فصل: تفسير الآية رقم (66):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (66):

{بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآَخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ (66)}
{بَلِ ادرك عِلْمُهُمْ فِي الاخرة} إضراب عما تقدم على وجه يفيد تأكيده وتقريره، وأصل {ادرك} تدارك فأدغمت التاء في الدار فسكنت فاجتلبت همزة الوصل وهو من تدارك بنو فلان إذا تتابعوا في الهلاك وهو مراد من فسر التدارك هنا بالاضمحلال والفناء، وإلا فأصل التدارك التتابع والتلاحق مطلقًا، {وَفِي الاخرة} متعلق بعلمهم والعلم يتعدى بفي كما يتعدى بالباء، وهي حينئذٍ عنى الباء كما نص عليه الفراء. وابن عطية. وغيرهما، والمعنى بل تتابع علمهم في شأن الآخرة التي ما ذكر من البعث حال من أحوالها حتى انقطع وفنى ولم يبق لهم علم بشيء مما سيكون فيها قطعًا مع توفر أسبابه فهو ترق عن وصفهم بجهل فاحش إلى وصفهم بجهل أفحش، وليس تدارك علمهم بذلك على معنى أنه كان لهم علم به على الحقيقة فانتفى شيئًا فشيئًا، بل على طريقة المجاز بتنزيل أسباب العلم ومباديه من الدلائل العقلية والسمعية منزلة نفسه، وإجراء تساقطها عن درجة اعتبارهم كلما لاحظوها مجرى تتابعها إلى الانقطاع.
وجوز أن يكون الكلام على تقدير مضاف أي ادّارك أسباب علمهم، والتدارك مجاز عما ذكر من التساقط، وقوله تعالى: {بَلْ هُمْ فِي شَكّ مّنْهَا} إضراب وانتقال عن عدم علمهم بها إلى ما هو أفحش منه على نحو ما مر وهو حيرتهم في ذلك أي بل هم في شك عظيم من نفس الآخرة وتحققها كمن تحير في أمر لا يجد عليه دليلًا فضلًا عن الأمور التي ستقع فيها، وقوله سبحانه: {بَلْ هُم مّنْهَا عَمُونَ} إضراب وانتقال عن وصفهم بكونهم شاكين إلى وصفهم بما هو أفظع منه وهو كونهم عميًا قد اختلت بصائرهم بالكلية بحيث لا يكادون يدركون طريق العلم بها وهو الدلائل الدالة على أنها كائنة لا محالة، فالمراد {عَمُونَ} عن دلائلها أو عمون عن كل ما يوصلهم إلى الحق ويدخل فيه دلائلها دخولًا أوليًا، و{مِنْهَا} متعلق بعمون قدم عليه رعاية للفواصل، ولعل تعديته بمن دون عن لجعل الآخرة دأ عما هم ومنشأه، والكفر بالعاقبة والجزاء يدع الشخص عاكفًا على تحصيل مصالح بطنه وفرجه لا يتدبر ولا يتبصر فيما عدا ذلك.
وجوز أن يكون {ادرك} عنى استحكم وتكامل ووصفهم باستحاكم علمهم بذلك وتكامله من باب التهكم بهم كما تقول لأجهل الناس: ما أعلمك على سبيل الهزء، ومآل التهكم المذكور نفي علمهم بذلك كما في الوجه السابق لكن على الوجه الأبلغ، والإضرابان من باب الترقي من الوصف بالفظيع إلى الوصف بالأفظع نحو ما تقدم وهو وجه حسن، ويشعر كلام بعض المحققين بترجيحه على ما ذكرنا أولًا.
وجوز أيضًا أن يكون المراد بالادّراك الاستحكام لكن على معنى استحكم أسباب علمهم بأن القيامة كائنة لا محالة من الآيات القاطعة والحجج الساطعة وتمكنوا من المعرفة فضل تمكن وهم جاهلون في ذلك، وفيه أن دلالة النظم الكريم على إرادة وهم جاهلون ليست بواضحة.
وقال الكرماني: التدارك التتابع، والمراد بالعلم هنا الحكم والقول؛ والمعنى بل تتابع منهم القول والحكم في الآخرة وكثر منهم الخوض فيها، فنفاها بعضهم. وشك فيها بعضهم واستبعدها بعضهم وفيه ما فيه.
وقيل: إن في الآخرة متعلق بادّارك وإليه ذهب الزجاج. والطبرسي، واقتضته بعض الآثار المروية عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، والمعنى على هذا عند بعضهم بل استحكم في الآخرة علمهم بما جهلوه في الدنيا حيث رأوا ذلك عيانًا، وكان الظاهر يدّارك بصيغة الاستقبال إلا أنه عبر بصيغة الماضي لتحقق الوقوع.
