فصل: تفسير الآية رقم (8):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (8):

{فَالْتَقَطَهُ آَلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ (8)}
{فالتقطه ءالُ فِرْعَوْنَ} فصيحة والتقدير ففعلت ما أمرت به من إرضاعه والقائه في اليم لما خافت عليه، وحذف ما حذف تعويلًا على دلالة الحال وإيذانًا بكمال سرعة الامتثال.
وروى أنها لما ضربها الطلق دعت قابلة من الموكلات بحبالى بني إسرائيل فعالجتها، وفلما وقع موسى عليه السلام على الأرض هالها نور بين عينيه وارتعش كل مفصل منها ودخل حبه قلبها بحيث منعها من السعابة فقالت لأمه: احفظيه، فلما خرجت جاء عيون فرعون فلفته في خرقة وألقته في تنور مسجور لم تعلم ما تصنع لما طاش من عقلها، فطلبوا فلم يجدوا شيئًا فخرجوا وهي لا تدري مكانه فسمعت بكاءه من التنور فانطلقت إليه وقد جعل الله تعالى النار عليه بردًا وسلامًا فأخذته، فلما ألح فرعون في طلب الولدان واجتهد العيون في تفحصها أوحى الله تعالى إليها ما أوحى، وأرضعته ثلاثة أشهر، أو أربعة، أو ثمانية على اختلاف الروايات، فلما خافت عليه عمدت إلى بردى فصنعت منه تابوتًا أي صندوقًا فطلته القار من داخله. وعن السدي أنها دعت نجارًا، فصنع لها تابوتًا، وجعلت مفتاحه من داخل، ووضعت موسى عليه السلام فيه وألقته في النيل بين أحجار عند بيت فرعون، فخرج جواري آسية امرأة فرعون يغتسلن فوجدنه فأدخلنه إليها وظنن أن فيه مالًا، فلما فتحنه رأته آسية ووقعت عليه رحمتها فأحبته، وأراد فرعون قتله فلم تزل تكلمه حتى تركه لها. وروى عن ابن عباس وغيره أنه كان لفرعون يومئذ بنت لم يكن له ولد غيرها وكانت من أكرم الناس إليه، وكان بها برص شديد أعيا الأطباء، وكان قد ذكر له أنها لا تبرأ إلا من قبل البحر يؤخذ منه شبه الإنس يوم كذا من شهر كذا حين تشرق الشمس فيؤخذ من ريقه فيلطخ به برصها فتبرأ فلما كان ذلك اليوم غدا فرعون في مجلس له على شفير النيل ومعه امرأته آسية وأقبلت بنته في جواريها حتى جلست على شاطئ النيل فإذا بتابوت تضربه الأمواج فتعلق بشجرة فقال فرعون ائتوني به فابتدروا بالسفن فأحضروه بين يديه فعالجوا فتحه فلم يقدروا عليه وقصدوا كسره فأعياهم فنظرت آسية فكشف لها عن نور في جوفه لم يره غيرها فعالجته ففتحته فإذا صبي صغير فيه وله نور بين عينيه وهو يمص إبهامه لبنا فألقى الله تعالى محبته عليه السلام في قلبها وقلوب القوم وعمدت بنت فرعون إلى ريقه فلطخت به برصها فبرأت من ساعتها.
وقيل: لما نظرت إلى وجهه برأت فقالت الغواة من قوم فرعون أنا نظن أن هذا هو الذي نحذر منه رمى في البحر خوفا منك فاقتله فهم أن يقتله فاستوهبته آسية فتركه كما سيأتي إن شاء الله تعالى والأخبار في هذه القصة كثيرة، وقد قدمنا منها ما قدمنا، وآل فرعون أتباعه وقولهم: إن الآل لا يستعمل إلا فيما فيه شرف مبني على الغالب أو الشرف فيه أعم من الشرف الحقيقي والصوري ومعنى التقاطهم إياه عليه السلام أخذهم أياه عليه السلام أخذ اللقطة أي أخذ اعتناء به وصيانة له عن الضياع {لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا} فيه استعارة تهكمية ضرورة أنه لم يدعهم للالتقاط أن يكون لهم عدوًا وحزنًا وإنما دعاهم شيء آخر كالتبني ونفعه إياهم إذا كبر.
