكه، ولا يخفى أن كون الظلم عنى الجور والتعدي على عباد الله تعالى سببًا لخراب البيوت مما شوهد كثيرًا في هذه الأعصار، وكونه عنى الكفر كذلك ليس كذلك. نعم لا يبعد أن يكون على الكفرة يوم تخرب فيه بيوتهم إن شاء الله تعالى:

.تفسير الآية رقم (53):

{وَأَنْجَيْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (53)}
{وَأَنجَيْنَا الذين ءامَنُواْ} صالحًا ومن معه من المؤمنين {وَكَانُواْ يَتَّقُونَ} من الكفر والمعاصي اتقار مستمرًا فلذا خصوا بالنجاة. روي أن الذين آمنوا به عليه السلام كانوا أربعة آلاف خرج بهم صالح إلى حضرموت وحين دخلها مات ولذلك سميت بهذا الاسم وبني المؤمنون بها مدينة يقال لها حاضورا، وقد تقدم الكلام في ذلك فتذكر.

.تفسير الآية رقم (54):

{وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ (54)}
{وَلُوطًا} منصوب ضمر معطوف على {أرسلنا} [النمل: 45] في صدر قصة صالح عليه السلام داخل معه في حيز القسم أي وأرسلنا لوطًا {إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ} ظرف للارسال على أن المراد به أمر ممتد وقع فيه الإرسال وما جرى بينه وبين قومه من الأحوال والأقوال. وجوز أن يكون منصوبًا باضمار اذكر معطوفًا على ما تقدم عطف قصة على قصة و{إِذْ} بدل منه بدلاشتمال وليس بذاك. وقيل: هو معطوف على {صالحًا} [النمل: 45]. وتعقب بأنه غير مستقيم لأن صالحًا بدل أو عطف بيان لأخاهم وقد قيد بقيد مقدم عليه وهو {إلى ثمود} [النمل: 45] فلو عطف عليه تقيد به ولا يصح لأن لوطًا عليه السيلام لم يرسل إلى ثمود وهو متعين إذا تقدم القيد بخلاف ما لو تأخر، وقيل إن تعينه غير مسلم إذ يجوز عطفه على مجموع القيد والمقيد لكنه خلاف المألوف في الخطابيات وارتكاب مثله تعسف لا يليق، وجوز أن يكون عطفًا على {الذين آمنوا} [النمل: 53] وتعقب بأنه لا يناسب أساليب سرد القصص من عطف احدى القصتين على الأخرى لا على تتمة الأولى وذيلها كما لا يخفى {أَتَأْتُونَ الفاحشة} أي أتفعلون الفعلة المتناهية في القبح والسماجة، والاستفهام انكاري.
وقوله تعالى: {وَأَنْتُمْ تُبْصرُونَ} جملة حالية من فاعل {تأتون} مفيدة لتأكيد الإنكار فإن تعاطى القبيح من العالم بقبحه أقبح وأشنع، و{وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ} من بصر القلب أي افتعلونها والحال أنتم تعلمون علمًا يقينيًا كونها كذلك.
ويجوز أن يكون من بصر العين أي وأنتم ترون وتشاهدون كونها فاحشة على تنزيل ذلك لظهوره منزلة المحسوس، وقيل: مفعول {تُبْصِرُونَ} من المحسوسات حقيقة أي وأنتم تبصرون آثار العصاة قبلكم أو وأنتم ينظر بعضكم بعضًا لا يستتر ولا يتحاشى من إظهار ذلك لعدم أكتراثكم به، ووجه إفادة الجملة على الاحتمالين تأكيد الإنكار أيضًا ظاهر، وقوله تعالى:

.تفسير الآية رقم (55):

{أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (55)}
{أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرجال شَهْوَةً} تثنية للإنكار وبيان لما أتونه من الفاحشة بطريق التصريح بعد الإبهام، وتحلية الجملة بحرفي التأكيد للإيذان بأن مضمونها مما لا يصدق وقوعه أحد لكمال شناعته، وإيراد المفعول بعنوان الرجولية دون الذكورية لتربيته التقبيح وبيان اختصاصه ببني آدم، وتعليل الاتيان بالشهوة تقبيح على تقبيح لما أنها ليست في محله، وفيه إشارة إلى أنهم مخطؤون في محلها فعلًا، وفي قوله تعالى: {مّن دُونِ النساء} أي متجاوزين النساء اللاتي هن محال الشهوة إشارة إلى أنهم مخطئون فيه تركًا، ويعلم مما ذكرنا أن {شَهْوَةً} مفعول له للإتيان، وجوز أن يكون حالًا.
{بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ} أي تفعلون فعل الجاهلين بقبح ذلك أو يجهلون العاقبة أو الجهل عنى السفاهة والمجون أي بل أنتم قوم سفهاء ماجنون كذا في الكشاف، وأيا ما كان فلا ينافي قوله تعالى: {وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ} [النمل: 54] ولم يرتض ذلك الطيبي وزعم أن كلمة الاضراب تأباه: ووجه الآية بأنه تعالى لما أنكر عليهم فعلهم على الإجمال وسماه فاحشة وقيده بالحال المقررة لجهة الاشكال تتميمًا للإنكار بقوله تعالى: {وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ} أراد مزيد ذلك التوبيخ والإنكار فكشف عن حقيقة تلك الفاحشة وأشار سبحانه إلى ما أشار ثم اضرب عن الكل بقوله سبحانه: {بَلْ أَنتُمْ} إلخ أي كيف يقال لمن يرتكب هذه الفحشاء وأنتم تعلمون فأولى حرف الاضراب ضمير {أَنتُمْ} وجعلهم قومًا جاهلين والتفت في {تَجْهَلُونَ} موبخًا معيرًا اه وفيه نظر. والقول بالالتفات هنا مما قاله غيره أيضًا وهو التفات من الغيبة التي في {قَوْمٌ} إلى الخطاب في {تَجْهَلُونَ} وتعقبه الفاضل السالكوتي بأنه وهم إذ ليس المراد بقوم قوم لوط حتى يكون المعبر عنه في الأسلوبين واحدًا كما هو شرط الالتفات بل معنى كلي حمل على قوم لوط عليه السلام.
وقال بعض الأجلة: إن الخطاب فيه مع أنه صفة لقوم وهو اسم ظاهر من قبيل الغائب لمراعاة المعنى لأنه متحد مع {أَنتُمْ} لحمله عليه، وجعله غير واحد مما غلب فيه الخطاب، وأورد عليه أن في التغليب تجوزًا ولا تجوز هنا. وأجيب بأن نحو {تَجْهَلُونَ} موضوع للخطاب مع جماعة لم يذكروا بلفظ غيبة وهنا ليس كذلك فكيف لا يكون فيه تجوز، وقيل قولهم إن في التغليب تجوزًا خارج مخرج الغالب، وقال الفاضل السالكوتي إن قوله تعالى: {بَلْ أَنتُمْ} إلخ من المجاز باعتبار ما كان فإن المخاطب في {تَجْهَلُونَ} باعتبار كون القوم مخاطبين في التعبير بأنتم فلا يرد أن اللفظ لم يتسعمل فيه في غير ما وضع له ولا الهيئة التركيبية ولم يسند الفعل إلى غير ما هو له فيكون هناك مجاز فافهم.

.تفسير الآية رقم (56):

{فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوا آَلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ (56)}
{فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُواْ أَخْرِجُواْ ءالَ لُوطٍ} أي من اتبع دينه وإخراجه عليه السلام يعلم من باب أولى. وقال بعض المحققين: المراد بآل لوط هو عليه السلام ومن تبع دينه كما يراد من بني آدم آدم وبنوه، وأيًا ما كان فلا تدخل امرأته عليه السلام فيهم، وقوله سبحانه: {إِلا} إلخ استثناء مفرغ واقع في موقع اسم كان، وقرأ الحسن. وابن أبي إسحق {جَوَابَ} بالرفع فيكون ذاك واقعًا موقع الخبر، وقد مر تحقيق الكلام في مثل هذا التركيب، وفي قوله تعالى: {مّن قَرْيَتِكُمْ} بإضافة القرية إلى كم تهوين لأمر الإخراج، وقوله جل وعلا: {إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ} تعليل للأمر على وجه يتضمن الاستهزاء أي إنهم أناس يزعمون التطهر والتنزه عن أفعالنا أو عن الأقذار ويعدون فعلنا قذرًا وهم متكلفون بإظها رما ليس فيهم، والظاهر أن هذا الجواب صدر عنهم في المرة الأخيرة من مراتب مواعظه عليه السلام بالأمر والنهي لا أنه لم يصدر عنه كلام آخر غيره.

.تفسير الآية رقم (57):

{فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَاهَا مِنَ الْغَابِرِينَ (57)}
{فأنجيناه وَأَهْلَهُ} أي بعد إهلاك القوم فالفاء فصيحة {إِلاَّ امرأته قدرناها} أي قدرنا كونها {مِنَ الغابرين} أي الباقين في العذاب، وقدر المضاف لأن التقدير يتعلق بالفعل لا بالذات، وجاء في آية أخرى ما يقتضي ذلك، وهو قوله تعالى: {قَدَّرْنَآ إِنَّهَا لَمِنَ الغابرين} [الحجر: 60].
وقرأ أبو بكر {قدرناها} بتخفيف الدال.

.تفسير الآية رقم (58):

{وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ (58)}
{وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَّطَرًا} غير معهود {فَسَاء مَطَرُ المنذرين} أي فبئس مطر المنذرين مطرهم، وقد مر مثل هذا فارجع إلى ما ذكرناه عنده.