فصل: تفسير الآية رقم (83):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (83):

{تِلْكَ الدَّارُ الْآَخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (83)}
{تِلْكَ الدار الاخرة} مشيرًا إشارة تعظيم وتفخيم إلى ما نزل لشهرته منزلة المحسوس المشاهد كأنه قيل: تلك التي سمعت خبرها وبلغك وصفها، و{الدار} صفة لاسم الإشارة الواقع مبتدأ وهو يوصف بالجامد ولا حاجة إلى تقدير مضاف أي نعيم الدار كما يوهمه كلام البحر، و{الاخرة} صفة للدار، والمراد بها الجنة وخبر المبتدأ قوله تعالى: {نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لاَ يُرِيدُونَ عُلُوًّا وَفِى الأرض} أي غلبة وتسلطًا {وَلاَ فَسَادًا} أي ظلمًا وعدوانًا على العباد كدأب فرعون وقارون، وليس المصوول مخصوصًا بهما، وفي إعادة {لا} إشارة إلى أن كلا من العلو والفساد مقصود بالنفي، وفي تعليق الموعد بترك ءرادتهما لا بترك أنفسهما مزيد تحذير منهما.
وأخرج عبد بن حميد. وابن أبي حاتم عن عكرمة أنه قال: العلو في الأرض التكبر وطلب الشرف والمنلزة عند سلاطينها وملوكتها والفساد العمل بالمعاصي وأخذ المال بغير حقه.
وعن الكلبي العلو الاستكبار عن الإيمان والفساد الدعاء إلى عبادة غير الله تعالى، وروي عن مقاتل تفسير العلو بما روي عن الكلبي، وأخرج ابن مردويه. وابن عساكر عن علي كرم الله تعالى وجهه أنه كان يمشي في الأسواق وحده وهو وال يرشد الضال ويعين الضعيف ويمر بالبقال والبياع فيفتتح عليه القرآن ويقرأ تلك الدار الآخرة إلى آخرها، ويقول: نزلت هذه الآية {تِلْكَ الدار الاخرة} إلخ، في أهل العدل والتواضع من الولاة وأهل القدرة من سائر الناس.
وأخرج ابن مردويه عن عدي بن حاتم أنه لما دخل على النبي صلى الله عليه وسلم ألقى إليه وسادة فجلس على الأرض، فقال عليه الصلاة والسلام أشهد أنك لا تبغي علوًا في الأرض ولا فسادًا فأسلم رضي الله تعالى عنه، وعن الفضيل أنه قرأ الآية ثم قال: ذهبت الأماني هاهنا، وعن عمر بن عبد العزيز أنه كان يرددها حتى قبض، وأخرج ابن أبي سيبة. وابن جرير. وابن المنذر. وابن أبي حاتم عن علي كرم الله تعالى وجهه أنه قال: إن الرجل ليحب أن يكون شسع نعله أجود من شسع نعل صاحبه فيدخل في هذه الآية.
ولعل هذا إذا أحب ذلك ليفتخر على صاحبه ويستهينه وإلا فقد روي أبو داود عن أبي هريرة أن رجلًا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان جميلًا فقال: يا رسول الله إني رجل حبب إلى الجمال وأعطيت منه ما ترى حتى ما أحب أن يفوقني أحد إما قال بشراك لعل وإما قال بشسع نعل أفمن الكبر ذلك؟ قال لا ولكن الكبر من بطر الحق وغمط الناس.
وروي مسلم. وأبو داود. والترمذي عن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر فقال رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنًا، ونعله حسنًا قال: إن الله تعالى جميل يحب الجمال الكبر بطر الحق وغمط الناس» واستدل بعض المعتزلة بالآية بناء على عموم العلو والفساد فيها على تخليد مرتكب الكبيرة في النار، وفي الكشاف ما هو ظهار في ذلك، والتزم بعضهم في الجواب تفسير العلو والفساد بما فسرهما به الكلبي وآخر أن المراد بهما ما يكون مثل العلو والفساد اللذين كانا من فرعون وقارون. ورد بأن التذييل بقوله تعالى: {هُدًى لّلْمُتَّقِينَ} يدل على أن العمدة هي التقوى ولا يكفي ترك العلو والفساد المقيدين.