وفي تحقيق ذلك أقوال الأول أن يشبه كونه عدوًّا وحزنًا بالعلة الغائية كالتبني والنفع تشبيهًا مضمرًا في النفس ولم يصرح بغير المشبه ويدل على ذلك بذكر ما يخص المشبه به وهو لام التعليل فيكون هناك استعارة مكنية أصلية في المجرور واللام على حقيقتها، الثاني أن يشبه أولًا ترتب غير العلة الغائية بترتب العلة الغائية أي يعتبر التشبيه بين الترتبين الكليين ليسري في جزئياتهما فيتحقق تبعًا تشبيه ترتب كونه عدوًا وحزنًا أعني الترتب المخصوص على الالتقاط بترتب التبني ونحوه مما هو علة غائية أعني الترتب المخصوص أيضًا عليه ثم يستعمل في المشبه اللام الموضوعة للدلالة على ترتب العلة الغائية الذي هو المشبه به فتكون الاستعارة أولًا في العلية والغرضية وتبعًا في اللام فصار حكم اللام حكم الأسد حيث استعيرت لما يشبه العلة كما استعير الأسد لما يشبه الأسد بيد أن الاستعارة هاهنا مكنية تبعية، الثالث ما أفاده كلام الخطيب الدمشقي في التلخيص والإيضاح وهو أن يقدر التشبيه أولًا لكونه عدوًا وحزنًا بالعلة الغائية ثم يسري ذلك التشبيه إلى تشبيه ترتبه بترتب العلة الغائية فتستعار اللام الموضوعة لترتب العلة الغائية لترتب كونه عدوًا وحزنًا من غير استعارة في المجرور وهذا التشبيه كتشبيه الربيع بالقادر المختار ثم إسناد الانبات إليه وهو مفاد كلام الكشاف، واختار ذلك العلامة عبد الحكيم، فقال: وو الحق عندي لأن اللام لما كان معناها محتاجًا إلى ذكر المجرور كان اللائق أن تكون الاستعارة والتشبيه فيها تابعًا لتشبيه المجرور لا تابعًا لتشبيه معنى كلي عنى كلي معنى الحرف من جزئياته كما ذهب إليه السكاكي وتبعه العلامة التفتازاني انتهى فتأمل.
واستشكل أصل تعليل الالتقاط بأن الالتقاط الوجدان من غير قصد والتعليل يقتضي حقيقة القصد وهو توهم لأن الوجدان من غير قصد لا ينافي قصد أخذ ما وجد لغرض وقد علمت أن المعنى هنا فأخذه أخذ اللقطة أي أخذ اعتناء به آل فرعون ليكون إلخ، والتعليل فيه إنما هو للأخذ ولا إشكال فيه.
وقال بعضهم: يحتمل تعلق اللام قدار أي قدرنا الالتقاط فيكون إلخ، وعليه لا تجوز في الكلام إلا عند من يقول: إن أفعال الله تعالى لا تعلل وهو أمر غير ما نحن فيه، ولا يخفى أن كلام الله سبحانه أجل وأعلى من أن يعتبر فيه مثل هذا الاحتمال، وفي جعله عليه السلام نفس الحزن ما لا يخفى من المبالغة.