وقيل: التدارك عليه من تداركت أمر فلان إذا تلافيته، ومفعوله هنا محذوف أي بل تدارك في الآخرة علمهم ما جهلوه في الدنيا أي تلافاه، وحاصل المعنى بل علموا ذلك في الآخرة حين لم ينفعهم العلم، والتعبير بصيغة الماضي على ما علمت، ولا يخفى أن في وجه ترتيب الإضرابات الثلاث حسب ما في «النظم الكريم» على هذين الوجهين خفاءًا فتدبر.
وقرأ أبيّ أم تدارك على الأصل وجعل أم بدل {بَلِ}، وقرأ سليمان بن يسار بل أدرك بنقل حركة الهمزة إلى اللام وشد الدال بناءًا على وزنه افتعل، فأدغم الدال وهي فاء الكلمة في التاء بعد قلبها دالًا فصار فيه قلب الثاني للأول كما في قولهم: أثرد وأصله اثترد من الثرد، والهمزة المحذوفة المنقول حركتها إلى اللام هي همزة الاستفهام أدخلت على ألف الوصل فانحذفت ألف الوصل ثم انحذفت هي وألقيت حركتها على لام بل، وقرأ أبو رجاء. والأعرج. وشيبة. وطلحة. وتوبة العنبري كذلك إلا أنهم كسروا لام {بَلِ}، وروي ذلك عن ابن عياش. وعاصم. والأعمش.
وقرأ ابن كثير. وأبو عمرو. وأبو جعفر. وأهل مكة بل أدرك على وزن أفعل عنى تفاعل، ورويت عن أبي بكر عن عاصم، وقرأ عبد الله في رواية. وابن عباس في رواية أبي حيوة. وغيره عنه. والحسن. وقتادة. وابن محيصن بل آدّرك دة بعد همزة الاستفهام، وأصله أأدرك فقلبت الثانية ألفًا تخفيفًا كراهة الجمع بين همزتين، وأنكر أبو بكر بن أبي العلاء هذه الرواية، وقال أبو حاتم: لا يجوز الاستفهام بعد {بَلِ} لأن بل للإيجاب، والاستفهام في هذا الموضع إنكار عنى لم يكن كما في قوله تعالى: {أَشَهِدُواْ خَلْقَهُمْ} [الزخرف: 19] أي لم يشهدوا خلقهم فلا يصح وقوعهما معًا للتنافي الذي بين الإيجاب والإنكار اه.
وقد أجاز بعض المتأخرين كما قال أبو حيان الاستفهام بعد {بَلِ} وشبهه بقول القائل: أخبزًا أكلت، بل أماءًا شربت على ترك الكلام الأول والأخذ في الثاني، وقرأ مجاهد أم أدرك جعل أم بدل {بَلِ} وأدرك على وزن أفعل، وقرأ ابن عباس في رواية أيضًا {بَلِ ادرك} بهمزة داخلة على {ادرك} فتسقط همزة الوصل المجتلبة لأجل الإدغام والنطق بالساكن، وقرأ ابن مسعود أيضًا بل أأدرك بهمزتين همزة الاستفهام وهمزة أفعل، وقرأ الحسن أيضًا. والأعرج بل أدرك بهمزة، وإدغام فاء الكلمة وهي الدال في فاء افتعل بعد صيرورة التاء دالًا، وقرأ ورش في رواية بل ادّرك بحذف همزة أدرك، ونقل حركتها إلى اللام، وقرأ ابن عباس أيضًا بلى أدرك بحرف الإيجاب الذي يوجب به المستفهم المنفي، وقرأ بل آأدّارك بألف بين الهمزتين، فهذه عدة قراآت فما فيه منها استفهام صريح أو مضمن فهو إنكار ونفي، وما فيه بلى فقد قال فيه أبو حاتم: إن كان بلى جوابًا لكلام تقدم جاز أن يستأنف بعده كأن قومًا أنكروا ما تقدم من القدرة فقيل لهم: بلى إيجابًا لما نفوا، ثم استؤنف بعده الاستفهام وعودل بقوله تعالى: {بَلْ هُمْ فِي شَكّ مّنْهَا} عنى أم هم في شكل منها لأن حروف العطف قد تتناوب، وكف عن الجملتين بقوله تعالى: {بَلْ هُم مّنْهَا عَمُونَ} اه، يعني أن المعنى أأدرك علمهم بالآخرة أم شكوا؟ فبل عنى أم عودل بها الهمزة، وتعقبه في البحر بأن جعل بل عنى أم ومعادلتها لهمزة الاستفهام ضعيف جدًا، وقال بعض المحققين: ما فيه بلى فإثبات لشعورهم وتفسير له بالإدراك على وجه التهكم الذي هو أبلغ وجوه النفي والإنكار وما بعده من قوله تعالى: {بْل هُمْ في شَكّ} إلخ إضراب عن التفسير مبالغة في النفي ودلالة على أن شعورهم بها أنهم شاكون فيها بل أنهم منها عمون فهو على منوال.
تحية بينهم ضرب وجيع