وأجيب بأن المتقي هاهنا هو المتقي من علو فرعون وفساد قارون أو من لم يكن من المؤمنين مثل فرعون في الاستكبار على الله تعالى بعدم امتثال أوامره والارتداع عن زواجره ولم يكن مثل قارون في إرادة الفساد في الأرض وإخراج كل شيء من كونه منتفعًا به لاسيما نفسه فإن غاية إفسادها الامتناع من عبادة ربها لأنها خلقت للعبادة فإذا امتنع عنها خرجت عن كونها منتفعًا بها وليس معنى المتقي إلا ذلك. وتعقبه صاحب الكشف بأن الأول تقييد بلا دليل والثاني هو الذي يسعى له المعتزلي، وقال الفاضل الخفاجي: إما أن يراد بالعاقبة المحمودة على وجه الكمال أو يراد بالمتقي المتقي ما لا يرضاه الله تعالى مثل حال قارون بقرينة المقام، والنصوص الدالة على أن غير الكفار لا يخلد في النار فلا وجه للقول بأن ذلك تقييد بلا دليل مع أن مبنى الاستدلال على أن اللام للتخصيص وهو ممنوع، وقال بعض في الجواب على تقدير إرادة العموم في علوًا وفسادًا: إن المراد من جعل الجنة للذين لا يريدون شيأ منهما تمكينهم منها أتم تمكين نحو قولك: جعل السلطان بلد كذا لفلان وذلك لا ينافي أن يدخلها غيرهم من مرتكب الكبيرة ويكون فيها نزلة دون منزلتهم، ولعله إنما دخلها بشفاعة بعض منهم، وقريب منه ما قيل: إن جعلها لهم باعتبار أنهم أهلها الأولون وملوكها السابقون وغيرهم إنما يرد عليهم وينزل بهم؛ ويقال في قوله تعالى: {والعاقبة لِلْمُتَّقِينَ} نحو ما مر آنفًا عن الخفاجي. بقي في الآية كلام آخر، وهوان بعضهم استدل بها على عدم وجود الجنة اليوم بناء على أن معني {نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لاَ يُرِيدُونَ} إلخ نخلقها في المستقبل لأجلهم، وأجيب بأنه يحتمل أن يكون الجعل متعديًا إلى مفعولين ثانيهما {لِلَّذِينَ لاَ يُرِيدُونَ} إلخ فيصير المعنى نجعلها كائنة وحاصلة لهم في الزمان المستقبل فتفيد الآية أن جعلها كائنة لهم غير حاصل الآن لا جعلها نفسها وهو محل النزاع، ودفع بأن المتبادر من جعل الدار كائنة لزيد تمكينه وعدم منعه من التمكن فيها سواء حصل له التمكن فيها أو لم يحصل، فمعنى {نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ} إلخ نمكنهم في الاستقبال من التمكن فيها، ولا يخفى ركاكته لأن التمكين من التمكن فيها لازم لوجودها غير منفك عنها على ما يدل عليه قوله تعالى: {أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} [آل عمران: 133] فلا يمكن أن تكون نفس اجلنة الآن ويكون جعلها كائنة لهم في الاستقبال، وحمل الجعل على التمكن بالفعل والتميكن من التمكن وإن كان لازمًا لوجود الجنة لكن التمكن فيها بالفعل غير لازم بل يكون فيما سيجيء عدول عن المتبادر فإن المتبادر من قولك: جعلت الدار لزيد تمكينه من التمكن فيها لا جعل زيد متمكنًا فيها بالفعل فتدبر ذلك كله.