وقرأ ابن وثاب. والأعمش. وحمزة. والكسائي. وابن سعدان. حزنًا بضم الحاء وسكون الزاي، وقرأ الجمهور بفتحتين لغة قريش {إِنَّ فِرْعَوْنَ وهامان وَجُنُودَهُمَا كَانُواْ خاطئين} في كل ما يأتون وما يذرون أو من شأنهم الخطأ فليس ببدع منهم أن قتلوا ألوفًا لأجله ثم أخذوه يربونه ليكبر ويفعل بهم ما كانوا يحذرونه، روى أنه ذبح في طلبه عليه السلام تسعون ألف وليد. و{خاطئين} على هذا من الخطأ في الرأي، ويجوز أن يكون من خطئ عنى أذنب، وفي الأساس يقال: خطئ خطأ إذا تعمد الذنب، والمعنى وكانوا مذنبين فعاقبهم الله تعالى بأن ربى عدوهم على أيديهم، والجملة على الأول اعتراض بين المتعاطفين لتأكيد خطئهم المفهوم من قوله تعالى: {لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا} فإنه كما سمعت استعارة تهكمية وعلى الثاني، اعتراض لتأكيد ذنبهم المفهوم من حاصل الكلام، وقيل: يتعين عليه أن تكون اعتراضًا لبيان الموجب لما ابتلوا به ويحتمل على هذا أن تكون استئنافًا بيانيًا إن أريد بما ابتلوا به كونه عدوًا وحزنًا وهو لا ينافي الاعتراض عندهم، وقرئ خاطين بغير همز فاحتمل أن يكون أصله الهمز وحذفت وهو الظاهر، وقيل: هو من خطا يخطو أي خاطين الصواب إلى ضده فهو مجاز.

.تفسير الآية رقم (9):

{وَقَالَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (9)}
{وَقَالَتِ امرأت فِرْعَوْنَ} آسية بنت مزاحم بن عبيد بن الريان بن الوليد الذي كان فرعون مصر في زمن يوسف الصديق عليه السلام وعلى هذا لم تكن من بني إسرائيل، وقيل: كانت منهم من سبط موسى عليه السلام، وحكى السهيلي أنها كانت عمته عليه السلام وهو قول غريب، والمشهور القول الأول.
والجملة عطف على جملة {فالتقطه آل فرعون} [القصص: 8] أي وقالت امرأة فرعون له حين أخرجته من التابوت.
{قُرَّةُ عَيْنٍ لّى وَلَكَ} أي هو قرة عين كائنة لي ولك على أن قرة خبر مبتدأ محذوف، والظرف في موضع الصفة له ويبعد كما في البحر أن يكون مبتدأ خبره جملة قوله تعالى: قوله تعالى: {لاَ تَقْتُلُوهُ} وقالت ذلك لما ألقى الله تعالى من محبته في قلبها أو لما كشف لها فرأته من النور بين عينيه أو لما شاهدته من برء بنت فرعون من البرص بريقه أو جرد النظر إلى وجهه، ولتفخيم شأن القرة عدلت عن لنا إلى لي ولك وكأنها لما تعلم من مزيد حب فرعون إياها وأن مصلحتها أهم عنده من مصلحة نفسه قدمت نفسها عليه فيكون ذلك أبلغ في ترغيبه بترك قتله، فلا يقال إن الأظهر في الترغيب بذلك العكس وقد يستأنس لكون مصلحتها أهم عنده من مصلحة نفسه ما أخرجه النسائي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنها حين قالت له ذلك قال لك لا لي ولو قال لي كما هو لك لهداه الله تعالى كما هداها، وهذا أمر فرضي فلا ينافي ما ورد من أنه عليه اللعنة طبع كافرًا، والخطاب في لا تقتلوه قيل: لفرعون وإسناد الفعل إليه مجازي لأنه الآمر والجمع للتعظيم، وكونه لا يوجد في كلام العرب الموثوق بهم إلا في ضمير المتكلم كفعلنا مما تفرد به الرضى وقلده فيه من قلده وهو لا أصل له رواية ودراية قال أبو علي الفارسي في فقه اللغة من سنن العرب مخاطبًا الواحد بلفظ الجمع فيقال للرجل العظيم انظروا في أمري، وهكذا في سر الأدب وخصائص ابن جني وهو مجاز بليغ وفي القرآن الكريم منه ما التزام تأويله سفه، وقيل: هو لفرعون وأعوانه الحاضرين ورجح بما روى أن غواة قومه قالوا وقت إخراجه هذا هو الصبي الذي كنا نحذر منه فأذن لنا في قتله.