أورد إنكار لشعورهم على أن الإضراب إبطالي فافهم وقوله تعالى:

.تفسير الآية رقم (67):

{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا وَآَبَاؤُنَا أَئِنَّا لَمُخْرَجُونَ (67)}
{وَقَالَ الذين كَفَرُواْ أَءذَا كُنَّا تُرَابًا وَءابَاؤُنَا أَءنَّا لَمُخْرَجُونَ} كالبيان لجهلهم بالآخرة وعما هم منها ووضع الموصول موضع ضميرهم لذمهم بما في حيز صلته والإشعار بعلة حكمهم الباطل الذي تضمنه مقول القول، وإذا ظرف لمحذوف دل عليه مخرجون أي أنخرج إذا كنا ترابًا ولا مساغ لأن يكون ظرفًا {لَمُخْرَجُونَ} لأن كلًا من الهمزة وإن اللام على ما قيل: مانعة من عمل ما بعدها فيما قبلها فكيف بها إذا اجتمعت، ولم يعتبر بعضهم اللام مانعة بناءًا على ما قرر في النحو من جواز تقدم معمول خبر إن المقرون باللام عليه نحو إن زيدًا طعامك لآكل، ويكفي حينئذٍ مانعان وأظن أن من قال: يتوسع في الظروف ما لا يتوسع في غيرها لا يقول باطراد الحكم في مثل هذا الموضع ومرادهم بالإخراج الإخراج من القبور، وجوز أن يكون الإخراج من حال الفناء إلى الحياة، والأول هو الظاهر، وتقييد الإخراج بوقت كونهم ترابًا ليس لتخصيص الإنكار بالإخراج حينئذٍ فقط فإنهم منكرون للإحياء بعد الموت مطلقًا وإن كان البدن على حاله بل لتقوية الإنكار بتوجيهه إلى الإخراج في حالة منافية له بزعمهم، وقوله سبحانه: {وَءابَاؤُنَا} عطف على اسم كان واستغنى بالفصل بالخبر عن الفصل بالتأكيد، وتكرير الهمزة في أئنا للمبالغة والتشديد في الإنكار، وتحلية الجملة بأن واللام لتأكيد الإنكار لا لإنكار التأكيد كما يوهمه ظاهر النظم الكريم، فإن تقديم الهمزة لأصالتها في الصدارة، والضمير في أئنا لهم ولآبائهم لأن الكون ترابًا قدتنا ولهم وآباءهم، وقرأ ابن كثير. وأبو عمرو أئذا. وأئنا بالجمع بين الاستفهامين، وقلب الثانية ياءًا وفصل بينهما بألف أبو عمرو.
وقرأ نافع إذا بهمزة واحدة مكسورة فهمزة الاستفهام مقدرة مع الفعل المقدر لأن المعنى ليس على الخبر، وآينا بهمزة الاستفهام وقلب الثانية ياءًا وبينهما مدة، وقرأ آخرون أئذا باستفهام ممدود أننا بنونين من غير استفهام.