.تفسير الآية رقم (84):

{مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (84)}
{مَن جَاء بالحسنة فَلَهُ} قابلتها {خَيْرٌ مّنْهَا} ذاتًا ووصفًا وقدرًا على ما قيل، وجوز كون {خَيْرٌ} واحد الخيور وليس بأفعل التفضيل و{مِنْ} سببية أي فله خير بسبب فعلها وهو خلاف الظاهر، وقد تقدم الكلام في ذلك {وَمَن جَاء بالسيئة فَلاَ يَجْزِى الذين عَمِلُواْ السيئات} وضع فيه الموصول والظاهر موضع الضمير لتهجين حال المسيئين بتكرير إسناد السيئة إليهم، وفي جمع السيئات دون الحسنة قيل إشارة إلى قلة المحسنين وكثرة المسيئين، وقد يقال: إنه إشارة إلى أن ضم السيئة إلى السيئة لا يزيد جزاءها بل جزائها إذا انفردت مثل جزائها إذا انضم إليها غيرها وأن عدم ضم الحسنة إلى الحسنة لا يؤثر في مقابلتها بما هو خير منها، ولعل قلة المحسنين يفهم من عدم اعتبار الجمعية في {مِنْ} في قوله تعالى: {مَن جَاء بالحسنة فَلَهُ خَيْرٌ مّنْهَا} وكثرة المسيئين تفهم من اعتبار الجمعية فيها إذ الموصول قائم مقام ضميرها في قوله تعالى: {وَمَن جَاء بالسيئة فَلاَ يَجْزِى الذين عَمِلُواْ السيئات} {إِلاَّ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} أي إلا مثل ما كانوا يعملون فحذف المثل وأقيم مقامه ما كانوا يعملون مبالغة في المماقلة، وهذا لطف منه عز وجل إذ ضاعف الحسنة ولم يرض بزيادة جزاء السيئة مقدار ذرة، وقيل: لا حاجة إلى اعتبار المضاف فإن أعمالهم أنفسها تظهر يوم القيامة في صورة ما يعذبون به، ولا يخفى ما فيه، وفي ذكر عملوا ثانيًا دون جاؤوا إشارة إلى أن ما يجزون عليه ما كان عن قصد لأن العمل يخصه كما قال الراغب، وفي التفسير الكبير للإمام الرازي في أثناء الكلام على تفسير قوله تعالى: {أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أصحاب الكهف والرقيم} [الكهف: 9] الآية أن في التعبير بجاء دون عمل بأن يقال: من عمل الحسنة فله خير منها ومن عمل السيئة إلخ دلالة على أن استحقاق الثواب أي والعقاستفاد من الخاتمة لا من أول العمل، ويؤكد ذلك أنه لو مضي عمره في الكفر ثم أسلم في آخر الأمر كان من أهل الثواب وبالضد، ولا يخلو عن حسن، ولعل نكتة التعبير بعملوا ثانيًا تتأتى عليه أيضًا.
وفي قوله تعالى: {فَلا يَجْزِى} إلخ دون فللذين عملوا السيئات ما كانوا يعملون أو فما للذين عملوا السيئات إلا ما كانوا يعملون إشارة إلى أنه قد يحصل العفو عن العقاب، ولله تعالى در التنزيل ما أكثر أسراره، واستشكل ما تدل عليه الآية من أن جزاء السيئة مثلها بأن من كفر فمات على الكفر يعذب عذاب الأبد، وأين هو من كفر ساعة؟ وأجيب بأن أمر المماثلة مجهول لنا لاسيما على القول بنفي الحسن والقبح العقليين للأفعال، وقصارى ما نعلم أن الله تعالى جعل لكل ذنب جزاء أخبر عز وجل أنه مماثل له، وقد أخبر سبحانه أن جزاء الكفر عذاب الأبد فنؤمن به وبأنه مما تقتضيه الحكمة وما علينا إذا لم نعلم جهة المماثلة ووجه الحكمة فيه، وكذا يقال في الذنوب التي شرع الله تعالى لها حدودًا في الدنيا كالزنا وشرب الخمر وقذف المصن وحدودها التي شرعها جل شأنه لها فإنا لا نعلم وجه تخصيص كل ذنب منها بحد مخصوص من تلك الحدود المختلفة لكنا نجزم بأن ذلك لا يخلو عن الحكمة، وأجاب الإمام عن مسألة الكفر وعذاب الأبد بأن ذلك لأن الكافر كان عازمًا أنه لو عاش إلا الأبد لبقي على ذلك الكفر، وقيل: في وجه تعذيب الكافر أبد الآباد إن جزاء المعصية يتفاوت حسبل تفاوت عظمة المعصى فكلما كان المعصى أعظم كان الجزاء أعظم، فحيث كان الكفر معصية من لا تتناهي عظمته جل شأنه كان جزاؤه غير متناع، وقياس ذلك أن يكون جزاء كل معصية كذلك إلا أنه لم يكن كذلك فيما عدا الكفر فضلًا منه تعالى شأنه لمكان الإيمان، وقيل أيضًا: إن كل كفر قولًا كان أو فعلا يعود إلى نسبة النقص إليه عز وجل المانفي لوجوب الوجود المقتضى لوجوده سبحانه أزلا وأبدًا وإذا توهم هناك زمان ممتد كان غير متناه فحيث كان الكفر مستلزمًا نفي وجوده تعالى شأنه فيما لا يتناهى كان جزاؤه غير متناه ولا كذلك سائر المعاصي فتدبر.