وقيل: هو له ولمن يخشى منه القتل وإن لم يحضر على التغليب، واختار بعضهم كونه للمأمورين بقتل الصبيان كأنها بعد أن خاطبت فرعون وأخبرته بما يستعطفه على موسى عليه السلام أمنت منه بإدارة أمن جديد بقتله فالتفتت إلى خطاب المأمورين قبل فنهتهم عن قتله معللة ذلك بقوله تعالى المحكي عنها: {عسى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا} وهو أوفق باختلاف الأسلوب حيث فصلت أولًا في قولها: لي ولك وأفردت ضمير خطاب فرعون ثم خاطبت وجمعت الضمير في لا تقتلوه ثم تركت التفصيل في {عسى أَن يَنفَعَنَا} إلخ ولم تأت به على طرز قرة عين لي ولك بأن تقول؛ عسى أن ينفعني وينفعك مثلًا فتأمل.
ورجاء نفعه لما رأت فيه من مخايل البركة ودلائل النجاة:
في المهد ينطق عن سعادة جده ** أثر النجابة ساطع البرهان

واتخاذه ولدًا لأنه لائق لتبني الملوك لما فيه من الأبهة وعطف هذا على ما قبله من عطف الخاص على العام أو تعتبر بينهما المغايرة وهو الأنسب بأو {وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ} حا لمن آل فرعون والتقدير فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوًا وحزنًا وقالت امرأته له كيت وكيت، وهم لا يشعرون بأنهم على خطأ عظيم فيما صنعوا. وقال: قتادة لا يشعرون أنه الذي يفسد ملكهم على يده. وقال مجاهد أنه عدو لهم. وقال محمد بن إسحق: أني أفعل ما أريد لا ما يريدون والتقدير الأول أجمع، وجوز كونه حالًا من القائلة والمقول له معًا. والمراد بالجمع اثنان على احتمال كون الخطاب في لا تقتلوه لفرعون فقط وكونه حالًا من القائلة فقط أي قالت امرأة فرعون له ذلك والذين أشاروا بقتله لا يشعرون قالتها له واستعطاف قلبها عليه لئلا يغروه بقتله وعلى الاحتمالات الثلاثة هو من كلام الله تعالى، وجوز كونه حالًا من أحد ضميري نتخذه على أن الضمير للناس لا لذي الحال إذ يكفي الواو للربط أي نتخذه ولدًا والناس لا يعلمون أنه لغيرنا وقد تبنيناه فيكون من كلام آسية رضي الله تعالى عنها.