.تفسير الآية رقم (68):

{لَقَدْ وُعِدْنَا هَذَا نَحْنُ وَآَبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (68)}
{لَقَدْ وُعِدْنَا هذا} أي الإخراج المذكور {نَحْنُ وَءابَاؤُنَا مِن قَبْلُ} أي من قبل وعد محمد صلى الله عليه وسلم، وتقديم الموعود على {نَحْنُ} هنا للدلالة على أنه هو الذي تعمد بالكلام وقصد به حتى كأن ما سواه مطرح وعلاوة له كما ينبئ عن ذلك ذكر ما صدر منهم أنفسهم مؤكدًا مقررًا مكررًا؛ وتأخيره عنه في آية سورة المؤمنين لرعاية الأصل، ولا مقتضى للعدول إذ لم يذكر هناك سوى اتباعهم أسلافهم في الكفر وإنكار البعث من غير نعي ذلك عليهم، والجملة استئناف مسوق لتقرير الإنكار وتصديرها بالقسم لمزيد التأكيد، وقوله تعالى: {إِنْ هذا إِلاَّ أساطير الاولين} تقرير إثر تقرير.

.تفسير الآية رقم (69):

{قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ (69)}
{قُلْ سِيرُواْ فِي الأرض فَاْنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عاقبة المجرمين} بسبب تكذيبهم الرسل عليهم الصلاة والسلام فيما دعوهم إليه من الإيمان بالله عز وجل وحده وباليوم الآخر الذي تنكرونه فإن في مشاهدة عاقبتهم ما فيه كفاية لأولي الأبصار، وفي التعبير عن المكذبين با لمجرمين الأعم منه بحسب المفهوم لطف بالمؤمنين في ترك الجرائم لما فيه من إرشادهم إلى أن الجرم مطلقًا مبغوض لله عز وجل.

.تفسير الآية رقم (70):

{وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُنْ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (70)}
{وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ} لإصرارهم على الكفر والتكذيب {وَلاَ تَكُن فِي ضَيْقٍ}. أي في حرج صدر {مّمَّا يَمْكُرُونَ} أي من مكرهم فإن الله تعالى يعصمك من الناس.
وقرأ ابن كثير {ضَيْقٍ} بكسر الضاد وهو مصدر أيضًا، وجوز أن يكون مفتوح الضاد مخففًا من ضيق، وقد قرئ كذلك أي لا تكن في أمر ضيق، وكره أبو علي كون ذلك مخففًا مما ذكر لأنه يقتضي حذف الموصوف وإقامة الصفة مقامه، وليس من الصفات التي تقوم مقام الموصوف باطراد، وفيه بحث.

.تفسير الآية رقم (71):

{وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (71)}
{وَيَقُولُونَ متى هذا الوعد} أي العذاب العاجل الموعود وكأنهم فهموا وعدهم بالعذاب من الأمر بالسير والنظر في عاقبة أمثالهم المكذبون، ويعلم منه وجه للتعبير يقولون وعدم إجرائه على سنن ما قبله أعني {وقال الذين كفروا} [النمل: 67] وسؤالهم عن وقت إتيان هذا العذاب على سبيل الإستهزاء والإنكار، ولذا قالوا: {إِن كُنتُمْ صادقين} عانين إن كنتم صادقين في إخباركم بإتيانه فبينوا لنا وقته، والجمع باعتبار شركة المؤمنين في الإخبار بذلك.