.تفسير الآية رقم (85):

{إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآَنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جَاءَ بِالْهُدَى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (85)}
{إِنَّ الذي فَرَضَ عَلَيْكَ القرءان} أي أوجب عليك العمل به كما روي عن عطاء. وعن مجاهد أي أعطاكه، وعن مقاتل وإليه ذهب الفراء. وأبو عبيدة أي أنزله عليك والمعول عليه ما تقدم.
{لَرَادُّكَ إلى مَعَادٍ} أي إلى محل عظيم القدر اعتدت به وألفته على أنه من العادة لا من العود، وهو كما في صحيح البخاري، وأخرجه ابن أبي شيبة. وعبد بن حميد. والنسائي. وابن جرير. وابن المنذر. وابن أبي حاتم. وابن مردويه. والبيهقي في الدلائل من طرق عن ابن عباس مكة، وروي ذلك أيضًا عن مجاهد. والضحاك. وجوز أن يكون من العود، والمراد به مكة أيضًا بناء على ما في مجمع البيان عن القتيبي أن معاد الرجل بلده لأنه يتصرف في البلاد ثم يعود إليه، وقد يقال: أطلق المعاد على مكة لأن العرب كانت تعود إليها في كل سنة لمكان البيت فيها، وهذا وعد منه عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم وهو كة أنه عليه الصلاة والسلام يهاجر منها ويعود إليها، وروي عن غير واحد أن الآية نزلت بالجحفة بعد أن خرج صلى الله عليه وسلم من مكة مهاجرًا واشتاق إليها، ووجه ارتباطها بما تقدمها تضمنها الوعد بالعاقبة الحسنى في الدنيا كما تضمن ما قبلها الوعد بالعاقبة الحسنى في الآخرة.
وقيل: إنه تعالى لما ذكر من قصة موسى عليه السلام وقومه مع قارون وبيعه واستطالته عليهم وهلاكه ونصرة أهل الحق عليه ما ذكر ذكر جل شأنه هنا ما يتضمن قصة سيدنا صلوات الله تعالى وسلامه عليه وأصحابه مع قومه واستطالتهم عليه وإخراجهم إياه من مسقط رأسه ثم اعزازه عليه الصلاة والسلام بالإعادة إلى مكة وفتحه إياها منصورًا مكرمًا ووسط سبحانه بينهما ما هو كالتخلص من الأول إلى الثاني.
وأخرج الحاكم في التاريخ. والديلمي عن عي كرم الله تعالى وجهه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه فسر المعاد بالجنة، وأخرج تفسيره بها ابن أبي سيبة. والبخاري في تاريخه. وأبو يعلى. وابن المنذر عن أبي سعيد الخدري. وأخرجه ابن جرير. وابن المنذر. وابن أبي حاتم. والطبراني. وابن مردويه عن ابن عباس، والتنكير عليه للتعظيم أيضًا، ووجه ارتباطا الآية بما قبلها أنها كالتصريح ببعض ما تضمنه ذلك.
واستشكل رده عليه الصلاة والسلام إلى الجنة من حيث إنه يقتضي سابقية كونه صلى الله عليه وسلم فيها مع أنه عليه الصلاة والسلام لم يكن فيها.
وأجيب بالتزام السابقية المذكورة ويكفي فيها كونه صلى الله عليه وسلم فيها بالقوة إذ كان في ظهر آدم عليهما الصلاة والسلام حين كان فيها، وقيل: إنه صلى الله عليه وسلم لما كان مستعدًا لها من قبل كان كأنه كان فيها فالسابقية باعتبار ذلك الاستعداد على نحو ما قيل في قوله تعالى في الكفار: {ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لإِلَى الجحيم} [الصافات: 68] ولا يخفى ما في كلا القولين من البعد، وقريب منهما ما قيل: إن ذلك باعتبار أنه عليه الصلاة والسلام دخلها ليلة المعراج، وقد يقال: إن تفسيره بالجنة بيان لبعض ما يشعر به المعاد بأن يكون عبارة عن المحشر فقد صار كالحقيقة فيه لأنه ابتداء العود إلى الحياة التي كان المعاد عليها وجعله عظيمًا كما يشعر به التنوين لعظمة ماله صلى الله عليه وسلم فيه ومنه الجنة، فالمعاد بواسطة تنوينه الدال على التعظيم يشعر بالجنة لأنها الحاوية مما أعد له صلى الله عليه وسلم من الأمور العظيمة ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، وقريب من تفسيره بالمحشر تفسيره بالآخرة كما أخرج ذلك عبد بن حميد. وابن مردويه، عن أبي سعيد الخدري، وتفسيره بيوم القيامة كما أخرجه ابن أبي حاتم عن ابن عباس. وعبد بن حميد عن عكرمة إلا أنه على ما ذكر اسم زمان، وعلى ما تقدم اسم مكان.