.تفسير الآية رقم (10):

{وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (10)}
{وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمّ موسى فَارِغًا} أي صار خاليًا من كل شيء غير ذكر موسى عليه السلام أخرجه الفريابي. وابن أبي شيبة. وعبد بن حميد. وابن جرير. وابن المنذر. وابن أبي حاتم. والحاكم. وصححه من طرق عن ابن عباس وروي ذلك أيضًا عن ابن مسعود. والحسن. ومجاهد، ونحوه عن عكرمة. وقالت: فرقة فارغًا من الصبر وقال ابو زيد: فارغًا من وعد الله تعالى ووحيه سبحانه إليها تناست ذلك من الهم وقال أبو عبيدة: فارغًا من الهم إذ لم يغرق وسمعت أن فرعون عطف عليه وتبناه كما يقال فلان فارغ البال وقال بعضهم: فارغًا من العقل لما دهمها من الخوف والحيرة حين سمعت بوقوعه في يد عدوه فرعون كقوله تعالى: {وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء} [إبراهيم: 43] أي خلاء لا عقول فيها واعترض على القولين بأن الكلام عليهما لا يلائم ما بعده وفيه نظر، وقرأ أحمد بن موسى عن أبي عمرو فواد بالواو وقرأ مؤسى بهمزة بدل الواو، وقرأ فضالة بن عبيد. والحسن. ويزيد بن قطيب. وأبو زرعة بن عمرو بن جرير فزعًا بالزاي والعين المهملة من الفزع وهو الخوف والقلق، وابن عباس قرعًا بالقاف وكسر الراء وإسكانها من قرع رأسه إذا انحسر شعره كأنه خلا من كل شيء إلا من ذكر موسى عليه السلام، وقيل: قرعًا بالسكون مصدر أي يقرع قرعًا من القارعة وهو الهم العظيم. وقرأ بعض الصحابة فزغًا بفاء مكسورة وزاي ساكنة وغين معجمة ومعناه ذاهبًا هدرًا. والمراد هالكًا من شدة الهم كأنه قتيل لا قود ولا دية فيه، ومنه قول طليحة الأسدي في أخيه حبال:
فإن يك قبلي قد أصيبت نفوسهم ** فلن يذهبوا فزغًا بقتل حبال

وقرأ الخليل بن أحمد فزغًا بضم الفاء والراء {إِن كَادَتْ لَتُبْدِى بِهِ} أي أنها كادت إلخ على أن إن هي المخففة من الثقيلة واللام هي الفارقة أو ما كادت إلا تبدى به على أن إن نافية واللام عنى إلا وهو قول كوفي والإبداء إظهار الشيء وتعديته بالباء لتضمينه معنى التصريح، وقيل: المفعول محذوف والباء سببية أي تبدى حقيقة الحال بسببه أي بسبب ما عراها من فراقه، وقيل: هي صلة أي تبديه وكلا القولين كما ترى، والظاهر أن الضمير المجرور لموسى عليه السلام، والمعنى أنها كادت تصرح به عليه السلام وتقول وابناه من شدة الغم والوجد رواه الجماعة عن ابن عباس، وروي ذلك أيضًا عن قتادة. والسدي. وعن مقاتل أنها كادت تصيح وابناه عند رؤيتها تلاطم الأمواج به شفقة عليه من الغرق، وقيل: المعنى أنها كادت تظهر أمره من شدة الفرح بنجاته وتبنى فرعون إياه، وقيل: الضمير للوحي إنها كادت تظهر الوحي وهو الوحي الذي كان في شأنه عليه السلام المذكور في قوله تعالى: {وَأَوْحَيْنَا إلى أُمّ موسى أَنْ أَرْضِعِيهِ} [القصص: 7] الآية وهو خلاف الظاهر ولا تساعد عليه الروايات {لَوْلا أَن رَّبَطْنَا على قَلْبِهَا} أي بما أنزلنا عليه من السكينة والمراد لولا أن ثبتنا قلبها وصبرناها، فالربط على القلب مجاز عن ذلك، وجواب لولا محذوف دل عليه {إِن كَادَتْ لَتُبْدِى بِهِ} أي لولا أن ربطنا على قلبها لأبدته، وقيل: لكادت تبدى به، وقوله تعالى: {لِتَكُونَ مِنَ المؤمنين} علة للربط على القلب، والإيمان عنى التصديق أي صبرناها وثبتنا قلبها لتكون راسخة في التصديق بوعدنا بأنا رادوه إليها وجاعلوه من المرسلين، ومن جعل الفراغ من الهم والحزن وكيدودة الإبداء من الفرح بتبنيه عليه السلام الذي هو فرح مذموم جعل الإيمان عنى الوثوق كما في قولهم على ما حكى أبو زيد ما آمنت أن أجد صحابة أي ما وثقت وحقيقته صرت ذا أمن أي ذا سكون وطمأنينة، وقال المعنى لولا أن ربطنا على قلبها وسكنا قلقه الكائن من الابتهاج الفاسد لتكون من الواثقين بوعد الله تعالى المبتهجين بما يحق الابتهاج به.