ومما يشعر بأنه ليس المراد مجرد الرد إلى المحشر أو الآخرة أو يوم القيامة ما أخرجه الفريابي. وعبد بن حميد. وابن المنذر. وابن أبي حاتم عن مجاهد أنه قال في الآية: إن له معادًا يبعثه الله تعالى يوم القيامة ثم يدخله الجنة. ويتخرج على نحو ما قلنا تفسيره بالمقام المحمود وهو مقام الشفاعة العظمى يوم القيامة.
وجاء في رواية أخرى رواها عبد بن حميد. وابن مردويه عن ابن عباس. وأبي سعيد الخدري أيضًا تفسيره بالموت، ورواها معهما عن الحبر. الفريابي. وابن أبي حاتم. والطبراني، وكونه معادًا لقوله تعالى: {وَكُنتُ أمواتا فأحياكم} [البقرة: 28] ولعل تعظيمه باعتبار أنه باب لوصوله صلى الله عليه وسلم إلى ما أعد الله عز وجل له من المقام المحمود والمنزلة العليا في الجنة إلى ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، وجل المقصود ما أشعر به التعظيم. وأخرج ابن أبي حاتم عن نعيم القاري أنه فسره ببيت المقدس. وكأن إطلاق المعاد عليه باعتبار أنه صلى الله عليه وسلم أسري به إليه ليلة المعراج، والوعد برده عليه الصلاة والسلام إليه وعد له بالإسراء إليه مرة أخرى أو باعتبار أن أرضه أرض المحشر فالمراد بالرد إليه الرد إلى المحشر، وهذا غاية ما يقال في توجيه ذلك. فإن قبل فذاك وإلا فالأمر إليك؛ وكأني بك تختار ما في صحيح البخاري ورواه الجماعة الذين تقدم ذكرهم عن ابن عباس من أنه مكة. ورا يخطر بالبال أن يراد بالمعاد الأمر المحبوب بنوع تجوز ويجعل بحيث يشمل مكة والجنة وغيرهما مما هو محبوب لديه صلى الله عليه وسلم، ويراد برده عليه الصلاة والسلام إلى الأمر المحبوب إيصاله إليه مرة بعد أخرى فالرد هنا مثله في قوله تعالى: {فَرَدُّواْ أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ} [إبراهيم: 9] وعليه يهون أمر اختلاف الروايات التي سمعتها في ذلك فتدبر.
{قُل رَّبّى أَعْلَمُ مَن جَاء بالهدى} يريد بذلك نفسه صلى الله عليه وسلم وبقوله سبحانه: {وَمَنْ هُوَ فِي ضلال مُّبِينٍ} المشركين الذين بعث إليهم صلى الله عليه وسلم و{مِنْ} منتصب بفعل يدل عليه أعلم لا بأعلم لأن أفعل لا ينصب المفعول به في المشهور أي يعلم من جاء إلخ، وأجاز بعضهم أن يكون منصوبًا بأعلم على أنه عنى عالم، والمراد أنه عز وجل يجازي كلًا ممن جاء بالهدى ومن هو في ضلال على عمله، والجملة تقرير لقوله تعالى: {إِنَّ الذي فَرَضَ عَلَيْكَ القرءان} إلخ. وفي معالم التنزيل هذا جواب لكفار مكة لما قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم إنك في ضلال، ولعله لهذا وكون السبب فيه مجيئه عليه الصلاة والسلام إليهم بالهدى قيل: في جانبه صلى الله عليه وسلم من جاء بالهدى وفي جانبهم من هو في ضلال مبين، ولم يؤت بهما على طرز واحد.